أحسنُه تركُ المعصية

أحسنُه تركُ المعصية

24/01/2012

أحسنُه تركُ المعصية

ذِكرُ الله تعالى
أحسنُه تركُ المعصية
_____إعداد: عبدالله النابلسي_____


في سياق تفسيره لقوله تعالى ﴿فاذكروني أذكركم..﴾ البقرة:152، أفرد العلّامة السيّد محمد حسين الطباطبائي (الميزان، ج 1) فصلاً حول حقيقة «الذِّكر» -وأنّه على مراتب، وهو يقابل الغفلة والنسيان، وأنّ أشرفه اجتناب الذّنوب، وطاعتُه تعالى- اقتطفنا منه النص التالي. 

إنَّ الذِّكر ربّما قابل الغفلة كقوله تعالى ﴿..ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا..﴾ الكهف:28، وهي انتفاء العلم بالعلم، مع وجود أصل العلم، فالذِّكر خلافُه، وهو العلم بالعلم.
وربّما قابل الذِّكرُ النسيان، وهو زوال صورة العلم عن خزانة الذهن، فالذِّكر خلافه، ومنه قوله تعالى ﴿..واذكر ربك إذا نسيت..﴾ الكهف:24. وهو حينئذٍ كالنسيان معنىً، ذو آثار وخواصّ تتفرّع عليه، ولذلك ربّما أطلق الذِّكر كالنسيان في موارد تتحقّق فيها آثارهما وإن لم تتحقّق أنفسهما. فإنّك إذا لم تنصر صديقك -وأنت تعلم حاجته إلى نصرك- فقد نسيتَه، والحال أنّك تذكره، وكذلك الذِّكر.
والظاهر أنَّ إطلاق الذِّكر على الذِّكر اللفظي من هذا القبيل، فإنَّ التكلّم عن الشيء من آثار ذكره قلباً، قال تعالى ﴿..قل سأتلو عليكم منه ذكرا﴾ الكهف:83، ونظائره كثيرة. ولو كان الذِّكر اللّفظي أيضاً ذكراً حقيقة، فهو من مراتب الذِّكر، لأنّه مقصور عليه ومنحصر فيه.

مراتب الذِّكر


وبالجملة: الذِّكر له مراتب، كما قال تعالى: ﴿..ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ الرعد:28، وقال ﴿واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول..﴾ الأعراف:205، وقال تعالى ﴿..فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا..﴾ البقرة:200، فالشدّة إنما يتصف به المعنى دون اللّفظ. وقال تعالى ﴿..واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا﴾ الكهف:24، وذيل هذه الآية تدلّ على الأمر برجاء ما هو أعلى منزلة ممّا هو فيه، فيؤول المعنى إلى أنّك إذا تنزّلت من مرتبة من ذكره إلى مرتبة هي دونها، وهو النسيان، فاذكُر ربّك وارجُ بذلك ما هو أقرب طريقاً وأعلى منزلة، فينتج أنَّ الذكر القلبي ذو مراتب في نفسه، وبذلك يتبيَّن صحّة قول القائل: أنَّ الذِّكر حضور المعنى عند النفس، فإنَّ الحضور ذو مراتب.
ولو كان لقوله تعالى، ﴿..فاذكروني..﴾ البقرة:152-وهو فعل متعلّق بياء المتكلِّم- حقيقة من دون تجوُّزٍ، أفاد ذلك أنَّ للإنسان سنخاً آخر من العلم غير هذا العلم المعهود عندنا، الذي هو حصول صورة المعلوم ومفهومه عند العالم، إذ كلّ ما فرض من هذا القبيل فهو تحديدٌ وتوصيف للمعلوم من العالم، وقد تقدَّست ساحته سبحانه عن توصيف الواصفين، قال تعالى: ﴿سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين﴾ الصافات:159-160، وقال: ﴿..ولا يحيطون به علما﴾ طه:110،
وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَن أطاع الله فقد ذَكَر الله، وإن قلَّت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن، ومَن عصى الله فقد نسيَ الله، وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن».
 أقول: في الحديث إشارة إلى أنَّ المعصية لا تتحقّق من العبد إلَّا بالغفلة والنسيان. فإنَّ الإنسان لو ذكر ما حقيقة معصيته وما لها من الأثر لم يُقدِم على معصيته. حتى أنَّ مَن يعصي الله ولا يبالي إذا ذُكِّر عند ذلك بالله، ولا يعتني بمقام ربِّه، هو طاغٍ جاهل بمقام ربّه وعلوِّ كبريائه وكيفيةّ إحاطته، وإلى ذلك تشير أيضاً رواية أخرى، عن النبي صلى الله عليه وآله، «قال الله اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي ومن ذكرني -وهو مطيع- فحقّ عليّ أن أذكره بمغفرتي، ومَن ذكرني -هو عاصٍ- فحقّ عليّ أن أذكره بمقت ".."». وما اشتمل عليه هذا الحديث من الذَِّكر عند المعصية هو الذي تسمّيه الآية ﴿..واذكر ربك إذا نسيت..﴾ الكهف:24، وسائر الأخبار بالنسيان، لعدم ترتّب آثار الذِّكر عليه.

اخبار مرتبطة

  بين الحسين عليه السلام ويزيد

بين الحسين عليه السلام ويزيد

  الغنيّ، هو المتَّصل بالله تعالى المنقطعُ إليه

الغنيّ، هو المتَّصل بالله تعالى المنقطعُ إليه

  دوريات

دوريات

24/01/2012

دوريات

نفحات