الملف

الملف

منذ 6 أيام

بقيع الغرقد كما وصفه المؤرّخون والرحّالة العرب

بقيع الغرقد كما وصفه المؤرّخون والرحّالة العرب

§        إعداد: «شعائر»

البقيع مدافنُ أهل المدينة المُنوّرة. وقد يُقال له: بقيع الغرقَد. وأصلُ البقيع في اللّغة: الموضعُ الذي فيه أروم الشّجر من ضروبٍ شتّى، والغرقَد كبارُ العوسَج.
وقيل: كان البقيع مقبرةً قبل الإسلام، ووردَ ذكره في مرثيّة عمرو بن النعمان البياضيّ لقومه:

أَيْنَ الّذينَ عَهِدْتُهُمْ فـي غِبْـطَـةٍ    

بَيْنَ العَقيقِ إِلى بَقيعِ الغَــرْقَـِـد

إلّا أنّه بعد الإسلام خُصِّص لدفن موتى المسلمين فقط، وكان اليهود يدفنون موتاهم في مكانٍ آخر يُعرَف بـ (حشّ كوكب)، وهو بستان يقع جنوب شرقيّ البقيع.
هذا المقال، يُعرّف بأبرز الأعلام المدفونين في البقيع، مستشهداً بما ورد في كتابات الرحّالة والمؤرّخين المسلمين منذ القرن السابع وحتّى القرن الهجريّ الرابع عشر، وتحديداً حتّى قبيل جريمة هدم مقامات بقيع الغرقد بسنوات.

 

في بعض المصادر التاريخيّة أنّ البقيع كان بستاناً يحوي أشجاراً من العَوسج، وأوّل مَن دُفن فيه من المسلمين هو أسعد بن زرارة الأنصاريّ، وكان من الأنصار.

ثمّ دُفن بعده الصحابيّ الجليل عثمان بن مظعون، وهو أوّل مَن دُفن فيه من المسلمين المُهاجرين، وقد شارك رسول الله، صلّى الله عليه وآله، بنفسه في دفنه.

ثمّ دُفن إلى جانبه إبراهيم ابن الرّسول، صلّى الله عليه وآله، ولذلك رغب المسلمون فيه، وقطعوا الأشجار ليستخدموا المكان للدفن.

 

وَصْفُ محمّد بن أحمد بن جُبَير (ت: 614 للهجرة)

يقول ابن جُبَير في (رحلته): «...وبقيع الغرقد شرقيّ المدينة، تخرج إليه على بابٍ يُعرَف بـ (باب البقيع)، وأوّل ما تلقى عن يسارك عند خروجك، من الباب المذكور، مشهد صفيّة عمّة النبيّ، صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، أمّ الزبير بن العَوّام، وأمام هذه التربة قبر مالك بن أَنَس الإمام المدنيّ، وعليه قبّة صغيرة مختصرة البناء.

وأمامه قبر السلالة الطاهرة إبراهيم ابن النّبيّ، صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وعليه قبّة بيضاء، وعلى اليمين منها قبر عقيل بن أبي طالب، وعبد الله بن جعفر.

وبإزائهم روضة فيها أزواج النّبيّ، صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وبإزائها روضة صغيرة فيها ثلاثة من أولاد النّبيّ، صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، ويليها روضة [فاطمة بنت أسد]، والحسن بن عليّ، عليه السّلام، وهي قبّة مُرتفعة في الهواء على مقربة من باب البقيع المذكور وعن يمين الخارج منه، وقبراهما مرتفعان عن الأرض، مُتّسعان مُغَشّيان بألواح مُلصقة أبدع إلصاق، مُرصّعة بصفائح الصّفر [أي النّحاس]، ومكوكبة بمساميره على أبدع صفة، وأجمل منظر. وعلى هذا الشّكل قبر إبراهيم ابن النبيّ، صلّى الله عليه [وآله] وسلّم.

