واجبُنا في عصرِ الغَيبة
من أدبِ القلبِ والجوارح واللِّسان
ـــــ إعداد: «شعائر» ـــــ
في ذكر طائفةٍ من آداب مراسم العبوديّة، ولوازم الاحترامِ والتوقير لإمام العصر المهديّ المنتظَر صلوات الله عليه، مقتطفة ومختصرة من كتاب (النجم الثاقب) للمحدّث الشيخ حسين النوري الطبرسي (ت: 1320 للهجرة)، حيث يؤكّد رضوان الله عليه أنّ هذه الآداب مطلوبة لِذاتها، وإنْ كانت سبباً للخيرات العاجلة والآجلة، ودخول العامل لها في زمرة المحبّين المطيعين. |
إعلم أنّه لا طريقَ لكسب المنافع الدنيوية والأُخروية، ودفع الشرور الأرضية والسماوية، الّا بالأخذ بحُجزة صاحب العصر والزمان عليه السلام، والالتماس منه –وهو وليُّ النِّعَم- بلسانِ القوّة والحال أو بلسان التضرّع والمقال.
وينبغي في أثناء ذلك الالتزامُ بجملةٍ من التكاليف؛ قلبيّة، وجوارحيّه، ولسانيّة، وماليّة، نبيّن بعضها كما يلي:
الأوّل: أن يكون مهموماً له عليه السلام في أيّام الغَيبة والفراق، وسببه متعدّد:
أ) لمستوريّته ومحجوبيّته صلوات الله عليه، والعيون لمّا تقرّ بعدُ بالنظر إلى نور جماله، مع وجوده بين الأنام، واطّلاعه عليه السلام على خفايا أعمال العباد في آناء اللّيل والأيام. فلا يكون الإنسان صادقاً بادّعائه بالوصول إلى درجة الإيمان هذه بمجرّد القول باللّسان، إلّا أن تكون محبّته لمواليه عليهم السلام كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «لا يؤمنُ عبدٌ حتّى أكونَ أحبَّ إليه من نفسِه، وأهلي أحبَّ إليه من أهله، وعترتي أحبَّ إليه من عترتِه..».
ولعلّ هذا المقام هو أوّل درجة الإيمان، عندما تكون محبّته لمواليه عليهم السلام مثل محبّته لأخصِّ أولادِه وأقربِهم وأكملِهم عندَه.
ب) لأنّ ذلك السلطان العظيم الشأن، لمّا يرتدِ بعدُ لباسَ الخلافة والسّلطة الظاهريّة على جميع العالم، والذي ما خِيط لأحدٍ إلّا له ، فلَه الرّتقُ والفَتْقُ وإجراءُ الأحكام والحدود، وتبليغ الأوامر الإلهيّة، ومنع الاعتداء والجَور، وإعانة الضعيف، وإغاثة المظلوم، وأخذ الحقوق، وإظهار الحقّ وإعلانه، وإبطال الباطل وإزهاقه، وهو عليه السلام الذي لا يأتيه الظُّلم والعدوان.
عن الامام الباقر عليه السلام أنّه قال لعبد الله بن ظبيان: «ما من عيدٍ للمسلمين -أضحى ولا فطر- إلّا وهو يتجدَّد لآل محمّدٍ عليهم السلام فيه حزنٌ.
قِيلَ: ولِمَ؟ قال: إنّهم يرون حقَّهم في أيدي غيرهم».
ج) ولعدم الحصول على الطريق الواسع المستقيم الواضح للشّريعة المطهّرة، وانحصار الطريق للوصول إليه بطُرُقٍ ضيّقة ظلماء، كَمَنَ في كلِّ مضيقٍ منها مجموعةٌ من اللّصوص الداخليّين للدِّين المبين، يُدخلون دائماً الشكوك والشُّبهات في قلوب العامّة بل الخاصّة، حتّى يكذِّبَ ويلعنَ ويشتمَ أصحابُ هذه الفِرقة القليلة والعصابة المُهتدية –الإمامية- بعضَهم بعضاً، ويتسلّط عليهم أعداؤهم، ويخرجوا من الدّين أفواجاً أفواجاً، ويعجزَ العلماءُ الصّالحون عن إظهار عِلمهم، ويصدقَ وعدُ الصّادقين عليهم السلام، بأنّه سيأتي زمانٌ على المؤمن حفظُ دينِه أشدّ من القبض على جمرةِ نارٍ في اليد.
الثاني: وهو أيضاً من التكاليف القلبيّة؛ نعني به انتظارَ فرج آل محمّد عليهم السلام في كلّ آن، وترقّب ظهور وقيام الدولة القاهرة والسَّلطنة الظاهرة لمهديّ آل محمّدٍ عليهم السلام، وامتلاء الأرض قسطاً وعدلاً، وانتصار الدّين القويم على جميع الأديان كما أخبر به الله تعالى نبيَّه الأكرم ووعدَه بذلك، بل بشَّر به جميعُ الأنبياء والأمم، أنّه يأتي يومٌ مثل هذا اليوم الذي لا يُعبَد فيه غيرُ الله تعالى، ولا يبقى من الدّين شيءٌ مخفيٌّ وراء سِترٍ وحجاب مخافةَ أحد، كما في زيارة مهديِّ آل محمّد عليهم السلام: «السّلامُ على المهديِّ الذي وعدَ اللهُ به الأُممَ أنْ يجمعَ به الكلِم، ويلمَّ به الشَّعْث، ويملأَ به الأرض عدلاً وقسطاً، ويُنجزَ به وعدَ المؤمنين».
وروى الشيخ [أحمد] الطبرسي في (الاحتجاج) أنّه خرج توقيعٌ عن صاحب الأمر عليه السلام بيد محمد بن عثمان، وكان في آخره: «وأكثِروا الدّعاء بتعجيل الفَرَج، فإنّ ذلك فَرَجكم».
