«مصباح الشريعة»
المنسوب للإمام الصادق عليه السلام
___________ قراءة: سلام ياسين__________
الكتاب: «مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة»
المؤلّف: )منسوب( للإمام جعفر الصادق عليه السلام
الناشر: «مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات»، بيروت، الطبعة الثالثة 1413هـ-1992م
طُبع مرّات في إيران بلغته الأمّ (العربية)، وطُبعت له ترجمات بالفارسية، وكُتبت له شروحات عدّة. |
|
مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة كتاب في الأخلاق والعرفان والحكمة العمليّة، نقل عنه كبارالعلماء؛ كالسيد إبن طاووس، والشيخ الكفعمي، والشهيد الثاني، ناسبين إيّاه للإمام جعفر الصادق عليه السلام. وفي المقابل، نفى علماء أجلّاء نسبته للإمام عليه السلام، مرجّحين نسبته إلى أحد تلامذة الإمام، أو بعض المتصوّفه في عصره.
يتضمّن الكتاب مئة باب في آداب العبادات، والمعاملات، وتهذيب النفس. يبدأ كلّ باب منها بتعبير: «قال الصادق عليه السلام»، يتلوه موعظة أو توجيه حِكَمي في العنوان المقصود، ثم تكون استشهادات بروايات معروفة عن النبي صلّى الله عليه وآله والائمّة عليهم السلام، أو بعض الاصحاب؛ كأبي ذرّ وسلمان رضوان الله عليهم.
آراء العلماء في الكتاب
إنقسمت آراء العلماء في نسبة الكتاب إلى الإمام الصادق عليه السلام بين مُثبت لهذه النسبة ونافٍ لها، وجُلّ المُثبتين من القدماء، وأكثر النافين من المتأخّرين، وفيما يلي أشهر أقوال الفريقين:
المُثبتون: السيد عليّ ابن طاوس (ت: 664 هـ) في كتابه (أمان الأخطار): «ويصحب [المسافر] معه كتاب (مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة) عن الصادق عليه السلام، فإنّه كتاب لطيف شريف في التعريف بالتسليك إلى الله والإقبال عليه، والظفر بالأسرار التي اشتملت عليه [السلوك إلى الله تعالى]».
* الشيخ إبراهيم الكفعمي (ت: 905 هـ) في كتابه (مجموع الغرائب): «ومن كتاب (مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة) قال الصادق عليه السلام..». ونقل قدّس سرّه منه أشياء كثيرة بلفظ «قال الصادق عليه السلام».
* الشهيد الثاني (زين الدين الجبعي العاملي، ت: 966 هـ) في كًتبه: (كشف الريبة) و(منية المريد) و(مسكّن الفؤاد) و(أسرار الصلاة)، نقل جملة من نصوص (مصباح الشريعة) ناسباً لها إلى الإمام الصادق عليه السلام بصورة الجزم. وقال في آخِر بعضها: «هذا كلّه من كلام الصادق عليه السلام».
* السيّد حسين القزويني (ت: 1208 هـ) في كتابه (جامع الشرائع)، عند بيان الكتب المأخوذ كتابُه منها: «و(مصباح الشريعة) المنسوب إليه [يعني الصادق عليه السلام] بشهادة الشارح الفاضل [الشهيد الثاني]، والسيّد ابن طاوس، ومولانا محسن القاشاني وغيرهم، فلا وجه لتشكيك بعض المتأخّرين بعد ذلك».
النافون
* الشيخ الحرّ العاملي (محمد بن الحسن، ت: 1104 هـ) في كتابه (الهداية)، وهو يعدّد الكُتب التي لم تثبت نسبتُها للمعصومين عليهم السلام: «فمن ذلك: كتاب (مصباح الشريعة) المنسوب للإمام الصادق عليه السلام، فإنّ سنده لم يثبت، وفيه أشياء منكرة مخالفة للمتواترات».
* العلّامة المجلسي (ت: 1111 هـ) في كتابه الموسوعي (بحار الأنوار): «فيه [مصباح الشريعة] بعض ما يُريب اللّبيب، وأسلوبه لا يُشبه سائر كلمات الأئمّة عليهم السلام وآثارهم».
* الميرزا عبدالله أفندي الأصفهاني (ت: 1130 هـ) في كتابه (رياض العلماء)، عند ذكره الكتب التي اعتبرها مجهولة: «ومن ذلك (مصباح الشريعة) في الأخبار والمواعظ، كتاب معروف متداول ".." بل هو من مؤلّفات بعض الصوفيّة كما لا يخفى، لكن وصّى به ابن طاوس، وظاهر السيّد عليّ بن طاوس في أمان الأخطار الاعتماد عليه».
* الإمام الخميني قدّس سرّه (ت: 1410 هـ) في كتاب (المكاسب)، في كلامه عن الغِيبة: «وأمّا رواية (مصباح الشريعة) الدالّة على التفصيل بين وصول الغِيبة إلى صاحبها وعدمه، فلا تصلح للإستناد إليها لعدم ثبوت كونها رواية، فضلاً عن اعتبارها، بل لا يبعد أن يكون كتابه من استنباط بعض أهل العلم والحال، ومن إنشاءاته..».
لمن يُنسب إذاً
الذين نفوا نسبة الكتاب إلى الإمام الصادق عليه السلام، نسبه بعضهم إلى أحد تلامذة الإمام، أو إلى المتردّدين عليه وإن لم يكونوا من تلامذته، من أصحاب الإتجاه الصوفي في ذلك العصر.
