وصايا

وصايا

منذ يوم

وصيّة الإمام أبي الحسن الكاظم عليه السّلام


وصيّة الإمام أبي الحسن الكاظم عليه السّلام

أعلَمُ النّاس بأَمر الله، أحسَنُهم عَقْلًا

ــــــــــــــــــــــــــــ  إعداد: «شعائر» ــــــــــــــــــــــــــــ

من ذخائر علوم الوحي الإلهيّ وصيّةُ الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه السّلام لهشام بن الحكم الكنديّ (ت: 199للهجرة)، وهو من من كبار متكلّمي الإماميّة.

وردت هذه الوصيّة في كتاب (تُحَف العقول عن آل الرّسول صلّى الله عليه وآله) للشّيخ الحسن بن عليّ بن شعبة الحرّانيّ، (القرن الرابع) تحت عنوان: (وصيّته عليه السلام لهشام وصفتُه للعقل)، وفي (كتاب العقل والجهل) من (أصول الكافي)، للشّيخ محمّد بن يعقوب الكلينيّ (ت: 329 للهجرة).

ما يلي فقرات من هذه الوصيّة الجليلة المرصّعة بمكارم الأخلاق عن رواية (تحَف العقول).

 

عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السّلام: إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏ بَشَّرَ أَهْلَ الْعَقْلِ وَالْفَهْمِ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ‏ ﴿..فَبَشِّرْ عِبادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ﴾‏ الزّمر:17-18.

* يَا هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ! إِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، أَكْمَلَ لِلنَّاسِ‏ الْحُجَجَ بِالْعُقُولِ، وَأَفْضَى إِلَيْهِمْ بِالْبَيَانِ، وَدَلَّهُمْ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ بِالْأَدِلَّاءِ، فَقَالَ‏: ﴿وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ‏﴾ البقرة:163، ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ البقرة:164.

* يَا هِشَامُ! قَدْ جَعَلَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى مَعْرِفَتِهِ بِأَنَّ لَهُمْ مُدَبِّراً، فَقَالَ:‏ ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ‏﴾ النّحل:12، وَقَالَ: ‏﴿حم * وَالْكِتابِ الْمُبِينِ* إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏﴾ الزّخرف:1-3. ".."

* يَا هِشَامُ! ثُمَّ وَعَظَ أَهْلَ الْعَقْلِ وَرَغَّبَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، فَقَالَ‏: ﴿وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ‏﴾ الأنعام:32، وَقَالَ‏: ﴿وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى‏ أَفَلا تَعْقِلُونَ‏﴾ القصص:60. ".."

دليلُ العاقل

* يَا هِشَامُ! لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ دَلِيلٌ وَدَلِيلُ الْعَاقِلِ التَّفَكُّرُ، وَدَلِيلُ التَّفَكُّرِ الصَّمْتُ؛ وَلِكُلِّ شَيْ‏ءٍ مَطِيَّةٌ، وَمَطِيَّةُ الْعَاقِلِ التَّوَاضُعُ‏، وَكَفَى بِكَ جَهْلًا أَنْ تَرْكَبَ مَا نُهِيتَ عَنْهُ. ".."

* يَا هِشَامُ! لَوْ كَانَ فِي يَدِكَ جَوْزَةٌ وَقَالَ النَّاسُ فِي يَدِكَ لُؤْلُؤَةٌ، مَا كَانَ يَنْفَعُكَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا جَوْزَةٌ، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِكَ لُؤْلُؤَةٌ وَقَالَ النَّاسُ إِنَّهَا جَوْزَةٌ، مَا ضَرَّكَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَا لُؤْلُؤَةٌ.

* يَا هِشَامُ! مَا بَعَثَ اللهُ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ إِلَى عِبَادِهِ إِلَّا لِيَعْقِلُوا عَنِ اللهِ، فَأَحْسَنُهُمْ اسْتِجَابَةً أَحْسَنُهُمْ مَعْرِفَةً للهِ، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللهِ أَحْسَنُهُمْ عَقْلًا، وَأَعْقَلُهُمْ‏ أَرْفَعُهُمْ دَرَجَةً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

* يَا هِشَامُ! مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَمَلَكٌ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ؛ فَلَا يَتَوَاضَعُ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ وَلَا يَتَعَاظَمُ إِلَّا وَضَعَهُ اللهُ.

* يَا هِشَامُ! إِنَّ للهِ عَلَى النَّاسِ حُجَّتَيْنِ، حُجَّةً ظَاهِرَةً وَحُجَّةً بَاطِنَةً، فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَالْأَئِمَّةُ، وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ فَالْعُقُولُ.

* يَا هِشَامُ! إِنَّ الْعَاقِلَ الَّذِي لَا يَشْغَلُ الْحَلَالُ شُكْرَهُ، وَلَا يَغْلِبُ الْحَرَامُ صَبْرَهُ.

هكذا يُهدَم العقل

* يَا هِشَامُ! مَنْ سَلَّطَ ثَلَاثاً عَلَى ثَلَاثٍ فَكَأَنَّمَا أَعَانَ هَوَاهُ عَلَى هَدْمِ عَقْلِهِ؛ مَنْ أَظْلَمَ نُورَ فِكْرِهِ‏  بِطُولِ أَمَلِهِ، وَمَحَا طَرَائِفَ حِكْمَتِهِ بِفُضُولِ كَلَامِهِ، وَأَطْفَأَ نُورَ عِبْرَتِهِ بِشَهَوَاتِ نَفْسِهِ، فَكَأَنَّمَا أَعَانَ هَوَاهُ عَلَى هَدْمِ عَقْلِهِ، وَمَنْ هَدَمَ عَقْلَهُ أَفْسَدَ عَلَيْهِ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ.

* يَا هِشَامُ! كَيْفَ يَزْكُو عِنْدَ اللهِ عَمَلُكَ وَأَنْتَ قَدْ شَغَلْتَ عَقْلَكَ عَنْ أَمْرِ رَبِّكَ، وَأَطَعْتَ هَوَاكَ عَلَى غَلَبَةِ عَقْلِكَ. ".."

* يَا هِشَامُ! نُصِبَ الْخَلْقُ لِطَاعَةِ اللهِ، وَلَا نَجَاةَ إِلَّا بِالطَّاعَةِ، وَالطَّاعَةُ بِالْعِلْمِ، وَالْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَالتَّعَلُّمُ بِالْعَقْلِ يُعْتَقَدُ، وَلَا عِلْمَ إِلَّا مِنْ عَالِمٍ رَبَّانِيٍّ، وَمَعْرِفَةُ الْعَالِمِ بِالْعَقْلِ.

* يَا هِشَامُ! قَلِيلُ الْعَمَلِ مِنَ الْعَاقِلِ مَقْبُولٌ مُضَاعَفٌ، وَكَثِيرُ الْعَمَلِ مِنْ أَهْلِ الْهَوَى وَالْجَهْلِ مَرْدُودٌ.

* يَا هِشَامُ! إِنَّ الْعَاقِلَ رَضِيَ بِالدُّونِ مِنَ الدُّنْيَا مَعَ الْحِكْمَةِ، وَلَمْ يَرْضَ بِالدُّونِ مِنَ الْحِكْمَةِ مَعَ الدُّنْيَا، فَلِذَلِكَ‏ رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ.

* يَا هِشَامُ! إِنْ كَانَ يُغْنِيكَ مَا يَكْفِيكَ، فَأَدْنَى مَا فِي الدُّنْيَا يَكْفِيكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُغْنِيكَ مَا يَكْفِيكَ، فَلَيْسَ شَيْ‏ءٌ مِنَ الدُّنْيَا يُغْنِيكَ.

* يَا هِشَامُ! إِنَّ الْعُقَلَاءَ تَرَكُوا فُضُولَ الدُّنْيَا فَكَيْفَ الذُّنُوبُ، وَتَرْكُ الدُّنْيَا مِنَ الْفَضْلِ، وَتَرْكُ الذُّنُوبِ مِنَ الْفَرْضِ‏. ".."

* يَا هِشَامُ! إِنَّ اللهَ، جَلَّ وَعَزَّ، حَكَى عَنْ قَوْمٍ صَالِحِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا ﴿رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾‏ آل عمران:8، حِينَ عَلِمُوا أَنَّ الْقُلُوبَ تَزِيغُ وَتَعُودُ إِلَى عَمَاهَا وَرَدَاهَا [الرّدى: الهلاك]. إِنَّهُ لَمْ يَخَفِ اللهَ مَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللهِ، ومَنْ لَمْ يَعْقِلْ عَنِ اللهِ لَمْ يُعْقَدْ قَلْبُهُ عَلَى مَعْرِفَةٍ ثَابِتَةٍ يُبْصِرُهَا وَيَجِدُ حَقِيقَتَهَا فِي قَلْبِهِ، وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ كَذَلِكَ إِلَّا مَنْ كَانَ قَوْلُهُ لِفِعْلِهِ مُصَدِّقاً وَسِرُّهُ لِعَلَانِيَتِهِ مُوَافِقاً، لِأَنَّ اللهَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْبَاطِنِ الْخَفِيِّ مِنَ الْعَقْلِ إِلَّا بِظَاهِرٍ مِنْهُ وَنَاطِقٍ عَنْهُ.

خصالُ العاقل

* يَا هِشَامُ! كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، عليه السّلام يَقُولُ: مَا مِنْ شَيْ‏ءٍ عُبِدَ اللهُ بِهِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَقْلِ، وَمَا تَمَّ عَقْلُ امْرِئٍ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ خِصَالٌ شَتَّى:

1- الْكُفْرُ وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونَانِ‏.

2- وَالرُّشْدُ وَالْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولَانِ.

3- وَفَضْلُ مَالِهِ مَبْذُولٌ.

4- وَفَضْلُ قَوْلِهِ مَكْفُوفٌ.

5- نَصِيبُهُ مِنَ الدُّنْيَا الْقُوتُ.

6- وَلَا يَشْبَعُ مِنَ الْعِلْمِ دَهْرَهُ.

7- الذُّلُّ أَحَبُّ إِلَيْهِ، مَعَ اللهِ، مِنَ الْعِزِّ مَعَ غَيْرِهِ.

8- وَالتَّوَاضُعُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرَفِ. [الشرف هنا بمعنى التكبّر وحبّ التشريف]

9- يَسْتَكْثِرُ قَلِيلَ الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِهِ، وَيَسْتَقِلُّ كَثِيرَ الْمَعْرُوفِ مِنْ نَفْسِهِ.

10- وَيَرَى النَّاسَ كُلَّهُمْ خَيْراً مِنْهُ، وَأَنَّهُ شَرُّهُمْ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ تَمَامُ الْأَمْرِ. ".."

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ يوم

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات