وصيّة الحرّ العامليّ لولده
عليكَ بتلاوة القرآن، والأوراد، وكثرة
المطالعة، وحفظ أكثر الأدعية
_____ إعداد: «شعائر» _____
وصيّة
أخلاقيّة جامعة للمحدّث الحرّ العامليّ محمّد بن الحسن (ت: 1104 للهجرة)، ذكرها الشيخ آقا بزرك الطّهرانيّ
في (الذّريعة)، قائلاً: «كتبها لولده محمّد رضا أوان
عزمه على سفر الحجّ. تقرب من مائتي بيت كتابة... ويُحيل فيها إلى كتابه (تفصيل
وسائل الشّيعة)... والنّسخة ملحَقة بآخر (شرح الباب
الحادي عشر) للسيّد صدر الدين محمّد بن باقر الرضوي القمّي».
بسم الله الرّحمن الرّحيم
..أوصيك
أيّها الولد السّعيد وفّقك الله:
أوّلاً:
بالإخلاص في جميع
العبادات، وأهمّها: طلب العلم وتعلّمه وتعليمه، فينبغي أن يكون قصدك بجميع تلك
الأقسام رضاءُ الله والتّقرّب إليه وطاعته وامتثال أمره، وإيّاك والرّياء، فإنّ
الرّياء شركٌ بالله، فلا تقصد بشيءٍ من ذلك رضاء أحدٍ من النّاس، ولا تحصيلَ شيءٍ
من النّفع الدّنيويّ، وتفكّر في قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي
حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي
الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ الشّورى:20.
واعلم
أنّ النّاس لا خير فيهم يُعتَدّ به، فأقبِل بقلبك على الله، فقد روي: «مَنْ أَصْلَحَ
ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ أَصْلَحَ اللهُ ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ النّاسِ، وَمَنْ أَصْلَحَ
سَريرَتَهُ أَصْلَحَ اللهُ عَلانِيَتَهُ، ومَنْ خافَ اللهَ أَخافَ اللهُ مِنْهُ كُلَّ
شَيْءٍ، وَمَنْ لَمْ يَخَفِ اللهَ أَخافَهُ اللهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ».
وثانياً:
ببذل الجهد في
العبادات، من تَعَلُّمِ العلوم الشّرعيّة وكثرة المطالعة والحفظ والتّفهيم،
ومذاكرة العلماء ومجالستهم وسؤالهم، والمواظبة على الصّلاة الواجبة في أوّل
أوقاتها، والمندوبة من النّوافل المرتّبة وغيرها، وخصوصاً صلاة اللّيل، وصلاة
جعفر، وتلاوة القرآن وكثرة الدّعاء، وذِكر الله من التّهليل والتّحميد والتّسبيح
والتّكبير والاستغفار، والصّلاة على محمّدٍ وآله، والتّوبة، والصّوم الواجب
والمندوب، والتّصدّق وإطعام الطّعام، وسَقي الماء والزّيارات وعيادة المريض، وتشييع
الجنازة، وزيارة المؤمنين وقضاء حوائجهم، وإدخال السّرور عليهم، وفعل المعروف،
وجهاد النّفس، ومنعها من المُحرّمات والمكروهات وتضييع الأوقات، وأمرها بصرف جميع
الحركات والسّكنات إلى أنواع العلم والعبادات.
وثالثاً: بالاعتقاد والاهتمام بالعلوم النّافعة المأمور بها وهي:
النّحو والصّرف والمعاني والبيان واللّغة والفقه والحديث والتّفسير. فعليك بِتعلُّمها
وتعليمها، ومطالعة كُتبها وحفظ مسائلها وقواعدها، فإنّها تشتمل على جميع ما يُحتاج
إليه من المطالب الدّينيّة، وأكثر العلوم المشهورة، سوى ما ذُكر من المُستحدثات
والمُخترعات، وما وصل في زمان المأمون [العبّاسيّ] إلى المسلمين من علوم الحكماء
والفلاسفة المتقدّمين. وفي العلوم السّابقة، خصوصاً علم الحديث، ما يُغني عنها، بل
هو أوثق منها. فقد اشتملت أخبار الأئمّة الأطهار، عليهم السّلام، على جميع ما
يحتاج إليه النّاس، بل على ما يزيد على قدر الحاجة والكفاية من الأدلّة العقليّة
والنّقليّة والمطالب الدّينيّة والدّنيويّة.
عليك
بكثرة تتبّع كُتب الحديث، وقد أجزتُ لك روايتها عنّي بالطّرق المعروفة، وقد ذكرت
بعضها في آخر (وسائل الشّيعة)، وباقيها في كُتب الرّجال والإجازات، وفي كتب العلم
المذكورة فوائد وأدلّة موافقة للأحاديث، فهي مؤيّدة لها، فتصلح حجّةً ودليلاً
إلزاميّاً لأهل الباطل، ولعلّ ذلك مطلب مؤلّفيها منها، ولكن فيها شبهات وتمويهات
وتدليسات وتلبيسات ينبغي - بل يجب - الحذر منها والاحتراز عنها.
