أحسن الحديث

أحسن الحديث

منذ يومين

﴿..فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ..﴾ الكهف:


﴿..فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ..﴾ الكهف:110

مَن قرأها كانت له نوراً إلى بيت الله الحرام

____ المقدّس الأردبيليّ رحمه الله ____


من كتاب (زبدة البيان في أحكام القرآن) للفقيه والعالم الربّاني أحمد بن محمّد المعروف بـالمقدّس أو المحقّق الأردبيلي (ت: 933 للهجرة)، اخترنا ما كتبه معلّقاً على الآية الأخيرة من سورة الكهف، ذاكراً خواصّها ومبيّناً أنّ الإخلاص في العمل وفي العبادات من شرائط قبولها.

 

﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ الكهف:110.

ورد في (مجمع البيان) للشيخ الطبرسي في تفسير هذه الآية: «أي فمَن يطمع في لقاء ثواب ربِّه ويأملُه، ويقرّ بالبعث إليه والوقوف بين يديه، وقيل: معناه: فمَن كان يخشى لقاء عذاب ربّه، وقيل: إنّ الرّجاء يشتملُ على المعنيَين: الخوف والأمل، وأنشد في ذلك قولَ الشّاعر :

فَلا كُلُّ ما تَرْجو مِنَ الخَيْرِ كائِنٌ

وَلا كُلُّ ما تَرْجو مِنَ الشَّرِّ واقِعُ».

 

* قوله تعالى: ﴿..فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا..﴾: أي خالصاً لله يتقرّب إليه.

* وقوله سبحانه: ﴿..وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾: أي لا يُشرك معه غيره من ملَكٍ أو بشرٍ أو حجرٍ أو شجرٍ. وقيل: معناه لا يُرائي في عبادته أحداً.

* عن سعيد بن جبير ومجاهد، قالا: (جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله فقال: إنّي أتصدّق وأصِلُ الرّحِم، ولا أصنع ذلك إلّا لله، فيُذكر ذلك منّي وأُحمَد عليه، فيسرّني ذلك وأعجب منه، فسكتَ رسول الله صلّى الله عليه وآله ولم يقل شيئاً، فنزلت الآية).

* قال عطاء عن ابن عبّاس: (إنّ الله تعالى قال: ﴿..وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾، ولم يقل ولا يُشرك به، لأنّه أراد العمل الّذي يُعمَل لله ويحبّ أن يُحمَد عليه، قال: ولذلك يُستحبّ للرّجل أن يدفع صدقتَه إلى غيره ليقسّمها، كيلا يعظّمه مَن يصلُه بها).

* ورُوي عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله، أنّه قال: (قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنا أَغْنى الشُّرَكاءِ عَنِ الشَّرِكَةِ، فَمَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فيهِ غَيْري، فَأَنا مِنْهُ بَريءٌ، فَهُوَ للّذي أَشْرَكَ). أورده مسلم في (الصّحيح).

* وروي عن عبادة بن الصّامت وشدّاد بن أوس، قالا: (سمعنا رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: مَنْ صَلّى صَلاةً يُرائي بِها فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ صامَ صَوْماً يُرائي بِهِ فَقَدْ أَشْرَكَ، وقرأ هذه الآية).

وروي أنّ أبا الحسن الرّضا عليه السّلام دخل يوماً على المأمون فرآه يتوضّأ للصّلاة، والغلامُ يصبّ على يده الماء، فقال: ﴿..وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾، فصرف المأمون الغلام وتولّى إتمام وضوئه بنفسه.

* وقيل إنّ هذه الآية آخرُ آية نزلت من القرآن؛ روى الشّيخ الصّدوق أبو جعفر بن بابويه، رضي الله عنه، بإسناده عن عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جدّه، عن عليٍّ عليه السّلام، قال: (ما مِنْ عَبْدٍ يَقْرَأُ ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ..﴾، إلّا كانَ له نورٌ في مَضْجَعِهِ إِلى بَيْتِ اللهِ الحَرامِ، وَإِنْ كانَ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ الحَرامِ كانَ لَهُ نورٌ إِلى بَيْتِ المَقْدِسِ)، وقال أبو عبد الله الصادق عليه السّلام: (ما مِنْ أَحَدٍ يَقْرَأُ آخِرَ الكَهْفِ عِنْدَ النَّوْمِ إِلّا يَتَيَقَّظُ في السّاعَةِ الّتي يُريدُها)».

