تحقيق

تحقيق

28/11/2016

ثورة الشّهيد زيد بن عليّ بن الحسين عليهما السلام

 

«..أمَا إنّه لو ظَفَرَ لَوفى..»

ثورة الشّهيد زيد بن عليّ بن الحسين عليهما السلام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، يُكنّى بأبي الحسين، ويلقّب بـ «زيد الشهيد»، و«حليف القرآن».

* ولد في المدينة المنورة سنة 80، واستشهد في الكوفة سنة 122 هجرية.

* هو ابن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام، ومن أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام.

* ثار الشهيد زيد بوجه الملك الأمويّ هشام بن عبد الملك، وخرج الى الكوفة إبّان إمارة يوسف بن عمر، فلما وصل اليها اجتمع إليه أهلها فلم يزالوا به حتّى بايعوه على الحرب، ثم نقضوا بيعته، وأسلموه، فقُتل، وصُلب بينهم.

* يُعدّ كتاب (المجموع في الفقه والحديث) من أهم آثاره ومصنفاته، ومن كتبه (تفسير غريب القرآن المجيد)، (رسالة في الجدل مع المرجئة)، وكتاب (الردّ على القدرية من القرآن). وكان أحد القرّاء وصاحب قراءة خاصة.

* له مناظرات مع عدد من علماء البصرة منهم عبد الرحمن بن أبي ليلى، ومع أبي حنيفة وسفيان الثوري، ومن أبرز تلامذته أبو خالد الكابلي.

 

قبل الخوض في ثورة زيد بن عليٍّ، لا بدّ من الإشارة إلى خصائص شخصيّته الدّينيّة والاجتماعيّة والسياسيّة، حيث تكشف المصادر أنّه كان على قدر كبير من التقوى، والولاء للأئمّة المعصومين، وكان محبّاً للخير، يساعد الفقراء والمحتاجين.

وفي (مقاتل الطالبيّين) لأبي الفرج الأصفهانيّ، نقل ضمن ترجمة الشهيد زيد كلام نفرٍ من معاصريه فيه، فقال: «زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام، ويكنّى أبا الحسين...

- عن خصيب الوابشي، قال: كنت إذا رأيت زيد بن عليّ رأيتُ أساريرَ النور في وجهه...

- أبو قُرّة، قال: خرجت مع زيد بن عليّ ليلًا إلى الجبّان... ثم قال لي: يا أبا قُرّة، والذي يعلم ما تحت وَريدِ زيد بن عليٍّ، إِنَّ زيد بن عليٍّ لم يهتك لله محرّمًا منذ عرف يمينه من شماله. يا أبا قُرّة، من أطاع الله أطاعَه ما خَلق اللهُ...

- عن عاصم بن عبيد الله العمريّ، ذُكر عنده زيد بن عليّ، فقال: أنا أكبر منه، رأيته بالمدينة وهو شابٌّ يُذْكَرُ اللهُ عنده فيُغشى عليه، حتّى يقول القائل: ما يرجع إلى الدنيا...

- عن أبي الجارود، قال: قدمتُ المدينة، فجعلتُ كلّما سألت عن زيد بن عليّ قيل لي: ذاك حليف القرآن».

عدم إدّعاء زيد الإمامة

* قال العلّامة المجلسيّ في (بحار الأنوار): «اعلم أنّ الأخبار اختلفت وتعارضت في أحوال زيد ونظرائه... لكن الأخبار الدّالة على جلالة زيد ومدحه، وعدم كونه مُدّعيًا لغير الحقّ أكثر، وقد حكم أكثرُ الأصحاب بعلوّ شأنه؛ فالمناسب حسن الظنّ به، وعدم القدح فيه..».

ويقول في موضع آخر: «..وأمّا جعفر الصادق عليه السلام وزيد، فما كان بينهما خلاف، والدليل على صحّة قولنا قولُ زيد بن عليّ عليه السلام: (من أراد الجهاد فإليّ، ومن أراد العلم فإلى ابن أخي جعفر). ولو ادّعى الإمامة لنفسه، لم ينفِ كمال العلم عن نفسه، إذ الإمام أعلم من الرعيّة».

* وذهب كلٌّ من السيد علي خان الشيرازي في (رياض السالكين)، والشهيد الأوّل في (القواعد)، والمامقاني في (تنقيح المقال)، والسيد الخوئي في (معجم رجال الحديث)، إلى القول بأن قيام زيد كان بإذنٍ من الإمام الصادق عليه السلام؛ فلم يدَّعِ زيدٌ الشهيد الإمامةَ، ولم ينازع الإمام الصّادق عليه السلام في منصبه الإلهيّ، كما أنّه لم يهدف إلى الاستئثار بقيادة الأُمّة.

* وفي (كفاية الأثر) للخزّاز القمّيّ، أنّ عبد العلا سأل زيد بن عليّ: «..فأنت صاحب الأمر؟

قال: لا ولكنّي من العترة.

قلت: فإلى من تأمرنا؟

فأومى زيدٌ إلى الصادق عليه السلام».

* وفي موضع آخر من (كفاية الأثر) يروي «عن يحيى بن زيد، قال: سألت أبي عليه السلام عن الأئمّة.

فقال: الأئمّة اثنا عشر، أربعة من الماضين وثمانية من الباقين.

قلت: فسمّهم يا أبه.

فقال: أمّا الماضون فعليّ بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعليّ بن الحسين.

والباقون: أخي الباقر، وجعفر الصادق ابنه، وبعده موسى ابنه، وبعده عليّ ابنه، وبعده محمّد ابنه، وبعده عليّ ابنه، وبعده الحسن ابنه، وبعده المهديّ.

فقلت: يا أبه، ألستَ منهم؟

قال: لا، ولكنّي من العِترة.

قلت: فمن أين عرفت أساميهم؟

قال: عهدٌ معهود عهده إلينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم».

* وعندما سئل يحيى بن زيد عن ادّعاء والده الإمامة، قال للسائل: «مَه يا عبد الله! إنّ أبي، عليه السلام، كان أعقل من أن يدّعي ما ليس له بحقّ...».

 

أهداف ثورة زيد بن عليّ

كان الهدف الأساسي من ثورة الشهيد زيد بن عليّ تصحيح قيادة المسلمين بإعادتها إلى الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام، حيث إنّ نظرة فاحصة في أقوال الأئمّة المعصومين عليهم السلام وفي كتب التاريخ، وفي خطب زيد وأقواله وأقوال ولده يحيى، تدلّ على ذلك، فزيدٌ تربّى في كنف والده المعصوم، وسمع منه تعيين الأئمّة من بعده بأسمائهم، واحدًا واحدًا، وكان على قدر كبير من التقى والورع، وكان يعي دور الإمام الصادق عليه السلام في تثبيت الإسلام الأصيل، وتوطيد دعائمه الفقهيّة والعقائدية.

 فلو كان زيد مخالفًا لخطّ الأئمة لما قال فيه الإمام الصادق عليه السلام بعد استشهاده: «رَحِمَهُ اللهُ، أَما إِنَّهُ كان مُؤْمِنًا، وَكان عارِفًا، وَكان عالِمًا، وَكان صَدُوقًا، أَما إِنَّه لَوْ ظَفَرَ لَوَفى، أَما إِنَّهُ لَوْ مَلَكَ لَعَرَفَ كَيْفَ يَضَعُها».

وقال عليه السلام عنه أيضاً، كما في (بحار) المجلسي: «.. إِنَّما دَعا إِلى الرِّضا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنا الرِّضَا».

وفي (رياض السالكين) شرح السيد علي خان المدني الشيرازي، على الصحيفة، روى عن: «..المتوكّل بن هارون، قال: لقيت يحيى بن زيد بعد قتل أبيه وهو متوجّه إلى خراسان، فما رأيت مثله رجلًا في عقله وفضله، فسألته عن أبيه، فقال: إنّه قُتل وصُلب بالكناسة.

