لو عرف المسلمون!*
___الشيخ علي كوراني ___
لم يكن هذا البحث من قصدي، فقد كنت مستغرقاً في بحثٍ آخَر، ووجدتُ في أثنائه أنَّ عقيدة الوهابيِّين في آيات الصفات وأحاديثها تحتاج إلى معرفة جذورها.. ولمّا راجعت ما تيسّر لي من مصادر، هالني الأمر.. وقلتُ في نفسي: لو عرف الوهابيُّون حقيقة التوحيد الذي يقدِّمه لهم علماؤهم ويطلبون منهم أن يسوقوا المسلمين بعصاه.. لَأعادوا النظر في بناء عقيدتهم بالله تعالى، وخفَّفوا من غلوائهم علينا.
لو عرف المثقَّف الوهابي أنَّ إمامه المفتي الأكبر عبد العزيز بن باز، يقول إنّ الله تعالى جسم موجود في مكان معيَّن من الكَوْن، وله وجه ويد ورِجل وأعضاء وجوارح.. وأنّه على صورة إنسان..
وأنَّ الحيوانات تحمل عرشه..!
لو عرف أنَّ علماءه يقولون إنَّ هذا (الإله) يفنى ويهلك كلّه ما عدا وجهه، بدليل قوله تعالى ﴿..كل شيء هالك إلا وجهه..﴾ القصص:88!!
وأنّهم يقولون يجب على علماء الوهابيّة أن يكتموا ماديّة الله تعالى عن جمهور المسلمين ويستعملوا معهم التقيّة، لأنَّ عقائد الإسلام منها ما هو خاصّ برجال الدِّين من الدرجة الأولى.. فماديّة الله تعالى بزعمهم خاصّة بهذه الطبقة فقط!!
لو اطَّلع هذا المثقَّف على هذا الضعف العلمي والتناقضات في نظريّات علمائه عن التوحيد لَهَاله الأمر! ولَأعاد النظر في تصوُّره الذي علَّموه إيّاه عن الله تعالى.. ثمَّ لعذر الجمهور الأعظم من المسلمين في نفرتهم من الوهابيّة.
من أجل هذا الهدف كتبت هذا البحث.. لعلَّ الوهابيين يلتفتون إلى أنَّ مشكلتهم في التوحيد أعظم من جميع مشكلات المسلمين، فينشغلوا بِحَلِّها ويخفِّفوا عنّا شدَّتهم، خاصّةً في موسم الحجّ الذي صار المسلم يحسب له قبل مشقَّاته البدنيّة والماليّة، مشقَّته المعنويّة على كرامته، بسبب فتاوى الكفر والشرك التي يتأبَّطها المُتطوِّعون الوهابيُّون في موسم الحجّ، ويَصفعون بها وجوه حجَّاج بيت الله تعالى وزوَّار قبر نبيّه وآله، صلّى الله عليه وآله!!
لقد كَثُر هؤلاء المتبرِّعون لخدمة ضيوف الرّحمن في السنوات الأخيرة، وعدلوا في توزيع جوائزهم على الجميع، حتّى لا تكاد تجد حاجّاً يرجع إلى بلاده، من أيِّ بلد أو قوميّة، إلَّا ويتحدَّث عن معاملتهم الحسنة وفتاواهم ونبراتهم التي صفعوه بها! لِمجرَّد أنّه تقرَّب إلى الله تعالى بزيارة قبر نبيِّه أو وَلِيِّه !
ينبغي أن يعرف إخواننا الوهابيّون أنَّ مسائل الشِّرك العملي كلّها متأخِّرة رتبةً عن مسألة الإعتقاد النظري، وأنَّه لا بدَّ للمسلم أوَّلاً أن يصحِّح عقيدته بربِّه عزَّ وجلَّ وتصوُّره عنه، حتى يملك الأساس الذي يقيس به توحيد الآخرين النظري والعملي، ويعرف ما هو الشِّرك الأكبر والأصغر والمتوسّط.
أمّا إذا كان عنده مشكلة في أصل اعتقاده بالله تعالى، فإنَّ عليه أن يعالج مشكلته ويبني بيته أوّلاً.
ثمَّ إذا جاز له أن يطرح اجتهاده على المسلمين.. فبِالحُسنى، والمنطق العلمي، والكلمة الجميلة.
________________________________________
* من مقدّمة كتاب (الوهابيّة والتوحيد)