كتاب شعائر 5

كتاب شعائر 5

18/06/2013

مُختصَر أعمال شهر شعبان



مُختصَر

 أعمال شهر شعبان

الجزء الثّاني من سلسلة «مناهل الرّجاء» للشّيخ حسين كوراني

 

 

 

 

 

الشّيخ علي المستَرشد

 

 

 

 

 

 

 

 

إصدار المركز الإسلامي - بيروت

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم


تقديم

بين يدَيك مختصر الجزء الثاني من «سلسلة مناهل الرجاء»، وهو خاصٌّ بأعمال شهر شعبان.

وليس المراد بالاختصار، اختصار الأعمال، فلابدّ من إيرادها كما رُويت، بل المراد -كما سبقت الإشارة في تقديم مختصر أعمال شهر رجب- الاقتصار على الأعمال دون إيراد التوضيحات الضرورية للقارئ الجديد على روايات الثواب الكثير، ودون الوقفات المناسبة على أعتاب ذكريات المعصومين عليهم السلام، ليتمّ تقديم الأعمال وحدها، فهذا الكتاب هو مختصَر كتاب «أعمال شعبان» وليس مختصَر الأعمال، ولذلك وضعتْ كلمات أعمال شهر شعبان بين مزدوجتين. مختصر كتاب «أعمال شهر شعبان».

***

قد يكون اختصار الكُتب، لمجرّد التخفيف على القارئ، وإعفائه من استطرادات غير ضرورية، أو شبه ذلك. إلا أنّ هذا الاختصار لـ «سلسلة مناهل الرجاء» ينشأ من تنوّع المخاطَب، حيث كان الأصل في المخاطب في السلسلة بأجزائها الثلاثة هو القارئ الذي أمعن الغزو الثقافي في فصله عن رُكنٍ ركين ومِدماكٍ رئيس من «ثقافة الأحكام الخمسة»، وهو الأعمال العبادية المؤقّتة، ثم جاءت الثورة الإسلامية في إيران بقيادة عبد الله الفقيه العارف العابد الإمام الخميني قدّس سرّه، فإذا بأمواجٍ من الأمة تُعيد التعرّف على هذه الثقافة، إلا أنّ رواسب الغزو الثقافي وأثقاله تقيّد خَطْو الأكثرين، فتعرّضهم للإنتقائيّة، أو تُربكهم فيرتدّون إلى ما كانوا عليه من فهمٍ مدخولٍ للعقلانيّة والحداثة، والمعاصرة والتّحضّر!

كان لابدّ من تقديم ثقافة الأعمال العبادية المؤقّتة وغيرها بما يجمع بين الأصالة والحداثة الحقّ التي هي -في الدِّين- استعدادٌ لمرحلة الخلود، فالإنسان باتّصاله بالله تعالى أكبر من الزمن فضلاً عن بعضه الذي هو دورة الشمس والقمر وظلالهما على كرة صغيرة بالقياس إلى المجرّات، الصغيرة بدورها قياساً إلى عالم البرزخ الذي هو صغير جداً بالقياس إلى عوالم القيامة.

تكفّلت سلسلة «مناهل الرجاء» مهمّة تقديم ثقافة الأشهر الثلاثة بما يُظنّ أنه يجمع بين الأصالة والحداثة الحقّ. ثم تزايدت أعداد المهتمّين بأداء هذه الأعمال، الذين كانوا موجودين قبل الثورة الإسلامية خارج ما يعرف بالإسلام الحركي أكثر بكثير من داخله، ثم التحق بهم المستجيبون بوعيٍ لخطاب الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه، ثم تتالت استجابة أعدادٍ جديدة لهذا النداء الذي حمل رايته وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئي دام ظلّه، وترافق ذلك مع فتوحاتٍ مادية ومعنوية جديدة أحرزتها الأمة بقيادته الحكيمة، فازدادت الحاجة إلى تيسير الوصول إلى الأعمال دون التوضيحات والملاحق، فكان لابدّ من تقديم اختصار هذه السلسلة.

***

تولّى الأخ المسدّد الشيخ علي المسترشد -من البحرين- اختصار هذا الجزء الثاني -كسابقه- وقد لاحظتُ أثناء مراجعة المختصَر أنه -سلّمه الله تعالى- قد راعى ما يتناسب مع هدف التيسير على المهتمّين بمعرفة الأعمال لتنفيذها، ولذلك أوردَ بعض الأدعية، أو الأعمال التي اكتفى الأصلُ فيها بالإشارة إليها، مثل: دعاء الزّوال المعروف بالصلوات عند الزّوال، بل أورده الشيخ المسترشد مرّتين حسب ورود استحبابه، مرّة في الأعمال العامّة لشعبان، ومرّة في أعمال ليلة النصف، وتركتُ ذلك كما اختار، لما فيه من تسهيلٍ على القارئ، ومثل صلاة جعفر الطيّار، التي أورد الشيخ حفظه الله نَصّها من (تحرير الوسيلة) للإمام الخمينيّ قدّس سرّه، وكان أصلُ الكتاب قد اكتفي بالتنبيه على أهميّة صلاة جعفر بمناسبة الحديث عن ذكرى رجوع جعفر الطيّار رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ورزقنا من بركاته.

والمرجوّ من المؤمنين أن لا ينسونا جميعاً: الشيخ المسترشد وأهل البحرين، وكاتب هذه الأسطر وأهل لبنان، خصوصاً مجاهدي المقاومة الإسلاميّة، لا سيّما الشهداء الإستشهاديين الذين وصفَهم الإمام الخميني قدّس سرّه بالعُرفاء، والذين كانت ثقافتهم ثقافة رجب وشعبان وشهر رمضان، وكلّ ثقافة الأحكام الخمسة، ثقافة حدود الله تعالى والقانون الإلهي.

رزقَنا الله تعالى الثبات في خطّهم علماً وعملاً إنه وليّ الإحسان والنِّعَم.

حسين كوراني

بيروت - لبنان

الإثنين: 16 رجب 1434 هجريّة



 

 

(1)

القسم الأوّل

من فضائل شهر شعبان

ها قد انقضى شهرُ رجب المبارك لِنحطّ الرّحال في شهر شعبان. ودّعنا شهر أمير المؤمنين عليه السلام لِنَستقبل شهر المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله.

وفضائل شهر شعبان كثيرةٌ جداً إلى حدّ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، كان يولِيه عنايةً خاصّة ويَحثّ المسلمين على الاهتمام به، والمزيد من أعمال البرّ فيه.

إنّ مقتضى واجب الاقتداء بالمصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله، أن نهتمّ بهذا الشّهر الشّريف، فنعرف آدابه، ونحرص على الإتيان بها، لِما في ذلك من فوائد جليلة تحصّن النّفس والمجتمع من الشّيطان وأوليائه.

وينبغي أن نلتفت إلى مُجاورته شهرَ الله تعالى، ونلتفت أيضاً إلى ليلة النصف من شعبان التي يُشبه فضلُها فضل ليلة القدر، بل هي من ليالي التّقدير، والحقيقة أنّه لو لم يكن في شهر شعبان إلّا هذه اللّيلة، ليلة النّصف التي هي ليلة مولانا الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، لَكَفى.

أراد اللهُ تعالى لهذا الشّهر أن يحتضن عباد الله الصّالحين الذين ارتقوا مدارج الكمال التي أتاحها لهم سبحانه في شهر رجب، فأصبحوا مُهيَّئين للتّحليق في آفاق العبادة بقلوبٍ أكثر تحرُّراً ونفوسٍ أكثر تزكيةً، لِيَصلوا خلال شهر شعبان إلى الدرجة التي تجعلهم بمجرّد انقضائه في طليعة ضيوف الرحمن فإذا أنفاسهم تسبيح، ونومهم عبادة، تُفتح لهم أبواب الجنان ليزدادوا تخلُّصاً من كلّ علائق الدّنيا وتتعلّق قلوبهم بالملأ الأعلى، فيتَوَّجون بتيجان القُرب والإخلاص والاصطفاء، وبذلك يصبحون من أهل الفوز العظيم فيحقّ لهم أن يعيشوا بكلّ جوارحهم فرحة العيد.

 

·        مع العلماء

 

عندما نتأمّل كيف يتعامل العلماء الأبرار أولياء الله تعالى مع هذا الشّهر، نجد أنّهم يرون فيه محطة كبرى في الطّريق إلى الله، ومنزلاً مميّزاً لا بدّ من النزول فيه والتزوّد من بركاته لِمَن أراد الوصول.

 تحدّث العارفُ الكبير آية الله الشيخ الملَكي التبريزي رحمة الله عليه عن أهميّة شهر شعبان فقال:

«وهذا المنزل من منازل العمر للسّالك إلى الله تعالى، له شأنٌ عظيم، وفضلٌ كثير، وفيه ليلة من ليالي القدر، وقد وُلد فيها مولود وَعد اللهُ بالانتصار على يدَيه لكلّ مظلومٍ من أوليائه وأنبيائه وأصفيائه مذ هبط أبونا آدم -على نبينا وآله وعليه السّلام- إلى الأرض، وأن يملأ به الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجَوْراً. وكفى في شأن شهر شعبان أنّه شهر رسول الله، فقد روي عنه صلّى الله عليه وآله أنّه قال: (شعبان شهري. رَحِم الله مَن أعانني على شهري)».

يضيف: «ومَن عرفَ أهميّة هذه الدّعوة العظمى من رسول الله صلّى الله عليه وآله، التي عبّر عنها بقوله: (رَحِم الله مَن أعانني على شهري) فلا بُدَّ أن يهتمّ ويعمل جاهداً لِتشمله دعوة المصطفى، ويكون من أهلها»[1].

 

يا أهـلَ يَـثْرب!

أورد السيّد ابن طاوس رضوان الله عليه الرواية المُشار إليها فقال:

«عن الإمام الصّادق عليه السلام، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، كان إذا رأى هلال شهر شعبان أمَر منادياً أن ينادي في المدينة: يا أهل يثرب إنّي رسولُ رسولِ الله إليكم: ألا إنّ شعبان شهري فرَحم الله مَن أعانني على شهري».

هذا الاهتمام من رسول الله صلّى الله عليه وآله، يكشف عن دلالاتٍ مهمّة، فلم يكتفِ الرؤوف الرحيم صلّى الله عليه وآله، بما يقوله للمسلمين عن هذا الشّهر من خلال الخطبة والتوجيه في اللقاءات المتتالية في المسجد وغيره، بل عمدَ إلى هذا الأسلوب المُلفت، أن يأمر منادياً ينادي في شوارع المدينة وأزقّتها، لينبّه أهل المدينة والأجيال إلى أهمية اغتنام هذه الفرصة الفريدة.

 

مَن يعينُ رسول الله؟!

حول الشّهر عموماً وأهميّته، وحول هذه الدّعوة المباركة، تكلمّ السيّد ابن طاوس عليه الرحمة فقال:

«واعلم أنّ شهر شعبان شهرٌ عظيم الشّأن، فيه ليلةٌ أغاث الله جلّ جلاله بمولودها ما كاد أن يُطفيه أهل العدوان من أنوار الإسلام والإيمان، وهو منزلٌ من المنازل، ومرحلةٌ من المراحل، يسعدُ أهل التصديق والتوفيق بالظَّفر بفوائده والجلوس على موائده، والورود على موارده، وكفاه شرفاً أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، اختاره لنفسه الشّريفة بصريح مقاله، ودعا لمَن أعانه على صيامه، فمَن شاء أن يدخل تحت ظلّ هذه الدعوة المقبولة، والرحمة الموصولة "فَلْيُساعد" رسول الله صلّى الله عليه وآله على شهره، ويكون ممن شرّفه لسانُ محمّد صلّى الله عليه وآله»[2].

 

·                 في الرّوايات

وفي النّصوص ما يدلّ على أنّ شهر شعبان أفضل من شهر رجب، فقد رُوي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله تذاكرَ أصحابُه عنده فضائل شعبان، فقال: «شهرٌ شريف، وهو شهري، وحَمَلَة العرش تعظّمه، وتعرف حقَّه، وهو شهر زاد (الله) فيه أرزاق العباد لشهر رمضان، وتُزيَّن فيه الجنان، وإنّما سُمّي شعبان لأنّه يتشعّب فيه أرزاق المؤمنين، وهو شهرٌ العملُ فيه مضاعف: الحسنةُ بسبعين، والسيّئة محطوطة، والذنب مغفور، والحسنة مقبولة، والجبّار جلّ جلالُه يباهي فيه بعباده، وينظر إلى صُوّامه وقُوّامه، فيباهي بهم حملة العرش..»[3].

روي عنه صلّى الله عليه وآله:

«كم من سعيدٍ في شهر شعبان.. وكم من شقيّ هنالك. ألاّ أُنبئُكم بمَثَل محمّد وآله؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: محمّدٌ في عباد الله كَشهر رمضان في الشهور، وآلُ محمّد في عباد الله كشهر شعبان في الشّهور، وعليّ بن أبي طالب عليه السلام في آل محمّد صلّى الله عليه وآله، كأفضل أيّام شعبان ولياليه وهو ليلة نصفه ويومُه، وسائر المؤمنين في آل محمّد -أي بالنسبة إليهم عليهم السلام- كشهر رجب في شهر شعبان، وهم -أي سائر المؤمنين- درجاتٌ عند الله وطبقات، فأجَدُّهم في طاعة الله أقربُهم شبَهاً بآل محمّد صلّى الله عليه وآله..»[4].

ويدلّ النصّ بوضوح على أنّ شهر شعبان أفضل من شهر رجب، فكيف ينبغي أن نتعامل مع دعوة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكيف ستكون استجابتنا لِقوله صلّى الله عليه وآله: رَحِم الله مَن أعانني على شهري؟

 

 

 

 

(2)

القسم الثّاني

الأعمال المُشتركة لِشهر شعبان

 

الأعمال العامّة

عن أمير المؤمنين عليه السلام: «هذا غرّة شعبان، وشُعَبُ خيراته: الصّلاة، والصّوم، والزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبرُّ الوالدين والقرابات، والجيران، وإصلاحُ ذات البَيْن، والصّدقة على الفقراء والمساكين..»[5].

لقد جمع أميرُ المؤمنين عليه صلوات الرحمن، في هذا الجانب من النّص كلّ ما ينبغي أن نوليه اهتمامنا في شهر شعبان، وهي:

·              الصّلاة

شهر شعبان فترة زمنيّة شرّفها الله تعالى بتشعُّب الخيرات فيها، فباستطاعة المؤمن أن يتزوَّد فيها ومنها بما لا يمكنه عادةً الحصول عليه، ومن ذلك الخشوع في الصّلاة وحضور القلب فيها، وهو هدفٌ للمؤمن عزيزُ المنال.

*حول صلوات ليالي شعبان

لكلِّ ليلة من ليالي شعبان عدّة صلوات بعضها طويل «ثقيل»، وبعضُها «خفيف»، ويُمكن للمؤمن اختيار ما يناسب وقته وظروفه، إلّا أنّه لا ينبغي للمؤمن الذي واظب لسنين على مثل هذه المستحبّات أن يظلّ معرضاً عن الصّلوات الطويلة.

·              الصّوم

مطلوبٌ منّا أن نتدرّب في شهر شعبان ليكون صومنا في شهر الله تعالى، من نوع ٍخاص، صوماً عن المعاصي والذنوب.

وردت عدّة روايات في صوم شهر شعبان منها:

·   عن النبيّ صلّى الله عليه وآله: «شَعبانُ شَهْري، وَرَمضانُ شَهرُ اللهِ، فَمَنْ صامَ يَوماً مِنْ شَهرِي كُنتُ شَفِيعَهُ يومَ القِيامةِ، وَمَنْ صَامَ يومينِ مِنْ شَهري غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقدّمَ مِنْ ذَنبِهِ، وَمَن صَامَ ثَلاثةَ أيام مِنْ شَهرِي قِيلَ لَهُ (طَهُرْتَ مِن ذُنوبِك) استأنِفِ العمَل»[6].

·   عن الإمام الصّادق عليه السلام: «كانَ السّجّادُ عليه السلام إذا دَخَلَ شَعْبانُ جَمَعَ أصْحابَهُ وقال عليه السلام: يا أصْحابي أتَدْرُونَ ما هذا الشَّهْر؟ هذا شَهْرُ شَعْبَان، وكانَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وآله يَقُولُ: هذا شَهْرِي، فَصُوموا هذا الشَّهْرَ حُبّاً لِنَبِيّكُمْ وَتَقَرُّباً إلى رَبِّكُم، أُقْسِمُ بِمَنْ نَفْسِي بِيدِهِ لَقَدْ سَمِعتُ أبي الحُسَينَ عليه السلام يقولُ: سَمِعْتُ أمِيرَ المُؤمِنينَ عليه السلام يقولُ: مَنْ صَامَ شَعْبانَ حُبّاً لِرَسولِ الله صلّى الله عليه وآله وتَقَرُّباً إلى اللهِ أحَبَّهُ اللهُ وقَرَّبَهُ إلى كَرامَتِه يوْمَ القِيامَةِ، وأوْجَبَ لَه الجَنَّةَ». [7]

·   قال صفوان الجمّال: قال لي الصّادق عليه السلام: «حُثَّ مَنْ فِي ناحِيتِك على صَوْمِ شَعْبان». فقلت: جُعِلت فِداك، ترى فيه شيئاً؟ فقال: «نَعَمْ، إنَّ رَسولَ الله صلّى الله عليه وآله كانَ إذا رَأى هِلالَ شَعْبانَ أمَرَ مُنادِياً ينادِي فِي المَدِينَةِ: يا أهْلَ يثْرِبَ إنّي رَسولُ رسولِ اللهِ إلَيكُم، ألا إنّ شَعْبانَ شَهْري فَرَحِمَ اللهُ مَن أعانَنِي على شَهْرِي. ثُمّ قال عليه السلام: قال أمِيرُ المُؤمِنين عليه السلام: ما فَاتَنِي صَوْمُ شَعْبانَ مُنْذُ سَمِعْتُ مُنادِي رَسولِ الله صلّى الله عليه وآله ينادِي في شَعْبان، ولَن يفوتَنِي أيامَ حَياتِي صَوْمُ شَعْبانَ إنْ شاءَ اللهُ تَعالى»[8].

 

·       وصلُ شعبان بشهر رمضان

هناك روايات تؤكّد إفطار الأيام الأخيرة في شهر شعبان، وهناك روايات تؤكّد صوم شعبان كلّه، ورواية عن الإمام الصّادق عليه السلام، تؤكّد صيام ثلاثة أيام آخر شعبان: «مَن صام ثلاثةَ أيّامٍ من آخر شَعبان ووَصَلها بشهر رمضان كَتَبَ اللهُ تعالى له صيامَ شهرَين مُتَتابعَين».

فكيف نجمع بين هذه الروايات؟

ذكر السيّد ابن طاوس عليه الرحمة ما خلاصتُه: إنّ الجمع بين هذه الروايات ممكنٌ بطريقة أنّه مَن صام شهر شعبان يُستحبّ له أن يفطر في آخره، لكي يرتاح ويستعدّ لصوم شهر رمضان المبارك، ومَن لم يَصم شهر شعبان يستحبّ له صومُ آخره ويَصِل صيامَ هذه الشهرَين[9].

ومن أَوْجُه الجمع بينهما أيضاً أنّ الأمر في الفصل والوصل مختلفٌ باختلاف قدرة الأشخاص، فمَن لم يضرّ صومه المستحبّ بصيامه الواجب استحبّ له الوصل، وإلّا تعيَّن الفصل.

 

·           الزّكاة

وقد ورد الحثّ عليها في كتاب الله وفي الروايات كثيراً، ومن المفيد جداً التنبّه إلى أنّ مِن أهمّ مفردات الزكاة الواجبة زكاة البدن أو زكاة الفطرة، فلو فرضنا أنّ شخصاً منّا لم يدفعها، فليأتِ به الآن قضاء، ليتخلّص من موانع قد تَحُول دون استقامة مسيرته الإيمانيّة وحُسن إسلامه.

 

·           الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر

والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر من أعظم الواجبات بل بهما تُقام كلّ الواجبات الأُخَر، حتّى الصلاة والصوم والجهاد، وبهما يتمّ تطبيق شريعة الله عزّ وجلّ. إنّ من واجبنا أن نهتمّ بالتبليغ وإيصال الحقيقة إلى البعيدين عنها بأيِّ طريقةٍ ممكنة، ولا مجال إطلاقاً للفصل بين تهذيب النفس وتزكيتها وبين حمل الهمّ العامّ، وإلّا انقلب التّديُّن إلى تقوقع وانغلاق، ممّا يُفقده أيّ قيمة.

 

·           برُّ الوالدَين

بِرُّ الوالدَين أحد الأعمدة الأساسيّة في مجال التّديُّن، فقد قرن الله عزّ وجلّ طاعتهما بطاعته، فلا يُتصوَّر تديُّنٌ أو تهذيبُ نفسٍ إلّا برضا الوالدَين، ومهما كان الولد بارّاً فليَستزِد، أمّا إذا لم يكن بارّاً والعياذ بالله فيجب أن يضع في أولى اهتماماته إصلاحَ علاقته بوالدَيه، وشهر شعبان فرصة متاحة تساعده على تحقيق ما لا يُمكنه القيام به عادةً.

 

·           صِلَةُ الأرحام

 

وهي مادّة الامتحان الأصعب الذي يخضع له كلّ مَن يريد أن يكون تديّنه صادقاً، ففي الأرحام ما في سائر النّاس من صفاتٍ نفسيّةٍ متباينة.

تتوقّف صِلَةُ الأرحام على تشذيب زوائد النفس وفضلاتها، وإقامة شجرتها على التواضع والعبوديّة، وحمايتها من عواصف الأنانيّة الهوجاء، وبديهيّ أنّ ذلك هو الأصل في سلامة الدين.

 

·           الإحسانُ إلى الجيران

والفرق واضح بين عدم الإساءة إلى الجيران، وبين الإحسان إليهم، وكأنّ المراد أنّ عدم الإساءة أمرٌ مفروغٌ منه. وطبيعيٌّ أنّ في الجيران الصالح والطالح، وربما المسلم وغيره، ما يضعنا أمام أصلٍ إسلاميٍّ في حسن التعامل مع الناس أوسع دائرة من العنوانَين المتقدِّمَين.

 

·           إصلاحُ ذات البَين

وهو عنوان ينطبق على الموارد التالية:

أ) السّعي في الإصلاح بين أيّ متخاصمَين.

ب) السّعي في إرضاء مَن له حقّ علينا، نَتَج عنه فسادُ علاقتنا وذات بيننا، فنحاول أن نتسامح منه ونُرضيه في شهر شعبان، لندخل إلى شهر رمضان ولا يبقى في قلب أحد غلٌّ علينا.

ت) السّعي في إصلاح العلاقة مع مَن لنا حقٌّ عليه، لندخل إلى شهر الله تعالى بقلبٍ نقيٍّ، وسريرةٍ طاهرة، ولا نُبقي غِلّاً في قلوبنا على أحد.

 

·           الصّدقة على الفقراء والمساكين

الصّدقة وإن كانت شديدة الأهميّة في أيّ وقت، إلّا أنّ هناك شأناً خاصّاً عن الصدقة في شهر رجب وشهر شعبان، ولعلّ من أسباب ذلك حشْدُ كلّ عناصر إصلاح القلب في موسم التهيئة لشهر الله تعالى، حيث يبلغ الحثّ على الصدقة الغاية.

ومن الواضح أنّ للصدقة دورَها الطّليعي في مجال إصلاح القلب، بحيث لا يُمكن الفصل بين تهذيب النفس وبين التربية على الإنفاق المالي، ومن أكثر مفرداته تداولاً وسِعَةَ انتشار، مفردة الصدقة.

وقد أورد السيّد ابن طاوس عليه الرحمة، عن داود بن كثير الرقيّ قال: «سألتُ أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصّادق عليه السلام، عن صوم رجب فقال: أين أنتم عن صوم شعبان؟

فقلتُ: يا ابن رسول الله ما ثواب مَن صام يوماً من شعبان؟

فقال: الجنّة والله!

فقلتُ: يا ابن رسول الله ما أفضل ما يُفعل فيه؟

فقال: الصدقة والاستغفار، ومَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فِي شَعْبانَ رَبّاها اللهُ كَما يُرَبّي أحَدُكُم فَصِيلَهُ (الفصيل: وَلد الناقة) حتّى يوافِي يوْمَ القِيامَةِ وقَد صارَ مِثْلَ [جَبَل] أُحُد»[10].

تُبيِّن هذه الرواية أولاّ: أهمية صوم شعبان وأنّه أفضل من صوم رجب.

وثانياً: أنّ الجنّة هي ثواب مَن صام يوماً من شعبان.

وثالثاً: أنّ أفضل الأعمال بعد الصّوم -في شهر شعبان- الصدقة والاستغفار.

 

·               الاستغفار

سُئِلَ الإمام الرضا عليه السلام: فما أفضل الدعاء في هذا الشهر؟

فقال: «الاستغفار. إنّ مَن استغفر في شعبان كلّ يوم سبعين مرّة كان كَمَن استغفر في غيره من الشهور سبعين ألف مرّة».

قلت: كيف أقول؟

قال: «قُل: (أستغفرُ اللهَ وأسألُه التوبة)»[11].

وقد وردت صِيَغٌ مختلفة للاستغفار في شهر شعبان، وهي:

1.  عن الإمام الرّضا عليه السلام: «مَن استغفر الله تبارك وتعالى في شعبان سبعين مرّة، غفر اللهُ ذنوبَه ولو كانت مثلَ عددِ النجوم»[12].

2.  عن الإمام الرّضا عليه السلام: «مَن قال في كلّ يومٍ من شعبان سبعين مرّة: (أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأسْأَلُهُ التَّوْبَةَ)، كتب اللهُ له براءةً من النار، وجوازاً على الصراط، وأدخلَه دار القرار»[13].

3.  عن الإمام الصّادق عليه السلام: «من قال في كلّ يومٍ من شعبان سبعين مرّة: (أَسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحيمُ، الْحَيُّ الْقَيومُ، وَأَتـُوبُ إِلَيهِ) كتبَه الله تعالى في الأُفُق المبين.

(قال الرّاوي) قلتُ: وما الأفقُ المبين؟ قال: قاعٌ بين يدَي العرش، فيه أنهار تطَّرد (تجري)، فيه من القِدْحان (جمع قدَح) عددَ النجوم»[14].

توضح الرواية أنّ هناك مكاناً بين يدَي العرش له خصوصيّة باعتبار قُربه من العرش بلحاظ ما أعدّه الله تعالى فيه لأهله واسمه «الأُفُق المبين»، أو أنّ ذلك يدلّ عليه، وعندما يقول المؤمن كلَّ يوم من شعبان سبعين مرّة (أستغفرُ اللهَ الذي لا إلهَ إلّا هو الرّحمنُ الرّحيمُ الحيُّ القَيّومُ وأتوبُ إليه) يُكتَب من أهل الأفق المبين، ويستحقّ هذه المرتبة العالية.

والخلاصة: للاستغفار في شهر شعبان ثلاث صِيَغ هي:

أ) أستغفرُ الله.

ب) (أستغفرُ اللهَ وأسألُه التّوبَة) سبعين مرّة يومياً.

ت) (أستغفرُ اللهَ الذي لا إلهَ إلّا هو الرّحمنُ الرّحيمُ الحيُّ القَيُّوم وأَتوبُ إليه) سبعين مرّة يوميّاً.

 

·        حقيقةُ الاستغفار، التوبة

حقيقة الاستغفار وروحُه هي التوبة، فهل يريد المستغفِر أن يتوب حقيقة، أم أنّه يردّد هذا الاستغفار وهو يطمع بثوابه دون أن يحقّق في قلبه نيّةَ التوبة الصادقة؟

عندما نجد الحثّ على الاستغفار في شعبان فيَجب أن نفهم أنّه حثٌّ على التوبة في شعبان.

 

·            الصّلاة على النّبيّ محمّد وآله صلّى الله عليه وآله

من الأعمال العامّة في شهر شعبان، الإكثار من الصّلاة على النّبيّ وآله صلّى الله عليه وآله، فقد رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «وأكثِروا في شعبان من الصّلاة على نبيّكم وأهلِه»[15].

شعبان شهر رسول الله صلّى الله عليه وآله، فمن الطبيعي الإكثار من الصّلاة على نبيّ الله في شهره. أضف إلى ذلك أنّ شهر شعبان كما بيَّن لنا المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله هو بين الشهور كَآلِ محمّد صلّى الله عليه وآله بين النّاس، فهناك علاقة لشعبان بأهل البيت عليهم السلام، وربّما كان هذا وذاك بعضَ السبب في الحثّ على الإكثار في شعبان من الصلاة على النّبيّ وآله، صلّى الله عليه وعليهم.

وفي حشدٍ كبير جداً من الروايات تأكيدٌ هو أيضاً كبيرٌ جداً على أهميّة الصلاة على النّبيّ وآله صلّى الله عليه وآله، مطلَقاً وفي أيّ وقت، إلَّا أنّ لشعبان ميزة في هذا المجال.

·       معنى «أللهمّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ»

معناها: تأكيد سلامة الخطّ والنهج. فهي بعبارة ثانية: إلهي ما زلتُ في الخطّ الذي أمَرتني به، خطِّ توحيدِك واتّباعِ رسولك المصطفى صلّى الله عليه وآله، واتّباعِ أهل البيت عليهم السلام، من بعده. وعن الإمام الصّادق عليه السلام: «مَن قال: (أللّهُمّ صَلِّ عَلَى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّد)، فمعناه: أنّي أنا على الميثاقِ والعهدِ الذي قبلتُ حينَ قولِه: ﴿..ألَسْتُ بِرَبِّكُم قالوا بلى..الأعراف:172»[16].

 

·        من بركات الصّلاة على النّبيّ وآله

يبلغ الحثّ في الروايات على أهميّة الصلاة على محمّد وآلِه صلّى الله عليه وآله إلى حدّ التصريح بأنّ مَن قالَها يخرجُ من الذنوب كَيومِ وَلَدَتْه أُمّه[17]. وفي رواية: «لم يبقَ عليه ذرّةٌ من ذنوبه»[18]. وفي رواية عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «أكثِروا من الصّلاةِ عليّ فإنّ الصّلاةَ عليّ نورٌ في القبرِ، ونورٌ على الصّراطِ، ونورٌ في الجنّة»[19].

 

·       ألف مرّة (لا إلّا إله الله) = عبادة ألف سنة وأكثر

وهي من جملة الأعمال العامّة في شهر شعبان التي يُؤتى بها في أيّ وقت، فقد ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَن قال في شعبان ألف مرّة: (لا إِلهَ إِلّا اللهُ، وَلا نَعْبُدُ إِلّا إِياهُ، مُخْلِصينَ لَهُ الدّينَ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)، كتبَ اللهُ له عبادةَ ألف سنة، ومحى عنه ذَنْبَ ألف سنة، ويخرجُ من قبره يوم القيامة ووجهُه يتلألأُ مثلَ القمر ليلةَ البدر، وكُتب عندَ الله صِدِّيقاً»[20].

وكلُّ ما عرفتَ من العَظَمة لشعار «أللّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآل محمَّدٍ» لا يعدو كونه فرْع عَظَمة «لا إله إلَّا الله»، إنّه السبيل إلى توحيد الله تعالى كما أراد هو سبحانه باتّباع نبيّه المصطفى وأهل البيت صلّى الله عليه وعليهم.