ثمّ بكى وبكيتُ حتّى غُشي عليه، فلمّا سكن قلتُ له: يا ابنَ رسول الله، وما الذي أخرجه إلى قتال هذا الطاغي وقد علم من أهل الكوفة ما علم؟

فقال: نعم، لقد سألته عن ذلك، فقال: سمعت أبي عليه السلام يُحدّث عن أبيه الحسين بن عليّ عليه السلام، قال:

(وَضَعَ رَسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ يَدَهُ عَلى صُلْبي، فَقالَ: يا حُسَيْنُ! يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِكَ رَجُلٌ يُقالُ لَهُ زَيْدٌ يُقْتَلُ شَهيدًا، فَإِذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ يَتَخَطّى هُوَ وَأَصْحابُهُ رِقابَ النّاسِ، وَيَدْخُلُ الجَنَّةَ..)، فأحببتُ أن أكون كما وصفني رسول الله صلّى الله عليه وآله.

ثمّ قال: رحم الله أبي زيدًا، كان، والله، أحد المتعبّدين، قائمٌ ليله صائمٌ نهاره، يجاهدُ في سبيل الله عزّ وجلّ حقّ جهاده.

فقلتُ: يا ابن رسول الله، هكذا يكون الإمام بهذه الصّفة؟

فقال: يا عبدَ الله إنّ أبي لم يكن بإمام، ولكن من سادات الكرام، وزُهّادهم، وكان من المجاهدين في سبيل الله.

قلتُ: يا ابن رسول الله، أما إنّ أباك قد ادّعى الإمامة، وخرج مجاهدًا في سبيل الله، وقد جاء عن رسول الله صلّى الله عليه وآله فيمن ادّعى الإمامة كاذبًا.

فقال: مَه يا عبد الله! إنّ أبي، عليه السلام، كان أعقل من أن يدّعي ما ليس له بحقّ، وإنّما قال: أدعوكم إلى الرضا من آل محمّد، عنى بذلك عمّي جعفرًا.

قلت: فهو اليوم صاحب الأمر؟

قال: نعم، هو أفقهُ بني هاشم».

وفي هذا اللقاء أخرج يحيى للمتوكّل بن هارون الصحيفة السجادية التي كانت عنده وراثة عن أبيه، عن أخيه الإمام الباقر، عن الإمام زين العابدين عليهما السلام.

هذا، وقد كانت ثورة زيد بن عليّ ضدّ الملك الأموي هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، الذي يصفه اليعقوبي في (تاريخه) بهذه الكلمات، قال: «وكان هشام من أحزم بني أُميّة... وكان بخيلاً، حسوداً، فظّاً، غليظاً، ظلوماً، شديد القسوة، بعيد الرحمة، طويل اللّسان، وفشا الطّاعون في أيّامه حتّى هلك عامّة الناس وذهبت الدّوابّ والبقر... وكانت ولايته عشرين سنة إلّا خمسة أشهر».

وبلغت قسوته ضد الهاشميين أن كتب له واليه على الكوفة يوسف بن عمر: «إنّ أهل هذا البيت من بني هاشم قد كانوا هلكوا جوعًا، حتّى كانت همّة أحدهم قوت عياله».

وفي المصادر أن قرار الشهيد زيد بالثورة ضد هشام جاء عقب جلسة عاصفة في بلاط ابن عبد الملك، حيث تجاسر الأخير وتلفّظ بأقوال مسيئة في حقّ أحد المعصومين عليهم السلام. فتصدّى له الشهيد زيد وتوعّده بألّا يلقاه «إلّا في كتيبة بيضاء أو حمراء، ثم دخل الكوفة فطبع بها السيوف، وكان من أمره ما كان حتّى قُتل رحمه الله»، كما في (عيون الأخبار) للدينوري.

