معرفةُ الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وتجديدُ البيعة*
____ الشيخ حسين كوراني ____
إذا كانت قضيّة الإمام المهديّ عجّل
الله تعالى فرجه الشريف مثيرةً للجدل في
العالم، فإنّها، دون شكّ، حقيقة ثابتة لمَن آمن بالله وبما جاء به رسول الله، صلّى
الله عليه وآله وسلّم. وإذا اختلف المسلمون في بعض تفاصيل تلك القضيّة، فإنّ
الثّابت لدى جميعهم أنّ الإمام المهديّ عليه السلام سيملأ الدّنيا عدلاً بعدما مُلئت
جوراً... لذا كان لا بدّ من معرفته صلوات الله عليه، فهو وإن طالت غَيبتُه، فإنّ
أواصر الاتّصال به لا تنقطع، ولا بدّ من المحافظة على متانة تلك العلاقة بحبل
المعرفة المتين والدّعاء الصّادق...
ورد
في الحديث: «مَنْ عَرَفَ إِمامَهُ ثُمَّ ماتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى هَذا الأَمْرِ ".."
كانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ كَمَنْ كانَ مَعَ القائِمِ في فِسْطاطِهِ». رواه الشّيخ
الطّوسيّ في (الغَيبة).
هل
نعرف إمامنا وحجّة الله علينا؟ وهل تكفي المعرفة الإجماليّة الباهتة؟
حقّاً..
لماذا نجد أكثر أوساطنا لا تعيش حقيقة وجوده المبارك، بل لا يكاد يُذكر اسمه إلّا
في منتصف شعبان، وعند تعداد أسماء الأئمّة المعصومين عليهم السّلام؟
وحتّى
مَن يتصوَّر منّا أنّه يعرفه.. سيجد عندما يرجع إلى الرّوايات والتّفاصيل التي
ذكرها العلماء أنّه لا يعرف عنه، سلام الله عليه، ما يكفي.. ولقد حقّقت ثورة
الإسلام المظفّرة في إيران تقدّماً جيّداً في مجال ربط الأُمّة بالإمام المُنتظَر..
إلّا أنّنا رغم ذلك ما زلنا بحاجة ماسّة إلى معرفته ونقل الإحساس بوجوده المبارك
من مرحلة التّصوّر إلى التّصديق الجازم الحارّ الذي لا ينفكُّ عن العمل.
وتحتلّ
معرفة الإمام مرتبة مهمّة من وجهة نظر الإسلام، تدلّ على ذلك أحاديث كثيرة، منها:
*
«مَنْ ماتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إِمامَ زَمانِهِ ماتَ ميتةً جاهِلِيَّةً».
*
وقد ورد في حديث عن الإمام الصّادق عليه السّلام أن ندعو في عصر الغَيبة بدعاءٍ
جاء فيه: «اللَّهُمَّ عرِّفْني حُجَّتَكَ، فَإِنَّكَ
إِنْ لَمْ تُعَرِّفْني حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ ديني».
والمِيتة
الجاهليّة الواردة في الحديث الأوّل سببُها الضّلال عن الدّين الوارد في الحديث
الثّاني.
*
وقد رُوي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّ رسول الله، صلّى الله عليه وآله وسلّم،
قال في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ..﴾ الإسراء:71،
«يُدْعى كُلُّ أُناسٍ بِإِمامِ زَمانِهِمْ، وَكتابِ رَبِّهِمْ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ».
بعض ما تنبغي معرفته عنه عليه السّلام
أوّلاً:
النّصّ على إمامته من جدّه المصطفى، صلّى الله عليه وآله وسلّم، والرّوايات في ذلك
كثيرة جدّاً، وقد أكّدت مضامينَها النّصوصُ الكثيرة أيضاً الواردة عن آبائه عليهم
السّلام.
ثانيّاً:
حلّ إشكاليّة طول العمر حتى لا تكون عائقاً يحول دون الاعتقاد الجازم بوجوده، سلام
الله عليه.
ثالثاً:
علامات الظّهور.
رابعاً:
واجب المسلمين تجاهه في عصر غَيبته.
إلى
غير ذلك ممّا يتفرّع على ما تقدّم أو يرتبط به.
ومن
جملة الأدعية التي ورد الأمر بالمواظبة عليها في زمن الغَيبة، ما رُوي عن الإمام
الصّادق عليه السّلام، أنّه قال لأحد أعظم أصحابه: «يَا زُرَارَةُ، إِذَا أَدْرَكْتَ
هَذَا الزَّمَانَ – زمن الغيبة – فَأدِمْ هَذَا الدُّعَاء:
اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي
نَفْسَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ،
اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي
رَسُولَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ،
اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي
حُجَّتَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي».
وقد
وردت أدعية أخرى تشكّل هذه الفقرات بدايتَها، منها ما رواه الشيخ الصدوق في (كمال
الدين) تحت عنوان: «دعاء في غيبة القائم»، ويتّضح من الروايات أنّ كُلّاً منهما دعاءٌ
مستقلّ،
وقد
أكّد السيّد ابن طاوس أهميّةَ هذا الدعاء، وقراءتَه بعد صلاة العصر من يوم الجمعة بشكلٍ
خاصّ. قال رحمه الله: «إذا كان لك عذرٌ عن جميع ما ذكرناه من تعقيب العصر يوم الجمعة،
فإيّاكَ أن تُهمل الدعاء به، فإنّنا عرفنا ذلك من فضل الله جلّ جلاله الذي خصّنا به،
فاعتَمد عليه».
البيعة
عن
رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَنْ ماتَ وَلَيْسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ ماتَ
ميتَةً جاهِلِيَّةً».
(صحيح مسلم: 6/22،
دار الفكر)
*
ورد استحبابُ تجديد بَيعة الإمام المهديّ عليه السّلام بعد كلّ صلاة من الصّلوات
الخمس، أو في كلّ يومٍ، أو في كلّ جمعة. ومفهوم البيعة لإمام المسلمين متَّفقٌ
عليه بين المسلمين، وقد ورد في (صحيح) مسلم عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:
«مَنْ ماتَ وَلَيْسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ لِإِمامِ المُسْلِمينَ فَميتَتُهُ ميتَةٌ
جاهِلِيَّةٌ».
وبعضُ
أدعية عصر الغَيبة صريحةٌ في تجديد البيعة للإمام المهديّ، عليه السّلام، والفوائد
العمليّة المترتّبة على هذه البيعة كثيرة، منها:
أوّلاً:
الشّعور بالارتباط بالقائد الإلهيّ الذي يشكِّل امتداداً واضحاً لمسيرة الأنبياء
والأوصياء عبر مراحل مختلف الأديان السّماويّة... وهو وصيّ رسول الله صلّى الله
عليه وآله وسلّم.
ثانياً:
إعطاء الارتباط بالفقيه الوليّ لأمر المسلمين البُعد العقائديّ الصّحيح... فمن
الواضح أنّ المرتبط ببيعة للإمام المنتظر المدرك لمقتضيات هذه البيعة، سيكون شديد
الصِّلة بنائبه الذي أمر عليه السّلام بالرّجوع إليه في عصر الغَيبة الكبرى.
ثالثاً:
الحذر من الرّكون إلى الظّالمين، لأنّ مَن يبايع قائداً إلهيّاً أساس دعوته توحيد
الله ونَفيُ الآلهة المصطنعة... فسيشكّل ذلك حاجزاً نفسيّاً بينه وبين الطّواغيت
الذين يعيثون في الأرض فساداً، ويحكمون بغير ما أنزل الله تعالى.
كيف نجدّد البيعة؟
*
ورد في زيارة الإمام المهديّ المستحبّة بعد صلاة الفجر في كلّ يوم:
«اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي هَذا اليَوْمِ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ عَهْداً
وَعَقْداً وَبَيْعَةً فِي رَقَبَتِي».
*
وورد في دعاء العهد المرويّ عن الإمام الصّادق عليه السّلام:
«اللَّهُمَّ
إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبيحةِ
يَوْمِي هذا، وَما عِشْتُ مِنْ أيّامِي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ فِي عُنُقِي،
لا أَحُولُ عَنْها وَلا أَزُولُ أَبَداً، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصارِهِ وَأَعْوانِهِ،
وَالذَّابِّينَ عَنْهُ، وَالمُسارِعِينَ إِلَيْهِ فِي قَضاء حَوائِجِهِ، وَالمُمْتَثِلِينَ
لأوامِرِهِ وَالمُحامِينَ عَنْهُ، وَالسَّابِقِينَ إِلى إِرادَتِهِ وَالمُسْتَشْهَدِينَ
بَيْنَ يَدَيْهِ».
*
أوقات تجديد البيعة:
1
- بعد صلاة الصّبح.
2
- بعد كلّ صلاة.
3
- في يوم الجمعة الذي يحظى بأهمّيّة خاصّة لتجديد البيعة فيه. قال السيّد محمّد
تقي الأصفهاني في (مكيال المكارم): «ويستحبّ تجديد العهد والبيعة له في كلّ جمعة
نظراً إلى ما قدّمناه من الرّواية أنّ الملائكة يجتمعون في كلّ جمعة في البيت
المعمور ويجدّدون عهد ولاية الأئمّة عليهم السّلام ".."
مضافاً إلى أنّ يوم الجمعة هو اليوم الّذي أخذ اللهُ العهد والميثاق بولايتهم
عليهم السّلام من العالَمين، ومضافاً إلى مزيد اختصاص ذلك اليوم به صلوات الله
وسلامه عليهم..».
*
من كتاب (آداب عصر الغيبة) للشيخ حسين كوراني