«الإملاء» كيدُ الله المتين
أعظم بلاء الدنيا، وأشدّ عذاب الآخرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«الإملاء» بمعنى الإمهال، وهو من المصطلحات القرآنية التي وردت اشتقاقاتها في عدّة آياتٍ من الذكر الحكيم. وفي جميعها، نُسب الفعل إلى الله؛ فهو تبارك وتعالى يُملي للكافرين، وللقرية الظالمة، وللمكذّبين بآياته...
* في (لسان العرب) لابن منظور ،مادّة (ملا): «الملاوةُ، بالفتح، والضم، والكسر: مدَّة العيش.
- وأَمْلى اللهُ له: أَمْهلَه وطوَّلَ له.
- الإِمْلاء: الإِمْهالُ، والتأْخير، وإِطالةُ العُمُر، وتملّى إخوانه: مُتِّع بهم».
(المصدر:15/290)
«الإملاء» في القرآن الكريم
من الآيات القرآنية التي ورد فيها الكلام على إملاء الله، أو إمهاله لطائفة من الناس:
أ) الآية 178 من سورة (آل عمران)، وهي قوله تعالى:
﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾.
يقول العلامة السيد محمّد حسين الطباطبائي في تفسير هذه الآية، ما ملخّصه: «إنّ الإملاء والإمهال الإلهيّ سَوقٌ للكافرين بالاستدراج إلى زيادة الإثم، ووراء ذلك عذابٌ مُهين، ليس معه إلا الهوان. كلّ ذلك بمقتضى سنّة التكميل».
ب) والآية 183 من سورة (الأعراف)، تتميماً لما قبلها:
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾.
قال العلامة الطباطبائي، مفسّراً لآيتَي (الأعراف): «قوله تعالى: ﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾: تعليلٌ لمجموع ما في الآيتين.
وفي قوله سبحانه: ﴿وَأُمْلِي﴾ بعد قوله ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ﴾، تحوّلٌ من التكلّم مع الغير إلى التكلّم وحدَه عزّ وجلّ، للدلالة على مزيد العناية بحرمانهم من الرحمة الإلهية، وإيرادهم مورد الهلَكة».
أضاف رضوان الله عليه في (تفسير الميزان): «الإملاء هو إمهالُهم إلى أجلٍ مسمّى، فيكون في معنى قوله تعالى: ﴿..وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ..﴾. وهذه الكلمة هي قوله لآدم عليه السلام حين إهباطه إلى الأرض: ﴿..وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾، وهذا هو القضاء الإلهيّ، والقضاء مختصّ به تعالى لا يشاركه فيه غيره، وهذا بخلاف «الاستدراج»، الذي هو إيصال النعمة بعد النعمة وتجديدها، فإنّها نِعَمٌ إلهية مُفاضة بالوسائط من الملائكة و«الأمر»، فلهذا السبب جيء في الاستدراج بصيغة المتكلّم مع الغير، وتبدّل ذلك في الإملاء، وفي الكيد، الذي هو أمرٌ متحصّل من الاستدراج والإملاء، إلى لفظ المتكلّم وحده».
(المصدر:4/79؛ 8/347)
في روايات المعصومين عليهم السلام
* رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال: «ما ابتلَى اللهُ أحداً بمثلِ الإملاءِ له».
*عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: «أملى اللهُ عزّ وجلّ لفرعونَ ما بين الكلمتَين، قولِه: ﴿..أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾، وقولِه: ﴿..مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي..﴾، أربعين سنة، ثمّ أخذَه اللهُ نَكال الآخرة والأولى...».
* وعن الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام: «..وَاللهِ ما عذَّبَ اللهُ بشيءٍ أشدَّ من الإملاء..».