قراءة في كتاب

قراءة في كتاب

منذ يوم

المآل الحتمي لحضارة بلا روح*


(موت الغرب) لباتريك بوكانن

المآل الحتمي لحضارة بلا روح*

ـــــــــــــــــــــ تقديم: محمود إبراهيم ـــــــــــــــــــــ

الكتاب: موت الغرب

المؤلف: باتريك جيه. بوكانن

ترجمة: محمّد محمود التوبة

الناشر: «مكتبة العبيكان»، بيروت 2014م

منذ ستينيّات القرن الماضي، انطلق سيلٌ من الكتابات المستقبليّة تحدّث فيها المفكّرون والاستراتيجيّون في أوروبا عن زمنٍ مظلمٍ سوف تواجهه الحضارة الغربيّة في ختام القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين. كان ذلك قبل سقوط الاتّحاد السوفياتي قبل نحو عقدٍ من الزّمن. غير أنّ الأمر لا يتوقّف على الانهيارات السّياسيّة التي تتعرّض لها الدّول والمؤسّسات، بل هي تطاول عمق التّشكيل المجتمعيّ الّذي يعيش أزماته العميقة على كلّ المستويات.

ربّما كان الكتاب الّذي صدر مؤخراً تحت عنوان «موت الغرب» للكاتب الأميركي المعروف باتريك بوكانن، هو أحد أبرز حلقات السّلسلة التي تحلّل مستقبل الغرب على قاعدة الانحدار نحو موته المحتوم. وسيتبيّن لنا من خلال قراءة هذا الكتاب كيف توغّل الكاتب إلى عمق البناء الاجتماعيّ في دول الغرب بجناحيها (الأوروبي والأنكلوساكسوني)، ليلاحظ الأسباب الحقيقيّة لذلك التّوقّع المثير للجدل.

هنا استعراض لمحتوى الكتاب:

 

في هذا الكتاب، ينبّه باتريك بوكانن إلى أن الموت الذي يلوح في أفق الغرب هو في الواقع مَوتان:

1) موت أخلاقي، بفعل الثورة الثقافية التي قلَبتْ القيَم التربوية والأُسَرية والأخلاقية التقليدية.

2) موت ديموغرافي – بيولوجي يظهر بوضوح على شاشات الكمبيوتر وفي السجّلات الحكومية التي تشير كلّ يوم إلى اضمحلال القوى البشرية في الغرب، وإصابة ما تبقى منها بشيخوخة لا شفاء منها إلا باستقدام المزيد من المهاجرين الشبان، أو بالقيام بثورة ثقافية مضادة تعيد القيَم الدينية والأخلاقية إلى المكان الذي شغلته خلال سنوات النموّ والازدهار.

والموتُ المقبل مريعٌ بشكلٍ خاصّ، لأنه وباءٌ من صنع أيدي الغربيين أنفسهم، ما يجعله أسوأ بكثير من الوباء الأسود الذي قتل ثلث سكان أوروبا في القرن الرابع عشر. فالوباء الجديد لا يقتل إلا الشباب، ما يحول الغرب عموماً وأوروبا بشكل خاصّ إلى قارة للعجائز.

والقصة ليست مجرّد تخمينات أو وجهات نظر، إنّما هي حقيقة واقعة تصدم لفرط وضوحها خاصة عندما تبدأ الأرقام بالحديث. فوفقاً للإحصاءات الحديثة، هبط معدل الولادة إلى 1.4 طفل، علماً أن الحاجة تدعو إلى معدل 2.1 طفل لمجرد تعويض وفيّات السكان الموجودين الآن، من دون الحديث عن زيادة عددهم.

وإذا بقيت معدلات الولادة الحالية على ما هي عليه فإنّ سكّان أوروبا البالغ عددهم 728 مليون نسمة، بحسب إحصاء عام 2000، سيتقلصون إلى 566 مليوناً عام 2050، ثم إلى 207 ملايين في نهاية هذا القرن.

في المقابل، وفي الوقت الذي تموت فيه أوروبا، يشهد العالم الثالث انفجاراً سكانياً لم يسبق له مثيل، بمعدل 80 مليوناً كلّ عام، ومع حلول عام 2050 سيبلغ مجمل نموّه السكاني أربعة مليارات إضافية من البشر.