الإخلاص شرط قبول العبادة

ثمّ اعلم أنّ هذه الآية الشّريفة بالتّفسير المُتقدِّم تدلّ على وجوب الإخلاص، واشتراطه في العبادة، بحيث لا يلحقه بعد ذلك أيضاً عُجبٌ وسرورٌ بعمله، ويدلّ عليه أيضاً قوله تعالى: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ آل عمران:188، وهو في غايةٍ من الإشكال والصّعوبة، اللهُ يُعين ويَعفو.

ويُفهم التّأويل ممّا سيجيء من (الكشّاف)، وأيضاً تدلّ الآيةُ على اشتراط الاستقلال بالعبادة، فلا يصحّ التّولية والاستعانة فيها، ويدلّ عليه أيضاً ما روي عن الرّضا، عليه السّلام، حين سُئل أن يُصَبّ الماء عليه ومنعه، فقال السّائل: «ما تحبُّ أن أؤجَر؟ فقال: تُؤْجَرُ أَنْتَ وَأُعاقَبُ أَنا»، ولكنّ هذه مع ما تقدّم من حكاية المأمون يدلّان على صحّة ذلك الفعل، وحصول الثّواب للمُعين والعقاب للمُعان، وهو مشكل، فإنّه ينبغي بطلان العبادة، فكان يجب على المأمون إعادة الوضوء وعلى الإمام الأمرُ بها، لا الإتمام، والعقاب على المُعين أيضاً، فإنّه يصير مُعيناً على الحرام، إلّا أن يُحمل على الكراهة مع الطّلب، ويكون مقصوده عليه السّلام بقراءة الآية إشارة إلى المبالغة في المنع لا الحقيقة، أو يكون ما فعله المأمون من مندوبات الصّلاة، أو ما تمكّن [لم يتمكّن] عليه السّلام من أكثر من ذلك، ويكون المُعين جاهلاً وقَصَدَ القُربة فيُثاب، فيكون هذا دليلاً لكون الجاهل معذوراً.

للانتباه ليلاً، واستغفار الملائكة

واعلم أنّا قد جرّبنا الانتباه في وقتٍ أردناه بقراءة الآية المُتقدّمة، وقد وجدناه كما رُوي غير مرّة، وأخبرنا بعض مَن يوثَق به من الأصحاب أيضاً بذلك، فالخبر صحيحٌ، فيكون وجود النّور من المضجع إلى البيت الحرام كذلك صحيحاً، فإنّهما مرويّان في رواية واحدة - ولا معنى لصِدق بعضه وكَذِب البعض - ولكنّ الرواية مرويّة مع إضافة: حَشْو ذلك النّور من الملائكة ودعائهم للقارئ إلى أن يستيقظ، كما رأيتُه في غير (مجمع البيان) مثل (التّهذيب) للشيخ الطوسي، وسيَجيء في (الكشّاف) كذلك، فلعلّ في (مجمع البيان) غلطاً ونقصاً، ويؤيّده ما رواه أبو جعفر بن بابويه في (الفقيه) في باب (ما يقول الرّجل إذا أوى إلى فراشه): «قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: مَنْ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ عِنْدَ مَنامِهِ ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ..﴾ الآية، سَطَعَ لَهُ نورٌ إِلى المَسْجِدِ الحَرامِ، حَشْوُ ذَلِكَ النّورِ مَلائِكَةٌ يَسْتَغْفِرونَ لَهُ حَتّى يُصْبِحَ»، أو تكون هذه الإضافة وردت في (مجمع البيان) في غير هذا المحلّ.

وأيضاً يكفي للعمل وحصول ذلك الثّواب الإجماع والأخبار من العامّة والخاصّة المنقولين في حصول الثّواب لعامل عملٍ بما رُوي عنه صلّى الله عليه وآله، وإن لم يكن كما رُوي، وهو ينفع هنا وفي غيره من الأعمال الكثيرة، وفّقنا الله وإيّاكم للعلم والعمل الخالصَين .

وفي (الكشّاف) للزمخشري: «فمن كان يأمل حُسنَ لقاء ربّه وأن يلقاه لقاء رضًى وقبول ".." أو فمَن كان يخاف سوءَ لقاء ربّه. والمرادُ بالنّهي عن الإشراك بالعبادة أن لا يُرائي بعمله، وأن لا يبتغي به إلّا وجهَ ربّه خالصاً، لا يخلطُ به غيره. وقيل: نزلت في جُندب بن زهير؛ قال لرسول الله صلّى الله عليه وآله: (إنّي أعملُ العملَ لله، فإذا اطُّلع عليه سرّني، فقال صلّى الله عليه وآله: إِنَّ اللهَ لا يَقْبَلُ ما شُورِكَ فيهِ)، وروي أنّه قال له: (لَكَ أَجْرانِ؛ أَجْرُ السِّرِّ وَأَجْرُ العَلانِيَةِ)، وذلك إذا قصد أن يُقتدَى به. وعنه عليه السّلام: (اتَّقُوا الشِّرْكَ الأَصْغَرَ، قالوا: وما الشّرك الأصغر. قال: الرِّياء).

وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله: (مَنْ قَرَأَ سورَةَ الكَهْفِ مِنْ آخِرِها، كانَتْ لَهُ نوراً مِنْ قَرْنِهِ إِلى قَدَمِهِ؛ وَمَن قَرَأَها كُلَّها كانَتْ لَهُ نوراً مِنَ الأَرْضِ إِلى السَّماءِ)، وعنه عليه السّلام: (مَنْ قَرَأَ عِنْدَ مَضْجَعِهِ: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ..﴾، كانَ لَهُ في مَضْجَعِهِ نورٌ يَتَلَأْلَأُ إِلى مَكَّةَ، حَشْوُ ذَلِكَ النّورِ مَلائِكَةٌ يُصَلّونَ عَلَيْهِ حَتّى يَقومَ، وَإِنْ كانَ مَضْجَعُهُ بِمَكَّةَ كانَ لَهُ نورٌ يِتَلَأْلَأُ مِنْ مَضْجَعِهِ إِلى البَيْتِ المَعْمورِ، وَحَشْوُ ذَلِكَ النّورِ مَلائِكَةٌ يُصَلّونَ عَلَيْهِ حَتّى يَسْتَيْقِظَ)»، فالخبرُ في ثواب قراءة هذه الآية وتفسيرها ما وافق عليه العامّة والخاصّة.

  

لا تَملُّوا من قراءة إذا زُلزِلت

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه الصّادِقِ عَلَيهِ السَّلَام: «لَا تَمَلُّوا مِنْ قِرَاءَةِ (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا)، فَإِنَّه مَنْ كَانَتْ قِرَاءَتُه بِهَا فِي نَوَافِلِه لَمْ يُصِبْهُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ بِزَلْزَلَةٍ أَبَداً، ولَمْ يَمُتْ بِهَا، ولَا بِصَاعِقَةٍ، ولَا بِآفَةٍ مِنْ آفَاتِ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُوتَ. وإِذَا مَاتَ نَزَلَ عَلَيْه مَلَكٌ كَرِيمٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّه، فَيَقْعُدُ عِنْدَ رَأْسِه، فَيَقُولُ: يَا مَلَكَ الْمَوْتِ ارْفُقْ بِوَلِيِّ اللَّه، فَإِنَّه كَانَ كَثِيراً مَا يَذْكُرُنِي ويَذْكُرُ تِلَاوَةَ هَذِه السُّورَةِ. وتَقُولُ لَه السُّورَةُ مِثْلَ ذَلِكَ، ويَقُولُ مَلَكُ الْمَوْتِ: قَدْ أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَسْمَعَ لَه وأُطِيعَ، ولَا أُخْرِجَ رُوحَه حَتَّى يَأْمُرَنِي بِذَلِكَ، فَإِذَا أَمَرَنِي أَخْرَجْتُ رُوحَه. ولَا يَزَالُ مَلَكُ الْمَوْتِ عِنْدَه حَتَّى يَأْمُرَه بِقَبْضِ رُوحِه، وإِذَا كُشِفَ لَه الْغِطَاءُ فَيَرَى مَنَازِلَه فِي الْجَنَّةِ، فَيُخْرِجُ رُوحَه مِنْ أَلْيَنِ مَا يَكُونُ مِنَ الْعِلَاجِ، ثُمَّ يُشَيِّعُ رُوحَه إِلَى الْجَنَّةِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، يَبْتَدِرُونَ بِهَا إِلَى الْجَنَّةِ».

(الكليني، الكافي: ج 2، ص 626، دار الكتب الإسلامية)

 

اخبار مرتبطة

  فرائد

فرائد

  دوريات

دوريات

منذ يومين

دوريات

نفحات