8 شوّال: يوم البقيع العالمي
96 عاماً على جريمة آل سعود بهدم قباب آل الوحي
يوم الثلاثاء، 8 شوال 1344 هجرية، (20 نيسان 1926م)، هو اليوم المشؤوم الذي أقدم فيه يهود الحجاز على هدم القباب والمقامات المشيّدة فوق أضرحة الأئمّة من آل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله، المدفونين في بقيع الغرقد من المدينة المنوّرة، على ساكنها آلاف التحية والسلام.
ثمّ عكفوا على قبّة الحرم النبويّ الشريف لهدمها، تسكيناً لحقدٍ يهوديّ أمويّ دفين، فكادوا لولا أن الله تعالى تدارك بلطفه ورحمته أمة نبيّه.
وردّاً على التعتيم الإعلامي السعودي والغربي على هذه الجريمة التي تمسّ مشاعر الموحّدين في أرجاء المعمورة، بادر الموالون في غير بلد إسلاميّ، إلى إعلان يوم الثامن من شوال، كلّ عام، يوماً عالمياً للبقيع، تُنظّم فيه المسيرات والمؤتمرات والنشاطات الإعلامية التي تذكّر بمظلومية الأئمة من آل بيت رسول الله، وتُطالب بإعادة إعمار تلك البيوت التي أذن الله تعالى أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه.
وقد شمل الهدم، فضلاً عن مقامات أئمة المسلمين في البقيع -الحسن المجتبى السّبط بن عليّ أمير المؤمنين، وعليّ بن الحسين زين العابدين، ومحمّد بن عليّ الباقر، وجعفر بن محمّد الصادق صلوات الله عليهم أجمعين:
- مقبرة شهداء أحد، ومسجد عمّ النبيّ حمزة سيد الشهداء ومزاره.
- مقبرة المعلّى في مكّة المكرّمة، وفيها قباب أم المؤمنين السيدة خديجة، وجدّ الرسول عبد المطلب، وعمّه أبي طالب عليهم السلام.
- البيت الذي وُلد فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكذلك البيت الذي ولدت فيه السيدة فاطمة عليها السلام.
وقد جاءت هذه الجريمة سنة 1344 هجرية، نسخة موسّعة عن مثيلتها سنة 1221، عندما استولى آل سعود على الحرمين الشريفين لفترة وجيزة وهدموا ما وسعهم من آثار النبوة والوحي.
يوثّق المؤرّخ العثماني أيوب صبري باشا، المتوفّى (سنة 1890)، في كتابه القيّم (تاريخ الوهابية) مشاهد من جريمة السعوديّين الأولى في حاضرة الحجاز، فيقول:
«..وأخذ سعود جيشه، وتوجّهوا إلى مكة المكرمة... وأمر بهدم القباب والأضرحة الموجودة في مكة وتخريبها. وبهذا دلّل على فساده وبغيه. فالوهّابيون يقولون إنّ أهالي الحرمَين الشريفين يعبدون القباب والقبور من دون الله تعالى..».
ثمّ يسرد أيوب باشا تسعة بنود، شرطها سعود على أهالي المدينة المنوّرة، يعصمون بها دماءهم من فتكه، ومن هذه الشروط:
- الاعتقاد بالتوحيد والنبوّة وفق مذهب محمّد بن عبد الوهّاب.
- التصديق بأن ابن عبد الوهّاب «ملهَم من الله الرحمن»، و«مجدد للدّين والمذهب».
- هدم كافّة القبور والأضرحة، سواء في داخل المدينة المنوّرة أو في نواحيها وأطرافها وإزالتها، سواء كانت عليها قبّة أو لا قبّة عليها.
- الدسيسة على الذين يأبون الدخول في الوهابية.
يضيف أيوب باشا: «بعد أن وافق الناس على شروط سعود أوكلَ أمر تخريب القباب والمراقد إلى الناس أنفسهم، وحيث كان الناس في حصار اقتصادي شديد، وكانوا يعانون من شتّى أنواع الظلم تقبّلوا هذا الأمر وأقدموا على تنفيذه... وكان من جملة أوامر سعود أن يقوم خادم الضريح بهدم قبّته، ولهذا بادر خدّام الأضرحة طوعاً أو كرهاً بهدم القباب التي تعلوها.
ولكن خدّام ضريح سيّدنا حمزة، اعتذروا لسعود بقولهم: نحن ضعاف وكبار في السنّ ونعجز عن هدم هذه القبة الشريفة، فتوجّه بنفسه ومعه خاصّة عبيده لهدم ذلك الضريح بالذات...».
وكتب أيوب صبري باشا في موضع آخر من كتابه: «انتقل سعود إلى المحكمة الشرعية، وأعطى أوامره بالإغارة على الحجرة النبوية الشريفة وخزينتها، ونهب كلّ ما كان فيها من الذهب والمجوهرات والأشياء الثمينة، ثمّ أمر بهدم ما بقي من القباب التي لم تُهدَم، ولكنّه أبقى القبّة النبوية الخضراء في حالة خراب (نتيجة إطلاق الرصاص عليها)، بعد أن استعطفه الأهالي بتركها.
ثمّ أمر بجمع أهالي المدينة المنوّرة كلّهم في المسجد النبويّ الشريف، وبدأ يخطب فيهم، فقال: ومن غير المشروع في مذهبنا أن تقوموا -كما في السابق- بالوقوف أمام القبر النبويّ، وتعظّموه، وتصلّوا وتسلّموا عليه. فهذه الأفعال القبيحة من البِدع غير المستحسنة، وهي محرّمة في الدين.
ومن الواجب على مَن يمرّ من أمام القبر، أن يعبر بدون توقّف، وفي أثناء مروره يسلّم ويقول: (السلام على محمّد)، وهذا الاحترام والرعاية كافية»!
البقيع في السيرة النبوية
روى الطبراني في (الكبير)، ومحمّد بن سنجر في (مسنده)، وابن شبّة في (أخبار المدينة)، عن أم قيس بنت محصن، أنها خرجت مع النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى البقيع، فقال: «يُحشَرُ من هذه المقبرة سبعون ألفاً؛ يدخلون الجنّة بغير حساب، وكأنّ وجوهَهم القمرُ ليلةَ البدر...»
وروى ابن شبّة، عن أبي موهبة مولى رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: أهبَّني رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم، من جوف الليل، فقال: «إني أُمرت أن أستغفر لأهل البقيع، فانطلق معي»، فانطلقتُ معه، فلما وقف بين أظهُرهم، قال: «السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهنَ لكم ما أصبحتُم فيه ممّا أصبح الناس فيه، أقبلَتِ الفِتنُ كَقِطَعِ اللّيل المظلِم، يتبع آخرُها أولّها، الآخرة شرٌّ من الأولى».
ثم استغفر لهم طويلاً، ثم قال: «يا أبا موهبة، إني قد أُوتيتُ مفاتيحَ خزائنِ الدنيا والخُلدَ فيها، فخُيّرت بين ذلك وبين لقاء ربّي ثمّ الجنة».
قلت: بأبي وأمي، خذْ مفاتيح خزائن الدنيا والخُلد فيها ثمّ الجنّة، قال: «لا والله يا أبا موهبة، لقد اخترتُ لقاءَ ربّي ثمّ الجنّة».
ثم رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فبدأ به وجعُه الذي قُبض فيه.
التكفير وهدم البقيع
يشير الإمام الخامنئي في خطابٍ له إلى وجه الشبه بين جريمة هدم الوهابيّين للبقيع، وإقدام التيار التكفيري في العالم العربي، لا سيما في سوريا والعراق، على تدمير مقامات الصحابة والتابعين والأولياء، فيقول:
«من المؤلم أن نجد بين صفوف المسلمين والأمّة الإسلاميّة مَن يزعم -وفق أفكاره القذرة المتحجّرة المتخلّفة الخرافيّة- أن تبجيل العظماء وشخصيّات صدر الإسلام البارزة والنورانيّة شركٌ بالله تعالى، ويعتبره كفراً! إنها لمصيبة حقّاً! هؤلاء (الجماعات التكفيرية في سوريا) هم نفس أولئك الذين هدم أسلافهم قبور الأئمّة عليهم السلام بالبقيع.
في ذلك الحين، انتفض العالم الإسلامي من شبه القارّة الهنديّة وحتى أفريقيا ضدّهم، ولو وجد هؤلاء في أنفسهم الجرأة لَهدموا قبر النبي صلّى الله عليه وآله، أيضاً، وسوّوه بالأرض»!