يُقتَل
لتحريمه الاستغاثة برسول الله
موقف العلماء السنّة من عقيدة ابن تيميّة
الحرّاني
ـــــــــــــــــــــ
العلامة الراحل السيد محسن الأمين* ـــــــــــــــــــــ
اِعلم
أنّ الوهّابيّة ومؤسّس دعوتهم «محمّد بن عبد الوهّاب»، وباذر بذورها «أحمد بن تيميّة»،
وتلميذه «ابن القيِّم» وأتباعهم ادّعوا أنهم موحّدون، وأنّهم باعتقاداتهم التي
خالفوا بها جميع المسلمين حموا جناب التوحيد عن أن يتطرّق إليه شيءٌ من الشِّرك.
ولكنّ الحقيقة أنّ «ابن تيميّة» و«ابن عبد الوهّاب» وأتباعهما قد أباحوا حِمى
التوحيد وهتكوا ستوره وخرّبوا حجابه ونَسَبوا إلى الله تعالى ما لا يليق بقُدس
جلاله، تقدّس وتعالى عما يقولُ الظّالمون علوّاً كبيراً.
فأثبتوا
لله تعالى جهةَ الفوق والاستواء على العرش الذي هو فوق السماوات والأرض، والنزول
إلى سماء الدنيا، والمجيء والقرب وغير ذلك بمعانيها الحقيقيّة.
وأثبتوا
له تعالى الوجه واليدَين؛ اليد اليمنى واليد الشّمال، والأصابع والكفّ والعينين؛
كلّها بمعانيها الحقيقيّة دون تأويل، وهو تجسيمٌ صريح.
وحملوا
ألفاظ الصّفات على معانيها الحقيقيّة؛ فأثبتوا لله تعالى المحبّة والرحمة والرّضا
والغضب وغير ذلك بمعانيها الحقيقيّة من غير تأويل، وأنه تعالى يتكلّم بحرفٍ وصوت،
فجعلوا الله تعالى محلاً للحوادث، وهو يستلزم الحدوث كما بُيِّن في محلّه من علم
الكلام.
ابن
تيميّة منافق بدلالة الحديث النبويّ
أما
«ابن تيميّة» فقال بالجهة والتجسيم والاستواء على العرش حقيقةً، والتكلّم بحرف وصوت.
وهو أول مَن زقا بهذا القول وصنّف فيه رسائل مستقلّة كـ(العقيدة الحمويّة) و(الواسطيّة)
وغيرهما، واقتفاه في ذلك تلميذاه «ابن القيِّم الجوزيّة» و«ابن عبد الهادي»
وأتباعهم، ولذلك حكم علماء عصره بضلاله وكفره، وألزموا السلطانَ بقتله أو حَبْسِه،
فأُخذ إلى مصر ونُوظر فحَكموا بحبسه فحُبس، وذهبت نفسه محبوساً بعدما أظهر التوبة،
ثمّ نكث!
ونحن
ننقل ما حكوه عنه في ذلك وما قالوه في حقّه لتعلم ما هي قيمة «ابن تيميّة» عند
العلماء:
قال
أحمد بن حجر الهيتميّ المكّيّ الشافعيّ صاحب (الصواعق) في كتابه (الجوهر المنظّم
في زيارة القبر المكرّم) في جملة كلامه الآتي في فصل الزيارة: «إن ابن تيميّة
تجاوز إلى الجناب المقدّس وخرق سياج عظَمته بما أظهره للعامّة على المنابر من دعوى
الجهة والتجسيم..». إلخ.
وقال
ابن حجر أيضاً في (الدُّرر الكامنة) على ما حُكي: «أنّ الناس افترقت في ابن تيميّة؛
فمنهم مَن نسبه إلى التجسيم لما ذكره في (العقيدة الحمويّة) و(الواسطيّة) وغيرهما
من ذلك بقوله: (إن اليد والقدم والساق والوجه صفاتٌ حقيقيّة لله، وإنه مُستَوٍ على
العرش بذاته)!
فقيل له: (يلزم من ذلك التحيّز والانقسام).
فقال:
(أنا لا أسلّم أنّ التحيز والانقسام من خواصّ الأجسام). فأُلزم بأنه يقول بالتحيّز
في ذات الله.
ومنهم
مَن ينسبه إلى الزندقة لقوله: (إنّ النبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم لا يُستغاث
به)، وإن في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم.
وكان أشدّ الناس عليه في ذلك «النور البكريّ»؛ فإنه لما عقد له المجلس بسبب ذلك قال
بعض الحاضرين: (يُعزَّر)، فقال البكريّ: (لا معنى لهذا القول؛ فإنه إنْ كان تنقيصاً
يُقتل، وإن لم يكن تنقيصاً لا يُعزَّر).
ومنهم
من ينسبه إلى النفاق؛ (لتطاوله على أمير المؤمنين عليه السلام)، ولقوله : (أبو بكر
أسلم شيخاً يدري ما يقول، وعليّ أسلم صبيّاً؛ والصبيّ لا يصحّ إسلامه على قول)!..
فألزموه بالنفاق لقوله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: (لا يُبْغِضُكَ إلا مُنافِقٌ)...
وكان
إذا حُوقِقَ وأُلزِمَ يقول: (لم أُرِدْ هذا، إنّما أردتُ كذا)، فيذكر احتمالاً بعيداً».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
(كشف الارتياب: ص 119 – 121، مختصر)