وفي (تاريخ الكوفة) للبراقي، أنّ الشهيد زيد قال للصحابيّ جابر بن عبد الله الأنصاريّ: «إنّي شهدتُ هشاماً ورسولُ الله يُسَبُّ عنده، فَوَاللهِ لو لم يكن الّا أنا وآخر، لَخَرَجْتُ عَليه».

ويُمكن أن نقف على مجمل الأهداف التي رامها زيد عليه السلام من ثورته من خلال خطبته التي نقلها فرات الكوفي في (تفسيره)، حيث نجد التركيز على عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاربة الظلم الذي لحق بالمسلمين نتيجة سياسيات بني أميّة غير العادلة، ومحاولة تقويم ما اعوجّ من السُّنن النبويّة في عهودهم.

وممّا جاء في هذه الخطبة قوله رضوان الله عليه: «...ألستم تعلمون أنّا وُلْدُ نبيّكم المظلومون المقهورون، فلا سهمٌ وُفِّينا، ولا تراثٌ أُعطينا... إنّ اللهَ قد فرض عليكم جهادَ أهل البغي والعدوان من أُمّتكم على بَغيهم، وفرض نصرة أوليائه الداعين إلى الله وإلى كتابه، قال: ﴿...وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.... [الحجّ: 40]

إنّا قوم غضِبنا لله ربّنا، ونقمنا الجورَ المعمول به في أهل مِلَّتنا، وقد وضعَنا من تَوارث الإمامة والخلافة وحكم بالهوى، ونقَض العهد وصلّى الصلاة لغير وقتها، وأخذ الزكاة من غير وجهها، ودفعها إلى غير أهلها، ونسَك المناسك بغير هَديها، وأزال الأفياء والأخماس والغنائم، ومنعَها الفقراء والمساكين وابن السبيل، وعطّل الحدود... وحكم بالرُّشا والشفاعات... ومثَّل بالصالحين واستعمل الخيانة، وخوّن أهل الأمانة وسلّط المجوس... وأمر بالمنكر، ونهى عن المعروف... ثمّ يزعم زاعمكم أنّ الله استخلفه، يحكم بخلافه، ويصدّ عن سبيله، وينتهك محارمه، ويقتل من دعا إلى أمره، فمن أشرُّ عند الله منزلة ممّن افترى على الله كذباً، أو صدَّ عن سبيله... ومن أعظم عند الله أجراً ممّن أطاعه... وجاهد في سبيله وسارع في الجهاد، ومن أحقرُ عند الله منزلة ممّن يزعم أن بغير ذلك يمنُّ عليه، ثم يترك ذلك استخفافاً بحقّه وتهاوناً في أمر الله، وإيثاراً للدنيا، ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33]».

شرارة الثورة

لم تكن ثورة زيد وليدة اللّحظة، بل خطّط لها بعدما تفاقمت الأوضاع في البلاد، وبلغ الظلم والجور والعسف بالمعارضين لسياسة بني أميّة حدّاً لا يُطاق؛ وقبل إقدامه على الخروج، فإنّه استشار الإمام الصادق عليه السلام، كما في (عيون أخبار الرّضا) للشيخ الصدوق، قال الرّضا عليه السلام: «..حَدَّثني أبي موسى بْنُ جَعْفَرٍ عَلَيْهِما السَّلامُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ بنِ عَلِيٍّ عَلَيهِمُ السَّلامُ يَقولُ: رَحِمَ اللهُ عَمّي زَيْدًا... وَلَقَدْ اسْتَشارني في خُروجِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: يا عَمّ إِنْ رَضيتَ أَنْ تَكونَ المَقْتولَ المَصْلوبَ بِالكناسَةِ، فَشَأْنُكَ.

فَلَمّا وَلّى، قالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: وَيْلٌ لِمَنْ سَمِعَ واعِيَتَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ».

