الموقع ما يزال قيد التجربة
طريق «موكب السبايا»
مشاهدُ حسينيّة بين كربلاء والشّام
قال العلّامة ابن شهراشوب المازندراني في (مناقب آل أبي طالب): «ومن مناقبه -أي الإمام الحسين عليه السلام- ما ظهرَ من المشاهد التي يُقال لها مشهد الرّأس [وغير ذلك من التسميات] من كربلاء إلى عسقلان، وما بينهما في الموصل ونَصيبين وحماه وحمص ودمشق وغير ذلك».
يتناول هذا التحقيق، التعريفَ بمشاهدَ شُيّدت في مواقعَ نزل فيها موكب سبايا آل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله، في طريقه من كربلاء إلى الكوفة (موقع واحد)، ومن ثمّ في الطريق من الكوفة إلى دمشق الشام ضمناً (ثمانية مواقع)، مع الإشارة إلى المشهد المشيّد في مدينة عسقلان في فلسطين. تلي ذلك، وقفة موجزة مع كيفيّة دخول الموكب النبويّ إلى الشام.
وقد اعتُمد في إعداد هذا التحقيق -حصراً- على كتاب (نفَس المهموم في مصيبة سيّدنا الحسين المظلوم) للمحدّث الشيخ عبّاس القمّي قدّس سرّه، وعلى كتاب (موكب الأحزان: خريطة الطريق) للشيخ الدكتور جعفر المهاجر، الصادر سنة 2011 م، والذي يتناول المشاهد المشيّدة ما بين كربلاء والشام.
بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام في العاشر من المحرّم سنة 61 للهجرة (يوم الجمعة 9 تشرين أوّل 680 م) بقِي عمر بن سعد مع جيشه في كربلاء إلى الزّوال من اليوم الحادي عشر، ثمّ أمر بالخروج إلى الكوفة ومعه السبايا من نساء أهل البيت خاصّة، إذ أنّ القبائل والعشائر عملت على استنقاذ نسائها اللّواتي كنّ في عداد الرّكب الحسيني.
قال المحدّث الشيخ عباس القمّي قدّس سرّه في كتابه (نفَس المهموم): «ثمّ رحل [ابن سعد] بمَن تخلّف من عيال الحسين عليه السلام، وحمل نساءه صلوات الله عليه على أحلاس أقتاب الجمال بغير وِطاء، مكشّفات الوجوه بين الأعداء وهنّ ودائع الأنبياء، وساقوهنّ كما يُساق سبيُ الترك والروم في أشد المصائب والهموم.
وفي (كامل البهائي) للشيخ عماد الدين الطبري: أنّ حُرَمَ رسول الله كنّ عشرين نسوة، وكان لزين العابدين عليه السلام في ذلك اليوم اثنان وعشرون سنة، ولمحمد الباقر عليه السلام أربع، وكانا كلاهما في كربلاء فحفظهما الله تعالى».
وصل موكب السبايا إلى تخوم الكوفة ليل الثاني عشر من محرّم، فبات هناك، ولم يدخل المدينة، لِحِرْصِ عبيدالله بن زياد على أن يكون دخولهم إلى المدينة استعراضيّاً بالجُند والسلاح ومظاهر الزينة. والرّاجح أنّ الموضع الذي باتوا فيه هو الذي يُعرف اليوم «بمشهد الحنانة».
1- مشهد/ مسجد الحنانة: موقعه شمال شرق «النجف» على يسار الذاهب إلى «الكوفة». ومن الثابت أنّه كان قديماً عبارة عن «قائم»، أي نصب مبنيّ عموديّاً، في الموضع الذي أُودع فيه رأس الإمام الحسين عليه السلام قبل دخول موكب السبايا «الكوفة».
قال المحدّث القمّي في (نفس المهموم): وفي ظهر الكوفة عند «قائم» الغريّ مسجدٌ يُسمّى بالمسجد الحنانة، فيه يستحب زيارة الحسين عليه السلام، لأنّ رأسه عليه السلام وُضِع هناك.
قال المفيد والسيّد [ابن طاوس] والشهيد [الأوّل] في باب زيارة أمير المؤمنين صلوات الله عليه: فإذا بلغتَ العَلم -وهي الحنانة- فصلِّ هناك ركعتين. فقد روى محمد بن أبي عمير عن مفضل بن عمر قال: جازَ الصادق عليه السلام بالقائم المائل في طريق الغَريّ فصلّى ركعتين، فقِيل له: ما هذه الصلاة؟ فقال: هذا موضعُ رأس جدّي الحسين بن عليّ عليهما السلام، وضعوه هَهنا لمّا توجّهوا من كربلاء، ثمّ حملوه إلى عبيد الله بن زياد.
2- مشهد المُوصل: وهي مدينة في شمال «العراق» اليوم على شاطىء نهر دجلة. تبعد عن الكوفة زهاء 600 كلم. وكان فيها إلى القرن السابع للهجرة/ الثالث عشر للميلاد مشهدٌ يُسمّى «مشهد رأس الحسين»، «وكان [الرأس الشريف] به لمّا عبروا بالسبي» كما في (الإشارات) للهَروي.
قال في (نفَس المهموم): وأما مشهد الموصل ".." فإنّ القوم لمّا أرادوا أن يدخلوا الموصل أرسلوا إلى عامله أن يُهيّئ لهم الزاد والعلوفة وأن يزيّن لهم البلدة، فاتّفق أهل الموصل أن يهيّئوا لهم ما أرادوا وأن يستدعوا منهم أن لا يدخلوا البلدة، بل ينـزلون خارجها ويسيرون من غير أن يدخلوا فيها، فنـزلوا ظاهر البلد على فرسخٍ منها ووضعوا الرأس الشريف على صخرة، فقطرَت عليها قطرة دم من الرّأس المكرّم فصارت تنبع ويغلي منها الدم كلّ سنة في يوم عاشوراء، وكان الناس يجتمعون عندها من الأطراف ويُقيمون مراسم العزاء والمآتم في كلّ عاشوراء، وبقِي هذا إلى عبد الملك بن مروان فأمر بنقل الحجر فلم يُرَ بعد ذلك منه أثر، ولكن بنوا على ذلك المقام قبّة سمّوها مشهد النقطة.
وفي (الكامل البهائي): أنّ حاملي الرأس الشريف كانوا يخافون من قبائل العرب أن يخرجوا عليهم ويأخذوا الرّأس منهم،
فتركوا الطريق المعروف وأخذوا من غير الطريق لذلك، وكلّما وصلوا إلى قبيلةٍ طلبوا منهم العلوفة وقالوا معنا رأسُ خارجيّ.
3- مشاهد نَصيبين: وهي مدينة في «تركية اليوم»، على نهرٍ صغيرٍ بين نهرَي دجلة والفرات، يفصلُها عن مدينة «القامشلي» السوريّة خطّ الحدود، وفيها ثلاثة مشاهد:
أ- مسجد زين العابدين عليه السلام.
ب- مشهد الرّأس في أحد أسواقها، حيث عُلّق الرأس الشريف في طريق الموكب إلى الشام.
ت- مشهد النقطة، يُقال إنّه من دَم الرّأس هناك. قال في (نفَس المهموم): لمّا وصلوا إلى نَصيبين أمر منصور بنُ إلياس بتزيين البلدة، فزيّنوها بأكثر من ألف مرآة، فأراد الملعون الذي كان معه رأس الحسين عليه السلام أن يدخل البلد فلم يُطِعْه فرسه، فبدّله بفرس آخر فلم يُطِعه، وهكذا. فإذا بالرأس الشريف قد سقط إلى الأرض، فأخذه إبراهيم الموصلي فتأمل فيه فوجده رأس الحسين عليه السلام فلامهم ووبّخهم فقتله أهل الشام، ثمّ جعلوا الرأس في خارج البلد ولم يدخلوه به. قلت: ولعلّ مسقطَ الرأس الشريف صار مشهداً.
وبتاجِ فخري مَن له ختم العبا | مَن جدُّه أسنى الخلائق جاها |
أعني الحسينَ وذاك موضعُ رأسِه | لمّا به قصدوا يزيدَ سفاها |
قسماً لحتّى الآن مسكٌ عابقٌ | بمكانِه فينا يُؤجّج آها |
وفي (نفَس المهموم): في بعض الكتب [رياض الأحزان للمولى حسن القزويني] نقلاً عن بعض أرباب المقاتل أنّه قال: لمّا سافرتُ إلى الحجّ فوصلتُ إلى حماه رأيت بين بساتينها مسجداً يُسمّى مسجد الحسين عليه السلام. قال: فدخلتُ المسجد فرأيت في بعض عماراته سِتراً مسبلاً من جدار، فرفعتُه ورأيت حجراً منصوباً في جدار، وكان الحجر مؤرّباً فيه موضعُ عنقِ رأسٍ أثّر فيه، وكان عليه دمٌ متجمّد، فسألت من بعض خدّام المسجد ما هذا الحجر والأثر والدّم؟ فقال لي: هذا الحَجر موضع رأس الحسين عليه السلام، وضعَه القوم الذين ساروا به إلى دمشق، إلخ.
7- مشهد حمص: أوّل من أشار إلى وجود مشهد للإمام الحسين عليه السلام فيها هو ابن شهرآشوب المازندراني أيضاً. مكان المشهد اليوم في شارع أبي الهول بالمدينة القديمة. عُرف لمدّة بـ «الزاوية الحسنويّة»، وهو عبارة عن قطعة أرض موقوفة.
والأمر الذي كان معروفاً بين أهل المدينة حتّى وقتٍ غير بعيد أنّ الزاوية الحسنويّة كانت مِن قبلُ مشهداً للإمام الحسين عليه السلام، ثمّ عُرف المكان باسم «جامع عليّ والحسين»، ثمّ جُعل زاوية، وانتهى قطعة أرضٍ بور، محميّةٍ لما لها من صفة وقفيّة.
ويجدر هنا الإلفات إلى التغيّرات الجذريّة التي نزلت بالمدينة بعد أن حال أمرُ التشيُّع في شمال ووسط «سوريا» ومنها «حمص»، على يد العناصر العسكريّة القادمة من أطراف العالم الإسلامي، على موجة جهاد الصليبيّين. وكان من آثاره أن بدّل صفة الكثير من معالمها. وهذا منها.
8- مشهد بعلبك: وفيها مسجدٌ قديم خرِب، موقعه إلى جانب البركة المتكوّنة من نبع «رأس العين» المعروف. وما بقي منه يدلّ على ما كان عليه في الماضي من عَظَمة وجلال.
والمتداول بين أهل المدينة أنّ أصلَه مشهدٌ أُنشىء في المكان الذي نزله موكب السبايا القادم من «حمص» في طريقه إلى «دمشق». ومن الثابت المؤكّد أنّ الرّكب مرّ بـ «بعلبك» ونزلها، وأنّ أهل المدينة المضلّلين استقبلوه بمظاهر الزّينة والفرح. والمكان يتوفّر فيه الشّرط الذي يطلبه قادة الرّكب بكونه بعيداً عن البلد بحيث يمتنع أو يصعب على أهلها الاتّصال بالسبايا، وبالتالي معرفة هويّتهم الحقيقية.
9- مَشهدا دمشق:
1- «مشهد الرأس» وهو في بناءٍ مستقلّ، ملاصقٍ للجامع الأموي من شرقيّه، وقد بُني مؤخّراً بناءً متقناً وزُيّن من الداخل بهندسة إسلاميّة جميلة، وهو اليوم من المزارات المعروفة المقصودة. ذكرَه ابن عساكر في (تاريخ دمشق)، قال: «يُقال إنّ رأس الحسين بن عليّ عليه السلام وُضع به حين أُتي به إلى دمشق»، وذكره الهرَوي في (الإشارات) وسمّاه «مشهد الحسين وزين العابدين» فزاوجَ بينه وبين المشهد الآتي ذكرُه.
2- «مشهد زين العابدين» ومكانه ما بين المسجد الأموي و«مشهد الرّأس»، وله ذكرٌ عريض في تواريخ «دمشق»، وقد يُسمّى في بعضها القليل «مشهد عليّ بن الحسين». والظاهر أنّ تخصيص المشهد باسمه عليه السلام لأنّه كان يُشاهد فيه وهو يُصلّي أو يجلس، أثناء المدّة التي قضاها في «دمشق»، فكان أن أطلق أهلُ المدينة اسمَه على المكان بعد أن غادرها. ودلالة ذلك تُدهِش المتأمّل، إذ أنّها تكشف عن مودّةٍ مضمرةٍ تجاه أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله في قلب عاصمة الأمويّين.
10- مشهد عسقلان: وأمّا «مشهدُ عسقلان» الذي ذكرَه ابنُ شهراشوب، فقد ورد ذِكرُه أيضاً في تاريخ ابن خلّكان، وأيّده ابن بطوطة فذكره في رحلتِه، وقال: «مسجد عظيم سامي العلوّ»، مشيراً إلى أنّ الرّأس الشريف دُفن فيه قبل نقله إلى القاهرة [على الرواية التي تقول بذلك]، وكذا قال الهرَوي في (الإشارات)، وأنّ الرأس الشريف نُقل إلى القاهرة عندما استولى الفرنجة على عسقلان سنة 549 للهجرة.
0
أيـــــــــــــــــــــــــن الرَّجبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون؟ يستحب في شهر رجب قراءة سورة التوحيد عشرة آلا مرة..
يدعوكم المركز الإسلامي- حسينية الصديقة الكبرى عليها السلام للمشاركة في مجالس ليالي شهر رمضان لعام 1433 هجرية. تبدأ المجالس الساعة التاسعة والنصف مساء ولمدة ساعة ونصف. وفي ليالي الإحياء يستمر المجلس إلى قريب الفجر. نلتمس دعوات المؤمنين.