أحسن الحديث

أحسن الحديث

منذ يومين

القَسَم بالعصر

القَسَم بالعصر
الخُسر، تصرُّم العمر
______«شعائر»______



..والمراد من الخسران هو مضيّ أثمن شيء لديه وهو عمره، فالإنسان في كلِّ لحظة يفقد رأس ماله بنحوٍ لا يعوَّض بشيءٍ أبداً.
مقتطف من كتاب (الأقسام في القرآن الكريم) للشيخ جعفر السبحاني يلقي الضّوء على بعض معاني قَسَم الحقّ تعالى بالعصر في القرآن الكريم.
 

حَلَف سبحانه بالعصر مرّة واحدة دون أن يُقرنه بمقسم به آخر، وقال: ﴿والعصر* إن الانسان لفي خسر﴾ العصر:1-2.
تفسير الآيات: العصر يُطلق ويراد منه تارة الدّهر، وجمعه عصور. وأخرى العشيّ مقابل الغداة، يقال: العصران: الغداة والعشيّ، والعصران اللّيل والنّهار، كالقمرَين للشّمس والقمر، وإليك بيان المعنيَين.

المعنى الأوّل، العصر: الدّهر، وإنّما حلف به لأنّ فيه عِبرة لِذَوي الأبصار من جهة مرور اللّيل والنّهار، وقد نُسب ذلك القول إلى إبن عباس والكلبي والجبائي. قال الزّمخشري: وأقسم بالزّمان لِما في مروره من أصناف العجائب. ولعلّ المراد من الدّهر والزّمان اللّذين يفسّرون بهما العصر هو تاريخ البشريّة، وذلك لأنّه سبحانه جعل المقسم عليه كَون الإنسان لفي خسر إلّا طائفة خاصّة، ومن المعلوم أنَّ خسران الإنسان أنّه هو مَن تصرَّم عمره ومضت حياته من دون أن ينتفع بأغلى رأس مال وقع في يده، وقد نقل الرّازي هنا حكاية طريفة نأتي بنصِّها: قال: وعن بعض السَّلَف، تعلّمت معنى السورة من بائع الثّلج كان يصيح، ويقول: إرحموا مَن يَذوب رأس ماله، إرحموا مَن يَذوب رأس ماله، فقلت: هذا معنى أنَّ الإنسان لفي خسر، يمرّ به العصر فيمضي عمره ولا يكتسب فإذا هو خاسر.

المعنى الثّاني، العصر: أحد طرفَي النهار، وأقسم بالعصر كما أقسم بالضُّحى، وقال: ﴿والضحى * والليل إذا سجى﴾ الضحى:1-2، كما أقسم بالصّبح، وقال: ﴿والصبح إذا أسفر﴾ المدثر:34، وإنّما أَقسم بالعصر لأهميّته، إذ هو في وقت من النّهار يحدث فيه تغيير في نظام المعيشة وحياة البشر، فالأعمال اليوميّة تنتهي، والطُّيور تعود إلى أوكارها، وتبدأ الشّمس بالمَيْل نحو الغروب، ويستولي الظّلام على السّماء، ويخلد الإنسان إلى الرّاحة.
وهناك قولان آخران:

الأوّل: المراد عصر الرّسول، ذلك لما تضمَّنته الآيتان التّاليتان من شمول الخسران للعالم الإنساني، إلّا لِمَن اتَّبع الحقّ وصبر عليه، وهم المؤمنون الصّالحون عملاً، وهذا يؤكِّد على أنْ يكون المراد من العصر عصر النّبيّ صلى الله عليه وآله، وهو عصر بزوغ نجم الإسلام في المجتمع البشري وظهور الحقّ على الباطل.

 الثّاني: المُراد به وقت العصر، وهو المروي عن مقاتل، وإنّما أقسم بها لفضلها، بدليل قوله: ﴿حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى..﴾ البقرة:238، كما قيل أنّ المراد من قوله تعالى: ﴿..تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله..﴾ المائدة:106 هو صلاة العصر. أضف إلى ذلك أنَّ صلاة العصر يحصل بها ختم طاعات النّهار، فهي كالتّوبة يُختم بها الأعمال. ولا يخفى أنَّ القول الأخير في غاية الضّعف، إذ لا صلة بين القسم بصلاة العصر والمقسم عليه، أعني ﴿..الإنسان لفي خسر﴾ العصر:2 على أنّه لو كان المقسم به هو صلاة العصر، لماذا اكتفى بالمُضاف إليه، وحذف المُضاف مع عدم توفُّر قرينة عليه، ومنه يظهر حال الوجه المتقدِّم عليه.
والظّاهر أنَّ الوجه الأوّل هو الأقوى، حيث إنَّ الحلف بالزّمان وتاريخ البشريّة يتناسب مع الجواب، أي خسران الإنسان في الحياة، وأمّا المقسم عليه، فهو قوله سبحانه: ﴿إنّ الإنسان لفي خسر﴾ العصر:2 والمراد من الخسران هو مضيّ أثمن شيء لديه وهو عمره، فالإنسان في كلِّ لحظة يفقد رأس ماله بنحوٍ لا يعوَّض بشيءٍ أبداً، وهذه هي سُنَّة الحياة الدّنيويّة حيث ينصرم عمره ووجوده بالتّدريج، كما تنصرم طاقاته إلى أن يهرم ويموت، فأيّ خسران أعظم من ذلك.


 

اخبار مرتبطة

  ملحق شعائر 7

ملحق شعائر 7

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ يوم

دوريات

نفحات