ورابعاً:
بحُسن العِشرة
للنّاس.. واجتناب سوء الخُلق وخبث اللّسان، فقد روي في الحديث: «مَنْ خافَ
النّاسُ لِسانَهُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النّارِ»، وروي: «شَرُّ النّاسِ مَنْ
أَكْرَمَهُ النّاسُ اتِّقاءَ شَرِّهِ»...
وخامساً:
بحفظ النّفقة
ومعرفة وجوه الإنفاق، وليكن من غير إسرافٍ ولا تقتير ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً
إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾
الإسراء:29، ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ
يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ الفرقان:67.
وينبغي
التّقدير والاختصار... وفي الحديث: «ضَمِنْتُ لِمَنِ اقْتَصَدَ أَنْ لا يَفْتَقِرَ»...
وسادساً:
بتدبّر العواقب،
فلا تفعل شيئاً بغير تأمّل، ولا تقل شيئاً بغير فكرٍ وتدبُّر، وعليك بالاستشارة
والاستخارة عند الأمور المُهمّة التي يُخشى من عواقبها، مَن لم يستشر يندم. وعليك
بالتّوكّل على الله وإيّاك الإفراط في الحذر فإنّه يدعو إلى الجُبن، وفي الحديث: «قُرِنَتِ
الهَيْبَةُ بِالخَيْبَةِ وَالحَياءُ بِالحِرْمانِ..».
واصرف
العَزم والهمّة إلى الأمور المهمّة، ففي الحديث: «ما ضَعُفَ بَدَنٌ عَمّا قَوِيَتْ
عَلَيْهِ النِّيَّةُ»، وروي: «مَنْ طَلَبَ شَيْئاً وَجَدَّ وَجَدَ. وَمَنْ
قَرَعَ باباً وَلَجَّ وَلَجَ».
والإفراط
والتّفريط في كلّ شيء مذمومان وخير الأمور أوسطها.
وسابعاً:
بملازمة الأوراد
والأدعية المأثورة، وكَثرة مطالعة كُتب العبادات والدّعاء، وحِفظ أكثر الأدعية
والمواظبة عليها، وخصوصاً الأدعية المختصَرة
وسائر أدعية الصّباح والمساء، وتعقيبات الصّلاة وأدعية المهمّات ودفع
المخاوف، وينبغي الاعتناء والاهتمام بالدّعاء فإنّه وسيلةٌ عظيمة، بل هو أقوى
الوسائل إلى حصول المطالب، فليطلب الإنسان كلّ ما يريده من الله وَلْيَتوكّل عليه،
وليَسْعَ به وليُحسِن ظنّه بربّه فإنّ ذلك أنفعُ الأشياء. وليغتنم الدّعاء وطلب
الحوائج من الله في الأوقات الشّريفة كشهر رمضان وليلة الجمعة ويومها ويوم الغدير،
وفي المشاهد المشرّفة خصوصاً مشهد الحسين، عليه السّلام، فإنّ الله عوّضه من قتله
أنّ الشّفاء في تربته وإجابة الدّعاء تحت قبّته والأئمّة التّسعة من ذرّيّته، وأنْ
لا تُعدّ أيّام زائريه من أعمارهم. وينبغي... الإلحاح في الدّعاء فإنّه أقرب إلى
الأجابة.
وثامناً:
بالصّبر على
البلاء والرّضا بالقضاء والقدر... ولا بدّ من انكشاف البلاء والشّدّة، فإنّ الله
مع الصّابرين. و[قد] مُدح الصّبر وذُمّ الجزع في الأخبار المتواترة.
وتاسعاً: ببذل الجهد في جهاد النّفس، ودفع وساوس الشّيطان عنها،
وصرف الأفكار الفاسدة والهموم الدّنيويّة عن القلب بقدر الإمكان، والتّوجّه إلى
الآخرة ومهمّات الدّنيا الضّروريّة المأمور بها شرعاً، وجهادُ النّفس واجبٌ، فإنّ
النّفس لأمّارةٌ بالسّوء، فإنّها تميل إلى البطالة والرّاحة وتضييع العمر
والاشتغال بالشّهوات الدّنيويّة واللّذات البدنيّة والأمور السّخيفة الدّنيويّة،
فيجب متابعة الشّرع والعقل ومخالفة الهوى والنّفس، ففي ذلك الفوز في الدّنيا
والآخرة، ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى *
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ النّازعات:40-41.
وعاشراً:
بصرف جميع
الحركات والسّكنات إلى قصد القربة والعبادة، فتقصد بالأكل دفعَ ضرر الجوع، وحفظ
صحّة البدن، وتحصيل القوّة للعلم والعبادات، ونحو ذلك الشّرب والنّوم وسائر
الحركات والسّكنات، فإنّ الأعمال بالنّيّات.
وعليك
يا بنيّ بالرّجوع إلى وصايا النّبيّ والأئمّة عليهم السّلام والعمل بما فيها.
وفّقك
الله تعالى لذلك بمحمّد وآله الطّاهرين.