سيد الذاكرين

سيد الذاكرين

20/11/2005

من الجدير بالذكر ليستقر في متن صفحة القلب، التلازم بين الذكر وحسن الخلق، الذي هو في طليعة عناوين التأسي بالمصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله.

من الجدير بالذكر ليستقر في متن صفحة القلب، التلازم بين الذكر وحسن الخلق، الذي هو في طليعة عناوين التأسي بالمصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله. * عن أبي عبد الله صلى الله عليه وآله قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : ألا اخبركم بأشبهكم بي ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : أحسنكم خلقا، وألينكم كنفا، وأبركم بقرابته، وأشدكم حبا لإخوانه في دينه ، وأصبركم على الحق، وأكظمكم للغيظ، وأحسنكم عفوا، وأشدكم من نفسه إنصافا في الرضا والغضب.

بسم الله الرحمن الرحيم

الشام، حوزة الإمام الخميني، السبت18ع1 1425

سيد الذاكرين


تقدم في الحديث السابق بمناسبة ذكرى وفاته صلى الله عليه وآله الإلفات إلى أن المجمع عليه بين المسلمين من عظمته صلى الله عليه وآله، يتنافى مع بعض مايرد في سيرته الطاهرة من قبيل أنه لم يطمئن بنبوته إلا بعد تأكيدها من قبل ورقة بن نوفل، في تفصيل تقدم.

وكان هذا بمثابة تأصيل أصل في دراسة سيرته الطاهرة وهو اعتماد المجمع عليه من سيرة المصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله وجعله محور القبول والرفض لما نجزم بمنافاته له.

وفي مايلي محاولة تأصيل أصل في باب الإقتداء والتأسي به صلى الله عليه وآله.

* سيد الذاكرين:

من الواضح أن كل مؤمن يحب أن يتأسى بالمصطفى الحبيب ويقتدي به، ومعنى ذلك أن التأسي وإن كان واجباً شرعياً إلا أنه يحظى بعناية خاصة من المؤمنين تجعله في عداد الأماني المحببة.

ومن الواضح أن البعد التاريخي عن عصر رسول الله صلى الله عليه وآله، وما طرأ على الثقافة الإسلامية من طواريء دخيلة جعل " الشخصية الإسلامية" تبدو مرددة بين أنماط عديدة يظن البعيد عن مصادر التشريع انسجامها مع المفاهيم الإسلامية.

والمراد بالشخصية الصورة العامة التي تطبع الشخص بطابعها، فللفقيه شخصيته وللأصولي شخصيته وللمفسر والمحدث والنحوي والطالب الحوزوي والطالب الجامعي والتاجر والفلاح وهكذا.

والشخصية الإسلامية عبارة عن طابع عام يمكنه أن يُخضع له كل ألوان هذه الشخصيات وغيرها، ويرتبط هذا الطابع العام بمجموعة من القيم في عالمي الفكر والسلوك ينتج الإلتزام بها هذا الطابع العام وبالتالي هذه الشخصية.

والسؤال: عندما نريد التأسي بالمصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله، فماهو الطابع العام الذي يجب الحرص عليه لتكون شخصيتنا محمدية؟

والجواب: أن نصدر من هذا الأصل المسلَّم: أن رسول الله صلى الله عليه وآله سيد الذاكرين.

والمراد بالذكر هو المصطلح القرآني، وهو يشمل:

1- حركة العقل والقلب في خط الذكر، بعيداً عن الغفلة عن المبدأ والمعاد.

2- ويشمل الصلاة والصوم والحج وسائر العبادات، التي تؤدى بتذكر وبصيرة.

3- كما يشمل كل أبواب جهاد النفس من المراقبة والمحاسبة والمشارطة وغيرها.

4- ويشمل كذلك ثمرات جهاد النفس والتي يجمعها عنوان التحلي بمكارم الأخلاق.

5- وتظهر ثمرة كل ماتقدم في الذكر اللساني من دعاء وأذكار وأوراد تملأ حياة صاحبها فتجعلها مسجداً عامراً بذكر الله تعالى.


* بين ذكرين:

لامجال للمقارنة بين الذكر القلبي والذكر اللساني،إلا أن من الضروري التنبه إلى أنه لامجال أيضا للفصل بينهما فالذكر واحد ميدانه العقل والقلب وتظهر أصداؤه على الجوارح واللسان بشكل خاص.

بلى يجب التنبه بامتياز إلى أن الفصل بينهما مكر شيطاني هو المدخل إلى سرقة جوهرة الذكر من الإنسان.