فقيل إن صاحبه هو «شقيق البلخي»، وقد أخذه عن بعض أهل العلم، كما ينقل العلّامة المجلسي في المجلّد الأوّل من (بحار الأنوار): «وروى الشيخ [الطوسي] في مجالسه بعض أخباره [أخبار مصباح الشريعة] هكذا: أخبرنا جماعة عن أبي المفضل الشيباني بإسناده عن شقيق البلخي، عمّن أخبره من أهل العلم». وفي (الذريعة) أنّ الشيخ سليمان الماحوزي سمع عن العلّامة المجلسي أنّه كان يقول إنّ مؤلّف (مصباح الشريعة) هو شقيق البلخي.
وقيل إنّ ما يعرف بـ (نسخة الصادق عليه السلام) هي نفسها (مصباح الشريعة)، وهي منسوبة للفضيل بن عياض أحد مشاهير الصوفية. وذكر المحدّث النوري في (خاتمة المستدرك) نقلاً عن رجال الكشي أنّ الفضيل رواها عن الإمام عليه السلام، ثم يقول المحدّث النوري: « وبالجملة، فلا أستبعد أن يكون (المصباح) هو النسخة التي رواها الفضيل، وهو على مذاقه ومسلكه. والذي أعتقده أنّه جمعه من ملتقطات كلماته عليه السلام، في مجالس وعظه ونصيحته..».
وقيل إنّه منسوب لهشام بن الحكم.
المحدّث النوري يناقش نسبة الكتاب إلى الصوفية
يقول في (خاتمة مستدرك الوسائل): «فما في (البحار) و(الرياض)، من أنّه [نصّ مصباح الشريعة] لا يشبه سائر كلمات الأئمّة عليهم السلام، وأنّه على أسلوب الصوفيّة ومشتمل على مصطلحاتهم ففيه:
إنّ كلماتهم وعباراتهم عليهم السلام في كشف المطالب المتعلّقة بالمعارف والأخلاق، مختلفة بحسب الألفاظ والتأدية، وإن لم تختلف بحسب المعنى والحقيقة، وهذا ظاهر لمن أجال الطرف في أكناف كلمات أمير المؤمنين عليه السلام، وسائر الأئمّة عليهم السلام في هذه المقامات، وليس لمن تقدّم الصادق عليه السلام من الصوفية؛ كطاووس اليماني، ومالك بن دينار، وثابت البناني، وأيّوب السجستاني، وحبيب الفارسي، وصالح المري، وأمثالهم، كتاب يُعرف منه أنّ المصباح على أسلوبه، ومن الجائز أن يكون الأمر بالعكس، فيكون الذين عاصروه عليه السلام منهم أو تأخّروا عنه، سلكوا سبيله عليه السلام في هذا المقصد، وأخذوا ضغثاً من كلماته الحقّة، ومزجوها بضغث من أباطيلهم».
ويقول المحدّث النوري أيضاً: «إنّك بعد التأمّل في ملفّقات القوم [الصوفية] في هذا الباب، تجد المصباح خالياً عن مصطلحاتهم الخاصّة، التي عليها تدور رحى تمويهاتهم؛ كلفظ العشق، والخمر، والسكر، والصحو، والمحو، والفناء، والوصل، والقطب، والشيخ، والطرب، والسماع، والجذبة، والآنية، والوجد، والمشاهدة، وغير ذلك ممّا ليس فيه شيء منه. ثم نقول: وفي كتبهم أيضاً أخبار معروفة متداولة لا تُوجد فيه».
نصوص من الكتاب
* في المعرفة: «العارف شخصه مع الخلق وقلبُه مع الله، ولو سها قلبه عن الله طرفةَ عينٍ لمات شوقاً إليه، والعارف أمين ودائع الله، وكنز أسراره، ومعدن نوره، ودليل رحمته على خلقه، ومطيّة علومه، وميزان فضله وعدله، قد غنيَ عن الخلق والمراد والدنيا فلا مؤنس له سوى الله، ولا نطقٌ ولا إشارة ولا نفَس إلا بالله، ولله، ومن الله، ومع الله، فهو في رياض قدسه متردّد، ومن لطائف فضله إليه متزوّد، والمعرفة أصلٌ فرعه الإيمان».
* في الطهارة: «إذا أردت الطهارة والوضوء، فتقدّم إلى الماء تقدّمك إلى رحمة الله، فإنّ الله تعالى قد جعل الماء مفتاح قربته ومناجاته، ودليلاً إلى بساط خدمته، وكما أنّ رحمة الله تطهّر ذنوب العباد، كذلك النجاسات الظاهرة يطهّرها الماء لا غيره ".."».
* في العقل: «العاقل من كان ذلولاً عند إجابة الحقّ، منصفاً بقوله، جموحاً عند الباطل، خصيماً بقوله، يترك دنياه ولا يترك دينه ".." والعاقل لا يحدّث بما يُنكره العقول، ولا يتعرّض للتهمة، ولا يدَعْ مداراة من ابتلي به».
* في جهاد النفس: «لا حجاب أظلم وأوحش بين العبد وبين الله من النفس والهوى، وليس لقتلهما وقطعهما سلاح وآلة مثل الإفتقار إلى الله، والخشوع والخضوع والجوع والظمأ بالنهار، والسّهر باللّيل؛ فإن مات صاحبُه مات شهيداً، وإن عاش واستقام أدّى عاقبته إلى الرضوان الأكبر».