كتاباً موقوتا

كتاباً موقوتا

08/03/2013

القراءة في الصلاة


القراءةُ في الصّلاة
التّدبُّر، وإزالة موانعِ الفَهم
______الشيخ الملكي التبريزي قدّس سرّه_____

 
مقتطَف من كتاب (أسرار الصّلاة) للميرزا الملكي التبريزي قدّس سرّه حول آداب القراءة في الصّلاة، ومنها استحضارُ عظَمة القرآن الكريم، وأنّه موجودٌ شريفٌ ذو نُطقٍ وحياة، يشفعُ يومَ القيامة لمن تعاهده وحفظَ حدودَه، ومنها أيضاً، اجتنابُ المبالغة في إتقانِ مخارج الحروف بما يمنعُ عن التفات المصلّي إلى المعنى، وهو المُراد.

إنَّ للقراءة حقّاً خاصّاً من بين أجزاء الصّلاة في المراقبة، لأنَّ القرآنَ أمرٌ عظيمٌ وله شأنٌ عند الله، فإنّه شافعٌ مشفَّع، ماحلٌ مصدَّق [الماحل: الخصمُ المجادل، وقيل بمعنى أنّه يمحَلُ بمَن ضيَّعَه، والمَحِل: هو الشكايةُ عند السلطان] وقد أطلق اللهُ تعالى عليه في مواضعَ صفةَ النّور: ﴿..وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً﴾ النساء:174، و﴿..واتّبعوا النُّور الذي أنزل معه..﴾ الأعراف:157. والنُّور إنّما يساوقُ معنى الوجود، وهو [القرآن الكريم] موجودٌ شريف، حكيمٌ، ذو حياةٍ ونُطق، وله في كلِّ عالَمٍ صورةٌ وجمال، ويتجلّى في يوم القيامة في أحسن صورة؛ يمرّ بالمسلمين، فيقولون: «هو منّا»، ويمرّ بالنّبيّين، فَيقولون: «هو منّا»،، فيجاوزُهم إلى الملائكة المقرَّبين، فيقولون: «هو منّا»، حتّى ينتهي إلى ربِّ العزّة عزَّ وجلَّ، فيشفع للقرّاء حتّى يبلغ كلُّ رجلٍ منهم منزلتَه التي هي له ".." وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «أنا أوّلُ وافدٍ على العزيز الجبّار يومَ القيامة، وكتابُه وأهلُ بيتي..».

مراعاة حُرمة التّلاوة في الصّلاة

وبالجملة، إنَّ للقرآن حقيقةً وروحاً وحياةً، وهو تجلٍّ من تجلّيات الله جلَّ جلالُه الأوّليّة؛ نعم، له في عالَم الألفاظ صورةٌ لفظيّة، وفي عالم النّقوش صورةٌ نقشيّة.
وكيف كان يلزمُ على العبدِ المراقب أن يراعي حُرمةَ قراءته، وأن يعرفَ عظَمته على حسب عظَمة المتكلِّم به، ويعلم أنّه لولا استِتارُ نورِه بصورة الحروف والكلمات لَمَا ثبت لتجلّيه عرشٌ ولا ثَرى، ولَتَلاشت أجزاءُ العالم من عظَمة سلطانِه وسُبُحات نورِه؛ ولولا تثبيتُ الله كليمَه ما أطاقَ كلامَه، كما لم يُطِق الجبلُ مبادئ تجلّيه فصار ﴿..دكّاً وخرَّ موسى صَعِقاً..﴾ الأعراف:143.
و[ينبغي أن] يتدبّر في قراءته ويتخلّى عن موانعِ الفهم، فإنَّ أكثرَ القارئين منعَهم عن فهم حقائق القرآن وعجائبِ أحكامه، وبدائعِ إشاراته ودقائقِ أسراره، حُجُبٌ وأستارٌ أسدلَها الشّيطانُ على قلوبهم. وعن النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «لولا أنَّ الشّياطين يحومون على قلوب بني آدم، لَنَظروا إلى الملكوت».
ومن جملة سدولِه سَدْلُ [حجابُ] وسواسِ القراءة، فيوكّل [الشيطانُ] به [بالعبد] مِن أبنائه مَن يصرفُ كلَّ همِّه لإقامة حروفه، فيُدخلُه بذلك في إضاعةِ حدودِه، ويأمرُه بالتّكرار والتّرديد ليتحقّقَ عندَه بحكمِه استقامةُ الحروف، وخروجُها عن مخارجها، فمَن كان همُّه مقصوراً على مخارج الحروف، فأين له التّفكُّر في فهم معناه؟! قيل: «وأعظمُ ضحكةٍ للشّيطان مَن أطاعَه في مثل ذلك».
ومنها سَدْلُ الذّنوب، فإنَّ منها ما له تأثيرٌ خاصّ في صَدَاءة القلب وظُلمتِه، كالكِبْر وتَرْكِ الأمر بالمعروف.
وبالجملة، لكلِّ ذنبٍ ظلمةٌ وصَدَأٌ في القلب ينافي فهمَ حقائقِ القرآن، ولبعضِها أثرٌ خاصُّ في ذلك يُظلِمُ القلب، فيَعمى ولا يُبصرُ -بنورِ شمسِ القرآن- أعيانَ حقائق المعقولات، كما إذا عَمِيَ بصرُ الظّاهر فلا يفيدُ نورُ الشّمس في رؤيةِ صوَر المحسوسات.
فإذا تخلّى العبدُ عن موانعِ الفَهم، وخضعَ قلبُه وفرغَ عن الأشغال، وقرأَ القرآن في موضعٍ خالٍ، استنارَ بأنوارِه. وفي (مصباح الشّريعة) عن الإمام الصّادق عليه السلام: «مَن قرأ القرآن ولم يخضع له ولم يرقَّ قلبُه، ولم يُنشئ حزناً ووَجَلاً في قلبه، فقد استهانَ لعظيمِ شأنِ الله، وخَسِرَ خُسراناً مبيناً».

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

نفحات