ندرك ذلك جيداً حين ننتنبه إلى أن أهمية الذكر اللساني تبلغ الحد الذي يتوقف الذكر القلبي عليه، ولادور، فالذي ينطلق في ميدان الذكر اللساني ينطلق من ذكر عقلي وقلبي خاصين قد يضعفان أو يتلاشيان في دوامة الدنيا ومنعطفاتها، ويأتي دور الذكر اللساني لتنشيط هذا الضعيف أوليبذر من جديد بذرة ماتلاشى، تماماً كما تمكن العضلات من الرياضة وتشد الرياضة العضلات، والذكر رياضة روحية يشكل اللساني منه الظاهر والحركات، والعقلي والقلبي المحتوى والجوهر.

* في القرآن الكريم:

يمكن تقسيم ماورد في متب الله تعالى حول الذكر إلى قسمين: خطاب للمصطفى الحبيب ، وخطاب للمقتدين به صلى الله عليه وآله.

* من الأول:

1- * بسم الله الرحمن الرحيم * * يا أيها المزمل [ المزمل 1 ] * قم الليل إلا قليلا [ المزمل 2 ] * نصفه أو انقص منه قليلا [ المزمل 3 ] * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا [ المزمل 4 ] * إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا [ المزمل 5 ] * إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا [ المزمل 6 ] * إن لك في النهار سبحا طويلا [ المزمل 7 ] * واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا [ المزمل 8 ] * رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا [ المزمل 9 ] * واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا [ المزمل 10 ] * وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا [ المزمل 11 ] *

2- * إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا [ الإنسان 22 ] * إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا [ الإنسان 23 ] * فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا [ الإنسان 24 ] * واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا [ الإنسان 25 ] * ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا [ الإنسان 26 ] * إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا [ الإنسان 27 ] * نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا [ الإنسان 28 ] * إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا [ الإنسان 29 ]

3- واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين [ الأعراف 205 ] *

**** ويجب التنبه بامتياز إلى أن الأمر بالتأسي برسول الله صلى الله عليه وآله قد ورد في القرآن الكريم مقرونا بذكر الله تعالى، قل عز من قائل:

* لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا [ الأحزاب 21 ]

* ومن الثاني:

1- أن أتباع رسول الله صلى الله عليه وآله هم الذاكرون، ويقابلهم الغافلون.

قال تعالى:

أ‌- * إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما [ الأحزاب 35 ]

ب- وقد تقدم أن الغافلين هم في مقابل الذاكرين في الآية المباركة:

* واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين [ الأعراف 205 ] *

وقد قال سبحانه عن بعض الهالكين:

* أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون [ النحل 108 ] *

* الذكر الكثير:

* يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيرا [ الأحزاب 41 ] * وسبحوه بكرة وأصيلا [ الأحزاب 42 ] *

* في جميع الأحوال:

* إن في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لاولي الالباب [ آل عمران 190 ] * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار [ آل عمران 191 ] *

* الذكر القليل، علامة النفاق:

* إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا [ النساء 142 ] *

* والغفلة عنه هلاك:

*أ- ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالانعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون [ الأعراف 179 ]

ب- * وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا [ الكهف 100 ] * الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا [ الكهف 101 ] *

ج- * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى [ طه 124 ] * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا [ طه 125 ] * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى [ طه 126 ] *

د- * ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين [ الزخرف 36 ] * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون [ الزخرف 37 ] * حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين [ الزخرف 38 ] *

** ويجمع الحث على الذكر وبيان الخطر الناتج عن تركه قوله تعالى:

* يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون [ الحشر 18 ] * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون [ الحشر 19 ] *

* من سيرة المصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله:

1- عن أبي عبد الله عليه السلام: أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان لا يقوم من مجلس وإن خف حتى يستغفر الله عز وجل خمساً وعشرين.[1]

ويجب التنبيه هنا إلى أن للمصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله في كل حال من الحالات ذكراً خاصاً أو أذكاراً خاصة، فقد كانت حياته صلى الله عليه وآله ذكراً دائماً، ولايتسع المجال لإيراد ذلك فهو كتاب مستقل وقد جمع العلماء شيئاً منه فكان كثيراً جداً، ومن أراد بعضه فينبغي الرجوع إلى كتاب" سنن النبي" للسيد الطباطبائي، صاحب تفسير الميزان، وقد أضاف إليه بعض طلابه نبذاً ورغم أنها لم تستوف مجالاتها، فهي كثير جم.