وقد وَرَد الحثّ على الإكثار من هذا الذِّكر والمواظبة عليه مطلَقاً في أيّ وقت في شعبان وفي غيره، إلَّا أنّه وَرَد تأكيد صيغة خاصّة في شعبان، فمَن قال في شعبان ألف مرّة هذا الذّكر (لا إلهَ إلّا اللهُ، وَلا نَعبدُ إلّا إيّاهُ مُخلِصِينَ له الدِّينَ وَلَو كَرِهَ المُشركون) كتبَ اللهُ له عبادة ألف سنة. إنّها دعوة إلهيّة كريمة تُتيح لنا أن نجذّر هذه المعاني ونؤصِّلها في نفوسنا في شهر شعبان، كي نكون عند حلول شهر الله تعالى من أهل الضيافة الإلهيّة الذين يحقُّ لهم أن يكونوا ضيوف الرّحمن في شهره عزّ وجلّ.

علينا أن نستقبل شهر رمضان بتأكيد التّوحيد، من خلال الإخلاص لله عزّ وجلّ، وتأكيد التّحدّي للمشركين الذين يصرّون على الخروج من ولاية الله عزّ وجلّ، وعلى أن يُخرجوا غيرهم. إنّنا أمام فرصة لغَرس شجرة التّوحيد في القلب في موسمٍ مخصَّصٍ لذلك هو شهر شعبان.

 

* من بركات: لا إله إلَّا الله

هدم الذّنوب:

·   عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ما من مؤمن يقول: (لا إلهَ إلَّا الله) إلّا مَحتْ ما في صحيفتِه من سيّئات حتّى تنتهي إلى مثلِها من حَسَنات»[21].

خير العبادة:

·        عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «خيرُ العبادة قولُ: (لا إله إلاّ الله)»[22].

·   عن الإمام الباقر عليه السلام: «ما من شيء أعظمُ ثواباً من شهادة أنْ لا إلهَ إلّا الله، لأنّ الله تعالى لا يعدلُه شيء، ولا يَشركُه في الأمر أَحَد»[23].

·        عن الإمام الصّادق عليه السلام: «مَن قال: (لا إلهَ إلّا الله) مائة مرّة كلّ يوم كان أفضلَ الناس ذلك اليوم عملاً إلّا مَن زاد»[24].

شرطُها

من الطبيعي أنّ الذِّكر بأعلى مراتبه رهْن تحقُّق الإخلاص. وإنّ على مَن يقول «لا إلهَ إلّا الله» أو أيّ ذكر أو دعاء أو وِرد، أن يقول ذلك بهدف التقرّب إلى الله عزّ وجلّ.

من الخطأ أن نتعامل مع أيّ عمل نسمع أنّ ثوابه عظيم كورقة «يانصيب» والعياذ بالله تعالى، بل ينبغي أن يكون الهدف التقرُّب إلى الله عزّ وجلّ والحصول على رضوانه سبحانه.

·                 ذِكْرُ الله كثيراً

من الأعمال العامّة في كلِّ وقت، وخصوصاً في شهر رجب وشعبان وشهر الله تعالى «ذِكْرُ الله تعالى كثيراً».

تقدّم الحثّ على الاستغفار، والتهليل، والصّلاة على محمّد وآله صلّى الله عليه وآله، في شعبان. وهي جميعاً من مفردات ذكر الله تعالى. وتقدّم أنّ العنوان العامّ الذي حدّده المصطفى صلّى الله عليه وآله، للمؤمنين في شهر شعبان، هو إعانتُه صلّى الله عليه وآله على شهره «فَرَحِمَ اللهُ مَن أَعانَني على شَهري».

·     كيف تتحقّق الإعانة؟

تتحقّقُ الإعانةُ لرسول الله صلّى الله عليه وآله، بالصّوم، والصّلاة، والذِّكر. ولكن بشرط أن يكون ذلك بعد بذْل الجهد في عدم المعصية، أو متزامناً معه.

إنّ كثيراً ممَّن لا يوفَّق منّا للصّوم والصّلاة وسائر الأعمال المستحبّة في شعبان، يمكنهم أن يأخذوا بنصيبٍ من الذِّكر، ليكون ذلك تأسيساً لرأسمال التجارة التي لن تبور.

·        الذِّكر الكثير

والمطلوب هو الذِّكر الكثير: قال تعالى: ﴿يا أيُّها الّذين آمَنوا اذكُروا الله ذكراً كثيرا * وسبِّحوه بُكْرَةً وأصيلاً[25]. وعن أمير المؤمنين عليه السلام: «مداومةُ الذِّكر قُوْتُ الأرواح ومفتاحُ الصّلاح». كما أنّ الجسد لا بدّ له من القُوت لكي ينمو ويتكامل، فإنّ الرّوح أيضاً لا بدّ لها من القُوت لكي تنمو وتتكامل، وقُوت الأرواح في مداومة الذّكر.

بمداومة الذّكر مع الحرص على الطاعة واجتناب المعصية، يبدأُ القلب يتعافى، إلى أن يصبح القلب مبصراً، ليمكنه أن يصبح «القلبَ السليم».

·        الذِّكر القلبي واللّساني

الذّكر القلبي أفضل من الذّكر اللّساني، والمقصود بالذّكر القلبي الذّكر مع الانتباه إلى المعنى. لكن إذا لم يكن الذّكر بهذه الطّريقة كما هو حالنا إن وُفِّقنا لشيء، فهل يُترك الذّكر اللساني لعدم القدرة على الذّكر القلبي؟ والجواب: كلّا، لا يُترك الذّكر اللساني لأنّه المدخل إلى الوصول إلى مرحلة يُصبح فيها الذّكر لله عزّ وجلّ ذكراً حقيقيّاً متكاملاً بحضور قلب، ولكن لِيُحاول على الأقل أن يبدأ الذّكر بتوجُّه وحضور قلب.

 

·                 المناجاة الشّعبانيّة

من الأعمال العامّة لشهر شعبان «المناجاة الشّعبانيّة»، وهذه المناجاة التي يُدعى بها في كلّ يوم من هذا الشهر المبارك، بل في كلّ أيّام العمر مطلقاً، هي غاية في الأهميّة، وقد ورد حولها أنّ الأئمّة جميعاً عليهم السلام، كانوا يُناجون الله تعالى بها في شهر شعبان، فلا تَأْبَه بحملة مَن ضَرَبتهُم لَوْثة الغزو الثقافي فصاروا يتذرّعون بأمورٍ ظاهرُها عِلم وباطنُها جَهل، لِيُشكِّكوا بالمناجاة الشعبانيّة والزيارة الجامعة ودعاء الصباح، والتزمْ رأيَ مرجعِ تقليدِك، وما لا تعرف فتواه وثبوت استحبابه فَأْتِ به برجاء المطلوبيّة ولا يفتنْك المَحجوبون أو الغافلون.

 

·        من كلمات العلماء حول المناجاة الشّعبانيّة

- أورد السيّد ابن طاوس أنّ ابن خالويه (وهو من كبار العلماء، كان معاصراً لدولة الحمدانيّين، وكان عالِمَهم) يقول في المناجاة الشعبانيّة: «إنّها مناجاة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام والأئمّة من وُلده عليهم السلام، كانوا يدعون بها في شهر شعبان»[26].

- قال العارف الجليل آية الله الملَكي التبريزي قدّس سرّه: «ومناجاتُه الشعبانيّة معروفة، وهي مناجاةٌ عزيزةٌ على أهلها يحبُّونها ويستأنسون بشعبان من أجلها، بل ينتظرون مجيء شعبان ويشتاقون إليه من أجلها، وفي هذه المناجاة علومٌ جمّة في كيفيّة تَعامُل العبد مع الله جلّ جلاله، وبيانُ وجوه الأدب التي ينبغي أن نلتزمَها ونتأدّب بها عندما نسأل الله تعالى حوائجنا، وندعوه سبحانه ونستغفره. وهذه المناجاة من مهمّات أعمال هذا الشهر، بل للسّالك أن لا يتركَ قراءة بعض فقراتها على مدار السنة، ويُكثر المناجاة بها في قنوته وسائر حالاته السَّنيّة. إنّ هذه المناجاة مناجاةٌ جليلةُ ونعمةٌ عظيمة من بركات آل محمّدٍ عليهم السّلام يَعرف قدر عَظَمتها مَن كان له قلبٌ أو ألقى السّمع وهو شهيد».

يضيف: «وَلَعمري إنّ الأغلب لا يعرفون شأن نعمة هذه المناجاة، وأنّ من شأنها علوماً عزيزة ومعارف جليلة، لا يطّلع عليها وعلى أبعادها إلّا أهلُ ذلك من أولياء الله الذين نالوا بها من طريق الكشف والشهود ما نالوا، ثمّ إنّ الوصول إلى حقائق هذه المناجاة عن طريق المكاشفة إنّما هو من أَجَلِّ نِعَم الآخرة ولا يُقاس الوصول إلى حقائق هذه المقامات بشيء من نعيم الدّنيا وإليه أشار الصّادق عليه السلام بقوله: لو عَلم النّاس ما في فضل معرفة الله ما مدّوا أعينهم إلى ما مُتّع به الأعداء من زَهرة الحياة الدّنيا، وكانت دنياهم أقلّ عندهم ممّا يطؤونه بأَرْجُلهم، وتنعّموا بمعرفة الله وتلذّذوا بها تلذُّذَ مَن لم يزل في روضات الجنان مع أولياء الله..»[27].

- يقول الإمام الخميني في وصيّته: «نحن نفتخر بأنّ لنا مناجاة الأئمّة الشّعبانيّة».

وأبرز انطباع يخرج به المتابع لنصّ الإمام هو تفاعلُه النَّوعي مع المناجاة الشعبانيّة، بل إنّنا إذا أردنا البحث عن مكوِّنات اللهيب الباطني عنده، لوجدنا أنّ المناجاة الشعبانيّة في الطّليعة.

ومن كلماته قدّس سرّه:

- «لو لم يكن في الأدعية إلّا المناجاة الشعبانيّة لكَفى ذلك دليلاً على أنّ أئمّتنا هم أئمّةٌ بحقٍّ لأنّهم أنشأوا هذا الدّعاء ووَاظبوا عليه»[28].

- يتحدّث الإمام عن ضيافة الله تعالى فيقول: «شهرُ شعبان هو لتهيئة الفرد والأمّة لضيافة الله تعالى. والعُمدة في هذه التهيئة هي المناجاة الشعبانيّة. أنا لم أرَ في الأدعية دعاءً ورد حوله أنّ جميع الأئمّة كانوا يقرأونه إلّا هذا الدّعاء»[29].

- «المناجاة الشعبانيّة من أعظم المعارف الإلهيّة، ومن أهمّ الأمور التي يستطيع مَن هم أهلها أن يستفيدوا منها في حدود إدراكهم.

إلى أن يقول: في المناجاة الشعبانيّة مسائلُ عرفانيّة يمكن أن يدركَها الفلاسفة إلى حدودٍ مّا، أي أن يفهموا عناوينها، لكن حيث إنّه لم يتحقّق لهم الذَّوق العرفاني فإنّهم لن يستطيعوا أن يعيشوها. كم هي عظيمةٌ هذه المناجاة؟

ماذا أراد الأئمة عليهم السلام..؟

لم أرَ أنّ الأئمّة عليهم السلام، جميعَ الأئمّة.. كانوا يقرأون دعاءً واحداً إلَّا هذه المناجاة.. هذا دليلٌ على عَظَمة هذه المناجاة، بحيث أنّ الأئمّة كلّهم يقرأونها»[30].

***

نصّ المناجاة الشعبانيّة

· أللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد، وَاسْمَعْ دُعائي إِذا دَعَوْتُكَ، وَاسمَعْ نِدائي إِذا نادَيْتُكَ، وَأقْبِلْ عَليَّ إِذا ناجَيْتُكَ، فَقَدْ هَرَبْتُ إِلَيْكَ، وَوَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيكَ مُسْتَكينًا لَكَ مُتَضرِّعًا إِلَيْكَ، راجِياً لِما لَدَيْكَ، تراني وَتَعْلَمُ ما في نَفْسي، وَتَخْبُرُ حاجَتي، وَتَعْرِفُ ضَميري، وَلا يَخْفى عَلَيْكَ أمْرُ مُنْقَلَبي وَمَثْوايَ، وَما أريدُ أنْ أُبْدِئَ بِهِ مِنْ مَنْطِقي، وأتَفَوَّهَ بِهِ مِنْ طَلِبَتي، وَأرْجُوهُ لِعاقِبَتي، وَقَدْ جَرَتْ مَقاديرُكَ عَليَّ يا سَيِّدي في ما يَكُونُ مِنّي إِلى آخِرِ عُمْري مِنْ سَريرَتي وَعَلانِيَتي، وَبِيَدِكَ لا بِيَدِ غَيْرِكَ زِيادَتي وَنَقْصي وَنَفْعي وَضرّي.

 

·   إِلـهي إِنْ حَرَمْتَني فَمَنْ ذَا الَّذي يَرْزُقُني، وَإِنْ خَذَلْتَني فَمَنْ ذَا الَّذي يَنْصُرُني.

 

·   إِلـهي أعُوذُ بِكَ مِنَ غَضَبِكَ وَحُلُولِ سَخَطِكَ.

 

·   إِلـهي إِنْ كُنْتُ غَيْرَ مُسْتَأْهِلٍ لِرَحْمَتِكَ فَأَنْتَ أهْلٌ أنْ تَجُودَ عَليَّ بِفَضْلِ سَعَتِكَ.

 

·   إِلـهي كَأَنّي بِنَفْسي واقِفَةٌ بَيْنَ يَدَيْكَ وَقَدْ أظَلَّها حُسْنُ تَوَكُّلي عَلَيْكَ، فَقُلْتَ {ففَعَلْتَ} ما أنْتَ أهْلُهُ وَتَغَمَّدْتَني بِعَفْوِكَ.

 

·   إِلـهي إِنْ عَفَوْتَ فَمَنْ أوْلى مِنْكَ بِذلِكَ، وَإِنْ كانَ قَدْ دَنا أجَلي وَلَمْ يُدْنِني مِنْكَ عَمَلي فَقَدْ جَعَلْتُ الإقْرارَ بِالذَّنْبِ إِلَيْكَ وَسيلَتي.

 

·   إِلـهي قَدْ جُرْتُ عَلى نَفْسي في النَّظَرِ لَها، فَلَها الْوَيْلُ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَها.

 

·    إِلـهي لَمْ يَزَلْ بِرُّكَ عَلَيَّ أيّامَ حَياتي فَلا تَقْطَعْ بِرَّكَ عَنّي في مَماتي.

 

·    إِلـهي كَيْفَ آيَسُ مِنْ حُسْنِ نَظَرِكَ لي بَعْدَ مَماتي، وَأنْتَ لَمْ تُوَلِّني إلّا الْجَميلَ في حَياتي.

 

·   إِلـهي تَوَلَّ مِنْ أمْري ما أنْتَ أهْلُهُ، وَعُدْ عَلَيَّ بِفَضْلِكَ عَلى مُذْنِبٍ قَدْ غَمَرَهُ جَهْلُهُ.

 

·   إِلـهي قَدْ سَتَرْتَ عَلَيَّ ذُنُوبًا في الدُّنْيا وَأنَا أحْوَجُ إِلى سَتْرِها عَلَيَّ مِنْكَ في الآخْرةِ.

 

·   إلهي قد أحسنتَ إليّ إِذْ لَمْ تُظْهِرْها لأحَدٍ مِنْ عِبادِكَ الصّالِحينَ، فَلا تَفْضَحْني يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى رُؤُوسِ الأشْهادِ.

 

·   إِلـهي جُودُكَ بَسَطَ أمَلي، وَعفْوُكَ أفْضَلُ مِنْ عَمَلي.

 

·   إِلـهي فَسُرَّني بِلِقائِكَ يَوْمَ تَقْضي فيهِ بَيْنَ عِبادِكَ.

 

·   إِلـهي اعْتِذاري إِلَيْكَ اعْتِذارُ مَنْ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ قَبُولِ عُذْرِهِ، فَاقْبَلْ عُذْري يا أكْرَمَ مَنِ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُسيئُونَ.

 

·   إِلـهي لا َتَرُدَّ حاجَتي، وَلا تُخَيِّبْ طَمَعي، وَلا تَقْطَعْ مِنْكَ رَجائي وَأمَلي.

 

·   إِلـهي لَوْ أرَدْتَ هَواني لَمْ تَهْدِني، وَلَوْ أرَدْتَ فَضيحَتي لَمْ تُعافِني.

 

·   إِلـهي ما أظُنُّكَ تَرُدُّني في حاجَةٍ قَدْ أفْنَيْتُ عُمْري في طَلَبِها مِنْكَ.

 

·   إِلـهي فَلَكَ الْحَمْدُ أبَدًا أبَدًا دائِمًا سَرْمَدًا، يَزيدُ وَلا يَبيدُ كَما تُحِبُّ وَتَرْضى.

 

·   إِلـهي إِنْ أخَذْتَني بِجُرْمي أخَذْتُكَ بِعَفْوِكَ، وَإِنْ أخَذْتَني بِذُنُوبي أخَذْتُكَ بِمَغْفِرَتِكَ، وَإِنْ أدْخَلْتَني النّارَ أعْلَمْتُ أهْلَها أنّي أُحِبُّكَ.

 

·   إِلـهي إِنْ كانَ صَغُرَ في جَنْبِ طاعَتِكَ عَمَلي فَقَدْ كَبُرَ في جَنْبِ رَجائِكَ أمَلي.

 

·   إِلـهي كيف أنْقَلِبُ مِنْ عِنْدِكَ بِالَخْيبَةِ مَحْرومًا، وَقَدْ كانَ حُسْنُ ظَنّي بِجُودِكَ أنْ تَقْلِبَني بِالنَّجاةِ مَرْحُومًا.

 

·   إِلـهي وَقَدْ أفْنَيْتُ عُمْري في شِرَّةِ (بمعنى شِدّة) السَّهْوِ عَنْكَ، وَأبْلَيْتُ شَبابي في سَكْرَةِ التَّباعُدِ مِنْكَ.

 

·   إِلـهي فلَمْ أسْتَيْقِظْ أيّامَ اغْتِراري بِكَ وَرُكُوني إِلى سَبيلِ سَخَطِكَ.

 

·   إِلـهي وَأنَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ قائِمٌ بَيْنَ يَدَيْكَ، مُتَوَسِّلٌ بِكَرَمِكَ إِلَيْكَ.

 

·   إِلـهي أَنَا عَبْدٌ أتَنَصَّلُ إِلَيْكَ، مِمَّا كُنْتُ أواجِهُكَ بِهِ مِنْ قِلَّةِ اسْتِحْيائي مِنْ نَظَرِكَ، وَأطْلُبُ الْعَفْوَ مِنْكَ إِذِ الْعَفْوُ نَعْتٌ لِكَرَمِكَ.

 

· إِلـهي لَمْ يَكُنْ لي حَوْلٌ فَأنْتَقِلَ بِهِ عَنْ مَعْصِيَتِكَ إِلّا في وَقْتٍ أيْقَظْتَني لِمَحَبَّتِكَ، وَكَما أرَدْتَ أنْ أكُونَ كُنْتُ، فَشَكَرْتُكَ بِإِدْخالي في كَرَمِكَ، وَلِتَطْهيرِ قَلْبي مِنْ أوْساخِ الْغَفْلَةِ عَنْكَ.

 

·   إِلـهي أُنْظُرْ إِلَيَّ نَظَرَ مَنْ نادَيْتَهُ فَأجابَكَ، وَاستَعْمَلتُهُ بِمَعونَتِكَ فأطاعَكَ، يا قَريبًا لا يَبْعُدُ عَنِ المُغْتَرِّ بِهِ، وَيا جَوادًا لا يَبْخَلُ عَمَّنْ رَجا ثَوابَهُ.

 

·   إِلـهي هَبْ لي قَلْبًا يُدْنيهِ مِنْكَ شَوْقُهُ، وَلِسانًا يُرْفَعُ إِلَيْكَ صِدْقُهُ، وَنَظَرًا يُقَرِّبُهُ مِنْكَ حَقُّهُ.

 

·   إِلـهي إنَّ مَنْ تَعَرَّفَ بِكَ غَيْرُ مَجْهُول، وَمَنْ لاذَ بِكَ غَيْرُ مَخْذُول، وَمَنْ أقْبَلْتَ عَلَيْهِ غَيْرُ مَمْلُول.

 

·   إِلـهي إِنَّ مَن انْتَهَجَ بِكَ لَمُسْتَنيرٌ، وِإِنَّ مَنِ اعْتَصَمَ بِكَ لَمُسْتَجيرٌ، وَقَدْ لُذْتُ بِكَ يا إِلـهي فَلا تُخَيِّبْ ظَنّي مِنْ رَحْمَتِكَ، وَلا تَحْجُبْني عَنْ رَأفَتِكَ.

 

·   إِلـهي أقِمْني في أهْلِ وِلايَتِكَ مُقامَ مَنْ رَجَا الزِّيادَةَ مِنْ مَحَبَّتِكَ.

 

·   إِلـهي وَألْهِمْني وَلَهًا بِذِكْرِكَ إِلى ذِكْرِكَ وَهَمَّتي في رَوْحِ نَجاحِ أسْمائِكَ وَمَحَلِّ قُدْسِكَ.

 

·   إِلـهي بِكَ عَلَيْكَ إلّا ألْحَقْتَني بِمَحَلِّ أهْلِ طاعَتِكَ وَالْمَثْوىَ الصّالِحِ مِنْ مَرْضاتِكَ، فَإِنّي لا أقْدِرُ لِنَفْسي دَفْعًا، وَلا أمْلِكُ لَها نَفْعًا.

 

·   إِلـهي أَنَا عَبْدُكَ الضَّعيفُ الْمُذْنِبُ، وَمَمْلُوكُكَ الْمُنيبُ، فَلا تَجْعَلْني مِمَّنْ صَرَفتَ عَنْهُ وَجْهَكَ، وَحَجَبَهُ سَهْوُهُ عَنْ عَفْوِكَ.

 

·   إِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ إِلَيْكَ، وَأنِرْ أبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها إِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ أبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ إِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ أرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ.

 

·   إِلـهي وَاْجَعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَأجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ، فَناجَيْتَهُ سِرًّا وَعَمِلَ لَكَ جَهْرًا.

 

·   إِلـهي لَمْ أُسَلِّطْ عَلى حُسْنِ ظَنّي قُنُوطَ الإِياسِ، وَلا انْقَطَعَ رَجائي مِنْ جَميلِ كَرَمِكَ.

 

·   إِلـهي إِنْ كانَتِ الْخَطايا قَدْ أسْقَطَتْني لَدَيْكَ، فَاصْفَحْ عَنّي بِحُسْنِ تَوَكُّلي عَلَيْكَ.

 

·   إِلـهي إِنْ حَطَّتْني الذُّنوبُ مِنْ مَكارِمِ لُطْفِكَ، فَقَدْ نَبَّهَني الْيَقينُ إِلى كَرَمِ عَطْفِكَ.

 

·   إِلـهي إِنْ أنَامَتْنِي الْغَفْلَةُ عَنِ الاسْتْعِدادِ لِلِقائِكَ، فَقَدْ نَبَّهَتْني الْمَعْرِفَةُ بِكَرَمِ آلائِكَ.

 

·   إِلـهي إِنْ دَعاني إِلى النّارِ عَظيْمُ عِقابِكَ، فَقَدْ دَعاني إلى الْجَنَّةِ جَزيلُ ثَوابِك.

 

· إِلـهي فَلَكَ أسْأَلُ وَإِلَيْكَ أبْتَهِلُ وَأرْغَبُ، وَأسألُكَ أنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَأنْ تَجْعَلَني مِمَّنْ يُديمُ ذِكَرَكَ، وَلا يَنْقُضُ عَهْدَكَ، وَلا يَغْفُلُ عَنْ شُكْرِكَ، وَلا يَسْتَخِفُّ بِأمْرِكَ.

 

· إِلـهي وألْحِقْني بِنُورِ عِزِّكَ الأبْهَجِ، فَأكُونَ لَكَ عارِفًا، وَعَنْ سِواكَ مُنْحَرِفًا، وَمِنْكَ خائِفًا مُراقِبًا، يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ، وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ رَسُولِهِ وَآلِهِ الطّاهِرينَ وَسَلَّمَ تَسْليمًا كَثيرًا.

 

·        أللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ شجرة النبوّة

هذا دعاء يُدعى به وقتَ الزّوال، ويسمّى بالصّلوات عند الزّوال.

قال الشيخ الطوسي عليه الرحمة: كان عليّ بن الحسين عليه السلام يدعو عند كلّ زوال من أيّام شعبان وفي ليلة النصف منه ويصلّي على النّبيّ وآله بهذه الصلوات يقول: ثمّ ذكر الدعاء - الصلوات.

·         معنى الزّوال

ومن الواضح أنّ الزوال هو زوال الشمس، أي منتصف النهار، فينبغي أن يبادر المؤمن إلى قراءة هذا الدعاء قبل صلاة الظهر، لأنّ وقت صلاة الظهر يبدأ بعد الزوال بقليل، لسببَين: أ- صلاة نافلة الظهر. ب- الاحتياط للتأكّد من دخول وقت الصلاة. قال السيد الخوئي: «الأفضل في الظُّهرَين تأخيرهما عن الزوال في غير يوم الجمعة»[31].

وبهذا يتّضح خطأ ما كان في أصل هذا المختصر من أنّ وقت هذا الدّعاء هو بعد صلاة الظّهر.

·         الدّعاء - الصّلوات

أورد الشيخ الطوسي والسيد ابن طاوس رواية جاء فيها: «كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يدعو عند كلّ زوال من أيام شعبان وفي ليلة النّصف منه ويصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وآله بهذه الصلوات:

·         أللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد، شَجَرَةِ النُّبُوَّةِ، وَمَوْضِعِ الرِّسالَةِ، وَمُخْتَلَفِ الْمَلائِكَةِ (محلّ تَرَدُّدها) وَمَعْدِنِ العِلْمِ، (أصْلِ العلم) وَأَهْلِ بَيتِ الوَحْي.

·    أللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد، الْفُلْك (السُّفُن) الْجارِيةِ فِي اللُّجَجِ الغامِرَةِ، يأْمَنُ مَنْ ركِبَها، وَيغْرَقُ مَنْ تَرَكهَا، الْمُتَقَدِّمُ لَهُمْ مارِقٌ، وَالْمُتَأَخِّرُ عَنْهُمْ زاهِقٌ، وَاللاّزِمُ لَهُمْ لاحِقٌ.

·         أللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد، الكهْفِ الْحَصينِ، وَغِياثِ الْمُضْطَرِّ الْمُسْتَكينِ، وَمَلْجَإِ الْهارِبينَ، وَعِصْمَةِ الْمُعْتَصِمينَ.

·         أللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد، صَلاةً كثيرَةً تَكُونُ لَهُمْ رِضًا، وَلِحَقِّ مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد أداءً وَقَضاءً، بِحَوْل مِنْكَ وَقُوَّةٍ يا رَبَّ الْعالَمينَ.

·         أللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد، الطَّيبينَ الأبْرارِ الأخْيارِ، الَّذينَ أَوْجَبْتَ حُقُوقَهُمْ، وَفَرَضْتَ طاعَتَهُمْ وَوِلايتَهُمْ.

·    أللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد، وَاعْمُرْ قَلْبي بِطاعَتِكَ، وَلا تُخْزِني بِمَعْصِيتِكَ، وَارْزُقْني مُواساةَ مَنْ قَتَّرْتَ عَلَيهِ مِنْ رِزْقِكَ، بِما وَسَّعْتَ عَليَّ مِنْ فَضْلِكَ، وَنَشَرْتَ عَلَيَّ مِنْ عَدْلِكَ، وَأحْيَيتَني تَحْتَ ظِلِّكَ، وَهذا شَهْرُ نَبِيّكَ سَيدِ رُسُلِكَ، شَعْبانُ الَّذي حَفَفْتَهُ مِنْكَ بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ، الَّذي كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه وَسَلَّمَ، يدْأَبُ في صِيامِهِ وَقِيامِهِ، في لَياليهِ وَأَيامِهِ، بُخُوعاً (خُضوعاً) لَكَ في إِكْرامِهِ وَإِعْظامِهِ إِلى مَحَلِّ حِمامِهِ.

أللَّهُمَّ فَأَعِنّا عَلَى الاسْتِنانِ بِسُنَّتِهِ فيهِ، وَنَيلِ الشَّفاعَةِ لَدَيهِ، أللَّهُمَّ وَاجْعَلْهُ لي شَفيعاً مُشَفَّعاً، وَطَريقاً إِلَيْكَ مَهْيَعاً (واسعاً)، وَاجْعَلْني لَهُ مُتَّبِعاً، حَتّى أَلْقاكَ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَنّي راضِياً، وَعَنْ ذُنُوبي غاضِياً، قَدْ أَوْجَبْتَ لي مِنْكَ الرَّحْمَةَ وَالرِّضْوانَ، وَأَنْـزَلْتَني دارَ الْقَـرارِ، وَمَحَـلَّ الأخْيـار»[32].

* تنبيه: يُمكن تقسيم هذه «الصّلوات» إلى مراحل سَير العقل والقلب والنفس إلى الله تعالى، فالبداية التي لا يرضى الله سبحانه غيرها، اتّباعُ القرآن الناطق الذي لا سبيلَ إلى اتّباع القرآن الصامت، والثقل الأكبر إلَّا في هُداه، وهكذا يتحقّق الاّتباع الذي أمر به الله عزَّ وجلَّ لنبيِّه المصطفى صلّى الله عليه وآله: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي.. آل عمران:31 لتتحقّق بذلك طاعةُ الله عزَّ وجلَّ كما أمر، ويُطاع من حيث أرادَ هو سبحانه، لا من حيث تقود الأهواء في مسارب السُّبل.

·               الخميس من شعبان

لكلّ يوم خميس من شعبان أهمّية خاصّة، فعن مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «تتزيَّنُ السّماواتُ في كلّ خميسٍ من شعبان، فتقولُ الملائكة: إلَهنا اغفِرْ (لصائميه)، وأَجِبْ دعاءَهم، فمَن صلّى فيه ركعتَين، يقرأ في كلّ ركعة (فاتحة الكتاب) مرّة و(قل هو الله أحد) مائة مرّة، فإذا سلّم صلّى على النّبيّ صلّى الله عليه وآله مائة مرّة، قضى الله له كلّ حاجةٍ من أمر دينِه ودنياه، ومَن صام فيه يوماً واحداً حرّم الله جسدَه على النار».

وعن النّبيّ صلى الله عليه وآله: «أنَّ مَن صام يوم الاثنين والخميس من شعبان جَعل اللهُ تعالى له نصيباً، فمَن صام يوم الاثنين والخميس من شعبان قضى اللهُ له عشرين حاجةً من حوائج الدنيا وعشرين حاجةً من حوائج الآخرة»[33].

 

·     ملاحظات

أ) «ومَن صام فيه يوماً واحداً حرّم الله جسدَه على النار»، يبدو أنّ الضّمير في كلمة «فيه» هنا يرجع إلى الخميس من شعبان، أي مَن صام يوماً واحداً من أيّام الخميس من شعبان التي تمرّ خلال الشهر، حرّم اللهُ جسدَه على النار.