الثالث: من التكاليف الدعاءُ لحفظ الوجود المبارك لإمام العصر عليه السلام من شرِّ شياطين الإنس والجنّ، والدّعاءُ بطلب التعجيل لنصرتِه وظفره وغلَبته على الكفّار والمُلحدين والمنافقين. وهذا أيضاً نوعٌ من إظهار العبوديّة والرِّضا بما وعد اللهُ تعالى من أنّ هذا الجوهر الثمين يُصنَع في خزانة قدرتِه ورحمتِه، وأسدل على وجهه حجابَ العَظَمة والجلالة إلى اليوم الذي يرى المصلحة بإظهار ذلك الجوهر الثمين، وإضاءة الدّنيا من شعاع نورِه.
ولا يظهر أثرٌ من الدعاء في مثل هذا الوعد المنجَز الحتمي إلّا أداء مراسم العبودية وإظهار الشوق وزيادة المحبّة والثواب، والرّضا بمواهب الله تعالى الكبرى. كما أنّهم عليهم السلام أكّدوا على الدّعاء له صلوات الله عليه في أغلب الأوقات.
قال السيّد الجليل عليّ بن طاوس في الفصل الثامن من كتاب (فلاح السائل) بعد أن ذكر الترغيب في الدعاء للإخوان: «إذا كان هذا كلُّه فضل الدعاء لإخوانك، فكيف فضلُ الدعاء لسلطانك الذي كان سبب إمكانك وأنت تعتقد أنْ لولاه ما خلق اللهُ نفسَك ولا أحداً من المكلّفين في زمانه وزمانك، وأن اللُّطفَ بوجوده صلوات الله عليه سببٌ لكلّ ما أنت وغيرك فيه، وسببٌ لكلّ خير تبلغون إليه ".." وأحضِر قلبك ولسانك في الدّعاء لذلك المولى العظيم الشأن، وإيّاك أن تعتقد أنني قلت هذا لأنّه محتاجٌ إلى دعائك. هيهات هيهات! إنْ اعتقدتَ هذا فأنت مريضٌ في اعتقادك وولائك، بل إنّما قلت هذا لما عرّفتُك من حقّه العظيم عليك وإحسانِه الجسيم إليك، ولأنّك إذا دعوت له قبل الدعاء لنفسك ولمن يعزّ عليك كان أقرب إلى أن يفتح الله جلّ جلالُه أبوابَ الإجابة بين يديك، لأنّ أبواب قبول الدعوات قد غلّقْتَها أيّها العبدُ بأغلاق [بأقفال] الجنايات، فاذا دعوتَ لهذا المولى الخاصّ عند مالكِ الأحياء والأموات يوشَك أن تُفتح أبواب الإجابة لأجله، فتدخل أنت -في الدّعاء لنفسك ولمن تدعو له- في زمرة فضلِه، وتتّسعَ رحمةُ الله جلّ جلالُه لك، وكرمُه وعنايتُه بك، لتعلُّقِك في الدّعاء بحبلِه.
ولا تقُل: فما رأيتُ فلاناً وفلاناً من الذين تقتدي بهم من شيوخك بما أقول يعملون، وما وجدتُهم إلّا وهم عن مولانا الذي أشرتَ إليه صلوات الله عليه غافلون وله مهمِلون، فأقول لك اعمل بما قلتُ لك فهو الحقُّ الواضح، ومَن أهمل مولانا وغفل عمّا ذكرت عنه فهو والله الغلطُ الفاضح.
الرابع: التصدّق بما يتيسر في كلّ وقت لحفظ الوجود المبارك لإمام العصر عليه السلام. فإنّ الصدقةَ التي يُعطيها الإنسان لأيٍّ كان هي ابتغاءٌ لفائدة عن نفسه، أو عن محبوبٍ عزيزٍ له مكانةٌ عنده. وقد ثبت ببراهين العقل والنقل أنّه لا شيء أعزُّ وأغلى من وجود إمام العصر المقدّس عليه السلام، بل أنّه أحبّ إلى المؤمن من نفسه، وإن لم يكن كذلك فهو ضعفٌ ونقصٌ في الإيمان، وضعفٌ وخَللٌ في الاعتقاد.
وبما أنّ ناموس العصر، ومدار الدّهر، ومُنيرَ الشمس والقمر، وسببَ سكون الأرض، وحركةَ الأفلاك، ورونقَ الدنيا من الأسفل إلى الأعلى، هو الحجّة بن الحسن صلوات الله عليهما، فمن اللّازم أن يكون الهدفُ الأوّل والغاية الأولى التشبّث بكلّ وسيلةٍ وسبب –مثل الدّعاء، والتضرّع، والتصدُّق والتوسّل- لبقاء صحّته، وتحصيل عافيتِه وقضاء حاجتِه، ودفع البلاءِ الذي نزل به، ليكون وجودُه المقدّس سالماً ومحفوظاً.
الخامس: الحجُّ عن إمام العصر عليه السلام، والاستنابة بالحجّ عنه، كما هو معروفٌ بين الشيعة في القديم، وأقرّه عليه السلام. [أنظر: الخرائج، القطب الراوندي]
السادس: القيام تعظيماً لسُماع اسمه الشريفِ عليه السلام، وبالأخصّ إذا كان بإسمِه المبارك «القائم» صلوات الله عليه، كما استقرّت عليه سيرة الاماميّة. جاء في الخبر أنّه ذُكِر يوماً اسمُه المبارك في مجلس الإمام الصّادق عليهما السلام، فقام الصّادق عليه السلام تعظيماً واحتراماً له.