2- وعن الشيخ أبي الفتوح في تفسيره : عن أبي سعيد الخدري قال : لما نزل قوله تعالى : " اذكروا الله ذكراً كثيرا " اشتغل رسول الله صلى الله عليه وآله بذكر الله حتى قال الكفار : أنه جُنّ.[2]

3- وفي المحجة البيضاء : كان رسول الله صلى الله عليه وآله كثير الضراعة والابتهال إلى الله تعالى، دائم السؤال من الله تعالى أن يزينه بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق، فكان يقول في دعائه : " أللهم حسن خلقي " ويقول : " اللهم جنبني منكرات الأخلاق ".

* بين الذكر وحسن الخلق:

ومن الجدير بالذكر ليستقر في متن صفحة القلب التلازم بين الذكر وحسن الخلق، الذي هو في طليعة عناوين التأسي بالمصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله.

* عن أبي عبد الله صلى الله عليه وآله قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : ألا اخبركم بأشبهكم بي ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : أحسنكم خلقا، وألينكم كنفا، وأبركم بقرابته، وأشدكم حبا لإخوانه في دينه ، وأصبركم على الحق، وأكظمكم للغيظ، وأحسنكم عفوا، وأشدكم من نفسه إنصافا في الرضا والغضب.[3]


* وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام مايوضح التلازم بين الذكر وجهاد النفس في معرض الحديث عن جانب من سيرة المصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله، يقول عليه السلام:

يا حفص ، إن من صبر صبر قليلا ، وإن من جزع جزع قليلا . ثم قال : عليك بالصبر في جميع امورك ، فإن الله عزوجل بعث محمداً صلى الله عليه وآله فأمره بالصبر والرفق فقال : " واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا * وذرني والمكذبين اولي النعمة " وقال : " ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم " فصبر حتى ما نالوه بالعظائم ورموه بها فضاق صدره، فأنزل الله عليه : " ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين " ثم كذبوه ورموه فحزن لذلك ، فأنزل الله : " قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون * ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا واوذوا حتى أتاهم نصرنا " فألزم النبي صلى الله عليه وآله نفسه الصبر ، فتعدوا، فذكر الله تبارك وتعالى، فكذبوه ، فقال صلى الله عليه وآله: قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي، ولا صبر لي على ذكر إلهي. فأنزل الله عزوجل : " فاصبر على ما يقولون " فصبر في جميع أحواله. ثم بشر في عترته بالأئمة ووصفوا بالصبر فقال عز ثناؤه : " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون " فعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وآله : الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد . فشكر الله ذلك له فأنزل الله : " وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون " فقال صلى الله عليه وآله : إنه بشرى وانتقام . فأباح الله له قتال المشركين ، فأنزل الله :" فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد " " واقتلوهم حيث ثقفتموهم " فقتلهم الله على يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وأحبائه وجعل له ثواب صبره مع ما ادخر له في الآخرة. فمن صبر واحتسب لم يخرج من الدنيا حتى يقر الله له عينه في أعدائه مع ما يدخر له في الآخرة


وبمناسبة مولده الشريف أختم بهذين الحديثين:

1- عن الإمام موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي عن علي بن أبي طالب عليهم السلام في حديث : محمد صلى الله عليه وآله سقط من بطن أمه واضعاً يده اليسرى على الأرض ورافعا يده اليمنى إلى السماء ، يحرك شفتيه بالتوحيد.[4]

2- وفي البحار : عن الواقدي : وكانوا يسمعون من مهده التسبيح والتحميد والثناء على الله تعالى[5]

والحمد لله رب العالمين

***

أسئلة حول الدرس

1- مامعنى أن رسول الله صلى الله عليه وآله سيد الذاكرين؟

2- ماهو المراد بالذكر وماذا يشمل هذا المصطلح؟

3- تحدث باختصار عن الفصل بين الذكر القلبي والذكر اللساني؟

4- ما المراد بالذكر الذي هو الطابع العام للشخصية المسلمة المقتدية برسول الله صلى الله عليه وآله؟

5- أذكر آيتين عن الذكر وآيتين عن الغفلة.


--------------------------------------------------------------------------------
[1] السيد الطباطبائي، سنن النبي112

[2] المصدر

[3] المصدر113

[4] المصدر401

[5] المصدر402

اخبار مرتبطة

نفحات