ب) يلاحَظ في الرواية أنّ لكلّ اثنين وخميس من شعبان أهميّة خاصة، والظّاهر أنّ هذه الأهميّة للخميس وبدرجة تالية للاثنين، ألا تلاحظ أنّ الصّلاة يُؤتى بها مع صيام الخميس؟

ت) ينبغي الاهتمام بهذه الصّلاة، حيث توضح المقارنة بين الروايتَين أنّ مَن صام الخميس وصلّاها قضى الله له كلّ حاجة، ولكن مَن صام الخميس والاثنين ولم يصلِّها قضى الله له عشرين حاجة من حوائج الدنيا، وعشرين حاجة من حوائج الآخرة.

ث) تقدّم التأكيد مراراً أنَّ قبول الصلاة الواجبة رهن الإخلاص، وعليه فلا يعقل أن تُقبل الصلاة المستحبّة عندما يؤتى بها بدون مراعاة ذلك.

ج) وينبغي التنبّه إلى «الطلبات الكبار» و«الطلبات العامّة» وليكن الاهتمام بذلك قبل الطلبات الصغيرة الخاصّة، فَلْنَهتمّ بذكر الأُمور التي تهمّ الأمّة الإسلاميّة والعالم الإسلامي، وجميع المُستضعَفين، لنخرج في مجال طلب الحوائج من إطار الأمور الشخصيّة لنا أو لغيرنا، فإنّ الخروج من «الأنا» وحمل الهمّ العامّ أساس في قضاء الحوائج الخاصّة، بالإضافة إلى أنّه علامة حفظ إنسانيّة مَن يَحمل هذا الهمّ.

 

 

(3)

القسم الثّالث

الأعمال الخاصّة بأيّام شهر شعبان ولياليه

 

أعمال اللّيلة الأولى من شعبان

استقبال الشّهر

أ) الاستهلال

وَرَد الحثُّ على التّصدّي لرؤية هلال شعبان وهلال العيد بشكلٍ خاصّ لعلاقته بالاحتياط في أمر الصَّوم. قال العلّامة الحلّي قدّس سرّه:

«مسألة 74: يُستحبّ التّرائي للهلال ليلة الثلاثين من شعبان ورمضان، وتطلُّبُه، ليحتاطوا بذلك لصيامهم، ويسْلموا من الاختلاف»[34].

ب) دعاء الاستهلال

أدعية استهلال شعبان متعدِّدة، وممّا ذكره السيّد ابن طاوس قدّس سرّه:

«أللّهُمَّ إنَّ هذا هِلالُ شهرِ شعبان وقد وَرَد، وأنتَ أعلَمُ بِما فيه من الإحْسانِ، فاجعله اللَّهُمَّ هِلالَ بركاتٍ وسعاداتٍ كاملةَ الأَمانِ والغُفرانِ والرُّضوانِ، وماحِيَة الأخطار في الأحيانِ والأزمانِ، وحاميةً مِن أذَى أهلِ العِصيانِ والبُهتانِ، وشَرِّفْنَا بامتِثالِ مَراسِمِهِ، وإحْياءِ مَواسِمِه، وألْحِقْنا بِشُمولِ مَراحِمِهِ ومَكَارِمِه، وطَهِّرنا فيه تَطْهيراً نَصْلحُ بِهِ للدُّخولِ على شهرِ رَمضان، مظفرين بِأفضَلِ ما ظَفَرَ بِهِ أحَدٌ مِن أهلِ الإسلامِ والإيمانِ بِرحمتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِين».

ت) أنْ نتذكَّر مُنادي شهر شعبان

بمجرَّد رؤية هلال شهر شعبان أو ثبوت الشّهر، يَنبغي لِلمؤمن أنْ يتذكّر المُنادي الذي  كان يَبعثهُ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله ليِنادي في المدينة المنوَّرة بالحثِّ على الاهتمام بشهر شعبان، فقد وَرَدَ في الرّواية أنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله كان يبعث هذا المنادي «إذا نَظَر إلى هلالِ شعبان».

 

v    صلاة اللّيلة الأولى من شعبان

للّيلة الأولى من شعبان، عدّة صلوات ذكرها السّيّد في (الإقبال)، وهي:

* الصَّلاة الأولى: عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «مَن صلَّى أوّل ليلةٍ من شعبان اثنتَي عشرَ ركعة، يقرأُ في كلِّ ركعةٍ (فاتِحة الكتاب) و(قل هو اللهُ أحد) خمسَ عشرة مرّة، أعطاهُ اللهُ تعالى ثواب اثنَي عشرَ ألف شهيدٍ، وكَتَبَ لهُ عبادةَ اثنتَي عشرةَ سنة، وخَرجَ من ذُنوبِه كَيَوْمِ وَلَدتهُ أُمُّه، وأعطاهُ اللهُ بِكُلِّ آيةٍ في القرآنِ قصراً في الجنّة»[35].

* الصّلاة الثّانية: عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَن صلّى أوّل ليلةٍ من شهرِ شعبان ركعتَين يقرأ في كلِّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) مرّة و(قل هو الله أحد) ثلاثين مرّة، فإذا سلّم قال: (أللَّهُمَّ هذا عَهْدي عندَكَ إلى يومِ القِيامةِ)، حُفِظَ من إبليس وجنوده، وأَعطاهُ اللهُ ثوابَ الصِّدِّيقين»[36].

* الصّلاة  الثّالثة: عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «مَن صلَّى أوَّل ليلةٍ من شعبان مائة ركعة، يَقرأ في كلِّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) مرّة و(قُل هُو اللهُ أحد) مرّة، فإذا فرغَ من صَلاتِه قَرأ (فاتحة الكتاب) خمسين مرّة، والّذي بَعَثَني بالحقِّ نبيّاً أنَّه إذا صلَّى هذه الصَّلاة وصامَ العبدُ، دَفَعَ اللهُ تعالى عنهُ شَرَّ أهلِ السَّماءِ وشَرَّ أهلِ الأرضِ وشَرَّ الشَّياطين والسَّلاطين، ويَغفِرُ له سَبعين ألفَ كبيرةٍ، ويَرفعُ عنهُ عذابَ القبرِ، ولا يُروِّعُه مُنكَرٌ ولا نَكير، ويَخرجُ مِن قبرِهِ ووَجهُهُ كَالقمرِ ليلةَ البَدرِ، ويَمُرُّ على الصِّراطِ كالبَرقِ، ويُعطَى كتابَه بِيَمِينِه»[37].

 

v    صلاة للتَّأمين على المصير

هناك صلاةٌ هي جزءٌ من عملٍ يبدأ في اللّيلة الأولى من شعبان، وهو بمنزلة التّأمين على المصير، وهذا العمل هو عبارة عن صلاةٍ تُؤدَّى في الليالي الأولى والثانية والثالثة، وقيام تلك الليالي –على توضيحٍ يأتي- مع صوم الأيّام: الأوّل والثّاني والثّالث من شعبان.

والصّلاة التي تُصلّى في هذه الليالي الثلاث هي ركعتان، يقرأ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة و(التوحيد) إحدى عشرة مرّة.

قال السيّد ابن طاوس عليه الرحمة: صلاةٌ أُخرى في أوّل ليلةٍ من شعبان واللّيلة الثّانية والثّالثة مع صيام نهارها، وجدناها في صُحُف الدّلالة على كَرَمِ مالِك الجلالة عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال: «مَن صامَ ثلاثة أيّامٍ من أوَّلِ شعبان ويَقومُ لياليها وصلَّى ركعتين، في كلّ ركعة بـ (فاتحة الكتاب) مرّة و(قُل هو الله أحد) إحدى عشرة مرّة، رَفَع اللهُ عنه شرَّ أهل السَّماوات وشرَّ أهلِ الأرضينَ، وشرَّ إبليسَ وجُنودِه، وشرَّ كلِّ سُلطانٍ جائرٍ، والّذي بَعَثَنِي بالحقِّ نبيّاً إنّه يَغفرُ اللهُ له سبعين ألفَ ذنبٍ من الكبائر، في ما بَينه وبينَ الله عزَّ وجلَّ، ويَدفعُ اللهُ عنه عذابَ القبرِ ونَزْعَهُ وشَدائدَهُ»[38].

وقد مرّت هذه الصّلوات في آخر أعمال شهر رجب، واستدعى الاحتياط إيرادها مجددّاً.

 

1 شعبان

·    صلاة اللّيلة الثّانية

للّيلة الثّانية من شهر شعبان صلاتان:

الصّلاة الأُولى: تقدَّم أنّها تُصلَّى في اللّيلة الأولى وفي اللّيلتين الثّانية والثّالثة، وهي عبارة عن ركعتَين تقرأ فيهما (الحمد) مرّة، و(قل هو الله أحد) عشر مرّات، وهي جزءٌ من عملٍ تقدّم أنّه بمنزلة التّأمين على المصير، وهو بالإضافة إلى هذه الصلاة في اللّيالي الثلاث، صومُ الأيّام الثلاثة الأولى من شعبان.

 

الصّلاة الثّانية: ورد الحثّ الكبير عليها، ويكفي في بيان فضلِها أنَّ مَن يُصلِّيها لا تُكتب عليه سيِّئة إلى السّنة القادمة، وكأنّها أمانٌ من التّبعات والسّيّئات لمدّة سنة.

 قال السيّد ابن طاوس عليه الرحمة: وجدناه -أي هذا العمل- مرويّاً عن النّبيّ  صلّى الله عليه وآله، قال: «ومن صلّى في اللّيلة الثانية من شعبان خمسين ركعة، يقرأ في كلّ ركعة (فاتحة الكتاب) مرّة، و(قل هو الله أحد) و(المعوِّذتين) مرّة، يَأمرُ اللهُ تعالى الكِرامَ الكاتبين أنْ لا تَكتبوا على عَبدي سيِّئةً إلى أنْ يَحُولَ عليهِ الحَوْلُ، وجَعلَ اللهُ تعالى لهُ نصيباً في عبادةِ أهلِ السَّماء والأرض، والّذي بَعَثَني بالحقِّ نبيّاً لا يَجتَنِبُ قيامَ تلك اللّيلة إلَّا شقيٌّ أو منافقٌ أو فاجرٌ، وذكر فضلاً كثيراً»[39].

v  لا تكُن من المحرومين

- الظّاهر أنّ المراد بقيام هذه اللّيلة –بالإضافة إلى صلاة اللّيل- هو الإتيان بهذه الصّلاة.

·    للتذّكير: كلُّ صلاةٍ مستحبّة يمكن الإتيان بها من جلوس.

- يتأكّد الاهتمام بهذه الصّلاة عندما نلاحظ في ثوابها أنّ الله عزّ وجلّ «يَأمُرُ الكِرامَ الكاتبينَ أنْ لا تَكتبُوا على عَبدي سيِّئةً إلى أنْ يَحولَ عليه الحَوْلُ».

وهو ثوابٌ عظيم يَستدعي بَذْلَ ما يفوقُ الجهدَ الذي تَستدعيه هذه الصّلاة.

- رُبَّ شخص يحبّ أن يصلّي هذه الصلاة، ولكنّ ظرفه لا يَسمح له -حقيقةً- بذلك، فيَنطبق عليه أنَّه لم يُصلِّها، ولكن لا ينطبق عليه وصفُ أنَّه اجتَنَبَها، لأنَّ الاجتنابَ فرعُ القدرة، وهو لم يكن كذلك.

وقد يوضِح الأمرَ ما ورَد في الرّوايات من أنَّ العبدَ يِجدُ يوم القيامة ثواباً في صحيفته على عملٍ لم يعمله، وذلك لأنّه كان يحبُّ الإتيان به.

 

·      الاستعداد للاحتفال بمولد سيّد الشُّهداء عليه السلام

لا ننسَ الاستعداد للاحتفال بيوم ذكرى مولد سيِّد الشهّداء عليه السلام، في اليوم الثّالث من شعبان باستقباله بِما يَفتحُ قلوبنا على أنواره بالعبادة، والبَهجة، وإحياء الأمر.

وإنْ أمكن، فليُطالع المؤمن أو يَسمع ما تيسّر له حول «الرّجعة» فسيُلفته أنَّ دعاء يوم مولد الحسين عليه السلام يتكرَّر فيه ذكر «الرّجعة» ثلاث مرّات: «يوم الكَرّة». «والفوز معه في أَوْبَتِه». «وننتظرُ أَوْبَتِه».

2 شعبان

·     صوم يومَين من شعبان:

 أورد السيّد ابن طاوس عن الشّيخ الصدوق عليهما الرحمة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومن صام يومين من شعبان حُطَّت عنه السّيّئة المُوبِقة»[40]. (أي: المُهلِكة)

وأوْرَد الشيخ الطّوسي عليه الرحمة ما يلي: «رَوى الحسن بن مَحبوب عن عبد الله بن حزم الأزديّ، قالَ سمعتُ أبا عبد الله -الإمام الصّادق- عليه السلام، يقول: «مَن صام أوّل يومٍ من شعبان وَجَبَت له الجنّةُ البتّة (أي قطعاً)، ومَن صامَ يومَين نظر اللهُ إليه في كلّ يومٍ وليلةٍ في دار الدّنيا ودامَ نَظرُه إليه في الجنّة»[41].

والمُراد بِنَظر الله عزّ وجلّ إلى العبد العناية الإلهيّة الخاصّة بالإضافة إلى العناية الدّائمة والعامّة، الّتي تشمل الجميع على تفاوتِ مراتِبهم وفقَ ميزان العدل.

وهذه العناية الخاصّة منه تعالى، مُنتهى حاجات السّائلين، وغاية آمال العارفين.

 

·      صلاة اللّيلة الثّالثة: فتح ثمانية أبواب الجنّة

في هذه اللّيلة أيضاً، صلاتان:

الصّلاة الأولى: هي الصّلاة الّتي تَقدَّم الحديث عنها في اللّيلة الثّانية وفي اللّيلة الأولى، فهي مشترَكة بين اللّيالي الثلاث.

 

الصّلاة الثّانية: قال السّيّد: «عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله قال: «ومَن صلَّى في اللّيلة الثّالثة من شعبان ركعتَين، يَقرأُ في كلِّ ركعة (فاتحة الكتاب) مرّة، وخمساً وعشرين مرّة (قُل هُو اللهُ أحد)، فَتَح اللهُ له يومَ القيامةِ ثمانية أبوابِ الجنّة، وأَغلَقَ عنهُ سبعةَ أبوابِ النّارِ، وكَساهُ اللهُ ألفَ حلّةٍ وألفَ تاجٍ»[42].

3 شعبان

·     مولد الإمام الحسين عليه السلام

وُلِد سيّدُ الشّهداء الإمام الحسين عليه السلام -على المشهور- في المدينة المُنوّرة في الثّالث من شعبان من السّنة الرّابعة للهجرة. قال الشّيخ الطُّوسي عليه الرحمة: «اليوم الثّالث فيه وُلِد الحسين بن عليّ عليهما السلام..»[43].

·        دعاء اليوم الثّالث من شعبان

دعاء «أللَّهُمَّ إنّي أسألُكَ بحقِّ المولودِ في هذا اليوم» ذكرَ هذا الدّعاء، الشيخ الطّوسي في (المصباح) والسيّد ابن طاوس في (الإقبال)، والشّيخ الكفعمي في (البلد الأمين)، وأمّا الدّعاء الذي يُقرَأ بعده مباشرةً، فقد قال عنه الشّيخ الطّوسي عليه الرحمة: إنّ الإمام الحسين عليه السلام، دَعا به يوم كُوثر، والمقصود بكلمة «كُوثر»: عندما تكاثَرَ عليه الأعداءُ في يوم عاشوراء.

قال الشّيخ الطّوسي عليه الرحمة: «خرج إلى القاسم بن العلاء الهمداني وكيل أبي محمّد عليه السلام أنَّ مولانا الحسين عليه السلام وُلد يوم الخميس لثلاثٍ خَلَوْن من شعبان، فصُمْهُ وادعُ فيه بهذا الدُّعاء:

أللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ المَوْلُودِ فِي هذا اليَوْمِ الموعودِ بِشَهادَتِهِ قَبْلَ اسْتِهْلالِهِ وَوِلادَتِهِ، بَكَتْهُ السَّماءُ وَمَنْ فِيها وَالأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْها وَلَمَّا يَطَأ لابَتَيْها، قَتِيلِ العَبْرَةِ وَسَيِّدِ الأُسْرَةِ المَمْدُودِ بِالنُّصْرَةِ فِي يَوْمِ الكَرَّةِ، المُعَوّضِ مِنْ قَتْلِهِ أَنَّ الأئِمَّةَ مِنْ نَسْلِهِ وَالشِّفاءَ فِي تُرْبَتِهِ وَالفَوْزَ مَعَهُ فِي أَوْبَتِهِ وَالأَوْصِياءَ مِنْ عِتْرَتِهِ بَعْدَ قائِمِهِمْ وَغَيْبَتِهِ، حَتّى يُدْرِكُوا الأوْتارَ وَيَثْأَرُوا الثَّأرَ وَيُرْضُوا الجَبَّارَ وَيَكُونُوا خَيْرَ أَنْصارٍ، صَلَّى الله عَلَيْهِمْ مَعَ اخْتِلافِ اللّيْلِ وَالنَّهارِ. أللّهُمَّ فَبِحَقِّهِمْ إِلَيْكَ أَتَوَسَّلُ وَأَسْأَلُ سُؤالَ مُقْتَرِفٍ مُعتَرِفٍ مُسِيءٍ إِلى نَفْسِهِ مِمَّا فَرَّطَ فِي يَوْمِهِ وَأَمْسِهِ، يَسْأَلُكَ العِصْمَةَ إِلى مَحَلِّ رَمْسِهِ، أللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعِتْرَتِهِ وَاحْشُرْنا فِي زُمْرَتِهِ وَبَوِّئْنا مَعَهُ دارَ الكَرامَةِ وَمَحَلَّ الإقامَةِ، أللّهُمَّ وَكَما كَرَّمْتَنا بِمَعْرِفَتِهِ فَأَكْرِمْنا بِزُلْفَتِهِ وَارْزُقْنا مُرافَقَتَهُ وَسابِقَتَهُ وَاجْعَلْنا مِمَّنْ يُسَلِّمُ لأمْرِهِ وَيُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْهِ عِنْدَ ذِكْرِهِ وَعَلى جَمِيعِ أَوْصِيائِهِ وَأَهْلِ أَصْفِيائِهِ المَمْدُودِينَ مِنْكَ بِالعَدَدِ الاثْنَي عَشَر، النُّجُومِ الزُّهَرِ وَالحُجَجِ عَلى جَميعِ البَشَرِ. أللّهُمَّ وَهَبْ لَنا فِي هذا اليَوْمِ خَيْرَ مَوْهِبَةٍ وَأنْجِحْ لَنا فِيهِ كُلَّ طَلِبَةٍ كَما وَهَبْتَ الحُسَيْنَ لِمُحَمَّدٍ جَدِّهِ وَعاذَ فُطْرُسُ بِمَهْدِهِ فَنَحْنُ عائِذُونَ بِقَبْرِهِ مِنْ بَعْدِهِ، نَشْهَدُ تُرْبَتَهُ وَنَنْتَظِرُ أَوْبَتَهُ آمِينَ رَبَّ العالَمِينَ».

قال الشّيخ الطّوسي:

«ثم تدعو بعد ذلك بدعاء الحسين عليه السلام وهو آخرُ دعاءٍ دعا به عليه السلام يوم كُوثر: أللّهُمَّ أَنْتَ مُتَعالِي المَكانِ عَظِيمُ الجَبَروتِ شَدِيدُ المِحال غَنِيٌّ عَنِ الخَلائِقِ، عَرِيضُ الكِبْرِياءِ قادِرٌ عَلى ما تَشاءُ، قَرِيبُ الرَّحْمَةِ صادِقُ الوَعْدِ سابِغُ النِّعْمَةِ حَسَنُ البَلاءِ، قَرِيبٌ إِذا دُعِيتَ مُحيطٌ بِما خَلَقْتَ قابِلُ التَّوْبَةِ لِمَنْ تابَ إِلَيْكَ، قادِرٌ عَلى ما أَرَدْتَ وَمُدْرِكٌ ما طَلَبْتَ وَشَكُورٌ إِذا شُكِرْتَ وَذَكُورٌ إِذا ذُكِرْتَ؛ أَدْعُوكَ مُحْتاجاً وَأَرْغَبُ إِلَيْكَ فَقِيراً وَأَفْزَعُ إِلَيْكَ خائِفاً وَأَبْكِي إِلَيْكَ مَكْرُوباً وَأَسْتَعِينُ بِكَ ضَعِيفاً وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ كافِياً، أُحْكُمْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا فَإِنَّهُمْ غَرُّونا وَخَدَعُونا وَخَذَلُونا وَغَدَرُوا بِنا وَقَتَلُونا، وَنَحْنُ عِتْرَةُ نَبِيِّكَ وَوَلَدُ حَبِيبِكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله الَّذِي اصْطَفَيْتَهُ بِالرِّسالَةِ وَائْتَمَنْتَهُ عَلى وَحْيِكَ فَاجْعَلْ لَنا مِنْ أَمْرِنا فَرَجاً وَمَخْرَجاً بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»[44].

«قال ابن عيّاش: سمعتُ الحسين بن عليّ بن سفيان البزوفري يقول: سمعتُ أنَّ أبا عبد الله عليه السلام يدعو به في هذا اليوم، وقال: هو مِن أدعيةِ اليوم الثّالث من شعبان وهو مولدُ الحسين عليه السلام»[45].

v       توضيح  

بعد أن أورد المجلسي رحمه الله هذين الدُّعاءَين عن (المصباح) و(الإقبال)، قال:

·    قوله عليه السلام: «وَلَمَّا يَطَأْ لابَتَيْها»، قال في (النهاية): «اللَّابة الحرّة، وهي الأرض ذات الحجارة السُّود التي قد ألبَستها (أي غَطّـتها لكثرتها)، والمدينة ما بين حرَّتَين عظيمتَين» انتهى. فالضمير إمّا راجعٌ إلى المدينة لظهورها بالقرائن وإنْ لم يَسبق ذكرُها، أو إلى الأرض، والمراد أيضاً اللَّابتان المخصوصتان، وعلى التقادير المراد قبل مَشْيه على الأرض، والأُسرة عشيرةُ الرّجُل وأهل بيته.

·         قوله عليه السلام: «والأوصياء»، أي أوبة الأوصياء، إمّا بِجَرِّه على مذهب الكوفيّين أو نصبه بالعطف على المحلّ، أو يكون الواو بمعنى «مع».

·     قوله عليه السلام: «ويثأروا الثأر» أي يطلبوا الدّم وهو مهموز، وقد يُقلب في الثّار تخفيفاً، وهذه الفقرات تدلّ على رجعة جميع الأئمّة عليهم السلام في الكرّة.

·          قوله: «يوم كُوثر» على بناء المجهول، أي صار مغلوباً بكَثرة العدوّ.

أضاف المجلسي رضوان الله عليه: «ثمّ الظّاهر أنّ الدّعاء الأخير إنّما يتلوه الدّاعي إلى قوله: (أُحكُم بيننا وبينَ قَوْمنا) ثمّ يذكر بعد ذلك حاجتَه»[46].

وهذا الدّعاء وملحقُه، من غُرَر الأدعية، لِما تضمَّنه من إرساء أُسُس الإسلام وركائز التّوحيد، فالعلاقة بسيّد الشّهداء تأخذ موقعها الطّبيعي كتجسيدٍ للعلاقة بالعترة قبل الكرَّة وبعدها، ليتَّخذ الحديث عن حركة الدِّين على وجه الأرض بُعده الشّمولي المرتبط جذريّاً بأهل البيت، الذين تشكِّل العلاقة بهم بِدَورها، تجسيدَ العلاقة برسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو مَن تُبذَل المُهَج للقُرب منه، لإثبات طلب القُرب من الله تعالى، فإذا الذوبان في الحسين وأهل البيت عليهم السلام، والتّفاني في حبِّهم، هو طاعةُ الله تعالى، السبيل الذي لا طاعةَ للمصطفى الحبيب ولا حبّ له ولا اتِّباع، إلّا به.

وأبرز ما في اقتران الدّعاء بملحقه الإلفات إلى أنّ هذه المسيرة الموالية قبل الكرّة وبعدها، مسيرة حسينيّة كربلائيّة، تُردّد فيها القلوبُ دعاء سيِّد الشهداء يوم كُوثِر!

 

·        صوم ثلاثة أيّام: زار الله تعالى في عرشه

أورد الشيخ الطُوسي عن الإمام الصّادق قوله عليه السلام: «ومَن صامَ مِن شعبان ثلاثة أيّامٍ زارَ اللهَ في عَرشِه في جنّته كلّ يومٍ»[47].

 وبعد أن نقل هذه الرّواية السيّد ابن طاوس، علّق عليها قائلاً: «لعلّ المُراد بزيارة الله في عرشه، أن يكون لقومٍ من أهل الجنّة مكانٌ من العَرش، مَن وصل إليه يُسمّى زائرَ الله، كما جعل اللهُ الكعبةَ الشريفة بيتَه الحرام، مَن حجَّها فقد حجّ (إلى) الله، وذكر الشيخ ابن بابويه رحمه الله في كتاب (مَن لا يحضره الفقيه) أنّ معنى هذا الحديث زيارة أنبياء الله وحُجَجه في الجنان، وأنّ مَن زارَهم فقد زار الله. وقد وردت أحاديث كثيرة: أنّ زيارة المؤمن وعيادته وإطعامه، وكسوته، منسوبة إلى أنّها زيارة الله وموصوفة بأنّها عُمِلت مع الله»[48].

·        صلاة الّليلة الرابعة

 قال السيّد في (الإقبال): عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «ومَن صلَّى في اللّيلةِ الرّابعة من شعبان أربعين ركعة، يَقرأ في كلّ ركعة (فاتحة الكتاب) مرّة وخمسة وعشرين مرَّة (قُل هُو اللهُ أحد)، كَتبَ اللهُ له بكلِّ ركعةٍ ثوابَ ألف ألف سنة، وبَنَى له بكُلِّ سورةٍ ألفَ ألفَ مدينة، وأعطاهُ اللهُ ثوابَ ألف ألف شهيد»[49].

 

·        خصوصيّة يوم الغد: مولد أبي الفضل العبّاس عليه السلام

يوم الغد يوم ولادة سيّدنا ومولانا أبي الفضل العبّاس عليه السلام، فمَن كانت له إلى اللهِ حاجة فليَصُم يوم الرابع من شعبان لأنّه في حدّ ذاته قد وَرد الحثُّ على صيامه، فكيف إذا صامه المؤمن بنيّة إهداء هذا الثّواب إلى أبي الفضل العبّاس عليه السلام، وطَلب حاجتِه من الله تعالى ببركة باب الحوائج؟ وكيف إذا ضمّ المؤمن إلى صيامه عن روح أبي الفضل عدّة آلاف من «أللَّهُمَّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمَّدٍ» هديّة إلى روح أمِّ البنين، أمّ أبي الفضل عليه السلام؟ فلنُجرِّب هذا النّذر، ونطلب من الله تعالى حاجتنا ونحن نَقِف ببابِ الكريم ابن الكرام، حامل راية كربلاء، وساقي العُطاشى عليه السلام.

4       شعبان

·        يوم أبي الفضل

هذا هو اليوم الرّابع من شعبان، وهو يوم ذكرى سيِّدنا ومولانا أبي الفضل العبّاس ابن أمير المؤمنين عليهما السلام. وُلد أبو الفضل العبّاس في الرابع من شعبان سنة 26 للهجرة، وقد ورد في زيارته عليه السلام:

«السّلامُ عليكَ يا أبا الفضلِ العبَّاس بنَ أميرِ المؤمنين، السّلامُ عليكَ يا ابن سيِّد الوصيِّين، السّلامُ عليكَ يا ابن أوّلِ القومِ إسلاماً وأقدَمِهم إيماناً، وأقوَمِهم بدين الله وأحْوَطِهِم على الإسلام، أشهدُ لقد نَصَحْتَ للهِ ولِرسولِه ولأخيك، فَنِعْمَ الأخُ المُواسي. فلَعَنَ اللهُ أمّةً قَتلتْكَ، ولَعَنَ اللهُ أمّةً ظلَمَتْكَ، ولَعَنَ اللهُ أمّةً استَحَلَّت منكَ المَحارمَ وانتَهَكَت حُرمةَ الإسلام، فنِعْمَ الصَّابِرُ المُجاهدُ المحامي النَّاصرُ والأخُ الدَّافعُ عن أخيه، والمُجيبُ إلى طاعةِ ربِّه، الرَّاغبُ في ما زَهدَ فيه غيرُه من الثَّوابِ الجَزيلِ والثَّناءِ الجميل..»[50].

·        صوم أربعة أيّام: سعة الرّزق

·   أورد السيّد ابن طاوس عليه الرحمة في (الإقبال) عن الشّيخ الصّدوق بإسناده عن الرّسول صلّى الله عليه وآله: «ومَن صامَ من شعبان أربعة أيّامٍ وَسَّع اللهُ عليه في الرِّزق»[51].

 

·        صلاة اللّيلة الخامسة

 عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَنْ صلَّى في اللّيلة الخامسة من شعبان ركعتَين، يَقرأُ في كلِّ ركعة (فاتحة الكتاب) مرّة وخمسمائة مرّة (قُل هُو اللهُ أحد)، فإذا سلَّم صلَّى على النّبيّ (وآله) سبعين مرّة، قضى اللهُ له ألفَ حاجةٍ مِن حَوائجِ الدُّنيا والآخرة، وأَعطاهُ اللهُ بِعدَدِ نُجومِ السَّماء مدينةً في الجنَّة»[52].

·         5 شعبان: حُبِّب إلى العباد  

·        صوم خمسة أيام:

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صامَ خمسةَ أيّامٍ من شهر شعبان حُبِّبَ إلى العِبادِ»[53].

أي حَبَّب اللهُ تعالى النّاس به كما قال تعالى: ﴿..وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي[54].

·        صلاة اللّيلة السّادسة: يَموت فرِحاً مسروراً، موحِّداً سعيداً

عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «ومَن صلّى في اللّيلة السّادسة من شعبان أربع ركعاتٍ، يقرأ في كلّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) مرّة، وخمسين مرّة (قُل هُو اللهُ أحد)، قَبَض اللهُ رُوحَهُ على السّعادة، ووَسَّع عليه في قبرِهِ، ويَخرجُ مِن قبرِه ووَجهُه كَالقمر، وهو يقول: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ محمّداً عبدُه ورَسولُه»[55].

·         6 شعبان: يُصرَف عنه سبعون نوع بلاء

·                    صوم ستّة أيّام:

أورد السيّد ابن طاوس عن الشّيخ الصّدوق رضوان الله عليهما، عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «مَن صامَ من شعبان ستّة أيام صُرِفَ عنه سبعون لوناً من البلاء»[56].

·        صلاة اللّيلة السّابعة: يوميّاً ثواب شهيد

 عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «ومَنْ صلَّى في اللّيلةِ السّابعة من شعبان ركعتَين، يقرأ فيها (فاتحةَ الكتابِ) مرّة، ومائة مرّة (قُل هُو اللهُ أحد) في الرّكعة الأولى، وفي الثّانية (الحمد) مرّة، وآية (الكرسيّ) مائة مرّة، قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: ما مِن مُؤمنٍ ولا مؤمنةٍ صَلَّى هذه الصَّلاة إلَّا استجابَ اللهُ تعالى منهُ دُعاءَه وقَضى حَوائِجَه، وكَتَب لهُ كلَّ يومٍ ثوابَ شهيدٍ ولا يكونُ عليه خَطيئة»[57].

7       شعبان: بِمَأمَنٍ من إبليس

·        صَوم سبعة أيّامٍ:

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صامَ سبعةَ أيّامٍ من شعبان عُصِمَ من إبليس وجنودِه وهَمْزِه وغَمْزِه»[58].

أي كان بِمَأمنٍ من إبليس، يَمنعُه اللهُ عزَّ وجلَّ من تأثيره.

 

·         صلاة اللّيلة الثّامنة: لا يخرج من الدُّنيا إلَّا طاهِراً 

 عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «من صلّى في اللّيلة الثّامنة من شعبان ركعتَين، يقرأ في الأولى (فاتحة الكتاب) مرّة، وخمس مرّات ﴿آمَنَ الرَّسُول.. إلى آخره، وخمس عشر مرّة (قل هو الله أحد)، وفي الرّكعة الثّانية (فاتحة الكتاب) مرّة و﴿قُلْ إنَّما أنا بَشَرٌ مِثلُكُم مرّة، وخمس عشر مرّة (قُل هُو اللهُ أحد)، فَلَو كانت ذنوبُه أكثر من زَبَدِ البحر لا يُخرجُه اللهُ من الدُّنيا إلَّا طاهراً وكأنَّما قرأ التَّوراة والإنجيل والزَّبور والفرقان»[59].

·    المقصود بقوله ﴿آمَن الرَّسول.. الآية 285 من سورة البقرة، وهي: ﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ باللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

·    وبقوله: ﴿قل إنما أنا بشرٌ.. الآية الأخيرة من سورة الكهف: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا.

8 شعبان: يُسقَى مِن حِياضِ القُدس

·        صَوْم ثمانية أيّام:

في (الإقبال) عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَن صامَ ثمانية أيَّامٍ من شهرِ شعبان لم يَخرُج من الدُّنيا حتَّى يُسقَى مِن حِياضِ القُدس»[60].

ولعلَّ المُراد بحِياض القُدْس، مرتبة عالية جدّاً من مراتب التّوحيد، لها في الآخرة تظهيرُها المُتناسب معها.

ولكي ندرك عَظَمة هذه الجائزة (الشّرب من حِياضِ القُدس) فَلْنتأمَّل في هذه الرّواية:

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: «مَن سَقَى ظمآناً سَقاهُ اللهُ من الرَّحيق المَختوم، مَن سَقى مؤمناً قرْبةً من الماءِ أَعتَقَه اللهُ من النّار، مَن سَقَى ظمآنَ في فَلاةٍ وَرَد حِياضَ القُدسِ مع النّبيّين»[61].

·        صلاة اللّيلة التّاسعة: حرَّم اللهُ جَسدَه على النّار

 عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صلّى في اللّيلة التّاسعة من شعبان أربع ركعاتٍ، يَقرأ في كلِّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) مرّة، وعشر مرّات (إذا جاءَ نَصْرُ اللهِ والفَتْح)، حَرَّمَ اللهُ جَسَدَه على النَّار، وأَعطاهُ اللهُ بِكُلِّ آيةٍ ثوابَ اثنَي عشرَ شهيداً من شُهداءِ بَدْرٍ وثَوابَ العُلَماء»[62].

9        شعبان: عطفُ مُنكَرٍ ونَكيرٍ

·        صوم تسعة أيّام:

عن رسولِ الله صلّى الله عليه وآله: «ومَنْ صامَ تِسعةَ أيّامٍ من شعبان عَطَفَ عليه مُنكَر ونكير عندما يَسألانه»[63].

أَعظم المحطَّات الكُبرى الّتي يَسهلُ ما بعدَها إنْ مَرَّت بِسلامٍ، والّتي يَنبغي الاستعدادُ لها بكلِّ ما أُوتينا من إمكانيّةٍ، محطّة سُؤالِ مُنكرٍ ونَكيرٍ في القبر، ومَنْ عَرف بعض ما في الرّوايات حول سؤالِ مُنكَرٍ ونَكيرٍ وعذابِ القبر، سيَجدُ نفسَه تلقائيّاً مشدوداً إلى صيام تسعة أيّامٍ من شعبان.

·        صلاة اللّيلة العاشرة

·   أوْرَد السّيّد في (الإقبال) عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صلَّى في اللّيلة العاشرة من شهرِ شعبان أربَع ركعاتٍ، يَقرأُ في كلِّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) مرّة، وآية (الكرسيّ) مرّة، و(إنّا أَعطَيناكَ الكَوثَر) ثلاث مرّات، فمَن صلَّى هذه الصَّلاة يَقولُ اللهُ لِملائكتِه: (اكتُبوا له مائة ألف حسنةٍ، وارفَعوا له مائةَ ألف درجةٍ، وافتَحُوا لهُ مائة ألف بابٍ ولا تُغلِقوا عنه أبَدَ الأبَد)ِ، وغَفرَ لَهُ ولِأَبَوَيه ولِجيرانه»[64].

10  شعبان: سعَةُ القبرِ سبعون ذِراعاً..

·           صَوم عشرة أيّامٍ:

عن رسولِ الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صامَ عشرةَ أيَّامٍ مِن شعبان وَسَّعَ اللهُ عليه قبرَهُ سبعين ذِراعاً في سَبعينَ ذراعٍ»[65].

 

صلاة اللّيلة الحادية عشرة: علامةُ اكتمال الإيمان..

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صلّى في اللّيلة الحادية عَشر من شعبان ثماني ركعات يَقرأ في كلّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) مرّة و(قُل يا أيُّها الكافرون) عشر مرّات، والّذي بَعَثني بالحقّ نبيّاً لا يُصلِّيها إلَّا مؤمنٌ مُستكملُ الإيمان، وأعطاه الله بكلّ ركعةٍ رَوضة من رياض الجنّة»[66].

 

11  شعبان: مناراتُ نورٍ على قبره

·        صوم أحد عشر يوماً:

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صامَ مِن شعبان أَحَدَ عَشَرَ يوماً ضربَ على قبرِهِ إحْدى عَشرةَ منارةٍ من نورٍ»[67].

·        صلاة اللّيلة الثّانية عشرة

عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله، أنَّه قال: «ومَن صَلّى في اللّيلة الثّانية عشر من شعبان اثنتَي عشرة ركعة، يَقرأ في كلّ ركعةٍ (فاتحةَ الكتاب) مرّة و(أَلهاكُم التّكاثر) عشر مرّات، غَفَرَ اللهُ تعالى له ذُنوبَ أربعينَ سنة، ورَفَعَ له أربعينَ درجة، واستَغْفَرَ لهُ أربعونَ ألفَ مَلَكٍ، وله ثوابُ مَن أدركَ ليلةَ القدر»[68].

12 شعبان: زارَه تسعون ألف ملَك

·        صوم اثنَي عشر يوماً

أورد السّيّد ابن طاوس عن الشّيخ الصّدوق عليهما الرحمة، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صامَ مِن شعبان اثني عشر يوماً، زارَه كلّ يومٍ في قبره تسعون ألف ملَكٍ إلى النّفخ في الصُّور»[69].

 

·        صلاة اللّيلة الثّالثة عشرة: براءةٌ من النار..

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صلّى في اللّيلة الثّالثة عشر من شعبان ركعتَين، يقرأ في كلّ ركعة (فاتحة الكتاب) مرّة و(التّين والزّيتون) مرّة، فكأنّما أَعتقَ مائتَي رقبة مـن وُلـد إسماعيل عليه السلام، وخَرجَ من ذُنوبِه كَيومِ وَلَدَتهُ أمُّه، وأعطاهُ اللهُ براءةً من النّار، ويُرافق محمّداً صلّى الله عليه وآله»[70].

 

صلاة اللّيالي البِيض: ثلاثُ ليالٍ لم يُعطَ أحدٌ مثلها

 

هذه اللّيلة القادمة هي أُولى اللّيالي البِيض، وعن الإمام الصّادق عليه السلام: «أُعطيَتْ هذه الأمّة ثلاثة أشهرٍ لم يُعطَها أحدٌ من الأُممِ، رَجب وشَعبان وشهر رَمضان، وثلاثَ ليالٍ لمْ يُعطَ أحدٌ مثلها، ليلةَ ثلاث عشرة وليلةَ أربع عشرة وليلة خمس عشرة مِن كلّ شهرٍ، وأُعطِيَت هذه الأمّة ثلاثَ سُوَرٍ لمْ يُعْطها أحدٌ من الأُمم، هي (يس) و(تَبارك المُلك) و(قُل هو الله أحد)، فمَن جَمَعَ بين هذه الثّلاث فقد جَمَع أفضل ما أُعطِيت هذه الأمَّة.

 فقيل: وكيف يَجمع بين هذه الثَّلاث؟

 فقال: يُصلِّي في كلّ ليلةٍ من اللّيالي البِيض من هذه الثّلاثة أشهر، في اللّيلة الثّالثة عشر ركعتَين، يقرأُ في كلِّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) وهذه الثَّلاث سُوَر، وفي اللّيلة الرّابعة عشر أربع ركعات، يَقرأ في كلِّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب)، وهذه الثّلاث سُوَر، وفي اللّيلةِ الخامسة عَشَر ستّ ركعاتٍ، يقرأ في كلِّ ركعة (فاتحة الكتاب) وهذه الثَّلاث سُوَر، فيَحوزَ فَضْلَ هذه الأشهر الثّلاثة، ويُغفَر لهُ كلّ ذَنْبٍ سوى الشِّرك»[71].

 

13 شعبان: أوّل اللّيالي البِيض

·        التّأهُّب للَيلة النّصف:

تطلّ علينا ليلة النّصف من شعبان، أفضلُ ليلةٍ في هذا الشّهر، وهي تحتضن ذكرى ولادة الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشّريف.

ماذا أَعددنا لاستقبال هذه الذِّكرى العظيمة؟

وهل نحنُ على أُهبَة الاستعداد لإحياء هذه اللّيلة بالعبادة؟

وأقصد بالاستعداد هنا:

§        أوّلاً: الاستعداد للاحتفاء بالذكرى، عن طريق مظاهر الزِّينة والابتهاج، وكلّ ما يعبِّر عن الفرحة.

§        ثانياً: الاستعداد لإحياء هذه اللّيلة حتّى الصّباح بالعبادة.

مَن كان على ارتباطٍ بموعدٍ سابقٍ ليلةَ النّصف من شعبان عليه أن يتدبَّر الأمر لكي يتفرَّغ في هذه اللّيلة لعبادة الله عزَّ وجلَّ؛ لأنَّ لهذه اللّيلة أهميّة قُصوى، يكفي في بيانها أنَّ مَن أحياها، أحيا اللهُ تعالى قلبَه يومَ تموتُ القلوبُ.

 

صوم ثلاثة عشر يوماً: استَغْفَرت له ملائكةُ السّماوات السّبع

أورد السّيد ابن طاوس، عن الشّيخ الصّدوق عليهما الرحمة عن رسولِ الله صلّى الله عليه وآله: «مَن صامَ ثلاثة عشر يوماً من شهرِ شعبان استَغْفَرت له ملائكةُ سَبْع سماواتٍ»[72].

صلاة اللّيلة الرّابعة عشرة: ثواب المُصلّين...

عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «مَن صلَّى في اللّيلة الرابعة عشر من شعبان أربع ركعاتٍ، يَقرأ في كلِّ ركعة (فاتحة الكتاب) مرّة، [و] (والعَصر) خمس مرّات، كتبَ اللهُ له ثوابَ المُصلّين من لَدُن آدم إلى يومِ القيامة، وبَعَثَه الله تعالى ووجهه أضْوَءُ من الشّمس والقمر وغَفَر له»[73].

تذكير بصلاة اللّيالي البيض

تقدَّم الحديثُ عنها في اللّيالي البِيض من شهر رجب، كما تقدَّم الحديث عنها في أعمال اللّيلة السّابقة، وحصَّة هذه اللّيلة أربع ركعات، تَقرأ في كلِّ ركعةٍ (الحمد)، و(يس)، و(تبارك المُلك)، و(التّوحيد).

 

14 شعبان

 

صوم أربعة عشر يوماً: تَستغفر له الحَيوانات

قال السّيّد ابن طاوس:«روينا بإسنادنا إلى أبي جعفر بن بابويه في ما ذكره في كتاب (أماليه) وكتاب (ثواب الأعمال) باسناده إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله قال: «ومَن صامَ أربعةَ عشر يوماً من شعبان،أُلهِمَت الدّوابُّ والسِّباعُ حتّى الحيتانُ في البحور أن يستغفروا له»[74].

 

فضيلة ليلة النّصف من شعبان

 

*هذه اللّيلة جليلةُ القدر، عظيمةُ المَنزلة، ويومُها مثلها، وهما أفضل أوقات شعبان على الإطلاق.

هذه اللّيلة بلَغ قدرُها إلى حدّ أنّها من الليالي القلائل التي وَرد الحثُّ الكبير على إحيائها، وعندما نرجع إلى الروايات نَجد أنّنا أمام ليلةٍ لا تفوقها ليلة سوى ليلة القدر، بل إنَّ هناك قاسماً مشتركاً بين هذه اللّيلة وليلة القدر، وهذا القاسم المشترك هو أنَّ الأمور تُقدَّر في ليلة القدر وتُقدَّر في ليلة النّصف من شعبان.

تحدّث السيّد ابن طاوس عليه الرحمة وذَكر وجوهاً، منها ما خلاصتُه: إذا وَعدك شخصٌ بأمرٍ في وقت، ثمّ نفّذ هذا الوعد في وقتٍ آخَر، فلِكِلا الوقتَين دخلٌ في الوعد ووصولِ هذا الأمر إليك أو وصولِك إليه، فيُمكن أن يُقال إنَّ الأمور تُقدَّر بدرجةٍ من التقدير في ليلة النصف من شعبان وبدرجة أخرى في ليلة القدر، ولِكِلا الوقتَين دخلٌ في التقدير.

·                 في الرّوايات:

تُبيِّن الروايات لنا أهميّة ليلة النّصف من شعبان، ومنها:

1– عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:

«إنَّ لله خِياراً من كلِّ ما خَلَقه، فأمّا خِياره من اللّيالي فَلَيالي الجُمع، وليلة النّصف من شعبان، وليلة القدر، ولَيْلتا العيدَين»[75].

2– عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:

«عليُّ بن أبي طالب في آل محمَّدٍ كَأفضلِ أيّام شعبان ولياليه، وهو ليلةُ نصفِه ويومُه».

3- وعنه صلّى الله عليه وآله:

«مَن أَحيَا ليلةَ العيد وليلةَ النّصف من شعبان لم يَمُتْ قلبُه يومَ تَموتُ القلوب»[76].

4– كذلك أورد الشيخ الطّوسي والعلّامة المجلسي رحمهما الله عن الإمام الباقر وقد سُئل عن فضل ليلة النّصف من شعبان فقال عليه السلام: «هي أفضلُ ليلةٍ بعدَ ليلةِ القَدر، فيها يَمنحُ اللهُ تعالى العبادَ فضلَه، ويَغفرُ لهُم بِمنِّه، فاجتَهدوا في القُربة إلى الله فيها، فإنَّها ليلةٌ آلَى اللهُ تعالى على نَفسِه -أي أقسم اللهُ تعالى على نفسه- أنْ لا يَرُدّ سائلاً له فيها ما لم يَسأل معصية، وإنّها الليلة التي جَعَلَها اللهُ تعالى لنا أهل البيت بإزاءِ ما جعلَ ليلة القدر لنَبيّنا صلّى الله عليه وآله، فاجتهدوا في الدّعاء والثّناء على الله تعالى عزَّ وجلَّ، فإنّه مَن سبّح الله تعالى فيها مائة مرّة وحمدَهُ مائة مرّة وكَبَّرَه مائة مرّة، غَفَر اللهُ تعالى له ما سَلَفَ من مَعاصيه، وقَضى له حوائجَ الدُّنيا والآخرة، ما التَمَسَهُ منه -أي ما طلبه من الله عزَّ وجلَّ- وما عَلِمَ حاجتَه إليه وإنْ لمْ يَلتمسه منه، كَرماً منه تعالى وتفضُّلاً لعباده".[77]

5– وعن الإمام الصّادق عليه السلام: «أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يُعجبه أن يُفرِّغ الرجُل نفسه أربع ليالٍ من السّنة، أوّل ليلةٍ من رَجب وليلة النَّحْر، وليلة الفطر، وليلة النّصف من شعبان»[78].

وليلة النّحْر هي ليلة عيد الأضحى، وليلة الفطر ليلة عيد الفطر.

 

وهناك رواياتٌ كثيرة غير ما تقدَّم حول عَظَمة ليلة النّصف من شعبان، وفضيلتها وأهميّة إحيائها، وأكتفي بما ذُكر وبما سَيَرِد في كلمات العلماء.

 

·        مـع العلمـاء

·        قال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه: «وهي ليلةٌ يُعظِّمها المسلمون جميعاً وأهل الكتاب»[79].

·                 مع السيّد ابن طاوس

·      يُبيِّن لنا السيّد ابن طاوس رضوان الله تعالى عليه، أنّ هذه النعمة الإلهيّة الجليلة، نعمة الإمام المهديّ، هي إحدى بركات المصطفى الحبيب وكراماته صلّى الله عليه وآله، فلقد وَعد اللهُ عزَّ وجلَّ رسولَه المصطفى صلّى الله عليه وآله أن يُظهر دِينَه على الدّين كلّه، ويتحقّق هذا الوعدُ لِرسول الله صلّى الله عليه وآله على يد وصيِّه المهديّ: «فيَنبغي أن يكون تعظيمُ هذه الليلة لِأجْل ولادته عند المسلمين والمُعترِفين بِحقوق إمامته على قدر ما ذَكَره جدُّه محمّدٌ صلّى الله عليه وآله، ولستُ أَجِد القوّة البشريّة قادرةً على القيام بهذه الحقوق المعظَّمة الرضيّة إلَّا بقوّةٍ من القدرة الربانيّة، فليَقُم كلُّ عبدٍ بما يبلغ إليه بما أنعم عليه اللهُ جلَّ جلالُه من القوّة والاجتهاد».

وقد تحدّث السيّد ابن طاوس قدس سره، مطوَّلاً في عدّة مواضع من كتاب (الإقبال) حول أهميّة ليلة النصف، فبَيَّنَ في بعض هذه الموارد أنّ المؤمن في هذه الليلة أمام عروضٍ إلهيّة عظيمة، غاية في السّخاء والكرم، إنَّه كرمُ الله تعالى أكرم الأكرمين، إلى أن يقول:

«سيأتي وقتٌ يُطوَى فيه بساطُ الحياة بيد الوفاة، وتُطوى فيه صحائفُ الأعمال، فلا تقدر على الزيادة في الإقبال -أي إغتنم هذه الفرصة العظيمة، فرصة ليلة النصف من شعبان- وإنْ توقَّفَتْ نفسُك عن العمل بجميع ما ذكرناه، أو تكاسَلَتْ واشتَغَلتْ بما ضرُّه أكثر من نفعه، أو بِما لا بقاء لِنفعه من شواغل دار الزّوال، فحدِّثها بما نذكُره من المِثال».

 ثمّ ذكر مثالاً يوضح لنا من خلاله كيف ينبغي أن يكون اهتمامُنا شديداً بكلِّ لحظةٍ من لحظات هذه الليلة.

وخُلاصة مثاله رضوان الله تعالى عليه: لو أنّ ملِكاً من ملوك الدّنيا دعاكَ ووَضَع بين يديك مختلف المراسيم والأوسمة، وقال لك خُذ من هذه الأوسمة والمراسيم كلّ ما تريد: مرسومٌ منها يقضي مثلاً بتعيينك رئيس الوزراء، ومرسومٌ يقضي بامتلاك أراضٍ واسعة شاسعة، وثالث يخوِّلك استلام مبالغ طائلة وما شابه من المراسيم والأوسمة، ولكلِّ مرسومٍ خصائصُه النادرة، ولكلِّ وسامٍ مستلزماته النوعيّة، وقد أُتيحت لك فرصة من الوقت محدَّدة، هيهات أن تتكرَّر، لتأخذ فيها ما أردْت.

فكيف تَتعامل مع هذه العطايا العظيمة من هذا المَلِك؟

هل تُهمل لحظة، أم أنّك تكون حريصاً على أن تأخذ كلّ ما استَطَعت؟

يقول السيّد رحمه الله: كما تَتعامل مع عطايا هذا الملِك من ملوك الدّنيا، فتعامل بنفس الاهتمام مع عطايا مَلِك الملوك عزَّ وجلَّ، إنَّه سبحانه وتعالى رحمةً بنا عرض علينا في هذه الليلة كلّ موائد رحمته، ويستطيع أيُّ شخصٍ منّا أن يأخذ بحسب إقباله واهتمامه؛ فهل من اللّائق أن ننشغلَ عن ربِّنا عزَّ وجلَّ وعن عطاياه ولو لحظة؟

ثمّ يُبيّن السيّد ابن طاوس عليه الرحمة أنّ هناك فارقاً ينبغي أن نلاحظه لأنَّ عطايا مَلِكٍ من ملوك الدنيا، مهما كانت، هي أمورٌ تزول، بينما عطايا ملك الملوك عزَّ وجلَّ، عطايا خالدة باقية، فَينبغي أن يكون الاهتمام بهذه العطايا، من نوعٍ آخر.

ثمّ ختم رحمه الله بقوله: «فاشتَغِل رَحمك اللهُ بدواءِ أسقامِك وثباتِ أقدامك».

كما أورد رضوان الله تعالى عليه روايةً طويلة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله جاء فيها أنَّ جبرائيل عليه السلام أخبره عن ليلة النّصف من شعبان أنّها ليلةٌ «تُفتّح فيها أبوابُ السّماء، فتُفتَح فيها أبوابُ الرّحمة، وبابُ الرّضوان، وبابُ المغفرة، وبابُ الفَضل، وبابُ التّوبة، وبابُ النِّعمة، وبابُ الجُود، وبابُ الإحسانِ، يعتقُ اللهُ فيها بعددِ شُعورِ النّعم وأصوافِها، ويُثبِتُ فيها الآجالَ، ويقسِّم فيها الأرزاقَ من السّنة إلى السّنة، ويُنزل ما يَحدثُ في السّنة كلّها، يا محمَّد مَن أحياها بتَسبيحٍ وتهليلٍ وتكبيرٍ ودعاءٍ وصلاةٍ وقراءةٍ وتطوُّعٍ واستغفارٍ كانت الجنَّةُ له منزلاً ومقيلاً وغَفر اللهُ له ما تقدَّم من ذُنوبه وما تأخّر".." فأَحيِِها يا محمَّد، وأمُرْ أمَّتَك بإحيائِها والتّقرُّب إلى اللهِ تعالى بالعمل فيها فإنّها ليلةٌ شريفةٌ، لقد أتيتُك يا محمَّد وما في السّماء ملَكٌ إلَّا وقد صَفَّ قدمَيه في هذه اللّيلة بين يَدي اللهِ تعالى ".." فهُم بين راكعٍ وقائمٍ وساجدٍ وداعٍ ومكبِّرٍ ومستَغفرٍ ومُسبِّحٍ. يا محمَّد إنَّ اللهَ تعالى يطَّلعُ في هذه اللّيلة فيَغفر لكلِّ مؤمنٍ قائمٍ يصلِّي وقاعدٍ يُسبِّح وراكعٍ وساجدٍ وذاكرٍ، وهي ليلةٌ لا يَدعو فيها داعٍ إلَّا استُجيبَ له، ولا سائلٌ إلَّا أُعطي، ولا مستغفرٌ إلَّا غفرَ له، ولا تائبٌ إلّا يتوب عليه، مَن حُرم خَيْرَها يا محمّد فقد حُرِم»[80].

 

·        هل نَحرص على إحياء هذه اللّيلة؟

 

v    المجالس العامّة

هل سنرى أنّ المجالس العامّة تُعقد في كلِّ الأحياء لنُمضي ليلة ذكرى ولادة الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف بعبادة الله عزّ وجلّ متوسِّلين إلى الله تعالى بوليِّه، وصيّ المصطفى صلّى الله عليه وآله؟

 أمَا سَمع القلبُ ووَعَى أنَّ المحروم، والخاسِر الكبير مَن يُحرم هذه اللّيلة وخيرَها وعطاءَها.

·         مُغالبة النوم

ويَبلغ تحذير سيِّدُ العلماء المراقبين السيّد ابن طاوس عليه الرحمة إلى حدِّ أنّه يقول:         

«إيّاك.. إيّاك أن تضيِّع شيئاً من الوقت في هذه اللّيلة بما يَضرّك من الحركات والسَّكَنات أو بما لا يَنفعك بعد المَمات، فإنْ غَلَبك النّومُ بغير اختيارك حتّى شَغَلَك عن بعض عبادتك ودعائك وأذكارك فليَكُن نومُك لأجل طَلَب القوّة على العبادة كَنَوم أهل السّعادة»[81].

وهذا صريحٌ في أنّ غَلَبة النّوم لشخصٍ بالاختيار في هذه اللّيلة -أي أنّه يَختار أن ينام في ليلة النصف من شعبان- هو أمرٌ لا يَنبغي فعلُه، ولكن لو افترضنا أنّ شخصاً يريد أن لا ينام، إلّا أنّ النوم غَلَبه بِغَير اختياره كأنْ يُلحّ عليه النّوم ولا يَعود باستطاعتِه مواصلة السّهر، فيُضطرّ إلى النوم الذي قد غَلَبه بِغَير اختياره. هنا كيف يكون نومُه؟ يَنبغي أن يَنام بنيَّة أنْ يستيقظ بعد ذلك ويواصل العبادة، لا أنْ ينام وكأنَّ الليلة ليست ليلة النّصف من شعبان!

والفائدة العمليّة هي أوّلاً: أن يستعدَّ المؤمنُ قبل ذلك، بأنْ ينام في النهار مثلاً لكي يبقى مستيقظاً حتّى الصباح.

وثانياً: أنْ يُكتَب المؤمن الّذي اضطُرّ إلى النوم بحسب نيّته هذه، في عداد مَن أحيُوا ليلة النصف من شعبان، بسبب حبِّه للإحياء وحرصه الشّديد عليه.

v     التّوسّل والحَذَر من العجْب

يؤكّد السيّد رضوان الله تعالى عليه في هذا السّياق على أمرَين:

1-    أنَّ الإنسان مهما عمل في هذه الليلة، فلا يَصحّ أن يُحسنَ ظنّه بنفسه، فيَتداخله العجْب، يقول في هذا المجال:

«ولا تُحسن ظنَّك بنفسك وبطاعتك، فكَم مِن عملٍ عملْتهُ في دنياكَ بغاية اجتهادك وإرادتك ثمّ بانت لك فيه من العيوب ما تَعجبُ من الغفلة عنه، فكيف إذا كان النّاظر في عملك اللهُ عزَّ وجلَّ الذي لا يَخفى عليه شيء»[82].

2-    أهميّة التوسّل في آخر ليلة النّصف من شعبان بأهل بيت العصمة صلوات الله عليهم أجمعين، ويقول في ذلك:

«..إذا كان أواخر هذه اللّيلة نصف شعبان، فاجعَل تسليمَ أعمالِك إلى مَن تَعتقدُ أنّه داخلٌ بينَك وبين الله جلَّ جلالُه في آمالك، وتوسَّل إليه وتوجَّه إلى الله جلَّ جلالُه بإقبالِك عليه، في أن يُسلم عبادتك من النّقصان ويَحملها بالعَفو والغفران، ويَفتح بها أبواب القبول ويَرفَعها في معارج درجات المأمول»[83].

·           مع الملكي التّبريزي صاحب (المراقبات)

تحدَّث آيةُ الله الملكي التبريزي عن ليلة النصف من شعبان وكيف يَنبغي أن يَكون عملنا فيها، والمِحوَر الأبرز في كلامه رضوان الله تعالى عليه، أنْ نَعمل في هذه اللّيلة عملَ مُودِّعٍ للدُّنيا، أيْ عمل مَن عَرف أنّه سيَموت غداً. كيف يَتَضرَّع إلى الله تعالى؟ كيف يتذكَّر جميعَ ذنوبِه ويَبكي؟

إلهي إنْ لم تَرحمني فمَن يَرحمني، إلهي أفنيتُ عمري في البُعد عنك والإصرار، والغفلة والسّهو والتّمرُّد والجرأة عليك، وها أنا ذا مُقبلٌ إليك، فإنْ طردْتَنِي عن بابك فبِمَن أَلُوذ.

وتعبير «أنْ يَعمل الإنسانُ في هذه اللّيلة عَملَ مودِّعٍ للدُّنيا» يُرادُ به الإلفات إلى أهميّة كلِّ لحظةٍ من لحظات الليلة، أي اغتَنم هذه الفرصة وأنتَ في غاية الانتباه والجدّ، لأنَّ المودِّع للدّنيا لا يُضيِّع من ليلته الأخيرة أيّ لحظةٍ يُمكنه استثمارها.

قال التبريزي رحمه الله: هي «من اللّيالي التي وَرَد تأكيدُ إحيائها، وقد وَرَدت فيها أعمالٌ وعباداتٌ لم يَرِد مثلُها في غيرِها حتّى ليلة القدر.

وهي ليلةٌ وُلِد فيها مولودٌ لم يُولَد مثلُه في تطهير الأرض والفَرَج العامِّ للمؤمنين، ونَشر راياتِ عدلِ الله على أهل الأرض»[84].

وقد تقدَّمت الإشارةُ في كلام السيّد ابن طاوس إلى أنّ الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بركةٌ من بركات رسول الله صلّى الله عليه وآله.

ثمَّ يقول آية الله التبريزي: «وإذا بلغ السّالكُ هذا المنزل -أي: إذا وصل إلى ليلة النّصف من شعبان- فعليه أن يقطع أوّلاً نَظَرَه في هذه اللّيلة عن اللّذة بالدّنيا والرّاحة فيها ويَعمل فيها عملَ مودِّعٍ للدّنيا، وإنْ رأى عملَين متساويَين في الفضل فيُؤثِر ما هو الأشقّ على النّفس»[85].

وهذا يدلُّ على أهميّة الليلة من حيث إنّ المرجَّح للإنسان إذا رأى عملَين يتساويان في الفضل، فليَأخذ الأصعَب والأشَقّ على نفسه.

إلى أنْ قال رحمه الله ما حاصِله: ثمّ إنَّ من أهمّ الأعمال في هذه الليلة التقرُّب إلى الله عزّ وجلّ بإمامِ الزّمان، وحُجّة العصر، وَلِيّ الأمر، وارِثِ الأنبياء، السّبب المتَّصل بين الأرض والسّماء.. فليَظهر من حركاتك وأفعالك وأقوالك أنّك فاقدٌ إمامك، مُنتظِر ظهورَه، متوقِّعٌ التّشرُّفَ برؤية الطّلعة الرّشيدة[86].

أعمال ليلة النّصف من شعبان

أعمال هذه اللّيلة كثيرة، وفي ما يلي قائمةٌ بها مع تأكيد خصوصيّاتٍ في الثّواب لِأكثرها:

 

1-     الغُسْل:

وهو يخفِّف الذُّنوب، وينبغي الحرصُ قدر الإمكان على الإتيان به في أوَّل الليل. قال الشيخ المفيد عليه الرحمة: «ويُستَحَبُّ في هذه اللّيلة الغُسل»[87].

2-     إحياء اللّيلة بالعبادة:

وقد تقدّم أنَّ «مَن أحياها لمْ يَمُت قلبُه يومَ تَموتُ القلوبُ». قال الشيخ المفيد: «وإحياؤها بالصّلاة والدّعاء»[88].

عن أمير المؤمنين عليه السلام، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: «إذا كَانَ ليلةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبانَ فَقُومُوا لِيلَها وَصُومُوا نَهارَها، فإنَّ نِداءَ اللهِ يَأتي فِيها مِنَ السَّماء: ألا مُستَغفِرٌ فَأغْفِرُ لَهُ ألاَ مُسْتَرْزِقٌ فَأرزُقُهُ». [89]

3-      زيارة الإمام الحسين عليه السلام:

وهي أفضل الأعمال في هذه اللّيلة.

قال الشيخ المفيد: «وفي هذه اللّيلة تكون زيارة سيّدنا أبي عبد الله الحسين ابن عليّ عليهما السلام ".." ومَن لم يَستطع زيارة الحسين بن عليّ عليهما السلام في هذه اللّيلة فليَزُر غيرَه من الأئمّة عليهم السلام، فإنْ لم يتمكَّن من ذلك أوْمى إليهم بالسّلام وأحياها بالصّلاة والدّعاء»[90].

وقال الشّيخ الطّوسي: «أفضلُ الأعمال فيها زيارة أبي عبد الله الحسين بن عليّ عليهما السلام»[91].

وظاهر الرّوايات وكلمات العلماء، أنّ المُراد بزيارته عليه السلام، التّواجد في كربلاء، ولكن لا تُترَك الزيارة من بُعد، لورود رواياتٍ عامّة حول زيارته عليه السلام من أيِّ مكانٍ «مرتفع»، في أيِّ وقتٍ، فكيف بمثل ليلة النّصف.

·        وقد وردت عدّة روايات في فضل هذه الزّيارة منها:

1. روى أبو بصير عن الإمام الصّادق عليه السلام أنّه قال: «مَن أحَبَّ أن يُصَافِحَهُ مائَةُ ألف وعِشْرُونَ ألْفَ نَبِيٍّ، فَلْيَزُرْ قَبْرَ الحُسَيْنِ عليه السلام في نِصْفِ شَعْبانَ، فإنَّ أرْواحَ النَّبِيِّينَ تَسْتَأذِنُ اللهَ تَعالى فِي زِيارَتِهِ فَيُؤذَنُ لَهُمْ»[92].

2. وقال الصّادق عليه السلام: «إذا كانَ النِّصْفُ مِن شَعْبَانَ نادى مُنادٍ مِنَ الأُفُقِ الأعْلى: [يا] زائِري الحُسَين عليه السلام! ارْجِعوا مَغْفُوراً لَكُم. ثَوابُكُم على رَبِّكُم ومُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وآله نَبِيِّكُم»[93]. وأقلّ ما يُزارُ بِهِ تِلْكَ اللّيلَة أن يَصْعَدَ الزّائِرُ سَطْحاً مُرْتَفِعاً فَيَنْظُر يَمْنَةً وَيَسْرَةً ثُمَّ يَرْفَع رَأسَهُ إلى السَّماءِ ويُومِئ بِإصْبَعِه إلى القِبْلَةِ، ويقول:

السَّلامُ عَلَيْكَ يا أبا عَبْدِ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ»[94].

·   ويكفيها فضلاً أنّها رُويت بعدّة أسنادٍ معتَبرة عن الإمام زين العابدين والإمام الصّادقِ عليهما السلام قالا: «مَنْ أحَبَّ أنْ يُصافِحَهُ مائةُ ألف نبيٍّ وأربعة وعشرون ألف نبيّ -(124) ألف نَبيٍّ- فَليَزُر قَبرَ أبي عبد الله الحُسينِ عليه السلام فِي النِّصفِ مِن شَعْبانَ، فإنَّ أرواحَ النَّبيِّين عليهم السلام يَستأذِنُونَ اللهَ فِي زيارَتِهِ، فَطُوبى لِمَنْ صَافَحَ هَؤلاءِ وَصَافَحُوهُ، وَمِنهُم خَمْسَةٌ أولوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ هُم: نُوحٌ وإبراهيمُ ومُوسى وعِيسى ومُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَليهم»[95].

·         كما رَوى الشيخ الكفعمي في (البلد الأمين) زيارةً أُخرى في النصف من شعبان عن الإمام الصّادق عليه السلام: فَاغْتَسِلْ وَقِفْ عِنْدَ القَبْرِ وَقُل:

«ألْحَمْدُ للهِ الْعَلِيِّ الْعَظيمِ، ألسَّلامُ عَلَيْك أَيُّهَا الْعَبْدُ الصّالِحُ الزَّكيُّ، أُودِعُك شَهادَةً مِنّي لَكَ تُقَرِّبُني إِلَيْكَ في يَوْمِ شَفاعَتِكَ، أَشْهَدُ أنَّكَ قُتِلْتَ وَلَمْ تَمُتْ، بَلْ بِرَجاءِ حَياتِكَ حَيِيَتْ قُلُوبُ شيعَتِكَ، وَبِضِياءِ نُورِكَ اهْتَدَى الطّالِبُونَ إلَيْكَ، وَأشْهَدُ أنَّكَ نُورُ اللهِ الَّذي لَمْ يُطْفَأْ وَلا يُطْفَأُ أبَداً، وَأنَّكَ وَجْهُ اللهِ الَّذي لَمْ يَهْلِكْ وَلا يُهْلَكُ أبَداً، وَأشْهَدُ أنَّ هذِهِ التُّرْبَةَ تُرْبَتُكَ، وَهذَا الْحَرَمَ حَرَمُكَ، وَهذَا الْمَصْرَعَ مَصْرَعُ بَدَنِكَ، لا ذَليلَ وَاللهِ مُعَزُّكَ، وَلا مَغْلُوبَ وَاللهِ ناصِرُكَ، هذِهِ شَهادَةٌ لي عِنْدَكَ إلى يَوْمِ قَبْضِ روُحي بِحَضْرَتِك، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ»[96].

4-      دعاء بمناسبة مولد الحجّة عليه السلام:

 قال الشّيخ الطوسي: «ويُستحَبّ أن يُدعى فيها بهذا الدّعاء: أللّهُمَّ بِحَقِّ لَيْلَتِنا هذِهِ وَمَوْلُودِها وَحُجَّتِكَ وَمَوْعُودِهَا، الَّتي قَرَنْتَ إلى فَضْلِها فَضْلاً، فَتَمَّتْ كَلِمَتُكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِكَ، وَلا مُعَقِّبَ لآياتِكَ، نُورُكَ الْمُتَأَلِّقُ، وَضِياؤُكَ الْمُشْرِقُ، وَالْعَلَمُ النُّورُ في طَخْياءِ الدَّيْجُورِ، الْغائِبُ الْمَسْتُورُ، جَلَّ مَوْلِدُهُ، وَكَرُمَ مَحْتِدُهُ، وَالْمَلائِكَةُ شُهَّدُهُ، وَاللهُ ناصِرُهُ وَمُؤَيِّدُهُ إذا آنَ ميعادُهُ، وَالْمَلائِكَةُ أمْدادُهُ، سَيْفُ اللهِ الَّذي لا يَنْبُو، وَنُورُهُ الَّذي لا يَخْبُو، وَذُو الْحِلْمِ الَّذي لا يَصْبُو، مَدارُ الدَّهْرِ، وَنَواميسُ الْعَصْرِ، وَوُلاةُ الأمْرِ، وَالْمُنَزَّلُ عَلَيْهِمْ ما يَتَنَزَّلُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَأَصْحابُ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ، تَراجِمَةُ وَحْيِهِ، وَوُلاةُ أمْرِهِ وَنَهْيِهِ، أللّـهُمَّ فَصَلِّ عَلى خاتِمِهْم وَقآئِمِهِمُ، الْمَسْتُورِ عَنْ عَوالِمِهِمْ، وَأدْرِكْ بِنا أَيّامَهُ، وَظُهُورَهُ وَقِيامَهُ، وَاجْعَلْنا مِنْ أنْصارِهِ، وَاقْرِنْ ثارَنا بِثارِهِ، وَاكْتُبْنا في أعْوانِهِ وَخُلَصائِهِ، وَأحْيِنا في دَوْلَتِهِ ناعِمينَ، وَبِصُحْبَتِهِ غانِمينَ، وَبِحَقِّهِ قائِمينَ، وَمِنَ السُّوءِ سالِمينَ، يا أرْحَمَ الرّاحِمينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيّينَ وَالْمُرْسَلينَ، وَعَلى أهْلِ بَيْتِهِ الصّادِقينَ، وَعِتْرَتِهَ النّاطِقينَ، وَالْعَنْ جَميعَ الظّالِمينَ، واحْكُمْ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ يا أحْكَـمَ الْحـاكِميـنَ»[97].

5-     دعاءٌ علَّمَه الإمامُ الصّادق عليه السلام:

قال الشّيخ: «وروى إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: علَّمني أبو عبد الله عليه السلام دعاءً أدعو به ليلة النّصف من شعبان: أللّـهُمَّ أَنْتَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، الْعَلِيُّ الْعَظيمُ، الْخالِقُ الرّازِقُ، الْمُحْيِي الْمُميتُ، الْبَديءُ الْبَديعُ، لَكَ الْجَلالُ وَلَكَ الْفَضْلُ، وَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الْمَنُّ، وَلَكَ الْجُودُ وَلَكَ الْكَرَمُ، وَلَكَ الأمْرُ وَلَكَ الْمَجْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ، وَحْدَكَ لا شَريكَ لَكَ، يا واحِدُ يا أحَدُ، يا صَمَدُ يا مَنْ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أحَدٌ، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَاغفِرْ لي وَارْحَمْني، وَاكْفِني ما أَهَمَّني، وَاقْضِ دَيْني، وَوَسِّعْ عَلَيَّ في رِزْقي، فَإِنَّكَ في هذِهِ اللَّيْلَةِ كُلَّ أَمْرٍ حَكيمٍ تَفْرُقُ، وَمَنْ تَشاءُ مِنْ خَلْقِكَ تَرْزُقُ، فَارْزُقْني وَأَنْتَ خَيْرُ الرّازِقينَ، فَإِنَّكَ قُلْتَ وَأَنْتَ خَيْرُ الْقائِلينَ النّاطِقينَ: وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ. فَمِنْ فَضْلِكَ أَسْألُ، وَإِيّاكَ قَصَدْتُ، وَابْنَ نَبِيِّكَ اعْتَمَدْتُ، وَلَكَ رَجَوْتُ، فَارْحَمْني يا أرْحَمَ الرّاحِمينَ»[98].

6-    دعاء «أللَّهمَّ اقسِم لنا مِن خشيتك»:

·         بعد أنْ ذَكر السيّد ابن طاوس هذا الدّعاء، نبَّه على أهميّته فقال:

«وقد مضى هذا الدّعاء في بعض مواضِع العبادات وإنّما ذكرناه هنا لأنّه في هذه -ليلة نصف شعبان- من المُهمّات»[99]. ومثلُ هذه الإشارات من السيّد ابن طاوس، ينبغي الاهتمام بها.

وقال المحدِّث القمّي: «وفي كتاب (عوالي اللآلي) أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وآله، كان يدعو بهذا الدّعاء في كافّة الأوقات»[100].

·    الدُّعاء: «أللّهُمَّ اقْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتِكَ ما يَحُولُ بَيْنَنا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ، وَمِنْ طـاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنا بِهِ رِضْوانَكَ، وَمِنَ الْيَقينِ ما يَهُونُ عَلَيْنا بِهِ مُصيباتُ الدُّنْيا، أللّـهُمَّ أمْتِعْنا بِأَسْماعِنا وَأَبْصارِنا وَقُوَّتِنا ما أَحْيَيْتَنا، وَاجْعَلْهُ الْوارِثَ مِنّا، وَاجْعَلْ ثارَنا عَلى مَنْ ظَلَمَنا، وَانْصُرنا عَلى مَنْ عادانا، وَلا تَجْعَلْ مُصيبَتَنا في دينِنا، وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيا أَكْبَرَ هَمِّنا، وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنا، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيْنا مَنْ لا يَرْحَمُنا، بِرَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرّاحِمينَ»[101].

7-     صلاةٌ وأذكار:

وَرَد في الرّواية التي تقدَّم ذكرُ شطرٍ منها حول أنّ ليلة النّصف أفضلُ ليلةٍ بعد ليلة القدر، قال الرّاوي: فقلتُ لسيِّدنا الصّادق عليه السلام، وأيُّ شيءٍ أفضل الأدعية؟

فقال: «إذا صَلّيْتَ العِشَاءَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ تَقْرَأُ في الأولى (الحَمْد) و(سُورَةَ الجُحدِ) [قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ]، وفي الثّانية (الحَمْد) و(سُورَةَ التَّوحِيدِ)، فإذا سَلَّمْتَ قُلْتَ: (سُبْحانَ اللهِ) ثلاثاً وثَلاثِين مَرَّةَ، و(الحَمْدُ للهِ) ثلاثاً وثلاثين، و(اللهُ أكْبَرُ) أربعاً وثلاثين، ثمّ قل:

يا مَنْ إِلَيْهِ مَلْجَأُ الْعِبادِ فِي الْمُهِمّاتِ، وَإِلَيْهِ يَفْزَعُ الْخَلْقُ فيِ الْمُلِمّاتِ، يا عالِمَ الْجَهْرِ وَالْخَفِيّاتِ، وَيا مَنْ لا تَخْفى عَلَيْهِ خَواطِرُ الأوْهامِ، وَتَصَرُّفُ الْخَطَراتِ، يا رَبَّ الْخَلايِقِ وَالْبَرِيّاتِ، يا مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ الأَرَضينَ وَالسَّماواتِ، أَنْتَ اللهُ لا إِلـهَ إِلَّا أَنْتَ، أَمُتُّ إِلَيْكَ بِلا إِلـهَ إِلَّا أَنْتَ، فَبِلا إِلـهَ إِلَّا أَنْتَ، اجْعَلْني في هِذِهِ اللَّيْلَةِ مِمَّنْ نَظَرْتَ إِلَيْهِ فَرَحِمْتَهُ، وَسَمِعْتَ دُعاءَهُ فَأَجَبْتَهُ، وَعَلِمْتَ اسْتِقالَتَهُ فَأَقَلْتَهُ، وَتَجاوَزْتَ عَنْ سالِفِ خَطيئَتِهِ، وَعَظيمِ جَريرَتِهِ، فَقَدِ اسْتَجَرْتُ بِكَ مِنْ ذُنُوبي، وَلَجَأْتُ إِلَيْكَ في سَتْرِ عُيُوبي، أللّـهُمَّ فَجُدْ عَلَيَّ بِكَرَمِكَ وَفَضْلِكَ، وَاحْطُطْ خَطايايَ بِحِلْمِكَ وَعَفْوِكَ، وَتَغَمَّدْني في هذِهِ اللَّيْلَةِ بِسابِغِ كَرامَتِكَ، وَاجْعَلْني فيها مِنْ أوْلِيائِكَ الَّذينَ اجْتَبَيْتَهُمْ لِطاعَتِكَ، وَاخْتَرْتَهُمْ لِعِبادَتِكَ، وَجَعَلْتَهُمْ خالِصَتَكَ وَصَفْوَتَكَ.

أللّـهُمَّ اجْعَلْني مِمَّنْ سَعِدَ جَدُّهُ، وَتَوَفَّرَ مِنَ الْخَيْراتِ حَظُّهُ، وَاجْعَلْني مِمَّنْ سَلِمَ فَنَعِمَ، وَفازَ فَغَنِمَ، وَاكْفِني شَرَّ ما أَسْلَفْتُ، وَاعْصِمْني مِنَ الازدِيادِ في مَعْصِيَتكَ، وَحَبِّبْ إِلَيَّ طاعَتَكَ، وَما يُقَرِّبُني مِنْكَ، وَيُزْلِفُني عِنْدَكَ.

سَيِّدي إِلَيْكَ يَلْجَأُ الْهارِبُ، وَمِنْكَ يَلْتَمِسُ الطّالِبُ، وَعَلى كَرَمِكَ يُعَوِّلُ الْمُسْتَقيلُ التّائِبُ، أَدَّبْتَ عِبادَكَ بالتَّكرُّمِ، وَأَنْتَ أَكْرَمُ الأكْرَمينَ، وَأَمَرْتَ بِالْعَفْوِ عِبادَكَ، وَأَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحيمُ، أللّـهُمَّ فَلا تَحْرِمْني ما رَجَوْتُ مِنْ كَرَمِكَ، وَلا تُؤْيِسْني مِنْ سابِـغِ نِعَمِكَ، وَلا تُخَيِّبْني مِنْ جَزيلِ قِسَمِكَ في هذِهِ اللَّيْلَةِ لأهْلِ طاعَتِكَ، وَاجْعَلْني في جُنَّةٍ مِنْ شِرارِ بَرِيَّتِكَ.

رَبِّ إِنْ لَمْ أَكُنْ مِنْ أَهْلِ ذلِكَ، فَأَنْتَ أَهْلُ الْكرَمِ وَالعَفْوِ وَالمَغْفِرَةِ، وَجُدْ عَليَّ بِما أَنْتَ أَهْلُهُ لا بِما أسْتَحِقُّهُ، فَقَدْ حَسُنَ ظَنّي بِكَ، وَتَحَقَّقَ رَجائي لَكَ، وَعَلِقَتْ نَفْسي بِكَرَمِكَ، فَأَنْتَ أرْحَمُ الرّاحِمينَ، وَأَكْرَمُ الأكْرَمينَ.

أَللّـهُمَّ وَاخْصُصْني مِنْ كَرَمِكَ بِجَزيلِ قِسَمِكَ، وَأَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَاغْفِر لِيَ الذَّنْبَ الَّذي يَحْبِسُ عَلَيَّ الْخُلُقَ، وَيُضَيِّقُ عَلَيَّ الرِّزْقَ، حَتّى أَقُومَ بِصالِحِ رِضاكَ، وَأنْعَمَ بِجَزيلِ عَطائِكَ، وَأسْعَدَ بِسابِغِ نَعْمائِكَ، فَقَدْ لُذْتُ بِحَرَمِكَ، وَتَعَرَّضْتُ لِكَرَمِكَ، وَاسْتَعَذْتُ بِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِحِلْمِكَ مِنْ غَضَبِكَ، فَجُدْ بِما سَألْتُكَ، وَأَنِلْ مَا الْتَمَسْتُ مِنْكَ، أَسْألُكَ بِكَ لا بِشَيْءٍ هُوَ أَعْظَـمُ مِنْـكَ.

ثُمّ تَسجُدُ وتَقولُ: (يا رَبّ) عشرين مرَّةً، (يا الله) سَبْعَ مَرّات، (لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) سَبْعَ مَرّات، (ما شاءَ اللهُ) عَشْرَ مَرّات، (لا قُوّةَ إِلَّا بِاللهِ) عَشْرَ مَرّات، ثُمّ تُصَلّي على النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وتَسْأَل حَاجَتَكَ، فَوَاللهِ لَو سَأَلْتَ بِها بِعَدَدِ القَطْرِ لَبَلَّغَكَ اللهُ عزَّ وجَلَّ إيّاها بِكَرَمِه وفَضْلهِ»[102].

8-     دعاء: «إلهي تعرَّضَ لكَ في هذا اللّيلِ المُتعرِّضون»:

وقد أورده الشّيخ الطّوسي بعد الصّلاة المتقدِّمة التي يُقرأ بعدها دعاء «يا مَن إليه مَلجأُ العِباد»، فقال بعده مباشرةً:

«وتقول: إِلهي تَعَرَّضَ لَكَ في هذَا اللَّيْلِ الْمُتَعَرِّضُونَ، وَقَصَدَكَ فيهِ الْقاصِدُونَ، وَأَمَّلَ فَضْلَكَ وَمَعْرُوفَكَ الطّالِبُونَ، وَلَكَ في هذَا اللَّيْلِ نَفَحاتٌ وَجَوائِزُ، وَعَطايا وَمَواهِبُ، تَمُنُّ بِها عَلى مَنْ تَشاءُ مِنْ عِبادِكَ، وَتَمْنَعُها مَنْ لَمْ تَسْبِقْ لَهُ الْعِنايَةُ مِنْكَ، وَها أَنـَا ذا عُبَيْدُكَ الْفَقيرُ إِلَيْكَ، الْمُؤَمِّلُ فَضْلَكَ وَمَعْرُوفَكَ، فَإِنْ كُنْتَ يا مَولايَ تَفَضَّلْتَ في هذِهِ اللَّيْلَةِ عَلى أحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، وَعُدْتَ عَلَيْهِ بِعائِدَةٍ مِنْ عَطْفِكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ اَلطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ اَلْخَيِّرينَ الْفاضِلينَ، وَجُدْ عَلَيَّ بِطَوْلِكَ وَمَعْرُوفِكَ يا رَبَّ الْعالَمينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبيّينَ وَآلِهِ الطّاهِرينَ وَسَلَّمَ تَسْليماً، إِنَّ اللهَ حَميدٌ مَجيدٌ، أللّهُمَّ إِنّي أَدْعُوكَ كَما أَمَرْتَ، فَاسْتَجِبْ لي كَما وَعَدْتَ، إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْميعادَ»[103].

9-     الباقيات الصّالحات 100 مرّة:

أورد ذلك الشّيخ الطّوسي في رواية عن الإمام الباقر، جاء فيها قوله عليه السلام: «فإنَّه مَن سبَّح اللهَ تعالى فيها مائة مرّة، وحَمدَهُ مائة مرّة، وكَبَّرهُ مائة مرّة، غفر اللهُ له ما سَلَف مِن مَعاصِيه وقَضَى لهُ حوائجَ الدّنيا والآخِرة، ما التَمَسَهُ وما عَلِم حاجَتَه إليه، وإنْ لمْ يَلتمِسه منّةً وتفضُّلاً على عباده»[104].

10-   دعاء السُّجود:

كان يدعو به النّبيّ صلّى الله عليه وآله، في سجوده ليلة النّصف من شعبان. وقد روى أبان بن تغلب عن الإمام الصّادق عليه السلام: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله عند إحدى زوجاته، فلمّا انتَصَف ليلُ النّصف من شعبان قام صلّى الله عليه وآله عن فراشها فلمّا انتَبَهَت قامت، وتَلفَّقت بِشملها، فإذا رسولُ الله صلّى الله عليه وآله ساجدٌ كَثَوبٍ مُتَلَبِّدٍ بوجه الأرض، فَدَنَتْ منه قريباً فَسمعَتْه يقول:

«سَجَدَ لَكَ سَوادي وَخَيالي، وَآمَنَ بِكَ فُؤادي، هذِهِ يَدايَ وَما جَنَيْتُهُ عَلى نَفْسي، يا عَظيمُ تُرْجى لِكُلِّ عَظيمٍ، إغْفِرْ لِيَ الْعَظيمَ، فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذَّنْبَ الْعَظيمَ إِلَّا الرَّبُّ الْعَظيمُ».

ثمَّ رفع رأسَه ثمَّ عاد ساجداً، يقول: «أَعُوذُ بُنُورِ وَجْهِكَ الَّذي أَضاءَتْ لَهُ السَّماواتُ وَالأرَضُونَ، وَانْكَشَفَتْ لَهُ الظُّلُماتُ، وَصَلحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الأوَّلينَ وَالآخِرينَ، مِنْ فُجأَةِ نَقِمَتِكَ، وَمِنْ تَحْويلِ عافِيَتِكَ، وَمِنْ زَوالِ نِعْمَتِكَ، أللّـهُمَّ ارْزُقْني قَلْباً تَقِيّاً نَقِيّاً، وَمِنَ الشِّرْكِ بَريئاً، لا كافِراً ولا شَقِيّاً»[105].

ثُمَّ عَفَّرَ خَدَّيْهِ فِي التُّرابِ وقال:

«عَفَّرْتُ وَجْهي فِي التُّرابِ، وَحُقَّ لي أَنْ أسْجُدَ لَكَ».

فَلمّا هَمَّ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله بالانْصِرافِ هَرْوَلَتْ إلى فِراشِها. وأتى النَّبيُّ صلّى الله عليه وآله إلى الفِراشِ وسَمِعَها تَتَنَفَّسُ أنْفاساً عالِيَةً فَقالَ لَها: ما هذا النَّفَسُ العالِي؟ تَعْلَمِينَ أيَّ لَيْلَة هذِه؟ لَيْلة النِّصْفِ مِنْ شَعْبانَ، فِيها تُقْسَمُ الأرْزاقُ وفِيها تُكْتَبُ الآجَالُ وفِيها يُكْتَبُ وَفْدُ الحاجِّ، وإنَّ اللهَ لَيَغْفِرُ لِلْكَثِيرِ ويُنَزِّلُ اللهُ مَلائِكَةً مِن السَّماءِ إلى الأرْضِ بِمَكَّةَ»[106].

11-     صلاة مائة ركعة: غفر الله له مائة كبيرةٍ مُوبقةٍ مُوجبةٍ للنّار

ورد التّأكيد عليها كثيراً، بحيث أنّ مَن يطّلع على الثواب الكبير الذي وَرَد على هذه الصّلاة، يَبذل أقصى جهدٍ مُمكن لئلّا تفوته.

وكلّ ركعتين منها بتسليمة، يقرأ في كلّ ركعة (الحمد) مرّة، و(قل هو الله أحد) عشر مرّات، فإذا فرغ من الصّلاة -أي أنهى المائة ركعة- قرأ آية (الكرسيّ) عشر مرّات، و(فاتحة الكتاب) عشر مرّات، و(سبَّح الله) مائة مرّة.

·         وفي عظيم ثواب هذه الصّلاة نقرأ ما يلي:

«مَن صلّى (هذه الصّلاة) غَفَر اللهُ له مائةَ كبيرةٍ مُوبقةٍ موجبةٍ للنّار- أي مائة ذنب من الكبائر المُهلكة التي تُسبِّب دخوله النّار- وأعطاهُ بِكُلِّ سورةٍ وتسبيحةٍ قصراً في الجنّة، وشفَّعه الله في مائةٍ من أهل بيته، وشَركهُ في ثواب الشُّهداء، وأعطاهُ ما يُعطي صائِمي هذا الشّهر وقائِمي هذه اللّيلة من غير أنْ يَنقص من أجورِهم شيئاً»[107].

«قال راوي الحديث: ولقد حدَّثَني ثلاثون من أصحاب محمَّد صلّى الله عليه وآله أنَّه مَن صلّى هذه الصّلاة في هذه اللّيلة، نَظرَ اللهُ إليه سبعينَ نظرة، وقَضى له بكلِّ نظرةٍ سبعينَ حاجة، أدناها المغفرة، ثمَّ لو كان شقيّاً وطلبَ السّعادة لأسعدهُ اللهُ ﴿يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ الرعد:39، ولو كان والِداهُ من أهلِ النّار أُخرِجا من النّار بعد أنْ لا يُشركا شيئاً، ومَن صلّى هذه الصّلاة قضى اللهُ له كلَّ حاجةٍ طَلَب، وأعَدَّ له في الجنّة ما لا عينٌ رأت ولا أُذنٌ سَمعَت، والّذي بَعَثَني بالحقِّ نبيّاً مَن صلّى هذه الصّلاة وهو يُريدُ وجهَ اللهِ تعالى، جعلَ اللهُ تعالى له نصيباً في أَجرِ جميعِ مَنْ عَبَدَ اللهَ في تلك اللّيلة، ويَأمُر الكرامَ الكاتبِين أن يَكتبوا له الحسنات ويَمحوا عنه السّيئات، حتى لا يَبقى له سيِّئة، ولا يخرج من الدُّنيا حتّى يَرى منزلَه من الجنّةِ، ويَبعثُ اللهُ إليه ملائكةً يُصافحونَه ويُسلِّمون عليه، ويُحشَر يومَ القيامةِ مع الكِرامِ البَرَرَة، فإنْ مات قبل الحَوْل ماتَ شهيداً، ويُشفَّع في سبعين ألفاً من الموحِّدين. فلا يضعفُ عن القيام تلك اللّيلة إلَّا شقيٌّ»[108].

 وبعد أن ذكر آيةُ الله الملكي التبريزي، هذا النصّ قال: «اِرحَم يا مسكينُ نفسَكَ المرهونةَ بما أسلفْتَ في الأيّام الخالية، وعالِج (بهذه الصّلاة) العظائم من الأوزار الّتي احتَطبْتَها على ظهرك بالأعمال القبيحة الماضية، فسيَأتيك يومٌ تقول فيه: ﴿..أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّر القيامة:10-13.

 

12-      دعاء كُميل:

ورد الحثُّ في هذه اللّيلة على قراءة دعاء كميل وأنَّ له فضلاً عظيماً. قال الشّيخ الطّوسي: «رُوي أنّ كميل بن زياد النّخعي رأى أميرَ المؤمنين عليه السلام ساجداً يدعو بهذا الدّعاء في ليلة النّصف من شعبان»[109].

وقال السيّد ابن طاوس: «ووجدتُ في روايةٍ أخرى ما هذا لفظه: قال كميل بن زياد: كنتُ جالساً مع مولاي أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد البصرة ومعه جماعةٌ من أصحابه فقال بعضُهم: ما معنى قول الله عزّ وجلّ: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ الدخان:4؟

قال عليه السلام: ليلة النّصف من شعبان، والذي نفسُ عليٍّ بيده، إنّه ما من عبدٍ إلَّا وجميعُ ما يَجري عليه من خيرٍ وشرٍّ مقسومٌ له في ليلة النّصف من شعبان إلى آخر السّنة في مثل تلك اللّيلة المقبلة، وما من عبدٍ يُحييها ويدعو بدعاء الخضر عليه السلام إلّا أُجيبَ له.

فلمّا انصرفَ طرقتُه ليلاً، فقال عليه السلام: ما جاءَ بك يا كميل؟

قلتُ: يا أميرَ المؤمنين دعاءُ الخضر، فقال: اجلسْ يا كُميل، إذا حفظتََ هذا الدّعاء فادعُ به كلّ ليلة جمعة، أو في الشّهر مرّة، أو في السّنة مرّة، أو في عمرِكَ مرّة، تُكْفَ وتُنْصَرْ وتُرزق ولن تُعدَم المغفرة، يا كُميل أوْجَبَ لكَ طولُ الصّحبة لنا أنْ نَجودَ لك بِما سألْتَ، ثمّ قال: اكتُب: أَللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء، وَبِقُوَّتِكَ الَّتي قَهَرْتَ بِها كُلَّ شَيْء..»[110]، وأورد الدّعاء بتمامه.

·                 وهذا نصّ الدّعاء  نقلاً عن (مفاتيح الجنان):

«أَللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتي وَسِعَتْ كُلََّ شَيْء، وَبِقُوَّتِكَ الَّتي قَهَرْتَ بِها كُلَّ شَيْء، وَخَضَعَ لَها كُلُّ شَيء، وَذَلَّ لَها كُلُّ شَيء، وَبِجَبَرُوتِكَ الَّتي غَلَبْتَ بِها كُلَّ شَيء، وَبِعِزَّتِكَ الَّتي لا يَقُومُ لَها شَيءٌ، وَبِعَظَمَتِكَ الَّتي مَلأَتْ كُلَّ شَيء، وَبِسُلْطانِكَ الَّذي عَلا كُلَّ شَيء، وَبِوَجْهِكَ الْباقي بَعْدَ فَناءِ كُلِّ شَيء، وَبِأَسْمائِكَ الَّتي مَلأَتْ أرْكانَ كُلِّ شَيء، وَبِعِلْمِكَ الَّذي أَحاطَ بِكُلِّ شَيء، وَبِنُورِ وَجْهِكَ الَّذي أَضاءَ لَهُ كُلُّ شيء، يا نُورُ يا قُدُّوسُ، يا أَوَّلَ الأوَّلِينَ وَيا آخِرَ الآخِرينَ.

أَللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتي تَهْتِكُ الْعِصَمَ، أَللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ النِّقَمَ، أَللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتي تُغَيِّرُ النِّعَمَ، أَللَّهُمَّ اغْفِرْ ليَ الذُّنُوبَ الَّتي تَحْبِسُ الدُّعاءَ، أَللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ الْبَلاءَ، أَللَّهُمَّ اغْفِرْ لي كُلَّ ذَنْبٍ أذْنَبْتُهُ، وَكُلَّ خَطيئَةٍ أخْطَأتُها.

أَللَّهُمَّ إِنّي أتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِذِكْرِكَ، وَأسْتَشْفِعُ بِكَ إلى نَفْسِكَ، وَأَسْأَلُكَ بِجُودِكَ أن تُدْنِيَني مِنْ قُرْبِكَ، وَأَنْ تُوزِعَني شُكْرَكَ، وَأَنْ تُلْهِمَني ذِكْرَكَ، أَللَّهُمَّ إني أَسْأَلُكَ سُؤالَ خاضِعٍ مُتَذَلِّلٍ خاشِعٍ أن تُسامِحَني وَتَرْحَمَني وَتَجْعَلَني بِقِسْمِكَ راضِياً قانِعاً، وَفي جَميعِ الأحوال مُتَواضِعاً.

أَللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ سُؤالَ مَنِ اشْتَدَّتْ فاقَتُهُ، وَأنْزَلَ بِكَ عِنْدَ الشَّدائِدِ حاجَتَهُ، وَعَظُمَ في ما عِنْدَكَ رَغْبَتُهُ.

أَللَّهُمَّ عَظُمَ سُلْطانُكَ، وَعَلا مَكانُكَ، وَخَفِيَ مَكْرُكَ، وَظَهَرَ أَمْرُكَ وَغَلَبَ قَهْرُكَ، وَجَرَتْ قُدْرَتُكَ، وَلا يُمْكِنُ الْفِرارُ مِنْ حُكُومَتِكَ.

أَللَّهُمَّ لا أجِدُ لِذُنُوبي غافِراً، وَلا لِقَبائِحي ساتِراً، وَلا لِشَيءٍ مِنْ عَمَلِي الْقَبيحِ بِالْحَسَنِ مُبَدِّلاً غَيْرَكَ، لا إِلهَ إلَّا أنْتَ، سُبْحانَكَ وَبِحَمْدِكَ، ظَلَمْتُ نَفْسي، وَتَجَرَّأْتُ بِجَهْلي، وَسَكَنْتُ إلى قَديمِ ذِكْرِكَ لي وَمَنِّكَ عَلَيَّ.

أَللَّهُمَّ مَوْلاي كَمْ مِنْ قَبيحٍ سَتَرْتَهُ، وَكَمْ مِنْ فادِحٍ مِنَ الْبَلاءِ أقَلْتَهُ، وَكَمْ مِنْ عِثارٍ وَقَيْتَهُ، وَكَمْ مِنْ مَكْرُوهٍ دَفَعْتَهُ، وَكَمْ مِنْ ثَناءٍ جَميلٍ لَسْتُ أهْلاً لَهُ نَشَرْتَهُ.

أَللَّهُمَّ عَظُمَ بَلائي، وَأفْرَطَ بي سُوءُ حالي، وَقَصُرَتْ بي أعْمالي، وَقَعَدَتْ بي أغْلالي، وَحَبَسَني عَنْ نَفْعي بُعْدُ أمَلي، وَخَدَعَتْنِي الدُّنْيا بِغُرُورِها، وَنَفْسي بِجِنايَتِها، وَمِطالي يا سَيِّدي فَأَسْأَلُكَ بِعِزَّتِكَ أن لا يَحْجُبَ عَنْكَ دُعائي سُوءُ عَمَلي وَفِعالي، وَلا تَفْضَحْني بِخَفِيِّ مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنْ سِرّي، وَلا تُعاجِلْني بِالْعُقُوبَةِ عَلى ما عَمِلْتُهُ في خَلَواتي مِنْ سُوءِ فِعْلي وَإساءَتي، وَدَوامِ تَفْريطي وَجَهالَتي، وَكَثْرَةِ شَهَواتي وَغَفْلَتي، وَكُنِ اللّهُمَّ بِعِزَّتِكَ لي في كُلِّ الأحوالِ رَؤوفاً، وَعَلَيَّ في جَميعِ الأمُورِ عَطُوفاً.

إِلهي وَرَبِّي مَنْ لي غَيْرُكَ أَسْأَلُهُ كَشْفَ ضُرِّي، وَالنََّظَرَ في أمْري، إِلهي وَمَوْلاي أجْرَيْتَ عَلَيَّ حُكْمَاً اتَّبَعْتُ فيهِ هَوى نَفْسي، وَلَمْ أحْتَرِسْ فيهِ مِنْ تَزْيينِ عَدُوّي، فَغَرَّني بِما أهْوى وَأسْعَدَهُ عَلى ذلِكَ الْقَضاءُ، فَتَجاوَزْتُ بِما جَرى عَلَيَّ مِنْ ذلِكَ بَعْضَ حُدُودِكَ، وَخالَفْتُ بَعْضَ أوامِرِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ عَليَّ في جَميعِ ذلِكَ، وَلا حُجَّةَ لي في ما جَرى عَلَيَّ فيهِ قَضاؤُكَ، وَألْزَمَني حُكْمُكَ وَبَلاؤُكَ .

وَقَدْ أتَيْتُكَ يا إِلهي بَعْدَ تَقْصيري وَإِسْرافي عَلى نَفْسي مُعْتَذِراً نادِماً مُنْكَسِراً مُسْتَقيلاً مُسْتَغْفِراً مُنيباً مُقِرَّاً مُذْعِناً مُعْتَرِفاً، لا أجِدُ مَفَرَّاً مِمّا كانَ مِنّي، وَلا مَفْزَعاً أتَوَجَّهُ إليه في أَمْري، غَيْرَ قَبُولِكَ عُذْري، وَإِدْخالِكَ إِيّايَ في سَعَةِ رَحْمَتِكَ.

أَللَّهُمَّ فَاقْبَلْ عُذْري، وَارْحَمْ شِدَّةَ ضُرِّي، وَفُكََّني مِنْ شَدِّ وَثاقي.

يا رَبِّ ارْحَمْ ضَعْفَ بَدَني، وَرِقَّةَ جِلْدي، وَدِقَّةَ عَظْمي، يا مَنْ بَدَأَ خَلْقي وَذِكْري وَتَرْبِيَتي وَبِرِّي وَتَغْذِيَتي هَبْني لابْتِداءِ كَرَمِكَ، وَسالِفِ بِرِّكَ بي.

يا إِلهي وَسَيِّدي وَرَبِّي، أتُراكَ مُعَذِّبي بِنارِكَ بَعْدَ تَوْحيدِكَ، وَبَعْدَ مَا انْطَوى عَلَيْهِ قَلْبي مِنْ مَعْرِفَتِكَ، وَلَهِجَ بِهِ لِساني مِنْ ذِكْرِكَ، وَاعْتَقَدَهُ ضَميري مِنْ حُبِّكَ، وَبَعْدَ صِدْقِ اعْتِرافي وَدُعائي خاضِعاً لِرُبُوبِيَّتِكَ، هَيْهاتَ أنْتَ أكْرَمُ مِنْ أنْ تُضَيِّعَ مَنْ رَبَّيْتَهُ، أوْ تُبَعِّدَ مَنْ أدْنَيْتَهُ، أوْ تُشَرِّدَ مَنْ آوَيْتَهُ، أوْ تُسَلِّمَ إِلَى الْبَلاءِ مَنْ كَفَيْتَهُ وَرَحِمْتَهُ، وَلَيْتَ شِعْري يا سَيِّدي وَإِلهي وَمَوْلايَ، أتُسَلِّطُ النّارَ عَلى وُجُوهٍ خَرَّتْ لِعَظَمَتِكَ ساجِدَةً، وَعَلى ألْسُنٍ نَطَقَتْ بِتَوْحيدِكَ صادِقَةً، وَبِشُكْرِكَ مادِحَةً، وَعَلى قُلُوبٍ اعْتَرَفَتْ بِإلهِيَّتِكَ مُحَقِّقَةً، وَعَلى ضَمائِرَ حَوَتْ مِنَ الْعِلْمِ بِكَ حَتّى صارَتْ خاشِعَةً، وَعَلى جَوارِحَ سَعَتْ إلى أوْطانِ تَعَبُّدِكَ طائِعَةً، وَأَشارَتْ بِاسْتِغْفارِكَ مُذْعِنَةً، ما هكَذَا الظََّنُّ بِكَ، وَلا أُخْبِرْنا بِفَضْلِكَ عَنْكَ.

يا كَريمُ يا رَبِّ وَأنْتَ تَعْلَمُ ضَعْفي عَنْ قَليلٍ مِنْ بَلاءِ الدُّنْيا وَعُقُوباتِها، وَما يَجْري فيها مِنَ الْمَكارِهِ عَلى أهْلِها، عَلى أنَّ ذلِكَ بَلاءٌ وَمَكْرُوهٌ قَليلٌ مَكْثُهُ، يَسيرٌ بَقاؤُهُ، قَصيرٌ مُدَّتُهُ، فَكَيْفَ احْتِمالي لِبَلاءِ الآخِرَةِ، وَجَليلِ وُقُوعِ الْمَكارِهِ فيها، وَهُوَ بَلاءٌ تَطُولُ مُدَّتُهُ، وَيَدُومُ مَقامُهُ، وَلا يُخَفََّفُ عَنْ أهْلِهِ، لأنَّهُ لا يَكُونُ إلّا عَنْ غَضَبِكَ وَاْنتِقامِكَ وَسَخَطِكَ، وَهذا ما لا تَقُومُ لَهُ السَّماواتُ وَالأرْضُ، يا سَيِّدِي فَكَيْفَ لي وَأنَا عَبْدُكَ الضَّعيفُ الذَّليلُ الْحَقيرُ الْمِسْكينُ الْمُسْتَكينُ.

يا إِلهي وَرَبّي وَسَيِّدِي وَمَوْلايَ لأيِّ الأمُورِ إِلَيْكَ أشْكُو، وَلِما مِنْها أضِجُّ وَأبْكي، لأليمِ الْعَذابِ وَشِدَّتِه، أمْ لِطُولِ الْبَلاءِ وَمُدَّتِهِ، فَلَئِنْ صَيَّرْتَني لِلْعُقُوباتِ مَعَ أعْدائِكَ، وَجَمَعْتَ بَيْني وَبَيْنَ أهْلِ بَلائِكَ، وَفَرَّقْتَ بَيْني وَبَيْنَ أحِبّائِكَ وَأوْليائِكَ، فَهَبْني يا إلهي وَسَيِِّدِي وَمَوْلايَ وَرَبّي صَبَرْتُ عَلى عَذابِكَ، فَكَيْفَ أصْبِرُ عَلى فِراقِكَ، وَهَبْني صَبَرْتُ عَلى حَرِّ نارِكَ، فَكَيْفَ أصْبِرُ عَنِ النَّظَرِ إلى كَرامَتِكَ، أمْ كَيْفَ أسْكُنُ فِي النّارِ وَرَجائي عَفْوُكَ، فَبِعِزَّتِكَ يا سَيِّدي وَمَوْلايَ أُقْسِمُ صادِقاً لَئِنْ تَرَكْتَني ناطِقاً لأضِجَّنَّ إلَيْكَ بَيْنَ أهْلِها ضَجيجَ الآمِلينَ، وَلأصْرُخَنَّ إلَيْكَ صُراخَ الْمَسْتَصْرِخينَ، وَلأبْكِيَنَّ عَلَيْكَ بُكاءَ الْفاقِدينَ، وَلاَُنادِيَنَّكَ أَيْنَ كُنْتْ (كُنْتُ) يا وَلِيَّ الْمُؤْمِنينَ، يا غايَةَ آمالِ الْعارِفينَ، يا غِياثَ الْمُسْتَغيثينَ، يا حَبيبَ قُلُوبِ الصّادِقينَ، وَيا إِلهَ الْعالَمينَ.

أفَتُراكَ سُبْحانَكَ يا إلهي وَبِحَمْدِكَ تَسْمَعُ فيها صَوْتَ عَبْدٍ مُسْلِم سُجِنَ فيها بِمُخالَفَتِهِ، وَذاقَ طَعْمَ عَذابِها بِمَعْصِيَتِهِ، وَحُبِسَ بَيْنَ أطْباقِها بِجُرْمِهِ وَجَريرَتِهِ، وَهُوَ يَضِجُّ إلَيْكَ ضَجيجَ مُؤَمِّلٍ لِرَحْمَتِكَ، وَيُناديكَ بِلِسانِ أهْلِ تَوْحيدِكَ، وَيَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِرُبُوبِيَّتِكَ، يا مَوْلايَ فَكَيْفَ يَبْقى فِي الْعَذابِ وَهُوَ يَرْجُو ما سَلَفَ مِنْ حِلْمِكَ، أَمْ كَيْفَ تُؤْلِمُهُ النّارُ وَهُوَ يَأْمُلُ فَضْلَكَ وَرَحْمَتَكَ، أمْ كَيْفَ يُحْرِقُهُ لَهيبُها وَأنْتَ تَسْمَعُ صَوْتَهُ وَتَرى مَكانَه، أمْ كَيْفَ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ زَفيرُها وَأنْتَ تَعْلَمُ ضَعْفَهُ، أمْ كَيْفَ يَتَقَلْقَلُ بَيْنَ أطْباقِها وَأنْتَ تَعْلَمُ صِدْقَهُ، أمْ كَيْفَ تَزْجُرُهُ زَبانِيَتُها وَهُوَ يُناديكَ يا رَبَّهُ، أمْ كَيْفَ يَرْجُو فَضْلَكَ في عِتْقِهِ مِنْها فَتَتْرُكُهُ فيها، هَيْهاتَ ما ذلِكَ الظَّنُ بِكَ، وَلاَ الْمَعْرُوفُ مِنْ فَضْلِكَ، وَلا مُشْبِهٌ لِما عامَلْتَ بِهِ الْمُوَحِّدينَ مِنْ بِرِّكَ وَإِحْسانِكَ، فَبِالْيَقينِ أقْطَعُ لَوْلا ما حَكَمْتَ بِهِ مِنْ تَعْذيبِ جاحِديكَ، وَقَضَيْتَ بِهِ مِنْ إِخْلادِ مُعانِدِيكَ، لَجَعَلْتَ النّارَ كُلَّها بَرْداً وَسَلاماً، وَما كانَ لأحَدٍ فيها مَقَرَّاً وَلا مُقاماً، لكِنَّكَ تَقَدَّسَتْ أسْماؤُكَ أقْسَمْتَ أنْ تَمْلأها مِنَ الْكافِرينَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ أجْمَعينَ، وَأنْ تُخَلِّدَ فيهَا الْمُعانِدينَ، وَأنْتَ جَلَّ ثَناؤُكَ قُلْتَ مُبْتَدِئاً، وَتَطَوَّلْتَ بِالإنْعامِ مُتَكَرِّماً، أفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ.

إلهي وَسَيِّدي فَأَسْأَلُكَ بِالْقُدْرَةِ الَّتي قَدَّرْتَها، وَبِالْقَضِيَّةِ الَّتي حَتَمْتَها وَحَكَمْتَها، وَغَلَبْتَ مَنْ عَلَيْهِ أجْرَيْتَها، أنْ تَهَبَ لي في هذِهِ اللَّيْلَةِ وَفي هذِهِ السّاعَةِ كُلَّ جُرْمٍ أجْرَمْتُهُ، وَكُلَّ ذَنْبٍ أذْنَبْتُهُ، وَكُلَّ قَبِيحٍ أسْرَرْتُهُ، وَكُلَّ جَهْلٍ عَمِلْتُهُ، كَتَمْتُهُ أوْ أعْلَنْتُهُ، أخْفَيْتُهُ أوْ أظْهَرْتُهُ، وَكُلَّ سَيِّئَةٍ أمَرْتَ بِإِثْباتِهَا الْكِرامَ الْكاتِبينَ الَّذينَ وَكَّلْتَهُمْ بِحِفْظِ ما يَكُونُ مِنّي، وَجَعَلْتَهُمْ شُهُوداً عَلَيَّ مَعَ جَوارِحي، وَكُنْتَ أنْتَ الرَّقيبَ عَلَيَّ مِنْ وَرائِهِمْ، وَالشّاهِدَ لِما خَفِيَ عَنْهُمْ، وَبِرَحْمَتِكَ أخْفَيْتَهُ، وَبِفَضْلِكَ سَتَرْتَهُ، وَأنْ تُوَفِّرَ حَظّي مِنْ كُلِّ خَيْرٍ أنْزَلْتَهُ أوْ إِحْسان فَضَّلْتَهُ، أوْ بِرٍّ نَشَرْتَهُ، أوْ رِزْقٍ بَسَطْتَهُ، أوْ ذَنْبٍ تَغْفِرُهُ، أوْ خَطَأٍ تَسْتُرُهُ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبّ.

يا إِلهي وَسَيِّدي وَمَوْلايَ وَمالِكَ رِقِّي، يا مَنْ بِيَدِهِ ناصِيَتي، يا عَليماً بِضُرِّي وَمَسْكَنَتي، يا خَبيراً بِفَقْري وَفاقَتي، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبّ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّكَ وَقُدْسِكَ، وَأعْظَمِ صِفاتِكَ وَأسْمائِكَ، أنْ تَجْعَلَ أوْقاتي مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ بِذِكْرِكَ مَعْمُورَةً، وَبِخِدْمَتِكَ مَوْصُولَةً، وَأعْمالي عِنْدَكَ مَقْبُولَةً، حَتّى تَكُونَ أعْمالي وَأوْرادي كُلُّها وِرْداً واحِداً، وَحالي في خِدْمَتِكَ سَرْمَداً.

يا سَيِّدي يا مَنْ عَلَيْهِ مُعَوَّلي، يا مَنْ إِلَيْهِ شَكَوْتُ أحْوالي، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبّ، قَوِّ عَلى خِدْمَتِكَ جَوارِحي، وَاشْدُدْ عَلَى الْعَزيمَةِ جَوانِحي، وَهَبْ لِيَ الْجِدَّ في خَشْيَتِكَ، وَالدَّوامَ فِي الاتِّصالِ بِخِدْمَتِكَ، حَتّى أسْرَحَ إلَيْكَ في مَيادينِ السّابِقينَ، وَأُسْرِعَ إلَيْكَ فِي الْبارِزينَ، وَأشْتاقَ إلى قُرْبِكَ فِي الْمُشْتاقينَ، وَأدْنُوَ مِنْكَ دُنُوَّ الُمخْلِصينَ، وَأَخافَكَ مَخافَةَ الْمُوقِنينَ، وَأجْتَمِعَ في جِوارِكَ مَعَ الْمُؤْمِنينَ.

أَللَّهُمَّ وَمَنْ أَرادَني بِسُوءٍ فَأَرِدْهُ، وَمَنْ كادَني فَكِدْهُ، وَاجْعَلْني مِنْ أحْسَنِ عَبيدِكَ نَصيباً عِنْدَكَ، وَأَقْرَبِهِمْ مَنْزِلَةً مِنْكَ، وَأخَصِّهِمْ زُلْفَةً لَدَيْكَ، فَإِنَّهُ لا يُنالُ ذلِكَ إلَّا بِفَضْلِكَ، وَجُدْ لي بِجُودِكَ، وَاعْطِفْ عَلَيَّ بِمَجْدِكَ، وَاحْفَظْني بِرَحْمَتِكَ، وَاجْعَلْ لِساني بِذِكْرِكَ لَهِجَاً، وَقَلْبي بِحُبِّكَ مُتَيَّماً، وَمُنَّ عَلَيَّ بِحُسْنِ إِجابَتِكَ، وَأقِلْني عَثْرَتي، وَاغْفِرْ زَلَّتي، فَإِنَّكَ قَضَيْتَ عَلى عِبادِكَ بِعِبادَتِكَ، وَأمَرْتَهُمْ بِدُعائِكَ، وَضَمِنْتَ لَهُمُ الإجابَةَ، فَإِلَيْكَ يا رَبِّ نَصَبْتُ وَجْهي، وَإِلَيْكَ يا رَبِّ مَدَدْتُ يَدي، فَبِعِزَّتِكَ اسْتَجِبْ لي دُعائي، وَبَلِّغْني مُنايَ، وَلا تَقْطَعْ مِنْ فَضْلِكَ رَجائي، وَاكْفِني شَرَّ الْجِنِّ وَالإنْسِ مِنْ أَعْدائي.

يا سَريعَ الرِّضا اغْفِرْ لِمَنْ لا يَمْلِكُ إلَّا الدُّعاءَ، فَإِنَّكَ فَعّالٌ لِما تَشاءُ، يا مَنِ اسْمُهُ دَواءٌ وَذِكْرُهُ شِفاءٌ وَطاعَتُهُ غِنًى، اِرْحَمْ مَنْ رَأْسُ مالِهِ الرَّجاءُ، وَسِلاحُهُ الْبُكاءُ، يا سابِغَ النِّعَمِ، يا دافِعَ النِّقَمِ، يا نُورَ الْمُسْتَوْحِشينَ فِي الظُّلَمِ، يا عالِماً لا يُعَلَّمُ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد، وَافْعَلْ بي ما أنْتَ أَهْلُهُ، وَصَلَّى اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَالأَئِمَّةِ الْمَيامينَ مِنْ آلِهِ، وَسَلَّمَ تَسْليماً كَثيراً».

 

13-   صلاة جعفر الطّيّار رضوان الله تعالى عليه:

أورد الشّيخ الطّوسي أنَّ الرّاوي قال: سألتُ أبا الحسن عليَّ بن موسى الرّضا عليهما السلام عن ليلة النّصف من شعبان، قال: «هي ليلةٌ يعتِقُ اللهُ فيها الرّقاب من النّار ويَغفرُ فيها الذُّنوبَ الكِبار»، قلت: فهل فيها صلاة زيادة على سائر اللّيالي؟ قال: «ليس فيها شيءٌ موظَّف (مُستحبٌّ بِخصوصه)، ولكن إنْ أحبَبْتَ أنْ تتطوّع فيها بشيءٍ فعليكَ بصلاة جعفر بن أبي طالب عليه السلام وأكثِر فيها مِن ذكرِ اللهِ تعالى ومن الاستغفارِ والدُّعاء، فإنّ أبي عليه السلام كان يقول: الدُّعاء فيها مستَجاب»[111].

 

·                 فضلُها:

قال الإمام الخمينيّ قدّس سرّه: صلاة جعفر بن أبي طالب عليه السلام من المستحبّات الأكيدة، ومن المشهورات بين العامّة والخاصّة، وممّا حَباه النّبيُّ صلّى الله عليه وآله ابنَ عمِّه حين قدومه من سفره حبّاً له وكرامةً عليه؛ فعَن الصادق عليه السلام أنّه قال: «قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله لِجعفر حين قدومِه من الحبَشة يومَ فتحِ خَيبر: ألا أمنحُك؟ ألا أُعطيكَ؟ أَلا أَحبُوك؟

فقال: بلى يا رسول الله صلّى الله عليه وآله -قال: فظنّ النّاسُ أنّه يُعطيه ذهباً أو فضّةً، فأشرفَ النّاسُ لذلك، فقال له: إنّي أُعطيك شيئاً إنْ أنتَ صنعتَه في كلّ يومٍ كان خيراً لك من الدُّنيا وما فيها، فإن صنعتَهُ بين يومَين غفرَ اللهُ لكَ ما بينهما، أو كلّ جمعةٍ أو كلّ شهرٍ أو كلّ سنةٍ غَفَر لكَ ما بينهما».

وأفضلُ أوقاتها يوم الجمعة حين ارتفاع الشّمس. ويَجوز احتسابُها من نوافل اللّيل أو النّهار، تُحسَب له من نوافله وتُحسَب له من صلاة جعفر رضوان الله عليه كما في الخبر، فيَنوي بصلاة جعفر نافلةَ المغرب مثلاً.

 

·                 كيفيَّتُها:

وهي أربع ركعاتٍ بتسليمتَين، يقرأ في كلّ ركعة «الحمد» وسورَة، ثمّ يقول: «سُبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ولا إلهَ إلَّا اللهُ واللهُ أكبر» خمس عشرة مرّة، ويقولها في الركوع عشر مرّات، وكذا بعد رفع الرأس منه عشر مرّات، وكذا في السجدة الأُولى وبعد رفع الرأس منها، وفي السّجدة الثانية وبعد رفع الرأس منها يقولها عشر مرّات، فتكون في كلّ ركعة خمساً وسبعين مرّة، ومجموعها ثلاثمائة تسبيحة. والظاهر الاكتفاء بالتسبيحات عن ذكر الركوع والسجود، والأحوَط عدم الاكتفاء بها عنه.

 

§         أحكامها:

§    ولا تتعيّن فيها سورةٌ مخصوصة، لكنّ الأفضل أن يقرأ في الركعة الأولى «إِذَا زُلْزِلَتْ»، وفي الثانية «وَالْعَادِيَاتِ»، وفي الثالثة «إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله»، وفي الرابعة «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ».

§         مسألة: يجوز تأخير التّسبيحات إلى ما بعد الصّلاة إذا كان مستعجلاً.

§         كما يجوز التفريق في أصل الصّلاة إذا كانت له حاجة ضروريّة، فيأتي بركعتَين، وبعد قضاء تلك الحاجة يأتي بالبقيّة.

§    مسألة: لوْ سَها عن بعض التسبيحات في محلّه: فإنْ تذكَّرَه في بعض المحالّ الأُخَر قضاهُ في ذلك المحلّ مضافاً إلى وظيفته، فإذا نسيَ تسبيحات الركوع وتذكّرها بعد رفع الرأس منه سبّحَ عشرين تسبيحة، وهكذا في باقي المحالّ والأحوال، وإن لم يتذكّرها إلّا بعد الصلاة فالأولى والأحوط أن يأتي بها رجاءً.

§   مسألة: يستحبّ أن يقول في السجدة الثانية من الرّكعة الرّابعة بعد التسبيحات: «يَا مَنْ لَبِسَ الْعِزّ وَالْوَقَارَ، يَا مَنْ تَعَطّفَ بِالْمَجْدِ وَتَكَرّمَ بِهِ، يَا مَنْ لَا يَنْبَغِي التّسْبِيحُ إِلّا لَهُ، يَا مَنْ أَحْصَى كُلّ شَيءٍ عِلْمُهُ، يَا ذَا النّعْمَةِ وَالطَّوْلِ، يَا ذَا الْمَنّ وَالْفَضْلِ، يَا ذَا الْقُدْرَةِ وَالْكَرَمِ، أَسْأَلُكَ بِمَعَاقِدِ الْعِزّ مِنْ عَرْشِكَ، وَمُنْتَهَى الرّحْمَةِ مِنْ كِتابِكَ، وَباسْمِكَ الْأَعْظَمِ الأَعْلَى وَكَلِمَاتِكَ التّامّاتِ، أَنْ تُصَلّيَ عَلَى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ، وَأَنْ تَفْعَلَ بِي كَذَا وَكَذَا» ويذكر حاجاته.

§    ويُستحبّ أن يدعو بعد الفراغ من الصّلاة ما رواه الشيخ الطوسيّ والسيّد ابن طاوس عن المفضّل بن عمر، قال: «رأيتُ أبا عبد الله عليه السلام يصلّي صلاةَ جعفر، ورفع يدَيه ودعا بهذا الدّعاء: «يَا رَبّ يَا رَبّ» حتّى انقطَعَ النَّفَس، «يَا رَبّاهُ يَا رَبّاهُ» حتّى انقطَعَ النَّفَس ، «رَبّ رَبّ» حتّى انقطَعَ النَّفَس ، «يَا أللهُ يَا أللهُ» حتّى انقطَعَ النَّفَس، «يَا حَيُّ يَا حَيّ» حتّى انقطَعَ النَّفَس، «يَا رَحِيمُ يَا رَحِيمُ» حتّى انقطَعَ النَّفَس، «يَا رَحْمَنُ يَا رَحْمَنُ» سبع مرّات، «يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ» سبع مرّات، ثمّ قال: «أَللّهُمّ إِنّي أَفْتَتِحُ الْقَوْلَ بِحَمْدِكَ، وَأَنْطِقُ بِالثّناءِ عَلَيْكَ، وَأُمَجِّدُكَ، وَلَا غَايَةَ لِمَدْحِكَ، وَأُثْنِي عَلَيْكَ، وَمَنْ يَبْلُغُ غَايَةَ ثَنائِكَ وَأَمَدَ مَجْدِكَ؟! وَأَنّى لِخَلِيقَتِكَ كُنْهُ مَعْرِفَةِ مَجْدِكَ؟! وَأَيّ زَمَنٍ لَمْ تَكُنْ مَمْدُوحاً بِفَضْلِكَ، مَوْصُوفاً بِمَجْدِكَ، عَوّاداً عَلَى الْمُذْنِبينَ بِحِلْمِكَ؟! تَخَلّفَ سُكّانُ أَرْضِكَ عَنْ طَاعَتِكَ، فَكُنْتَ عَلَيْهِمْ عَطُوفاً بِجُودِكَ، جَواداً بِفَضْلِكَ، عَوّاداً بِكَرَمِكَ، يَا لَا إِلهَ إِلّا أَنْتَ الْمَنّانُ، ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ».

ثمّ قال لي: يا مفضّل، إذا كانت لك حاجة مهمّة فَصَلِّ هذه الصَّلاة وادعُ بهذا الدُّعاء وسَلْ حاجتك يقضِها اللهُ إنْ شاء اللهُ وبه الثِّقة»[112].

14-             دعاء صلوات كلّ يومٍ من أيّام شعبان عند الزّوال:

أوْرَد الشيخ الطوسي والسيّد ابن طاوس روايةً جاء فيها: «كان عليّ بن الحُسين عليهما السلام يدعو عند كلِّ زوالٍ من أيّام شعبان وفي ليلة النّصف منه ويُصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وآله بهذه الّصلوات:

·         أللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، شَجَرَةِ النُّبُوَّةِ، وَمَوْضِعِ الرِّسالَةِ، وَمُخْتَلَفِ الْمَلائِكَةِ (محلّ تَرَدُّدها)، وَمَعْدِنِ الْعِلْمِ (أصْلِ العلم) وَأَهْلِ بَيْتِ الْوَحْي.

·     أللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، اَلْفُلْكِ (السُّفُن) الْجارِيَةِ فِي اللُّجَجِ الْغامِرَةِ، يَأْمَنُ مَنْ رَكِبَها، وَيَغْرَقُ مَنْ تَرَكَهَا، اَلْمُتَقَدِّمُ لَهُمْ مارِقٌ، وَالْمُتَأَخِّرُ عَنْهُمْ زاهِقٌ، وَاللّازِمُ لَهُمْ لاحِقٌ.

·          أللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، الْكَهْفِ الْحَصينِ، وَغِياثِ الْمُضْطَرِّ الْمُسْتَكينِ، وَمَلْجَإِ الْهارِبينَ، وَعِصْمَةِ الْمُعْتَصِمينَ.

·          أللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، صَلاةً كَثيرَةً تَكُونُ لَهُمْ رضًى، وَلِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أداءً وَقَضاءً، بِحَوْل مِنْكَ وَقُوَّةٍ يا رَبَّ الْعالَمينَ.

·          أللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، اَلطَّيِّبينَ الأبْرارِ الأخْيارِ، اَلَّذينَ أَوْجَبْتَ حُقُوقَهُمْ، وَفَرَضْتَ طاعَتَهُمْ وَوِلايَتَهُمْ.

·     أللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاعْمُرْ قَلْبي بِطاعَتِكَ، وَلا تُخْزِني بِمَعْصِيَتِكَ، وَارْزُقْنى مُواساةَ مَنْ قَتَّرْتَ عَلَيْهِ مِنْ رِزْقِكَ، بِما وَسَّعْتَ عَلَيَّ مِنْ فَضْلِكَ، وَنَشَرْتَ عَلَيَّ مِنْ عَدْلِكَ، وَأحْيَيْتَني تَحْتَ ظِلِّكَ، وَهذا شَهْرُ نَبِيِّكَ سَيِّدِ رُسُلِكَ، شَعْبانُ الَّذي حَفَفْتَهُ مِنْكَ بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوانِ، الَّذي كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ، يَدْأَبُ في صِيامِهِ وَقِيامِهِ، في لَياليهِ وَأَيّامِهِ، بُخُوعاً (خُضوعاً) لَكَ في إِكْرامِهِ وَإِعْظامِهِ إِلى مَحَلِّ حِمامِهِ.

·     أللّـهُمَّ فَأَعِنّا عَلَى الاسْتِنانِ بِسُنَّتِهِ فيهِ، وَنَيْلِ الشَّفاعَةِ لَدَيْهِ، أللّـهُمَّ وَاجْعَلْهُ لي شَفيعاً مُشَفَّعاً، وَطَريقاً إِلَيْكَ مَهْيَعاً (واسعاً)، وَاجْعَلْني لَهُ مُتَّبِعاً، حَتّى أَلْقاكَ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَنّي راضِياً، وَعَنْ ذُنُوبي غاضِياً، قَدْ أَوْجَبْتَ لي مِنْكَ الرَّحْمَةَ وَالرِّضْوانَ، وَأَنْـزَلْتَني دارَ الْقَـرارِ، وَمَحَـلَّ الأخْيـارِ»[113].

 

15-             صلاة 4 ركعات:

قال الشيخ المفيد عليه الرحمة والرضوان: «وقد رُوي عن الصّادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، أنَّه قال: إذا كان ليلةُ النّصف من شعبان أَذِنَ اللهُ تعالى للملائكة بالنُّزول من السّماء إلى الأرض، وفتَح فيها أبواب الجنان، وأُجيبَ فيها الدُّعاء، فليُصلِّ العبدُ فيها أربع ركعات: يقرأ في كلِّ ركعة (فاتحة الكتاب) مرّة، وسورة (الإخلاص) مائة مرّة، فإذا فَرغ منها بَسطَ يدَيه للدُّعاء وقال في دُعائه: (أللّـهُمَّ إِنّي إِلَيْكَ فَقيرٌ، وَمِنْ عَذابكَ خائِفٌ مُسْتَجيرٌ، أللّـهُمَّ لا تُبَدِّلْ اسْمي، وَلا تُغَيِّرْ جِسْمي، وَلا تَجْهَدْ بَلائي، وَلا تُشْمِتْ بي أعدائي، أَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عِقابِكَ، وَأَعُوذُ بِرَحْمَتِكَ مِنْ عَذابِكَ، وَأَعُوذُ بِرِضاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، جَلَّ ثَناؤُكَ، أَنْتَ كَما أَثْنَيْتَ عَلى نَفْسِكَ، وَفَوْقَ ما يَقُولُ الْقائِلُونَ، صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ وافعل بي كذا وكذا، ويَسأل حوائجَه)، ورُوي أنَّ مَن صلَّى هذه الصّلاة ليلة النّصف من شعبان غفرَ اللهُ سبحانَه ذنوبَه، وقضى حوائجَه، وأعطاهُ سُؤلَه»[114].

16-   صلاة بين صلاتَي المغرب والعشاء:

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، أنّه قال: «ومَن صَلَّى في اللّيلة الخامسة عشر من شعبان بين العشاءَين [بين صلاة المغرب والعشاء] أربَع ركعات، يَقرأُ في كلِّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) مرّة، و(قُل هو اللهُ أحد) عشر مرّات، وفي رواية (إحدى عشر مرّة)، فإذا فرغ قال: (يا ربِّ اغفِرْ لنا)، عشر مرّات، (يا ربِّ ارْحَمْنا)، عشر مرّات، (يا ربِّ تُبْ علينا)، عشر مرّات، ويَقرأ (قُل هوَ اللهُ أحد) إحدى وعشرين مرّة، ثمّ يقول: (سُبحانَ اللهِ الّذي يُحيِي المَوتى ويُميتُ الأحياءَ وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ) عشر مرّات، استجابَ اللهُ تعالى لهُ وقَضَى حوائجَه في الدُّنيا والآخِرة، وأَعطاهُ اللهُ كتابَه بِيَمينه، وكان في حِفْظِ الله تعالى إلى قابل»[115].

17-             صلاة اللّيل بكيفيّةٍ خاصّة:

v  هناك كيفيّة لِصلاةِ اللّيل خاصّة في ليلةِ النّصف من شعبان، أوردها الشّيخ الطُوسي[116]، وأوْرَدَها عنه السيّد في (الإقبال)[117] نقلاً عنه، وتتميّز بأدعيةٍ خاصّة بعد كلِّ ركعتَين، ودعاء بعد الوتْر.

وقد أوردها السيّد ابن طاوس في (الإقبال/ 716) عن الشيخ الطوسي رحمه الله في  (مصباح المتهجِّد).

v  قال السيّد ابن طاوس ما نصُّه: ".." صلاة اللّيل في ليلة النّصف من شعبان، روينا ذلك بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطّوسي رضوان الله عليه في ما ذكره عند ذكر شهر شعبان في عمل ليلة النّصف منه، فقال ما هذا لفظه: فإذا صلَّيت صلاة اللّيل (أي إذا أردْتَ أن تصلّيها)، فصلِّ ركعتَين وادعُ بهذا الدّعاء، وقُل:

·   أللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ شجرةِ النُّبوّةِ ومَوْضِعِ الرّسالةِ ومُختَلَفِ الملائكةِ ومَعدِنِ العلمِ وأهلِ بيتِ الوَحي، وأَعطِني في هذه اللَّيلةِ أُمنيتي وتقبَّل وَسِيلَتي، فإنِّي بمحمَّدٍ وعليٍّ وأوصيائِهِما إليكَ أتَوسَّلُ وعليكَ أتوكَّلُ ولكَ أَسألُ، يا مجيبَ المضطرِّين يا ملجأَ الهاربينَ ومُنتهى رَغبةِ الرّاغبين ونَيْلِ الطَّالبين. أللّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ صلاةً كثيرةً طيِّبةً تكونُ لكَ رضًى ولحقِّهم قضاءً، أللَّهُمَّ اعْمُر قلبي بِطاعتِكَ ولا تُخْزِني بِمعصِيَتِكَ، وارزُقْني مُواساةَ من قَتَّرتَ عليه من رِزقِكَ بما وَسَّعْتَ عليَّ من فضلِكَ، فإنَّكَ واسعُ الفضلِ وازِعُ العَدلِ، لِكُلِّ خيرٍ أهلٌ.

·   ثمّ صلِّ ركعتين، وقُل: أللَّهُمَّ أنتَ المَدعوُّ وأنتَ المَرجُوُّ ورازِقُ الخَيرِ وكاشِفُ السُّوءِ، الغَفَّارُ ذُو العَفْوِ الرَّفيعِ والدُّعاءِ السَّميعِ، أسأَلُكَ في هذهِ اللَّيلةِ الإجابةَ وحُسْنَ الإنابَةِ والتَّوبَةَ والأَوْبَةَ (الرُّجوع) وخَيْرَ ما قَسَمْتَ فيها وفَرَقْتَ من كلِّ أمرٍ حكيمٍ. فأنتَ بِحالِي زعيمٌ (كفيل) عليمٌ، وبي رَحيمٌ، أُمْنُنْ عليَّ بما مَنَنْتَ به على المُستَضْعَفينَ من عبادِكَ واجْعَلْنِي من الوارِثينَ وفي جِوارِكَ مِن اللَّابِثينَ (المُقيمين) في دارِ القَرارِ ومَحَلّ الأخيارِ.

·   ثمّ صلِّ ركعتَين، وقُل: سُبحانََ الواحِدِ الّذي لا إِلَهَ غَيْرُهُ القَديمِ الّذي لا بَدْءَ لَهُ، الدَّائمِ الَّذي لا نَفادَ لَهُ، الدَّائِبِ الَّذي لا فَراغَ لَهُ، الحَيّ الَّذي لا يَموتُ، خَالِقِ ما يُرَى ومَا لا يُرَى، عالِمِ كلِّ شيءٍ بِغَيْرِ تعليمٍ، السَّابِقِ في عِلمِهِ ما لا يَهْجُسُ المَرْءُ في وَهْمِهِ، ﴿..سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ يونس:18. أللَّهُمَّ إنِّي أَسألُكَ سُؤالَ مُعتَرِفٍ بِبلائِكَ القَديمِ ونَعْمائِكَ، أنْ تُصَلِّيَ على مُحمّدٍ خَيْرِ أنبيائِكَ وأهلِ بَيْتِهِ أصفيائِكَ وأحبّائِكَ، وأنْ تُبارِكَ لي في لِقائكَ.

·   ثم صلِّ ركعتَين، وقُل: يا كاشِفَ الكَرْبِ ومُذَلِّلَ كُلِّ صَعبٍ ومُبتَدِئَ النِّعَمِ قبل اسْتِحقاقِها، ويا مَنْ مَفْزَعُ الخَلْقِ إليهِ وتَوَكُّلُهُم عليه، أَمَرْتَ بالدُّعاءِ وضَمِنْتَ الإجابةَ فَصَلِّ على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ وابْدَأْ بِهِم في كلِّ خيرٍ وافْرُجْ هَمِّي وارْزُقْني بَرْدَ عفْوِكَ وحلاوَةَ ذِكْرِكَ وشُكرِكَ، وانتظارِ أمرِكَ. اُنْظُر إليّ نَظرةً رحيمةً مِن نَظَراتِكَ، وأَحْيِني ما أحْيَيْتَني مَوْفوراً مَسْتُوراً، واجْعَلِ المَوْتَ لي جَذَلاً (فَرَحاً) وسُروراً، وأَقْدِرْ لي ولا تُقَتِّرْ في حياتي إلى حينِ وَفاتي حتّى ألقاكَ مِن العَيشِ سَئِماً وإلى الآخرة قَرِماً (مشتاقاً)، إنّكَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ.

·   ثم صلِّ ركعتَين، وقُل بعدهما قبل قيامك إلى الوتْر: أللَّهُمَّ ربَّ الشَّفْعِ والوَتْرِ واللَّيلِ إذا يَسْرِ، بِحَقِّ هذه اللّيلةِ المَقْسومِ فيها بين عِبادِكَ ما تَقْسِمُ، والمَحتُومِ فيها ما تَحْتِمُ، أجزِلْ فيها قِسمي (نصيبي) ولا تُبدِّل اسمِي، ولا تُغيِّر جسمي ولا (تَجعلني ممَّن) عن الرُّشد عمِي، واختِمْ لي بالسَّعادة والقبولِ، يا خَيْرَ مَرغوبٍ إليهِ ومَسؤولٍ.

·      ثمّ قُم وأَوْتِر (صلِّ الوِتْر)  فإذا فرغتَ من دعاء الوتر وأنت قائمٌ فَقُل قبل الركوع:

أللَّهُمَّ يا مَن شأنُهُ الكِفايةُ وسُرادِقُهُ (إحاطته) الرِّعايةُ، يا مَنْ هو الرَّجاءُ والأملُ وعليه في الشَّدائدِ المُتَّكَل، مَسَّنِيَ الضُّرُّ وأنتَ أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وضاقَتْ عَلَيَّ المَذاهِبُ وأنتَ خيرُ الرَّازقينَ. كيف أخافُ وأنتَ رَجائي.  وكيفَ أَضيعُ وأنتَ لِشِدَّتِي ورَجائِي. أللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ بِمَا وَارَت (سَتَرَتْ) الحُجُبُ من جلالِكَ وجَمالِكَ، وبِما أطافَ العَرْشَ مِن بَهاءِ كَمالِكَ، وبِمعاقِدِ العِزِّ مِن عَرْشِكَ الثَّابِتِ الأرْكانِ، وبِما تُحيطُ به قُدرَتُكَ مِن مَلَكُوتِ السُّلطانِ، يا مَن لا رادّ لِأمرِهِ ولا معقِّبَ لِحُكمِهِ، اضْرِبْ بيني وبينَ أعدائي سِتْراً مِن سِتْرِكَ وكافِيَةً مِن أمرِكَ، يا مَنْ لا تَخْرُقُ قُدرَتَهُ عَواصِفُ الرِّياحِ ولا تَقطَعُهُ بَواتِرُ الصِّفاح (السُّيوف العريضة القاطعة) ولا تَنْفُذُ فيه عَوَامِلُ الرِّماحِ. يا شَديدَ البَطْشِ يا عَالِيَ العَرْشِ، اكْشِفْ ضُرِّي، يا كاشِفَ ضُرِّ أيُّوب، واضْرِبْ بيني وبينَ مَنْ يَرميني بِبَوائِقِهِ وتَسْري إليَّ طَوارقُه بكافيةٍ من كَوافيكَ، وواقيةٍ من دَواعيك، وفَرِّجْ هَمِّي وغَمِّي يا فارِجَ غمِّ يَعقوبَ، واغْلِبْ لي مَنْ غَلَبَنِي، يا غالِباً غَيْر مَغْلُوبٍ. ﴿وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيَّا عَزِيزًا﴾ الأحزاب:25، ﴿..فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾ الصّف: 14، يا مَنْ نَجَّى نوحاً من القَومِ الظَّالمين، يا مَنْ نَجَّى لُوطاً من القَومِ الفاسِقِينَ، يا مَنْ نَجَّى هُوداً من القَومِ العَادِينَ، يا مَنْ نَجَّى مُحمّداً من القَومِ المُستَهزِئين. أَسألُكَ بِحَقِّ شَهرِنا هذا وأيّامِهِ الَّذي كان رَسولُكَ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ يَدأَبُ (يُواظب، ويُتعِب نفسه) في صِيامِهِ وقِيامِهِ مَدَى سِنِيِّه وأعوامِهِ، أنْ تَجْعَلَني فيه من المَقبولِينَ أعْمالُهُم، البالِغينَ فيه آمالَهُم، والقَاضينَ في طاعتِكَ آجالَهُم، وأن تُدرِكَ بِي صِيامَ الشَّهرِ المُفتَرَضِ، شَهرِِ الصِّيامِ، على التّكْمِلَةِ والتَّمامِ، واسْلَخْها بانسِلاخِي مِن الآثامِ. فإنّي مُتحصّنٌ بك ذو اعتصامٍ بأسمائِكَ العِظامِ ومُوالاةِ أوْلِيائِكَ الكِرامِ، أهلِ النَّقْضِ والإبرامِ، إمامٍ منهُم بعد إمامٍ، مصابيحِ الظَّلامِ، وحُجَجِ اللهِ على جميعِ الأنامِ، عليهم منكَ أفضلُ الصَّلاةِ والسَّلام.

* أللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ بِحَقِّ البيتِ الحرامِ والرُّكنِ والمَقامِ والمَشاعِرِ العِظامِ أنْ تَهَبَ ليَ اللّيلةَ الجَزيلَ مِن عَطائِكَ والإعاذَةَ من بَلائِكَ، أللَّهُمَّ صَلِّ على مُحمَّدٍ وأهلِ بيتِهِ الأوصياءِ الهُداةِ الدُّعاةِ، وأنْ لا تَجْعَلَ حظِّي مِن هذا الدُّعاءِ تِلاوَتََهُ، واجْعَلْ حَظِّي منهُ إجابَتَهُ إنَّك على كلِّ شيءٍ قديرٌ[118].

 

·           صلاة اللّيالي البِيض:

 وينبغي التّذكير بصلاة اللّيلة من صلوات اللّيالي البِيض، وهي ستّ ركعات تَقرأ في كلّ ركعة (الحمد)، و(يس)، و(تبارك المُلك)، و(التّوحيد).

 

 

15 شعبان: وعِزّتي، لا أَحرقتُك بالنّار!

·           صوم خمسة عشر يوماً:

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صامَ خمسةَ عشر يوماً مِن شعبان ناداهُ ربُّ العزّة: وعزَّتي لا أَحرقتُكَ بالنَّار»[119].

 

·           يوم النّصف من شعبان

 

يوم النّصف من شعبان، غاية في الفضيلة، وقد ورد عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله الحثّ على الاهتمام به وبليلتِه[120] ولم يرِد عملٌ خاصٌّ لهذا اليوم.

·           صلاة الليلة السّادسة عشرة: مثل ما أعطيتُك على نبوّتك..  

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صَلّى في اللّيلةِ السادسة عشر مِن شهرِ شعبان ركعتَين، يَقرأ في كلِّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) مرّة وخمس عشرة مرّة (قُل هُو اللهُ أحدٌ)، فإنَّ اللهَ تعالى قال: مَنْ صلَّى هاتَين الرّكعتَين أَعطيتُه مثل ما أَعطيتُكَ على نُبوّتِك، وبَنى له في الجنَّةِ ألفَ قصرٍ».

ولعلَّ المُراد بأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُعطي مُصلِّي هذه الصّلاة ما أَعطى رسولَ الله صلّى الله عليه وآله على نبوَّتِه، أنّه يُعطَى أَجْرَ رسولِ الله على «النّبوّة» وما واجَههُ فيها من عقباتٍ وأذًى، لم يُواجهه نبيٌّ من الأنبياء، دون أَجْره على أعمالِه وعباداتِه صلّى الله عليه وآله، ثمّ إنّ أيّ عطاءٍ إلهيّ لأمَّة المصطفى الحبيب، يَرفع في درجتِه صلّى الله عليه وآله، لأنّ ذلك ببركة توفيق الله تعالى له في هداية العالَمين.

 

16   شعبان: يطفئ سبعين بحراً من نار

·           صوم ستّة عشر يوماً:

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَنْ صامَ ستّة عشر يوماً من شعبان أَطفأَ اللهُ عنه سبعين بحراً من النّيران»[121].

 

·           صلاة اللّيلة السّابعة عشرة: لا يقومُ حتّى يغفرَ لهُ

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَنْ صلَّى في اللّيلة السّابعة عشر من شعبان رَكعتَين، يَقرأُ في كلِّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) مرّة، و(قُل هُو اللهُ أحدٌ) إحدَى وسبعينَ مرّة، فإذا فَرغَ مِن صلاتِه استَغفَرَ اللهَ سبعين مرّة، فإنَّه لا يَقومُ من مقامه حتّى يَغفرَ اللهُ له، ولا يَكتب عليه خطيئة»[122].

17 شعبان: غُلِّقت عنه أبواب النيران

·        صوم سبعة عشر يوماً:

أورد السيّد عن الشّيخ الصّدوق عليهما الرحمة عن رسولِ الله صلّى الله عليه وآله: «مَن صامَ سبعة عشر يوماً من شعبان غُلِّقت عنه أبواب النّيران كلّها»[123].

ولعلَّ معنى ذلك، واللهُ تعالى العالِم، أنَّ مَن صام سبعة عشر يوماً يَستحقُّ نوعاً من التّسديد لِتَركِ المعاصي يَحولُ بينه وبينها، فإذا سُدِّد لِتَرك المعاصي سُدَّت عنه أبواب النّيران وما ذلك على الله بعزيز.

 

·  صلاة اللّيلة الثّامنة عشرة: قضاء كلّ حاجة، والسّعادة، والشّهادة

وهي كما أوردها السيّد ابن طاوس عليه الرحمة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَنْ صلَّى في اللّيلةِ الثّامنة عشر مِن شعبان عشر ركعات، يَقرأُ في كلِّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) مرّة، و(قُل هُو اللهُ أحدٌ) خمس مرّات، قضى اللهُ لهُ كلَّ حاجةٍ يَطلبُ في تلك اللّيلة، وإنْ كانَ قد خَلَقَهُ شقيّاً جَعَلَهُ سعيداً، وإنْ ماتَ في الحَوْل (أي في تلك السّنة) مات شهيداً»[124].

 

18    شعبان: فُتِحت له أبوابُ الجنان

·           صوم ثمانيةَ عشر يوماً:

أورد السيّد عن الشّيخ الصّدوق عليهما الرحمة عن رسولِ الله صلّى الله عليه وآله: «مَنْ صامَ ثَمانية عَشرَ يوماً من شعبان فُتِحتْ لهُ أبواب الجنانِ كلّها»[125].

من الواضح أنَّه ليس المقصود أنَّ مَن صام ذلك فَلْيفعل ما يَحلو له، فقد كُفِيَ كلَّ مَؤونة. وإنَّما المقصود أنّه يُصبح مُستحقّاً للتّسديد، وعليه الاستمرارُ في مثل هذا الجُهد، وسيُعينُه اللهُ عزّ وجلّ في المُنعطفات الّتي تواجِهُه، معونةً تتناسبُ مع هذه الجائزة التي حَصلَ عليها ولم يُبدِّدها، أمّا إذا اتَّخذَ رحمةَ الله عزّ وجلّ وسيلةً للجُرأةِ عليه، فذلك انقلابٌ على الأعقابِ وارتدادٌ بعد الإسلام، واللهُ تعالى العالم.

 

·         صلاة اللّيلة التاّسعة عشرة: غَفرَ اللهُ ذنوبَه وذنوبَ والدَيه

 أورد السيّد ابن طاوس عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَن صلَّى ليلة التّاسع عشر من شعبان ركعتَين، يَقرأُ في كلِّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) و(قُل اللّهُمّ مَالِكَ المُلك) خمس مرّات، غَفَر اللهُ ذنوبَهُ ما تَقدَّم منها وما تَأخَّر، ويَتقبَّل ما يُصلِّي بعد ذلك، وإنْ كان له والِدان في النّار أَخرَجَهُما»[126].

وآية الملك هي قوله عزَّ وجلَّ: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[127].

19 شعبان: سبعين ألف قصرٍ

·        صوم تسعة عشر يوماً:

أورد السيّد عن الشّيخ الصّدوق عليهما الرحمة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَنْ صامَ تسعة عشر يوماً من شعبان أُعطِيَ سبعينَ ألف قصرٍ من الجنان من دُرٍّ وياقوت»[128].

ولعلَّ المُراد -والله تعالى العالم- أنّ رصيدَه من الحسنات بعد هذا العمل، يُعادل ما تظهيرُه في الآخرة سبعون قصراً من دُرٍّ وياقوت، وسيكون له ذلك إنْ لم يحرق هذا الرّصيد بنيران الذّنوب.

 

·         صلاة اللّيلة العشرين: يَرى مَقعدَه في الجنّة، ويُحشَر مع الكِرام البَرَرَة

أورد السيّد ابن طاوس عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَن صلَّى في اللّيلة العشرين من شعبان أربع ركعات، يقرأُ في كلِّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) مرّة، و(إذا جاءَ نصرُ اللهِ والفَتح) خمس عشرة مرّة، فوالَّذي بَعَثَنِي بالحقِّ نبيّاً أنَّه لا يَخرج من الدُّنيا حتّى يَرى في المنامِ مَقعدَه من الجنَّة، ويُحشَر مع الكِرامِ البَرَرَة»[129].

20 شعبان: زُوِّج تسعين ألف زوجةٍ مِن الحُور العِين

صوم عشرين يوماً:

أورد السيّد عن الشّيخ الصّدوق عليهما الرحمة، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صام عشرين يوماً من شعبان، زُوِّج تِسعين ألف زوجة من الحُورِ العِين»[130].

ليس الاستغرابُ دليلاً، ولا الدّليلُ هو الاستغراب. ذَرْ هذه المعلومة في بُقعةِ الإمكان، واستَحضِر حالَ جنينٍ قيل له ستُصبح أَطول من مترٍ ونصف وتعيش قرناً وتقطع بالسّفر فجاجَ الأرضِ، وتتزوَّج عدّة مرات ويكون من نسلِك المئات. واستحضِرْ أنَّه سيَستَغرِب ذلك أكثر ممَّا نَستغربُ حديث التّسعين ألف زوجة، لأنَّ عمرَه حوالي مائة سنة، وساحة الرّواية الخلود.

 

·        صلاة اللّيلة الواحدة والعشرين: بِعَدَدِ نجوم السَّماء

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صَلّى في اللّيلة الواحدة والعشرين من شعبان ثَمانية ركعاتٍ، يَقرأُ في كلِّ ركعة (فاتحة الكتاب) مرّة، و(قُل هُو اللهُ أحدٌ) و(المَعوّذَتين)، كَتَبَ اللهُ له بِعددِ نجومِ السَّماء من الحَسَنات، ويَرفعُ له بِعدَدِ ذلك من الدَّرجات، ويَمحو عنه من السّيّئات بعدَدِ ذلك»[131].

 

·        الجمعة الأخيرة من شعبان: برنامج الإمام الرَّؤوف

لا بدّ من وقفةٍ عند الجمعة الأخيرة من شهر شعبان، فقد تقدَّم أنَّ شهر شعبان أهمّ من شهر رجب، وهنا ينبغي أن يكون واضحاً أنّ آخر شهر شعبان أهمّ من أوّله، وإذا لم يوفَّق أحدُنا لخيراتِ شعبان المباركة فلا أقلّ من اغتِنام فرصة العشر الأواخر الّتي يُمكن فيها تدارُك ما فات.

عن أبي الصَّلْت -من أصحاب الإمام الرِّضا عليه السلام- قال: «دخلتُ على الرِّضا عليه السلام في آخر جمعة من شعبان، فقال: يا أبا الصَّلْت، إنّ شعبان قد مضى أكثرُه، وهذا آخر جمعة فيه، فتدارك، في ما بقي منه، تقصيرَك في ما مضى منه.

1- وعليك بالإقبال على ما يَعنيك وتَرْكِ ما لا يعنيك.

2- وأكثِر من الدُّعاء،

3- والاستغفار،

4- وتلاوةِ القرآن.

5- وتُبْ إلى الله من ذنوبك، ليُقبلَ شهرُ الله إليك وأنت مخلصٌ لله عزَّ وجلَّ.

6- ولا تدعنَّ أمانةً في عُنُقك إلَّا أدَّيتَها.

7- ولا في قلبك حقداً على مؤمنٍ إلَّا نزعتَه.

8- ولا ذنباً أنت مرتكبُه إلَّا أقلعتَ عنه.

9- واتَّقِ الله.

10- وتوكَّل عليه في سرِّ أمرِك وعلانيتِه، ﴿..وَمَن يَتَوكَّل عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُه إنّ اللهَ بالغُ أمرِه قَد جعلَ اللهُ لكلّ شيءٍ قَدْراً.

11- وأَكثِر مِن أنْ تقول في ما بقي من هذا الشّهر: "أللّهمّ إنْ لم تكُن قد غفرْتَ لنا في ما مضى من شعبان، فاغفِر لنا في ما بقيَ منه"، فإنَّ الله تبارك وتعالى يعتقُ في هذا الشّهر رقاباً من النّار لِحُرمة شهر رمضان»[132].

 

 

تدارك ما فات

v        وطبيعيّ أن يكون الهمّ الذي يعيشه المؤمن في هذه الأيام المتبقِّية: كيف يَتدارك في ما بقيَ من شهر شعبان تقصيرَه في ما مضى؟

ويتحقَّق الإكثارُ من الدّعاء والاستغفار، بالإكثارِ من قول «أستغفرُ الله»، وقد  تقدَّم أنّ مِن صِيَغِ الاستغفار في شعبان «أستغفرُ اللهَ وأسألُه التّوبة»، أو: «أستغفرُ اللهَ الذي لا إلهَ إلَّا هُوَ الرَّحمنُ الرَّحيمُ الحيُّ القيُّومُ وأتُوبُ إليه» سبعين مرّة يوميّاً.

ويبدو في ضوء بعض الرّوايات أنّ «الإكثار» يتحقَّق بعدد مائة، فمَن قرأ يوميّاً في آخِر جمعة من شعبان مائة آية، يُظنّ أنَّه انطبق عليه هذا العنوان، والزّيادة نورٌ على نورٍ، عِلماً بأنَّ أهميّة هذه الجمعة الأخيرة، تَستدعي تخصيص وقتٍ كبيرٍ فيها لقراءة كتاب الله تعالى.

وأمّا التّوبة وهي بيتُ القصيد، فينبغي التّنبُّه إلى أنَّ فترة الجمعة الأخيرة من شعبان موسمٌ استثنائيٌّ لِقبول التّوبة، فلنَغتنِم فرصتها السّانحة، وليَكُن نصْبَ عينَي القلب ما حدَّده الإمام الرِّضا هدفاً لنا في هذه الأيّام الّتي تفصلنا عن شهر رمضان بقوله عليه السلام: «ليُقبلَ شهرُ اللهِ إليك وأنتَ مُخلصٌ للهِ عزّ وجلّ».

ويتوقّف تطهيرُ النّفس جذريّاً على نزعِ الغِلِّ -وهو الحقد- من القلب، فما دام الحقدُ فيه فهو متنجِّس، وكيف يُمكنه والحال هذه أن يدخل إلى ضيافة الرَّحمن؟

وكيف نريد من الله تعالى أن يسامحَنا ويَرحمَنا ويَغفرَ لنا، ولا نفكِّر بأنْ نُسامحَ مَن أساء إلينا ونرحمَه ونغفر له إساءته؟!!

ويعلِّمنا الإمام الرّضا عليه السلام أن نهتمّ في آخر جمعة من شعبان خصوصاً بتقوى الله تعالى، وكأنَّ الأعمال المتقدِّمة عواملُ للوصول إلى تقوى حقيقيّة لا مُدَّعاة. أللّهمّ أَسعِدْنا بِتقواك.

 ومثل هذه المرتبة من التّقوى تُخوِّل صاحبها الوصول إلى التّوكُّل الذي هو جوهرُ التّوحيد «وتوكّل عليه في سِرِّ أمرِكَ وعلانِيتِكَ، ومَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُه إنّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرَاً».

 ومِلاكُ التّوكّل اللّجوءُ إلى الله تعالى حقيقةً في كلِّ شيءٍ «أللّهمّ إنِّي بكَ ومنكَ أَطلبُ حاجَتي، ومَن طَلبَ حاجةً إلى النَّاس فإنِّي لا أطلبُ حاجتي إلَّا منكَ وَحدكَ لا شريكَ لكَ»[133].