وهكذا يصبح كابوس الغرب حقيقة وتصبح أوروبا بكل بساطة مِلكاً للعالم الثالث بعد وقتٍ ليس بالبعيد. وبالنسبة للمؤلّف، فإنّ الأرقام تصبح مخيفة أكثر عند تناولها لتشخيص مرض النقص السكّاني على مستوى الدول والأمم بعد 50 عاماً من الآن.

ففي ألمانيا سيهبط التعداد السكاني من 82 مليونا إلى 59 مليون نسمة، وسيشكّل عدد المسنّين ممّن تجاوزوا الـ 65 عاماً أكثر من ثلث السكان، أمّا إيطاليا فستشهد تقلّص عدد سكّانها البالغ 57 مليوناً إلى 41 مليوناً فقط، مع نسبة مسنّين تصل إلى 40 في المائة من التّعداد العام للسكّان، وفي إسبانيا ستكون نسبة الهبوط أكثر من 25 في المائة، وستشهد روسيا تناقص قواها البشرية من 147 مليوناً إلى 114 مليون نسمة، ولا تتخلّف اليابان كثيراً في اللّحاق بمسيرة الموت السكّاني؛ فقد هبط معدل المواليد اليوم إلى النصف مقارنة بعام 1950، وينتظر اليابانيون تناقص أعدادهم من 127 مليون نسمة إلى 104 ملايين عام 2050.

لكن لماذا توقّفت أمم أوروبا وشعوبها عن الإنجاب، وبدأت تتقبّل فكرة اختفائها عن هذه الأرض بمثل هذه اللامبالاة؟

الموت الأخلاقي يمهّد للفناء البيولوجي

يرى المؤلّف أنّ الجواب يكمن في النتائج المميتة لانتصار «الثورة الثقافيّة» في الغرب، وأنّ الموت الأخلاقي الذي جرّته هذه الثورة على الغربيّين هو الذي صنع موتهم البيولوجي، فانهيار القيمة الأساسية الأولى في المجتمع وهي الأُسرة، وانحسار الأعراف الأخلاقية الدينية التي كانت فيما مضى تشكّل سدّاً في وجه منع الحمل والإجهاض والعلاقات خارج إطار المؤسّسة الزوجية، إضافة إلى تبرير، لا بل تشجيع الفاحشة، كلّ هذا يدمّر بشكل تدريجي الخليّة المركزية للمجتمع وأساس استمراره؛ وهي الأُسرة.

وتبدو لغة الأرقام هنا أكثر هولاً، فقد ارتفع الرقم السنوي لعمليات الإجهاض في الولايات المتحدة، من ستة آلاف حالة سنوياً عام 1966 إلى 600 ألف عام 1973 وهو العام الذي سُمح فيه بالإجهاض، واعتبرت عملية قتل الأجنّة حقّاً للمرأة يحميه الدستور! وبعد عشر سنوات وصل الرقم إلى مليون و500 ألف حالة إجهاض في العام الواحد. أما نسبة الأطفال غير الشرعيّين فهي تبلغ اليوم 25 في المائة من العدد الإجمالي للأطفال الأمريكيين، ويعيش ثلث أطفال أمريكا في منازل دون أحد الأبوَين، من ناحية ثانية بلغ عدد حالات الانتحار بين المراهقين الأمريكيين ثلاثة أضعاف ما كانت عليه عام 1960، أما عدد مُدمني المخدّرات فهو لا يقلّ عن ستة ملايين شخص في الولايات المتحدة وحدها.

لقد تناقصت إلى حدٍّ كبير أعداد الشبّان والشابّات الراغبين في الزواج، في مجتمع متفلّت من أبسط الضوابط الأخلاقيّة، لا بل الضوابط التي تفرضها الطبيعة البشريّة السَّويّة. وهكذا تبدو صورة الغرب، اليوم، في أحلك أزمِنَتها، وهو ما يقرّره كبار الخبراء، ويعمل على التّنبيه من عواقبه مفكّرون ورجال الدّين وعدد من الحكومات، قبل فوات الأوان.

 
 
 

* نقلاً عن مواقع الكترونية - بتصرّف

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ يوم

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات