كتابة
التاريخ وفق منهج أهل الجَرح والتعديل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حسن بن فرحان المالكي* ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يا أصحاب الحديث! أنقِذوا
التاريخ الإسلاميّ. لا تُنقذوه من تلفيقات المستشرقين وأذنابهم من المستغربين، بل من
بعض المؤرّخين الإسلاميّين الذين دخلوا ميدان التحقيق العلمي للتاريخ بلا سلاح،
ورفعوا لواء «إعادة كتابة التاريخ الإسلامي» وهم يفتقدون أبسط أركان التحقيق
العلمي.
يا علماء الحديث: لقد سئمنا من الردود على المؤرّخين
المستغربين الذين يؤرّخون بأقلامهم ما تُمليه أهواؤهم وعقولهم، فإنّ هؤلاء -
المستغربين - لن يجدوا عند المسلمين إلا آذاناً صمّاء وأعيناً عمياء، والقارئ
المسلم الواعي لن ينجرف في تياراتهم ولن تخدعه ترّهاتهم، فقد طُويت دونهم الكشوح
منذ زمن، فلم تعد أباطيلهم تنطلي على أحد ولا تستميل ذا لبّ.
ولكن الأنكى والأمَرّ عندما يُؤتى من مأمنه الحَذِر،
فقد نشأ في زمننا الحاضر كثيرٌ من المؤرّخين الإسلاميّين الذين يريدون تنقية تاريخنا
الإسلامي من الشوائب، فأتوا بالعجائب، وطمسوا الحقائق، وأدخلوا أنفسهم في علم
الحديث تصحيحاً وتضعيفاً!
ضَعّفوا الثقات، ووثّقوا الهالكين، وأحجموا أنفسهم
بين رفض النقل، وتحكيم العقل، وفتحوا بذلك شرخاً عميقاً في منهج أهل الحديث -
ولهذا جئتُ مستنجداً - فإنْ لم يتدارك هذا الأمر أهلُ الاختصاص فسيؤول بنا الأمر
إلى رفض هؤلاء المؤرّخين - ومَن سار في ركْبهم - للمنهج الذي وصلَنا عن طريقه كتاب
الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وقد بدتْ بوادر هذه المجازفات
فرأينا في هذه الأيام من الأساتذة المؤرّخين أو تلاميذهم مَن يتلاعبون بتاريخنا
الإسلامي، فيصحّحون الضعيف، ويضعّفون المتواتر! لأن العقل - بزعمهم - يعقل هذا ولا
يعقل ذاك، مع ادّعائهم بأنهم رجال ثغور التاريخ، وأنه يقع على عواتقهم تنقية هذا
التاربخ، وإعادة كتابته وتصحيحه وإخراجه «خالصاً سائغاً للشاربين»!
فإذا حاولت أن تبحث عن منهجهم وجدته «يعقل، ولا
يعقل» و «ممكن، ولا أظن»، يبدأون تحقيقاتهم بـ«لست أدري، وممّا يُخيَّل إليَّ»
لكنهم ينتهون بـ«من المؤكّد»، وبفعلهم هذا يكونون قد هدموا ما بناه المحدِّثون منذ
القرون الأولى، مع أنهم – أي المؤرّخون - يتّفقون نظرياً مع أهل الحديث في أن أفضل
منهج لكتابة التاريخ الإسلامي هو منهج أهل الجَرح والتعديل، وأن هذا المنهج هو
المعيار الحقيقي لقبول الخبر أو ردّه. وهذه حقيقة لا جدال فيها ولا يشكّ فيها منصف،
لكنّ المؤرّخين الإسلاميّين هم أبعد الناس عن هذا المنهج عن التطبيق العملي
الواقعي - مع اعترافهم به نظريّاً. ومؤلّفاتهم شاهدة تنضح بما ذكرتُ من تناقضاتهم،
فهم يدعون إلى تطبيق منهج المحدّثين، وبدعوتهم هذه يكونون قد جعلوا على مؤلّفاتهم
صبغةَ أهل الحديث ظاهريّاً، بينما الحقّ والواقع يقرّران أن هذه المؤلّفات يتمشّى
الزور في مناكبها والباطل في جوانبها، لا ترفع حجاباً من باطل، ولا تملك إقناعاً
لسائل..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* باحث حجازي، والنصّ من مقدمة كتابه (نحو إنقاذ
التاريخ الإسلامي)