21 شعبان: رحَّبتْ به الملائكة

·          صوم واحدٍ وعشرين يوماً:

 أورد السيّد عن الشّيخ الصدوق عليهما الرحمة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صام واحداً وعشرين يوماً من شعبان رحّبتْ به الملائكةُ ومسحَتْه بأجنحتِها»[134].

لعلّ ترحيبَ الملائكة على علاقةٍ بالّذين تتوفّاهم الملائكةُ طيِّبين وإذا بهم يتلقُّون التّحيّة: ﴿..سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ..﴾ الزّمر:73.     

 

·          صلاة اللّيلة الثّانية والعشرين: في أسماء الصّدِّيقين..

19   أورد السيّد ابن طاوس عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَنْ صلَّى في الليلة الثانية والعشرين من شعبان ركعتَين، يقرأ في كلّ ركعة (فاتحة الكتاب) مرّة، و(قل يا أيُّها الكافرون) مرّة، و(قُل هو اللهُ أحدٌ) خمس عشرة مرّة، كَتبَ اللهُ تعالى اسمَه في أسماءِ الصّدّيقين، وجاءَ يومَ القيامةِ في زُمرةِ المُرسَلين، وهو في ستْرِ الله»[135].

إنَّ مجرّد احتمال أنْ يحصلَ الإنسانُ على هذا الثّواب العظيم، يكفي في بذلِ الجهد لمحاولةٍ آمِلةٍ وواعدة.

22  شعبان: سبعين ألف حلّة

·           صوم اثنين وعشرين يوماً:

أورد السيّد عليه الرحمة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صامَ اثنين وعشرين يوماً من شعبان كُسِيَ سبعين ألف حلّةٍ من سُندسٍ وإستَبرق»[136].

 

·           صلاة اللّيلة الثّالثة والعشرين: ينزع الغِلّ من قلبه، ووَجهُه كَالقمر

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صلّى في اللّيلة الثّالثة والعشرين من شعبان ثلاثين ركعة، يَقرأُ في كلّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) مرّة، و(إذا زُلزلت الأرض) مرّة، يَنزعُ اللهُ تعالى الغِلَّ والغشَّ من قلبِه، وهو ممّن شَرحَ اللهُ صدرَهُ للإسلام، ويَبعثُه اللهُ تعالى ووجهُه كَالقمر ليلةَ البَدْرِ»، ثمّ يقول السيّد ابن طاوس عليه الرحمة: «وذكرَ حديثاً طويلاً»[137].

أي أنّ السيد لم يذكر تتمّةَ الرواية، مكتفياً بما تقدَّم من الثّواب، وهو كما ترى ثوابٌ عظيم، ولو لم يَكُن منه إلَّا نزعُ الغِلّ والغشّ من القلب، لكان من أهمِّ غايات الطّالبين.

 

الاستعداد لشهر الله تعالى

بيننا وبين شهر الله تعالى أسبوع، وهو من فُرص العمر، وختام الشّهرَين اللّذَين أُريد لهما أن يكونا دورةَ إعدادٍ وتدريبٍ للدّخول إلى شهر الله عزَّ وجلَّ بعزيمةٍ مختلفة، وقلبٍ منير، ليتمكّن المؤمن من استثمار كلّ دقائق هذا الشّهر المبارك.

يجب إذاً، أن نستثمر هذه الأيّام بشكلٍ خاصّ في مجال الاستعداد لاستقبال شهر الله تعالى.

من الخطأ الفادِح والغفلةِ القاتلة، أن يدعونا اللهُ إلى ضيافتِه فلا نهتمّ بهذه الدّعوة والضّيافة.

لو أنّ شخصاً عاديّاً دعانا لَعبّرنا عن اهتمامنا بهذه الدّعوة بنسبةٍ من النِّسَب.

وكلّما كان صاحب الدعوة (الدّاعي) أهمّ وأعظَم، كلّما أصبح الاهتمامُ بهذه الدّعوة أهمّ وأوْجَب.

لقد أتاح لنا اللهُ عزّ وجلّ بكرمِه ورحمتِه ومَنِّه أن نكون ضيوفَه في شهر رمضان المبارك!! ألا ينبغي أن نكون من الآن -قبل شهر رمضان- خَلِيّةَ عملٍ دائمٍ للاستعداد لهذه الضّيافة؟

وكيف يرضى أحدُنا أن يدخل حرَمَ الضّيافة، ضيافةِ الرّحمن، وهو يحملُ أوزارَه على ظهرِه، ويَرتكبُ هذا المحرّم أو ذاك، مقصِّراً في طاعته سبحانه؟

شعبان: ما فوق السّفينة الفضائيّة..

·        صوم ثلاثة وعشرين يوماً:

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صامَ ثلاثةً وعشرين يوماً من شعبان أُتِيَ بدابّةٍ من نورٍ عندَ خروجِه من قبرِه، فيَركبها طيّاراً إلى الجنّة»[138].

قد يَخرج الإنسان من قبره مذهولاً مذعوراً حاملاً ثقلَه على ظهره، يَنظر تارةً عن يَمينِه وتارةً عن شمالِه، يُعاني من أهوال يوم القيامة وشدّةِ وَطْأَتِها، وقد يخرج وهو يمشي باطمئنانٍ لا يحزنُه الفزعُ الأَكبر، وقد يَخرج الإنسانُ من قبرِه راكباً، ولعلَّ المُراد هنا أنّه يكون داخلَ ما شِبهُه الطّائرة وما فوق السّفينة الفضائيّة، وقد عُبِّر لنا نحن القاصرين عن فهم حقائق الآخرة بتعبير «دابّة من نور».

 

·          صلاة اللّيلة الرّابعة والعشرين: العتق من النار، وزيارة النّبيّين، والشّفاعة

·          أورد السيّد ابن طاوس عليه الرحمة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:

«ومَن صلّى في اللّيلة الرابعة والعشرين من شعبان ركعتَين، يَقرأُ في كلّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب)، و(إذا جاءَ نصرُ الله والفَتح) عشر مرّات، أكرَمَهُ اللهُ تعالى بالعِتْقِ من النّار والنّجاة من العذابِ وعذاب القبر، والحسابِ اليَسير وزيارة آدم ونوح والنّبيّين والشّفاعة»[139].

قد يُعتَق شخصٌ من النّار بعد أن يَدخلها، أو يعذَّب قبل دخولِها، أو يُحاسَب حساباً عسيراً أو يسيراً، ولا يكون من أهل الشّفاعة لغيره، ثمّ يُعتَق، أمّا أن يُعتَق من النّار وينجو من العذاب بما يَشمل عذاب القبر والبَرزخ، ولا يُحاسَب أبداً ويكرَّم بزيارة النّبيّين وأنْ يَشفع لِغيره، فذلك شأنٌ آخَر مختلفٌ جملةً وتفصيلاً. إنّه رشحةٌ من مظهر الكرم الإلهيّ.

24 شعبان: شُفِّع في سبعين ألفاً

·        صوم أربعة وعشرين يوماً:

أورد السيّد ابن طاوس عن الشيخ الصدوق عليهما الرحمة، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صامَ أربعة وعشرين يوماً من شعبان شُفِّع في سبعين ألفاً من أهل التّوحيد»[140].

صلاة اللّيلة الخامسة والعشرين: ..وثواب سبعين نبيّاً

 أورد السيّد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صلَّى في اللّيلة الخامسة والعشرين من شعبان عشر ركعات، يَقرأ في كلّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) و(ألْهَاكُم التّكاثُر) مرّة، أعطاهُ اللهُ تعالى ثوابَ الآمِرينَ بالمعروفِ، والنَّاهين عن المُنكَر، وثوابَ سبعين نبيّاً»[141].

كيف نستعدّ لضيافة الرّحمن؟

* عندما نستقبل شهرَ الله تعالى، فكيف ينبغي أن نستعدَّ له؟

- من الواضح أنّ الاستعداد لكلّ عملٍ يَنوي الإنسانُ القيامَ به يُسهِم في التّمكُّن من الأداء بهذا العمل بكيفيّةٍ أفضل. بمقدار الاستعداد تكون الكيفيّة أفضل. وكلّما كان العملُ أهمّ، كلّما استدعى الاستعدادَ الأهمّ.

- إنّه الموسمُ الإلهيّ الفريدُ إلى حدّ أنّ «الشّقيّ مَن حُرِمَ غفرانَ الله في هذا الشّهر العظيم».

- من واجبنا أيُّها العزيز أنْ نَحرص على تطهير قلوبنا ونفوسنا لنتمكَّن من استثمار كلّ لحظةٍ من لحظاتِ هذا الشّهر. ينبغي أنْ يَطول وقوفُنا مع أنفسنا، نتأمّل في زواياها، ونبحث جيِّداً في مطاويها، ونتفقَّد مَساربَها، وتشعُّباتها، لعلّ هناك خطأً كبيراً، واعوِجاجاً خطيراً ونحنُ لا نشعر به.

 

25 شعبان: براءة من النِّفاق

·        صوم خمسة وعشرين يوماً:

قال السيّد ابن طاوس عليه الرحمة: رويناه بأسنادنا إلى أبي جعفر ابن بابويه في كتاب (أماليه) وكتاب (ثواب الأعمال) بأسناده إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «ومَن صامَ خمسةً وعشرين يوماً من شعبان يُعطى براءةً من النّفاق»[142].

ونعرف أهميّة البراءة من النّفاق عندما نُدرك أنّنا معرَّضون له باستمرار، والنّفاق هو كلُّ ظاهرٍ يخالفُ الباطن.

·           صلاة اللّيلة السّادسة والعشرين: المُعافاة من آفات الدّارَين، وستّة أنوار

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صلَّى في اللّيلةِ السّادسة والعشرين من شعبان، عشر ركعات يَقرأ في كلّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) مرّة، و(آمَنَ الرَّسُولُ) عشر مرّات، عافاهُ اللهُ تعالى من آفاتِ الدُّنيا والآخرة، ويُعطيه اللهُ تعالى ستّة أنوارٍ يوم القيامة»[143].

والآية هي: ﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ البقرة:285.

26 شعبان:  جوازٌ على الصّراط!

·        صوم ستّة وعشرين يوماً:

 أورد السيّد عن الشّيخ الصّدوق عليهما الرحمة، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومن صام ستّة وعشرين يوماً من شعبان كَتَب اللهُ له جوازاً على الصّراط»[144].

أهمّ من كلّ الجوائز والدّرجات، الأمنُ يوم الفزع الأكبر، وهو من معاني الجواز على الصّراط.

·      صلاة اللّيلة السّابعة والعشرين: ثلاثة ملايين.. وتاجٌ من نور

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صلَّى في اللّيلة السّابعة والعشرين من شعبان ركعتَين، يَقرأُ في كلّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) مرّة، و(سبِّح اسمَ ربِّك الأعلى) عشر مرّات، كتبَ اللهُ له ألفَ ألف حَسنةٍ، ومحا عنه ألفَ ألف سيّئة، ورَفَعَ لهُ ألفَ ألف درجة، وتَوَّجَهُ بتاجٍ من نورٍ»[145].

 

وَصْلُ شعبان بشهر رمضان: ثوابُ شهرَين متتابعَين

عن الإمام الصّادق عليه السلام: «مَن صام ثلاثةَ أيّامٍ من آخِرِ شعبان ووَصَلَها بشهرِ رمضان كَتبَ اللهُ تعالى له صِيامَ شهرَين متتابعَين»[146].

27 شعبان: براءةٌ من النّار

·           صَومُ سبعة وعشرين يوماً:

أورد السيّد عن الشّيخ الصدوق عليهما الرحمة، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَنْ صامَ سبعةً وعشرين يوماً من شعبان كَتَبَ اللهُ له براءةً من النّار»[147].

·         صلاة اللّيلة الثّامنة والعشرين: وجهُه كَالبدر، والنّجاة مِن أهوالِ القيامة

أورد السيّد عليه الرحمة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَن صلَّى في اللّيلة الثّامنة والعشرين من شهر شعبان أربع ركعات، يَقرأ في كلِّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) مرّة، و(قُل هو اللهُ أحدٌ) و(المَعوّذَتين) مرّة، يَبعثُه اللهُ تعالى من القبر ووجهُهُ كَالقمر ليلة البدر، ويَدفعُ اللهُ عنه أهوالَ يومِ القيامة»[148].

28 شعبان: تهلَّل وجهُه يوم القيامة

·        صوم ثمانية وعشرين يوماً:

أورد السيّد عن الشّيخ الصّدوق عليهما الرحمة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صامَ ثمانيةً وعشرين يوماً من شعبان تَهلّل وجهُه يوم القيامة»[149].

·      صلاة اللّيلة التّاسعة والعشرين: ثقل الميزان، كَالبرق الخاطف

أورد السيّد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَنْ صلَّى في اللّيلة التّاسعة والعشرين من شهر شعبان عشر ركعات، يَقرأ في كلّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) مرّة، و(ألهاكُم التكاثر) عشر مرّات، و(المعوِّذتين) عشر مرّات، و(قل هو الله أحد) عشر مرّات، أعطاهُ اللهُ تعالى ثوابَ المُجتهدين، وثقّّل ميزانه، ويُخفّف عليه الحساب، ويَمرُّ على الصّراط كالبرق الخاطف»[150].

29 شعبان: نالَ رضوانَ الله الأكبر

·        صوم تسعة وعشرين يوماً:

أورد السيّد عن الشّيخ الصّدوق عليهما الرحمة، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «ومَن صام تسعةً وعشرين يوماً من شعبان نالَ رضوانَ الله الأكبر»[151].

قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التوبة:72، وفي ضوء ذلك فإنَّ الرّضوان الأكبر الّذي يَنالُه مَن صامَ تسعةً وعشرين يوماً، هو أسمَى من الجنّة. واللهُ تعالى العالِم.

·      صلاة اللّيلة الثلاثين: مليون مدينة

 أورد السيّد عليه الرحمة، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَن صلَّى ليلة الثَّلاثين من شعبان ركعتَين، يَقرأُ في كلِّ ركعةٍ (فاتحة الكتاب) و(سبِّح اسمَ ربِّك الأعلى) عشر مرّات، فإذا فَرغ من صلاتِه صلَّى على النَّبيّ صلّى الله عليه وآله مائة مرّة، فوالّذي بَعَثَني بالحقِّ نبيّاً إنَّ اللهَ يَرفعُ له (يبني له) ألف ألف مدينةٍ في جنّة النّعيم، ولو اجتَمَعَ أهلُ السّماوات والأرض على إحصاءِ ثوابِه ما قَدروا، وقَضَى اللهُ له ألف حاجة»[152].

30 شعبان: لو كانت ذنوبُك عددَ نجوم السماء..

·        صوم يوم الثلاثين من شعبان:

 أورد السيّد ابن طاوس عليه الرحمة عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «ومَن صامَ يوم الثّلاثين من شعبان، ناداهُ جبرئيلُ عليه السلام مِن قُدّام العرش: يا هذا، استَأْنِف العملَ عملاً جديداً فقد غُفِرَ لك ما مَضى وما تَقَدّم من ذُنوبِك، والجليلُ عزَّ وجلَّ يقولُ: لو كانت ذنوبُكَ عددَ نُجومِ السَّماء وقَطْرِ الأمطارِ وَوَرَقِ الأشجار وعَدَدَ الرّمل والثّرى وأيّامِ الدُّنيا لَغَفَرْتُها لكَ، وما ذلكَ على اللهِ بعزيزٍ بعد صيامكَ شهرَ شعبان»[153].

وهذا الثّواب هو نفسُه ثوابُ صيام ثلاثين يوماً من شهر شعبان بدليل الفقرة الأخيرة «وما ذلك على اللهِ بِعزيزٍ بعدَ صِيامكَ شهر شعبان». ثمّ إنّ صَوْمَ ثلاثين يوماً من شعبان لا يتصوَّر فيه عدم التّتالي في الصَّوم كما هو الحال في ما عَداهُ من الأعداد. فالمُراد بِصَوْم الثّلاثين أنَّه صام من أوَّل الشّهر إلى آخره.

 



[1]- آية الله الملكي التبريزي، المراقبات: ص 75 (ط: مكتبة الشفيعي، أصفهان). بتصرّف. وليلاحظ أنّ المصدر الذي لا أذكر مشخّصاته فهو بحسب نسخة برنامج المعجم الفقهي، الإصدار الثالث.

[2]- إقبال الأعمال، السيد ابن طاوس: 3/287-288.

[3]- إقبال الأعمال، السيد ابن طاوس: 3/292 نقلاً عن ثواب الأعمال، والأمالي؛ وانظر: الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال: 62، والأمالي: 76، والنص مصحّح على الأمالي بتصرّف يسير.

-[4] المجلسي، بحار الأنوار: 94/65.

[5]- المجلسي، بحار الأنوار: 49/56.

[6]- إقبال الأعمال: ص 684 (ط.ق).

[7]- زاد المعاد: ص 47.

[8]- إقبال الأعمال: ص 683 (ط.ق)؛ مصباح المتهجّد: ص 825.

[9]- الإقبال: 3/363.

[10]- الإقبال: 3/295.

[11]- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 10/511.

[12]- الشيخ الصدوق، الأمالي: 68؛ وعيون أخبار الرضا عليه السلام: 2/262؛ وعنه: الإقبال: 3/294؛ والحر العاملي، وسائل الشيعة: 10/510.

[13]- الحر العاملي، وسائل الشيعة: 10/510، عن المجالس والعيون (الأمالي، وعيون أخبار الرضا عليه السلام).

[14]- الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد: 829؛ والإقبال:3/ 295؛ والحر العاملي، وسائل الشيعة: 10/ 510، نقلاً عن: الخصال وثواب الأعمال للشيخ الصدوق. وقد نبّه السيد على أنّ الشيخ الطوسي عليه الرحمة أورد هذه الرواية في (المصباح) باختلاف يسير عما ذكره الصفار، فقد أضاف الشيخ كلمتَي الرّحمن الرّحيم، وفي آخر الرواية كلمة السماء «عدد نجوم السماء». لكني لم أجد هذه الإضافة الأخيرة في النسخة التي رجعت إليها من المصباح، وقد أورد في الوسائل الرواية عن الشيخ الصدوق بإضافة «الرحمن الرحيم».

[15]- المجلسي، بحار الأنوار: 94/77.

[16]- الشيخ الصدوق، معاني الأخبار: 116؛ وعنه المجلسي، البحار: 91/54.

[17]- المجلسي، البحار: 91/55.

[18]- المصدر: 63.

[19]- المجلسي، البحار: 91/70-71.

[20]- الإقبال: 3/294-295؛ وعنه مختصراً: الوسائل: 10/511

[21]- ثواب الأعمال: ص3.

[22]- المصدر: ص4.

[23]- المصدر: ص 3.

[24]- ثواب الأعمال: ص3.

[25]- الأحزاب:41 - 42

[26]- الإقبال:3/296.

[27]- آية الله الملكي التبريزي، المراقبات: 75-76. بتصرّف.

[28]- صحيفة نور، قرص مدمج (إصدار مركز نشر آثار الإمام الخميني، الإصدار الثاني) بتاريخ 21/4/59 هـ.ش = 80 م.

[29]- صحيفة نور، بتاريخ 31/4/59 = 80 م، ج 12/ص 235.

[30]- المصدر، بتاريخ 7/3/62 =81 م، ج 17/ص 264.

[31]- السيد الخوئي، كتاب الصلاة: ج 1/ص 535.

[32]- المفاتيح الجديدة للمرجع المكارم الشيرازي (دام ظله) – نقلاً عن مصباح المتهجّد: ص 828؛ إقبال الأعمال: ص 687 (باختلاف يسير).

[33]- الإقبال: 3/301. وقد أورد هذه الروايات جميعاً الحر العاملي، في الوسائل: 10/493 نقلاً عن السيد، وقد وردت بنفس الصيغة، ومنها (نصيبا، فمن صام إلخ)، فليُلاحظ.

[34]- العلامة الحلّي، تذكرة الفقهاء (ط.ج): ج 6/ ص 120.

[35]- عنه الوسائل: 8/103.

3- الإقبال: 3/290.

4- عنه الوسائل: 8/100؛ مصباح الكفعمي: ص 539.

5- الإقبال: 3/290.

[39]- المصدر نفسه: 301-302.

[40]- السيد ابن طاوس، الإقبال: 3/302.

[41]- الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد: ص 825.

[42]- الإقبال: 3/302.

[43]- الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد: ص 826، و852؛ والعلامة الحلّي، تذكرة الفقهاء، (ط.ق): 1/278.

[44]- الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد: 826-828. وعنه: السيد في الإقبال: 3/303-304.

[45]- المجلسي، بحار الأنوار: 98/348. وإنما نقلت من البحار ما أورده الشيخ هنا عن ابن عياش عن البزوفري لأنّه الأسلم من التحريف بلحاظ ما في نسختي المصباح والإقبال المتداولتين. فلاحظ.

[46]- بحار الأنوار: 98/348-349.

[47]- الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد: ص 825.

[48]- الإقبال: 3/ 293-294.

[49]- الإقبال: 3/ 305.

[50]- المحدّث القمّي، مفاتيح الجنان.

[51]- الإقبال: 3/305؛ وانظر: الحرّ العاملي، وسائل الشيعة (آل البيت): 10/499.

[52]- الإقبال: 3/306.

[53]- الإقبال: 3/499.

[54]-  طه: 39.

[55]- الإقبال: 3/306، وبهامشه في توثيق الحديث: «عنه الوسائل: 8/101، مصباح الكفعمي: ص 539».

[56]- الإقبال: 3/306-307.

[57]- المصدر:307.

[58]- الإقبال: 3/307، وبهامشه: «ثواب الأعمال: ص 7؛ أمالي الصدوق: ص 29؛ عنهما البحار: 97/69». وقد ورد في المصدر: «وجنوده دهره وعمره»، وهكذا ورد في البحار: 94/69 نقلاً عن ثواب الأعمال، إلّا أنّ ما في المطبوع منه: ص 62 «وهمزه وغمزه»، وفي فضائل الأشهر الثلاثة للشيخ الصدوق: «دهره وعمره»، ومثله في أماليه: ص 76، وكذلك في روضة الواعظين: ص 403، للفتال النيسابوري؛ والحر العاملي، وسائل الشيعة: 10/499 (ط: آل البيت). ومع ذلك فالأرجح ما ورد في المتن. والله  تعالى العالم.

[59]- الإقبال: 3/308. وبهامشه: «عنه الوسائل: 8/101؛ مصباح الكفعمي: ص 539».

[60]-  إقبال الأعمال، السيد ابن طاوس الحسني: ج 3، ص 308.    

[61]- المُحدّث النّوري، مستدرك الوسائل: ج 7/ ص 253، نقلاً عن الراوندي في «لبّ اللّباب».

[62]- الإقبال: 3/308، وبهامشه: «عنه الوسائل: 8/101؛ مصباح الكفعمي: ص 539».

[63]- الإقبال: 3/309، وبهامشه: «ثواب الأعمال: ص 87؛ أمالي الصدوق: ص 30؛ عنهما البحار: 97/69».

[64]- الإقبال: 3/309.

[65]- الإقبال: 3/309، وبهامشه: «ثواب الأعمال: ص 87؛ أمالي الصدوق: ص 30؛ عنهما البحار: 97/ 69 ». وليلاحظ أنّ ما في نسخة الإقبال - المعجم الفقهي، مزجٌ بين صوم عشرة أيّام وبين ثواب صوم أحد عشر يوماً، والصحيح ما ورد أعلاه، مصحّحاً على ما في ثواب الأعمال (نسخة المعجم الفقهي): ص 62. وقد ورد النصّ في روضة الواعظين: ص 404 بدون في سبعين ذراع، كما ورد في الوسائل: 10/499 «استغفرتْ له الملائكة ووسّع اللهُ عليه قبره سبعين ذراعاً».

[66]- المصدر: ص 309-310.

[67]- الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال: ص 62؛ وتقدّم في هامش صوم عشرة أيّام ذكر اختلال نصّ نسخة الإقبال، والتّداخل فيها بين صوم عشرة أيام وثواب أحد عشر يوماً، وقد ورد النصّان باختلاف في ثواب صوم عشرة أيّام واتّفاق حول ثواب أحد عشر يوماً، في ثواب الأعمال، وروضة الواعظين، والوسائل.

[68]- الإقبال: 3/310.

[69]- الإقبال: 3/310-311؛ والوسائل: 10/499؛ والبحار: 94/69؛ وثواب الأعمال: 62.

[70]- الإقبال: 3/311.

[71]- الإقبال: 3/230.

[72]- الإقبال: 3/310-311، وبهامشه: «ثواب الأعمال: ص 87؛ أمالي الصدوق: ص 30؛ عنهما البحار: 97/69»؛ وانظر: الوسائل: 10/499.

[73]- الإقبال: 3/312.

 

[74]- الإقبال: 3/312.

[75] - البحار: 97/87.

[76] - البحار: 86.

[77] الشيخ الطوسي، الأمالي: 297؛ والمجلسي، البحار: 94/85.

[78] المجلسي، البحار: 88/123 و128 و94/36 و39؛ نقلاً عن الصدوق في ثواب الأعمال: 94/84.

[79]- الشيخ المفيد، مسارّ الشيعة: ص 62.

[80]- الإقبال: 3/320-321.

[81]- الإقبال: 3/354.

[82]- الإقبال: 3/354.

[83]- الإقبال: 3/354-355.

[84]- الملكي التبريزي، المراقبات: ص 79. بتصرّف.

[85]- المصدر، بتصرّف.

[86]- المصدر: ص 85-86. بتصرّف.

[87]- مسارّ الشيعة: ص 61.

[88]- مسارّ الشيعة: ص 61.

[89]- إقبال الأعمال: ص 701، (ط.ق)؛ بحار الأنوار: 95/415.

[90]- مسارّ الشيعة: ص 61-62.

[91]- مصباح المتهجّد: ص 829.

[92]- إقبال الأعمال: ص 710، (ط.ق).

[93]- مصباح المتهجّد: ص 830؛ إقبال الأعمال: ص 710 (ط.ق)، وزيادة (يا) للنداء بحسب: المجلسي الأول، لوامع صاحبقراني (شرح الفقيه): ج 8/ ص 564؛ والفيض الكاشاني، الوافي: ج 14/ ص 1474.

[94]- زاد المعاد: ص 60.

[95]- كامل الزيارات: الباب 72، ح 2؛ بحار الأنوار: ج 98، ص 93، ح 2.

[96]- البلد الأمين: ص 284؛ بحار الأنوار: ج 98، ص 342، ح 2.

[97]- إقبال الأعمال: ص 705، (ط.ق)؛ مصباح المتهجّد: ص 842 (باختلافٍ يسير).

[98]- مصباح المتهجّد: ص 843؛ بحار الأنوار: ج 95، ص 412 (باختلاف).

[99]- الإقبال: 3/321.

[100]- القمّي، الشيخ عباس، مفاتيح الجنان: ص 167 (ط.ق)؛ وانظر: ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللآلي: ص 159.

[101]- بحار الأنوار: ج 95 ص 414؛ إقبال الأعمال: ص 699 (باختلافٍ يسير).

[102]- مصباح المتهجّد: ص 831؛ بحار الأنوار: ج 95، ص 409 (باختلافٍ يسير).

[103]- مصباح المتهجد: ص 833.

[104]- المصدر: ص 831.

[105]- الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد: ص 841-842.

[106]- إقبال الأعمال: ص 702؛ بحار الأنوار: ج 95، ص 416.

[107]- الإقبال: 3/320.

[108]- الإقبال: 3/320-321؛ وأورده في المراقبات: صفحة 80 وما بعدها.

[109]- مصباح المتهجّد: ص 844.

[110]- الإقبال: 3/330.

[111]- مصباح المتهجّد: ص 838.

[112]- الإمام الخميني، تحرير الوسيلة.

[113]- الإقبال: 3/299-300؛ وتجد الدعاء في مفاتيح الجنان، وقد تقدّم في الأعمال العامة، وأعيدَ هنا تسهيلاً.

[114]- الشيخ المفيد، مسارّ الشيعة: ص 62؛ وقد أورد الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد: ص 837-838 هذه الصّلاة ولكنّه ذكر بدل المائة مرّة (قل هو الله أحد)، مائتين وخمسين مرّة في كلّ ركعة، وفي الدّعاء أورد الشيخ عبارة: «أنت كما أثنيتَ على نفسك» وهو المشهور.

[115]- إقبال الأعمال: 3/313-314.

[116]- مصباح المتهجّد: ص 842-843.

[117]- الإقبال: 3/351-354. وليُلاحظ مَن يرجع إلى أحد المصدرَين، أنّ المراد بتعبير «فإذا صلّيت صلاة اللّيل» أي إذا أردتّ أن تصلّيها، فصَلّ ركعتَين ثمّ ادع بهذا الدعاء ".." ثمّ صلِّ ركعتين، ثمّ ادعُ بهذا الدّعاء الخ.

[118]- (مصباح المتهجّد). المصدر: إقبال الأعمال، السيد ابن طاوس الحسني: ج 3، ص 35؛ الصحيفة السجادية الجامعة لأدعية الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام، آية الله السيد المرتضى الموحد الأبطحي الإصفهاني.

[119]- الإقبال: 3/355.

[120]- البحار: 94/65.

[121] الإقبال: 3/356.

[122]- الإقبال: 3/356.

[123]- الإقبال: 3/356، وبهامشه: «ثواب الأعمال: ص 87، أمالي الصدوق: ص 30، عنهما البحار: 97/7».

[124]- الإقبال: 3/357.

[125]- الإقبال: 3/357.

[126]- الإقبال: 3/357.

[127]-  آل عمران: 26.

[128]- الإقبال: 3/358، وبهامشه: «أمالي الصدوق: ص 30؛ ثواب الأعمال: ص 87؛ عنهما البحار: 97/70؛ وانظر: الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة: ص 48».

[129]- الإقبال: 3/358.

[130]- الإقبال: 3/358.

[131]- الإقبال: 3/359.

[132] - البحار: 97/73؛ والمراقبات: ص 89-90.

[133]- فقرات من دعاء الإمام الصادق عليه السلام في كلّ يومٍ من أيّام شهر رمضان. (مفاتيح الجنان، بداية أعمال الشهر، نقلاً عن الكافي).

[134]- الإقبال: 3/359.

[135]- الإقبال: 3/359.

[136]- الإقبال: 3/360، وبهامشه: «ثواب الأعمال: ص 87؛ أمالي الصدوق: ص 30؛ عنهما البحار: 97/ 70». وانظر: الوسائل: 10/499-500.

[137]- الإقبال: 3/360.

[138]- الإقبال: 3/360.

[139]- الإقبال: 3/360.

[140]- الإقبال: 3/361.

[141]- المصدر.

[142]- الإقبال: 3/362.

[143]- الإقبال: 3/362.

[144]- الإقبال: 3/362.

[145]- المصدر: 363.

[146]- الشيخ الصدوق، الأمالي: ص 768.

[147]- الإقبال: 3/363.

[148]- الإقبال: 3/364.

[149]-  المصدر.

[150]- الإقبال: 3/364-365.

[151]- الإقبال: 3/365.

[152]- الإقبال: 3/365.

[153]- الإقبال: 3/366.

اخبار مرتبطة

نفحات