ويلي هذه القبّة.. بيت يُنسَب لفاطمة بنت الرسول، صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، ويُعرَف ببيت الحزن، يقال: إنّه الذي أوَت إليه والتزمت فيه الحزن على موت أبيها المصطفى صلّى الله عليه [وآله] وسلّم...».

وَصْفُ محمّد بن أحمد المطريّ (ت: 741 للهجرة)

قال المطريّ في كتابه (التعريف بما آنستُ الهجرة): «... ومع الحسن، عليه السلام، ابنُ أخيه عليّ بن الحسين زين العابدين، وابنه الباقر، وابنه جعفر بن محمّد الصادق، عليهم السلام، وعليهم قبّة عالية البناء...

ثمّ قبر عقيل بن أبي طالب، ومعه في القبر ابن أخيه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعليهم قبّة.. ثمّ قبر إبراهيم ابن سيّدنا رسول الله، صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وعليه قبّة فيها شبّاك من جهة القِبلة، وهو مدفون عند جنب عثمان بن مظعون، كما ورد في الصحيح أنّ رسول الله، صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، حين مات إبراهيم، عليه السلام، أنّهم قالوا: أين نحفر له؟ قال: عِنْدَ فَرَطِنا عُثْمانَ.

وفي قبّة عقيل حظيرٌ مَبنيّ بالحجارة، يقال فيه قبور أزواج رسول الله، صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، فيسلّم عليهنّ هناك...

ثمّ قبر إسماعيل بن جعفر الصادق في مشهد كبير مُبَيّض غربيّ قبّة [فاطمة بنت أسد] هو ركنُ سور المدينة من جهة القبلة والشرقيّ وبابه من داخل المدينة، بناه بعض ملوك مصر العُبيديّين [أي الفاطميّين]، ويقال إنّ هذه العَرَصَة التي فيها هذا المشهد وما حولها من جهة الشمال إلى الباب هي كانت دار زين العابدين عليّ بن الحسين، عليهم السلام، وبين باب الأوّل وباب المشهد بئر منسوبة إلى زين العابدين، وكذلك بجانب المشهد الغربيّ مسجد صغير مهجور يقال إنّه أيضاً مسجد زين العابدين...».

 

وَصْفُ عبد الله بن أبي بكر العيّاشي المالكيّ (ت: 1090 للهجرة)

وقال العياشيّ في (رحلته): «.. هناك مسجدٌ صغير قيل إنّ فيه موقف النّبيّ، صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، حين خرج ليستغفر لأهل البقيع، وقيل هو زاوية دار عقيل بن أبي طالب التي دُفن فيها. وفيها كثيرٌ من أهل البيت عليهم السّلام.

روى خالد بن عرفجة قال: كنت أدعو ليلةً إلى زاوية دار عقيل، فمرّ جعفر بن محمّد، فقال: أَعَنْ أَثَرٍ وَقَفْتَ هُنا؟ قلتُ: لا. قال: هَذا مَوْقفُ نَبِيِّ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِاللَّيْلِ، إِذا خَرَجَ يَسْتَغْفِرُ لِأَهْلِ البَقيعِ.

قال المراغيّ: وقد أخبرني غير واحد أنّ الدعاء هناك مستجاب.

فإذا مررتَ كذاك تحت سور المدينة يميناً إلى أن توازي قريباً من زاوية سور المدينة الذي فيه مشهد السيّد إسماعيل، فهناك على يسارك القبّة الكبيرة الماثلة في الهواء، وفيها مشهد [فاطمة بنت أسد] ومشهد الحسن بن عليّ، ومشهد زين العابدين، ومحمّد الباقر، وجعفر الصادق، وكثير من أهل البيت عليهم السّلام. وبين هذا المشهد وزاوية دار عقيل مشاهدُ مُتعدِّدة إلى جهة المشرق:

...منها: مشهد يقال إنّ فيه بنات [ربائب] النّبيّ، صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، ما عدا فاطمة عليها السّلام، وهو قرب مشهد عقيل. ولا شكّ أنّ مَن مات من أهل بيت النّبيّ، صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، في حياته كان يدفنه قرب عثمان بن مظعون؛ لما ورد في الأحاديث الصحيحة أنّ النبيّ، صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، لمّا مات عثمان بن مظعون وضع عند رأسه حَجَراً، وقال: (أُعَلِّمُ بِهِ قَبْرَ أَخي، وَأَدْفُنُ إِلَيْهِ مَنْ ماتَ مِنْ أَهْلي)، وهذا المشهد قريبٌ من ذلك...

ومنها: مشهد يُنسب لحليمة السعديّة مرضعة النّبيّ، صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، عليه قبّة لطيفة...

ومنها: مشهد على يسارك وأنت مارّ في زقاق البقيع يقال إنّه لأبي سعيد الخدريّ».

وَصْفُ محمّد يحيى الولاتيّ المالكيّ (ت: 1330 للهجرة)

قال الولاتيّ – المُتوفّى قبل أربعة عشر عاماً من جريمة الوهّابيّين في هدم البقيع - في (رحلته الحجازيّة): «مشينا ذات اليمين فدخلنا قبّة آل النبيّ، صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، فسلّمنا عليهم، وزرنا فيها سبطَه الحسن، وزينَ العابدين بن الحسين، وابنَه محمّداً الباقر، وابنه جعفراً الصادق عليهم السّلام، وتوسّلنا إلى النّبيّ، صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، بجاههم وبه إلى الله تعالى، ودعونا..

ثمّ خرجنا منها فزرنا قبّة بنات [ربائب] النّبيّ، صلّى الله عليه [وآله] وسلّم؛ رُقَيّة وزينب وأمّ كلثوم، ووقفنا على باب القبّة، وسلّمنا عليهنّ، رضوان الله تعالى عليهنّ، وتوسلنا بهنّ إلى أبيهنّ نبيّ الله، صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وبه إلى الله، عزّ وجلّ، في قضاء مآربنا كلّها، ودعونا..

ثمّ زرنا قبّة أزواج النّبيّ، صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وقفنا ببابها وسلّمنا عليهنّ كلّهن.. وتوسّلنا بهنّ.

ثمّ دخلنا قبّة سيّدنا إبراهيم ابن نبيّنا، عليه الصّلاة والسّلام، فسلّمنا عليه وعلى الصحابة الذين معه في القبّة: عثمان بن مظعون، وعبد الله بن مسعود، وخُنَيْس بن حُذافَة، وأسعد بن زُرارَة وتوسّلنا بالجميع.. كما تقدّم.

ثمّ مشينا إلى قبّة حليمة مُرضعة رسول الله، صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، فوقفنا بباب القبّة وسلّمنا عليها وتوسّلنا بها.. ثمّ زرنا قبّة أبي سعيد الخدريّ..».

 

رسول الله، صلّى الله عليه وآله، يزور البقيع
قال الشيخ المفيد في (الإرشاد) أنّ رسول الله، صلّى الله عليه وآله، لمّا أحسّ بالمرض الذي عراه، أخذ بيَد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وتبعَه جماعة من الناس، وتوجّه إلى البقيع، فقال لمَن تبعه:

«إِنَّني قَدْ أُمِرْتُ بِالاسْتِغْفارِ لِأَهْلِ البَقيعِ»، فانطلقوا معه حتّى وقف بين أظهُرِهِم، وقال: «السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ القُبورِ، لَيَهْنِئْكُمْ ما أَصْبَحْتُمْ فيهِ مِمّا فيهِ النّاسُ، أَقْبَلَتِ الفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يَتْبَعُ آخِرُها أَوَّلَها»، ثمّ استغفر لأهل البقيع طويلاً.

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

منذ 6 أيام

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات