عصا موسى تلقَفُ ما يأفكون
خطورة إنكار حقائق القرآن بدعوى «العقل»
تقدّم الحديث عن الكرامة الإلهية الخاصّة للإمام الرضا عليه السلام، بنزول المطر عقب صلاته ودعائه عليه السلام، وما أعقبها من جوٍّ مشحون في البلاط العباسي ضدّ الرضا عليه السلام، وما انتهى إليه الأمر من خيبتهم والمأمون جميعاً، وأنه ما فتئ ضئيلاً في نفسه حتى شهادة الإمام صلوات الله عليه.
وأرجو من الله عزّ وجلّ أن يقيّض لهذه الكرامة، ونظائرها، مَن يُخرجها ويصوّرها في أفلام، ويكتب عنها روايات، وأن تُنشر على أوسع نطاق؛ نثراً وشعراً. هذا إذا أردنا أن نعرّف بأهل البيت عليهم السلام على قاعدة الإيمان بالغَيب، وألا نكون من ضحايا الغزو الثقافي الذي يفكّر بالمادة ويفكّر بالعينين، ويركب الموجة العامّة. فالنهج السائد أو نمط التفكير عند كثير من المؤمنين حيال المعاجز والكرامات، هو: ما هذه الخرافات؟!
هل هذه حقّاً خرافات؟ رواية نزول المطر التي تقدّم ذكرها مرتبطة بعصا موسى عليه السلام، كما سيأتي. وهل عصا موسى عليه السلام خرافة أم حقيقة قرآنية؟
إذا كان المقياس في قبول ورفض ما ورد في القرآن الكريم هو ما ينسجم مع العقل، وما هو غير مستغرَب، فإذاً ثلاثة أرباع القرآن لا يقبله «العقل».
وهل يَرد المبدأ القرآني لمرة واحدة لا تتكرر، أم أن كتاب الله تعالى يضع لنا أسس التفكير والتعقّل، من قبيل أنّه: يُمكن للنمل أن يتكلم، ويُمكن للهدهد أن يصبح ضابط استطلاع أمني لا يرقى إلى مستواه حتّى الضابط الأمني الكبير الذي يتأثّر بالغرب، لأنّ الهدهد ذهب واستطلع وتحدّث عن قوّة الجانب المادّي وعن ضعف العقيدة: ﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ..﴾. النمل:24. يوجد عرش عظيم ومُلك عظيم، لكنّي وجدتهم يسجدون للشمس، وهذا قول الهدهد.
مبدأ الإيمان بالغَيب يقول بأنّ الكائنات والموجودات كلّها، بلا استثناء، تمتلك حياةً وتوحيداً: ﴿..وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ..﴾. الإسراء:44
والإنسان أشرف الكائنات، لكن هذا لا يعني أن الجماد والحيوان لا قيمة لها. إذا ألغى الإنسان هذا الجانب -العقل والإيمان بالغَيب- يصبح أسوأ من الحيوان: ﴿..إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ الفرقان:44.
يجب أن نقف مليّاً عند هذه العناوين ونتدبّر فيها، إذا أردنا أن نعرف أئمّتنا عليهم السلام حقّ معرفتهم.
مقارنة بين عصا موسى وصورتي الأسدين
تلك كانت عصا وهاتان صورتان، فإلامَ تحوّلت العصا؟ لنعرف إمكانية تحول الصورتين إلى أسدين، أكتفي بهذه الرواية التي أوردها الشيخ الكليني في (الكافي: 1/231):
«..عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: كانت عصا مُوسى لآِدمَ عليه السلام، فصارتْ إلى شُعَيب، ثمّ صارتْ إلى موسَى بنِ عِمران، وإنّها لَعِندَنا، وإنّ عَهدي بها آنِفاً وهيَ خضراءُ كَهيئَتِها حينَ انتُزِعَت من شجرتِها، وإنَّها لَتَنطِقُ إذا استُنطِقَت، أُعِدَّت لِقائِمِنا عليه السلام، يَصنَعُ بها ما كانَ يَصنَعُ موسى، وإنَّها لَتَرُوعُ وتَلقَفُ مَا يأْفِكونَ، وتَصنَعُ ما تُؤمَرُ به، إنّها حيثُ أَقبَلَت تَلقَفُ مَا يَأفِكُونَ، يُفتَحُ لها شُعبتانِ؛ إحداهُما في الأرضِ والأُخرى في السّقفِ، وبينهما أربعونَ ذِراعاً، تَلقَفُ ما يَأْفِكونَ بِلسانِها».
كرامة باب الحوائج
تشبه هذه الكرامة المعجزة للإمام الرضا ما حصل من أبيه الإمام الكاظم عليهما السلام، التي ذكرها الشيخ الصدوق في (أماليه: ص 212)، قال:
«...استَدعى الرشيدُ رجلاً يُبطِلُ به أمرَ أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام، ويقطعه ويُخجله في المجلس، فانتُدِب له رجلٌ مُعَزِّم (المُعَزِّم: الراقي الذي يعمل بالعزيمة والرّقى)، فلمّا أُحضرت المائدة عمل ناموساً (سحراً) على الخبز، فكان كلّما رام خادم أبي الحسن عليه السلام، تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه، واستفزّ هارون الفرح والضحك لذلك، فلم يلبث أبو الحسن عليه السلام، أنْ رفَع رأسَه إلى أسَدٍ مُصوّر على بعض السّتور، فقال له: (يا أسدَ الله، خُذْ عدوَّ الله).
قال: فوثَبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السِّباع، فافترَسَت ذلك المُعزِّم، فخَرَّ هارون وندماؤه على وجوههم مغشيّاً عليهم، وطارت عقولهم خوفاً من هَول ما رأوه، فلمّا أفاقوا من ذلك بعد حين، قال هارون لأبي الحسن عليه السلام: أسألُك بِحقّي عليك، لما سألَت الصورة أن تردّ الرجل.
فقال: (إنْ كانت عصا موسى عليه السلام، رَدّت ما ابتلعَتْه من حِبال القوم وعِصيِّهم، فإنّ هذه الصورة تردُّ ما ابتلعَته من هذا الرجل)...».
كرامة الإمام الهادي
في معرض شرح الشيخ البهائي في كتابه (مفتاح الفلاح: ص 173) لدعاء الساعة العاشرة، الخاصة بالإمام الهادي عليه السلام، وحول عبارة (الذي كَفَيْتَه حِيلَة الأعداء)، قال الشيخ البهائي:
«فيه إشارة إلى ما رواه أصحاب السِّيَر من الخاصّة والعامّة، من أنّ المتوكّل أمَر بعض السّحَرة أن يعمل ما يُوجب خجل الهادي عليه السلام، فلمّا أراد الساحر فعل ذلك، أشار عليه السلام إلى صورة أسد منقوشة على بعض وسائد المتوكّل، وأمَرَها بافتراس الساحر، فصارت بإذن الله أسداً وافترست الساحر، ثمّ عادت إلى ما كانت».
ثمّ قال الشيخ البهائي، أنّ: «المتوكّل لمّا رأى ذلك أُغمي عليه وعلى أهل المجلس، فلمّا أفاق قال للإمام عليه السلام: أردُدْ ذلك الرجل، فقال عليه السلام: إنْ كانت عصا موسى عليه السلام، تردّ حبالَ السحرة وعصيّهم فذلك الرجل يُردّ».