قراءة في كتاب

قراءة في كتاب

منذ يومين

(كشف الارتياب في أتباع محمّد بن عبد الوهّاب) للسيّد محسن الأمين


(كشف الارتياب في أتباع محمّد بن عبد الوهّاب) للسيّد محسن الأمين

تهافتُ عقائد الوهّابيّة وأضاليلها

ـــــــــــــــــــــ محمود إبراهيم ــــــــــــــــــــ

الكتاب: (كشف الارتياب في أتباع محمّد بن عبد الوهّاب).

المؤلّف: السيد محسن الأمين العاملي.

الناشر: «المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام»، الطبعة الخامسة، 2011م.

 

يعود كتاب (كشف الارتياب في أتباع محمّد بن عبد الوهاب) للعلامة الراحل السيد محسن الأمين، ليتصدّر اليوم، منزلة غير مسبوقة من اهتمام القرّاء والباحثين في العالم الإسلامي. وما ذاك إلا لامتلاء منطقتنا العربية والإسلامية بعوامل الفتنة والتجزئة وثقافة التكفير. وبحسب تقديرنا، فإنّ الحضور الاستثنائي والراهن لهذا الكتاب، وبعد مرور أجيال على تأليفه، إنّما يعود إلى ثلاثة أسباب:

الأول: إلى الدور الذي تلعبه العقيدة الوهّابيّة وثقافتها السياسية في إبقاء نار الفتن الطائفية والمذهبية في المجتمعات العربية والإسلامية، ومساهمتها الموصوفة في الحروب الأهلية، ودعم الإرهاب وتكفير كلّ ما عداها من مذاهب المسلمين، بما فيها أهل السنة والجماعة.

الثاني: إلى استشراء الحالة الثقافة التفكيرية عبر الفضائيات وتقنيات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يؤدّي إلى توسيع مساحة اهتمام الجمهور من كافة الشرائح والفئات الاجتماعية للتعرّف على حقائق الوهّابيّة واتجاهاتها التكفيرية المختلفة.

الثالث: إلى الأهمية العلمية للكتاب، حيث عمد العلامة الأمين إلى اعتماد المنهج الموضوعي في العرض والنقد، واستناده إلى مصادر ومراجع كبار العلماء والمحقّقين ممّن ينتمون إلى المذاهب الإسلامية السنّية، ما يجعل الكتاب مرجعاً علمياً مقبولاً من سائر الأوساط والاتّجاهات الفكرية في العالم الإسلامي.

هذه الأسباب التي مرّ ذكرها، سوف تمنح الكتاب الذي بين أيدينا قيمة خاصّة. ولقد سبق للمؤلّف أن أشار إليها في حينها، لجهة أن الغاية من مجادلة شيوخ الوهّابية وعقائدهم إنّما هو من باب البذل العلمي لصون الشريعة الحقّة، وحفظ السنّة النبوية المقدّسة.

محاور الكتاب ومنهجه

لو نظرنا إلى المنهجية التي أخذ بها السيد الأمين لبلوغ غايته من كتاب (كشف الارتياب)، لتبيَّنت لنا ميزة إضافية لمجهوده المعرفي، وهو ما نستدلّ عليه من تقسيم بحثه إلى ثلاث مقدِّمات جاءت على النحو التالي:

المقدّمة الأولى: تتناول تاريخ الوهابية وأصل نشأتها على يد محمّد بن عبد الوهاب، والظروف التي ساعدت في نموّها، وخصوصاً من خلال التكوين العقائدي والثقافي الذي اكتسبه مؤسّسها، حيث كان مولعاً بمطالعة أخبار أدعياء النبوّة كمُسيلمة الكذّاب، وسجاح، والأسود العنسي، وطليحة الأسدي، وأمثالهم. وفي هذا المجال ينقل المؤلّف عن المؤرخ والفقيه الشافعي الشيخ أحمد زيني دحلان، قوله في كتابه المعروف (الدُّرر السَّنيّة في الردّ على الوهّابيّة) أن محمّد بن عبد الوهّاب قد اشتهر أمره بعد الخمسين، فأظهر العقيدة الزائفة في بلاد نجد، وقام بنُصرة محمّد بن سعود أمير الدرعيّة فحمل أهله على متابعته فتابعوه، وما زال يطيعُه كثير من أحياء العرب حتى قَويَ أمره فخافته البادية، حتّى أنه كان يقول لهم مهدّداً: «إنما أدعوكم إلى التوحيد وترك الشرك بالله»!!

يواصل المؤلّف في هذه المقدّمة سيرة الوهابية وأعمال أتباعها، وهجومهم على بيوت الله، وخصوصاً في الحرم المكّيّ الشريف، خلال حربهم مع أمير مكّة الشريف غالب، ناهيك عن تاريخهم المشحون بالعدوان على العتبات المقدسة ومقامات الأئمّة الأطهار، عليهم السلام، في كربلاء والنجف الأشرف.

المقدمة الثانية: وهي تحت عنوان: «في أمور مهمة يتوقّف عليها المقصود من ردّ شبُهات الوهّابية». وفي هذا الباب يعرض المؤلّف إلى الجانب العقائدي عند الوهّابيّين، ولا سيّما تكفير كلّ مَن يخالفهم الرأي. وقد تناول المسألة في إطار أحكام الشرع الإسلامي، وذلك ضمن ثلاثة محاور:

1) منها ما هو ضروري كوجوب الصلاة والصوم وحرمة الزّنا والكذب. وسائر ما لا يجوز الاجتهاد فيه.

2) ومنها ما هو نظريّ ويتعلّق بالأصول، ككَون صفاتِ الله عينُ ذاته، وأنّ الإمامة بالنصّ، وغير ذلك.

3) ومنها في الفروع كحُكم الشكّ في الصلاة، والبناء على القبور، وحُكم ما لا نصّ فيه كالتدخين، وغير ذلك.

ثم ينتهي إلى عدم جواز الحُكم بضلالة أحدٍ أو فِسقه، فضلاً عن شركه وكُفره، لمخالفته في أمرٍ اجتهاديّ، كما تفعل الوهّابية. إلى ذلك ينتقل المؤلّف ليذكر ما رواه البخاري في (صحيحه) عن النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله: «إذا حكم الحاكم فاجتَهد ثمّ أصاب فلَه أجران، واذا حكم فاجتهدَ ثمّ أخطأ فله أجر». بل أكثر من ذلك، فإنّ العلّامة الأمين يستحضر قولاً للشيخ ابن تيمية ليبيّن للوهّابيّين بطلان عقيدتهم على لسان معلّمهم وشيخهم الأكبر. يقول ابن تيمية في كتابه (منهاج السنّة): «قولُ السَّلَف وأئمّة الفتوى كأبي حنيفة والشافعي والثوري وداوود بن عليّ وغيرهم، لا يؤثِّمون مجتهداً مخطئاً، لا في المسائل الأصولية ولا في الفرعية».

أما المقدّمة الثالثة: فقد جاءت تحت عنوان: «في شَبَه الوهابيين بالخوارج»، ويتناول فيها التشابه العقائدي بين الفرقتَين والمنهج التكفيري الذي توارثته الوهّابية عن الخوارج، ولا يزال سارياً مع الزمن.

إبطال العقيدة المتهافتة

يكمن الجانب الأهم لمحتوى كتاب (كشف الارتياب) في منهجيّته المنطقية والعلمية الدقيقة، وأساساً في الاستناد إلى المرجعيّة القرآنية والحديث الشريف. وكلّ هذا على أساس الالتزام بالدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة لكشف التهافت المريع في العقيدة الوهّابية، وهو الأمر الذي يوفّر قاعدة جامعة لردّ الشُّبهات عن حقائق الشريعة الإلهية التي ظهر بيانها الشريف من خلال أقوال أئمّة أهل البيت، عليهم السلام، والروايات الصحيحة المعتمدة في كُتب أهل السنّة وأئمّتهم الكبار.

عن هذا المنجز وأهمّيته المعرفية يبيّن نجل العلامة الراحل المؤرّخ السيد حسن الأمين في تقديمه للطبعة الجديدة، أنه حينما كتب والده كتابه (أعيان الشيعة) قدّم له بمقدّمات جعل منها ردَّ ما رُمِيَ به الشّيعة من أباطيل، وقد شغلت تلك الردود حيِّزاً كبيراً من الجزء الأوّل، ومع ذلك لم تستوعب ردّ كُلّ ما قيل عن الشّيعة زُوراً وبهتاناً.

ويوضح في هذا الإطار، أنه قبل صدور الجزء الأوّل من (أعيان الشيعة) ببضع سنين كان الوهّابيّون قد ظهروا مجدداً بإعلان تكفير المسلمين، كلّ المسلمين، واعتبارهم من المشركين، وخصّوا الشيعة منهم بكثيرٍ من البذاءات والتهجّمات، فانبرى الوالد لكشف أباطيلهم وتفسير أضاليلهم، فكان من ذلك كتاب (كشف الارتياب) الذي هو بمنزلة ردٍّ باسم المسلمين أجمعين على شُبهات الوهّابيّين، وتبيان ما استحوذ على نفوسهم من الانحراف عن جادّة الصواب، وإيغالٍ في الباطل.

وإذا كان كتاب (كشف الارتياب) قد صدر قبل صدور (أعيان الشيعة)، فقد سبق للعلامة الأمين أن أنجز كتاباً آخر صدر خلال تتابُع صدور أجزاء (أعيان الشيعة)؛ عنينا به كتاب (نقض الوشيعة) الذي ردّ فيه على افتراءات «موسى جار الله» (توفّي عام 1949م) في كتابه الذي نال جدلاً واسعاً في حينه، وصدر تحت عنوان: (الوشيعة).

نعود لنقول، إنّ كتاب العلّامة السيد محسن الأمين، فضلاً عن كونه قيمة علمية ومرجعية تُعين على فهم حقيقة الوهابية وانحرافاتها عن التوحيد الحق، فهو يكتسب أهميّة استثنائية في زمن أطلّت فيه الوهّابية مجدّداً لتسدّد سهامها إلى قلب الإسلام ووحدة المسلمين.

 

اخبار مرتبطة

  فرائد

فرائد

  دوريات

دوريات

منذ يومين

دوريات

نفحات