وقد جعل زيد بن عليّ الكوفة مهد ثورته، على الرغم من أنّ بعض أصحابه حذّروه من أهلها، وذكّروه بخذلانهم جدّه الحسين عليه السلام. فأقام في الكوفة يبايع أصحابه حتّى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل.

وقال الطبريّ في (تاريخه): «وكانت بيعته التي يبايع عليها الناس: إنّا ندعوكم إِلَى كتاب الله وسنّة نبيه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم، وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، وقسْم هذا الفيء بين أهله بالسواء، وردّ الظالمين... ونصْرنا أهلَ البيت على مَن نصب لنا وجهل حقّنا... مكث زيد بذلك بضعة عشر شهرًا...».

وفي (مقاتل الطالبيّين): «فلما دنا خروج زيد أمر أصحابه بالاستعداد والتهيّؤ، فجعل من يريد أن يفيء له يستعدّ، وشاع ذلك، فانطلق سليمان بن سراقة الباقي فأخبر يوسف بن عمر – والي هشام على الكوفة - خبر زيد، فبعث يوسف فطلب زيداً ليلاً فلم يجده عند الرَّجُلَين اللّذَين سُعيَ إليه أنّه عندهما، فأُتي بهما يوسف، فلمّا كلّمهما استبان أمر زيد وأصحابه، وأمر بهما يوسف فضُربت أعناقهما، وبلغ الخبر زيداً فتخوّف أن يؤخذ عليه الطريق، فتعجّل الخروج قبل الأجل الذي بينه وبين أهل الأمصار، وكان قد وعد أصحابه ليلة الأربعاء؛ أوّل ليلة من صفر سنة 122، فخرج قبل الأجل».

ولمّا علم يوسف بن عمر بخروج زيد، حذّر أهل الكوفة من مغبّة مناصرته، فكان له ما أراد، إذ أمرهم بدخول المسجد، ثم نادى مناديه: ألا إنّ الأمير يقول: مَن أدركناه في رحله فقد برئت منه الذّمّة، ادخلوا المسجد الأعظم.

 فأتى الناس المسجد يوم الثلاثاء قبل خروج زيد بيوم. فكان جميعُ من وافى زيدًا تلك اللّيلة مائتي رجل وثمانية عشر رجلًا.

فقال زيد: سبحان الله! أين الناس؟

فقيل له: هم في المسجد الأعظم محصورون.

فقال: لا والله، ما هذا لمن بايعنا بعذر...

 

استشهاده رضوان الله

على الرغم من قلّة العدد، ثبت زيد وأصحابه، ويقول الطبريّ إنّ زيدًا «قتل من أهل الشام نحوًا من سبعين رجلًا»، حتّى رُمي بسهمٍ فأصاب جانب جبهته اليسرى، فكان مقتله...

ومن العجيب أن يُمثّل بجثمان الشهيد زيد، والإسلام قد نهى عن المثلة، فبعد انتهاء المعركة ومقتل زيد، دفنه أصحابه سرّاً، ثم إنّ يوسف بن عمر بعث أهل الشام يطلبون الجرحى في دور أهل الكوفة، فكانوا يخرجون النّساء إلى صحن الدار ويطوفون البيت يلتمسون الجرحى.

ثم دلّ غلام زيد بن عليّ السنديّ على موضع مدفن زيد، فَحُزّ رأسه، وأُرسل إلى ابن عمر الذي بعثه إلى هشام بن عبد الملك، فأمر به فنُصب على باب مدينة دمشق، ثم أرسل به إلى المدينة.

أمّا جسده الشريف، فقد صلبوه في سوق الكناسة بالكوفة، ثمّ أمر بحراسته لئلا يُنزل، ومكث البدن مصلوبًا أربع سنوات حتّى مات هشام، ثمّ أمر به الوليد فأُنزل وأحرق، ودُقّ جسمه بالهاون ثمّ ذُرِيَ في الرياح، وقيل ذُريَ نصفه في الفرات ونصفه في الزرع، وقال يوسف بن عمر: والله يا أهل الكوفة لأدعنّكم تأكلونه في طعامكم وتشربونه في مائكم... وكان استشهاد زيد سنة 122 للهجرة، وكان عمره اثنين وأربعين سنة.

الصّادق عليه السلام يترحّم على زيد

كان الإمام الصّادق عليه السلام يترقّب ثورة زيد، وكان ينتظر مَن يجيء بالأخبار من الكوفة؛ ففي (عيون أخبار الرضا) للصدوق، أنّ «عبد الله بن سيابة قال: خرجنا ونحن سبعة نفر فأتينا المدينة، فدخلنا على أبي عبد الله عليه السلام فقال: أَعِنْدَكُمْ خَبَرُ عَمّي زَيْدٍ؟

فقلْنا: قد خرج أو هو خارج.

قال: فَإِنْ أَتاكُمْ خَبَرٌ فَأَخْبِروني.

فمكثنا أيّامًا، فأتى رسول بسّام الصيرفيّ بكتابٍ فيه: أمّا بعد، فإنّ زيدًا خرج يوم الأربعاء غرّة صفر، فمكث الأربعاء والخميس، وقُتل يوم الجمعة، وقُتل معه فلان وفلان.

فدخلنا على الصادق عليه السلام ودفعنا إليه الكتاب، فقرأ وبكى، ثمّ قال: إنّا للهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعونَ، عِنْدَ اللهِ أَحْتَسِبُ عَمّي، إِنَّهُ كانَ نِعْمَ العَمّ... مَضَى، وَاللهِ، عَمّي شَهيدًا كَشُهَداءَ اسْتُشْهِدوا مَع رَسولِ اللهِ وَعَلِيًّ وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ».

كرامة الشهيد زيد

- روى الأصفهاني في (مقاتل الطالبيّين) عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، خبراً مفاده أن الجنّة محرّمة على مَن هتك حرمةً لزيد بن عليّ.

- قال ابن حجر الهيتميّ في (الصواعق المحرقة): «رُؤي النبيّ مستندًا إلى جذعه المصلوب عليه – أي جذع زيد - وهو يقول للناس: هكذا تفعلون بولدي!؟».

- قال ابن عساكر في (تاريخ دمشق): «إنّ زيد بن عليّ حيث صُلب يوجّه وجهه ناحية الفرات، فيُصبح وقد دارت خشبته ناحية القبلة مرارًا...».

- في (أمالي) الشيخ الطوسيّ: «..عن عبد الملك بن عمرو، قال سمعت أبا رجاء يقول: لا تسبّوا عليًّا ولا أهل هذا البيت، فإنّ جارًا لنا من النّجير قدم الكوفة بعد قتلِ هشام بن عبد الملك زيدَ بن عليّ عليهما السلام، ورآه مصلوبًا فقال: ألا ترون إلى هذا الفاسق، كيف قتله الله؟!

قال: فرماه الله بقرحتَيْنِ في عينيه، فطمس الله بهما بصره، فاحذروا أن تتعرّضوا لأهل هذا البيت إلّا بخير».

- في (الكنى والألقاب) للمحدّث القمّي، عن شبيب بن غرقد، قال: «قدمنا الكوفة من الحجّ، فدخلنا الكناسة ليلاً، فلمّا كنا بالقرب من خشبة زيد أضاء اللّيل، فلم نزل نسير نحوها فنفحت منها رائحة المسك، فقلت لأصحابي: هكذا توجد رائحة المصلوبين؟

وإذا بهاتفٍ يقول: هكذا توجد رائحة أولاد النبيّين، الذين يقضون بالحقّ وبه يعدلون».

وفي (الكُنى) عن محكيّ (منهاج السنة) لابن تيميّة الحرّاني أنّه «لمّا صُلب زيد، كان أهل الكوفة يأتون خشبته ليلاً، ويتعبّدون عندها».

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

28/11/2016

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات