(مسارّ الشِّيعة) للشيخ المفيد: «أوَّل ليلةٍ منه هاجر رسول الله صلّى الله عليه وآله من مكّة إلى المدينة سنة (13) ثلاث عشرة من مبعثه، وكانت ليلة الخميس.
وفيها كان مَبِيتُ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام على فراش رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومُواساته له بنفسه، حتّى نَجا رسول الله من عَدُوِّه، فَحازَ بذلك أميرُ المؤمنين عليه السلام شرفَ الدُّنيا والدِّين، وأنزل اللهُ تعالى مَدْحَه لذلك في القرآن المبين: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ الله وَالله رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ البقرة:207. وهي ليلةٌ فيها عظيم الفخر لِمَولى المؤمنين، بما يوجبُ مَسَرَّة أوليائه المُخلِصين».
والدُّعاء الذي قرأَهُ الأمير صلوات الله عليه عند مبيتِه، هو هذا الدُّعاء: أَصْبَحْتُ اللّهُمَّ مُعْتَصِماً بِذِمامِكَ المَنِيعِ الَّذِي لا يُطاوَلُ وَلا يُحاوَلُ، مِنْ شَرِّ كُلِّ غاشِمٍ وَطارِقٍ مِنْ سائرِ مَنْ خَلَقْتَ وَما خَلَقْتَ، مِنْ خَلْقِكَ الصَّامِتْ وَالنّاطِقِ، فِي جُنَّةٍ مِنْ كُلِّ مَخُوْفٍ، بِلِباسٍ سابِغَةٍ وَلاء أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ، مُحْتَجِباً مِنْ كُلِّ قاصِدٍ لِي إِلى أَذَيِّةٍ بِجِدارٍ حَصِينٍ الإخْلاصِ فِي الإعْتِرافِ بِحَقِّهِمْ وَالتَّمَسُّكِ بِحَبْلِهِمْ، مُوقِناً أَنَّ الحَقَّ لَهُمْ وَمَعَهُمْ وَفِيهِمْ وَبِهِمْ، أَوالِي مَنْ وَالَوا وَأَجانِبُ مَنْ جانَبُوا، فَأَعِذْنِي اللّهُمَّ بِهِمْ مِنْ شَرِّ كُلِّ ما أتَّقِيهِ. يا عَظِيْمُ، حَجَزْتُ الأَعادِي عَنِّي بِبَدِيعِ السَّماواتِ وَالأرْضِ، إِنّا (و) جَعَلْنا مِنْ بَيْن أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ.
وهذا من الأدعية التي وَرَد التّأكيد على قراءتها للحفظ ودفع البلاء عند كلِّ صباحٍ ومساءٍ، وفي الأخير تُستبدَل عبارة «أصبحْتُ» بـ «أمسَيْتُ».
مفاتيح الجنان: قال العلماء يستحبُّ فيه الصِّيام شكراً لله على ما أَنْعَم من سلامة النّبيّ وأمير المؤمنين صَلَواتُ الله وسَلامُهُ عَلَيهِما، ومن المناسب زيارتهما عليهما السلام في هذا اليوم. وقد روى السيِّد في (الإقبال) دعاءً لهذا اليوم، أوّلُه: (أللّهمَّ لا إلهَ إلَّا أنتَ، يا ذا الطَّوْل والقوَّة، والحَوْل والعزّة، سبحانَك ما أعظم وحدانيّتك..)
وفيه كانت وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام على قول الشّيخ الطوسي والشيخ الكفعمي، والمشهور على أنّها في اليوم الثّامن. ولعلَّ في هذا اليوم كان بدءُ مرضِه عليه السلام.
المراقبات: ومن أهمّ أعمال هذا اليوم ".." التّوسُّل إلى خفير يومه من الأئمّة والحُماة في استصلاح الحال في الشّهر كلِّه، وفي أيّامه الخاصّة بالشّفاعة، والدّعاء، وطَلَب التّوفيق.
المراقبات: رُوي أنّه وَقَع فيه وفاة الإمام أبي محمّد الحسن الزكيّ العسكري عليه السلام، فَلِلمُراقِب أن يحزنَ فيه، لا سيّما بِلِحاظ أنّ صاحبَ المصيبة فيه حُجَّةُ عصره وإمامُ زمانِه أرواح العالمين فداه، عليه وعلى آبائه صلوات الله، يَزوره بما يَبدو له، ويعزّي الإمام عليه السّلام بما يُناسبه.
ثمّ يَشكر اللهَ لخلافة إمامه عليه السلام، ويَتَأثَّر من غَيْبته وفَقْدِه، ويَتذكَّر زمنَ ظهوره وفوائد أنواره، وخيرَه وبركتَه.
مفاتيح الجنان: ومن المناسب زيارتهما عليهما السلام في هذا اليوم. فهذا اليوم يكون أوَّل يوم من عصر إمامة صاحب العصر أرواح العالمين له الفداء، وهذا ممَّا يزيد اليوم شرفاً وفضلاً.
المراقبات: تزويج رسول الله صلّى الله عليه وآله (من) خديجة سلام الله عليها، فعلى الشِّيعة تعظيم هذا الأمر لِمَا وَقع من تأثير هذا التّزويج المُبارَك الميمون في الخيرات والبركات، وانتَشَرَت منه الأنوار الباهرات الطَّاهرات، مِن جهاتٍ شتّى.
الإقبال عن (الحدائق) للشّيخ المفيد: ..ويُستحبُّ صيامه شكراً لله تعالى على توفيقه بين رسوله والصّالحة الرَّضيّة المَرْضيّة.
مفاتيح الجنان: ميلاد النّبيّ صلّى الله عليه وآله على رأي الكُليني والمسعودي، وهو المشهور لدى العامّة، ويُستحبّ فيه الصّلاة ركعتان في الأولى بعد الحمد (قل يا أيُّها الكافرون) ثلاثاً، وفي الثّانية (التّوحيد) ثلاثاً. وفي هذا اليوم دَخَل صلّى الله عليه وآله المدينة مهاجراً من مكّة.
الإقبال عن (الحدائق) للشّيخ المفيد: وفي مثله سنة اثنتين وثلاثين ومائة من الهجرة، كان انقضاءُ دولة بني مروان، فيستحبُّ صومه شكراً لله تعالى على ما أَهْلَك من أعداء رسوله وبُغاة عِبادِه.
الإقبال: كان شيخنا المفيد رضي الله عنه قد جعلَ هلاكَ بعض أعداء الله جلَّ جلاله في يومٍ من الأيام يقتضي استحباب الصّيام شكراً لله جلَّ جلالُه على ذلك الإنعام والانتقام، وقد ذَكَر رحمه الله في اليوم الرّابع عشر ما هذا لفظه: الرّابع عشر منه سنة أربع وستّين كان هلاك المُلحد الملعون يزيد بن معاوية لعنَه الله، ولعنَ مَن طَرق له ما أتاه إلى عترة رسوله، ومهَّد له، ورضِيَه، ومالَأَه عليه.
أقول: فهذا اليوم الرّابع عشر حقيقٌ بالصّيام، شكراً على هلاكِ إمامِ الظُّلم والغدر، وهو يوم الصَّدقات، والمبالغة في الحمد والشُّكر.
مفاتيح الجنان: ليلةُ ميلاد خاتم الأنبياء صلوات الله عليه وعلى آله، وهي ليلةٌ شريفةٌ جدّاً. وحكى السيّد في (الإقبال) قولاً بأنَّ في مثل هذه اللّيلة أيضاً كان معراجُه قبل الهجرة بسنة واحدة.
الإقبال: فإنْ صحَّ ما قد ذُكِر من الإسراء في اللّيلة المذكورة، فينبغي تعظيمُها ومراعاةُ حقوقها بالأعمال المشكورة.
مسارّ الشيعة: وفي السّابع عشر منه مولدُ سيِّدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله عند طلوع الفجر من يوم الجمعة في عام الفيل، وهو يومٌ شريف، عظيمُ البركة، ولم يَزَل الصَّالحون من آلِ محمَّدٍ عليهم السلام على قديم الأوقات يُعظِّمونه ويَعرفون حقَّه، ويَرعون حُرْمته، ويَتَطوَّعون بصيامه.
ورُويَ عن أئمَّة الهُدى عليهم السلام أنَّهم قالوا: مَن صام اليوم السّابع عشر من شهر ربيع الأوّل -وهو مولد سيِّدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله- كَتَب اللهُ سبحانَه له صيامَ سنة.
ويُستحبُّ فيه الصَّدقة والإلمام بزيارة المَشاهِد، والتّطوُّع بالخيرات وإدخال المَسَرَّة على أهل الإيمان.
الإقبال: وجدتُ النّصارى وجماعة من المسلمين يعظِّمون مولد عيسى عليه السلام تعظيماً لا يعظِّمون فيه أحداً من العالمين، وتعجَّبتُ كيف قَنَع مَن يعظِّم ذلك المولد من أهل الإسلام، كيف يقنعون أن يكون مولد نبيِّهم، الذي هو أعظم من كلِّ نبيٍّ، دون مولدِ واحدٍ من الأنبياء.
المراقبات [مختصر]: فَعلى المُسلم المُصدِّق بِشَرف رسول الله صلّى الله عليه وآله، المُراقِب في معاملة مولاه، أنْ يَعظُمَ هذا اليوم عنده في الشَّرف بما لا يَبلغه وصفُ الواصِفين، وأن يكون فضلُه لديه أكثر وأعظم من كلّ ما يُقدّر أو يفترَض من فضل الأوقات، لأنّ في مثل هذا اليوم نزل أصلُ سائر الفضائل لهذه الأمّة، فجميع بركات النّبوّة والإمامة والكتاب والشّريعة إنّما ظهرت بوجود رسول الله صلّى الله عليه وآله "..".
واعلم أنّك لو أَتَيْتَ بعبادة الثّقلَين، وخُلوصِ النّبيّين، لَمَا أدَّيْتَ حقّ شكر هذه النّعمة، لا من جهة أنّ هذه الأعمال أيضاً مِن نِعَمه وموجبةٌ لِشُكرٍ آخر، بل من أجل عَظَمة هذه النِّعمة الَّتي تَقْصُر عن شكرها أعمالُ العباد. فعليك بِحُكم العقل بعد العلم بالقصور، أن لا تُقصِّر في مقدورك من الجدّ والجهد، ويكفيك -بحكم التَّفَضُّل من الله تعالى- أن يكون شكرُك من دون استنفاد الجُهد، شرطَ أن يقعَ الشُّكرُ منك خالصاً لوجهه الكريم، فإنّه يقبلُ اليسيرَ إذا كان خالصاً "..".
مفاتيح الجنان: وفي هذا اليوم الشّريف أيضاً في سنة ثلاث وثمانين وُلِد الإمام جعفر الصّادق عليه السلام فزادَهُ فضلاً وشرفاً. وفيه عدّةُ أعمال:
الأوَّل: الغسل.
الثَّاني: الصَّوم وله فضلٌ كثير، ورُويَ أنَّ مَن صامه كُتِبَ له صيام سنة.
الثّالث: زيارة النّبيّ صلّى الله عليه وآله عن قُربٍ أو عن بُعد. روى العلّامة المجلسي في (زاد المعاد) عن الشيخ المفيد والشهيد الأوّل والسيّد ابن طاوس: «إذا أردْتَ زيارة النّبيّ صلّى الله عليه وآله في ما عدا المدينة الطّيِّبة من البلاد، فاغتسل ومثِّل بين يديك شبه القبر، واكتُب عليه اسمه الشّريف، ثمَّ قِف وتوجَّه بقلبك إليه، وقُل: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّهُ سَيِّدُ الأوَّلِينَ وَالآخِرينَ، وَأَنَّهُ سَيِّدُ الأَنْبِياءِ وَالمُرْسَلِينَ. أللّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى أَهْلِ بَيْتِهِ الأَئِمَّةِ الطَيِّبِينَ.
ثمَّ قُل: السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ الله السَّلامُ عَلَيْكَ يا خَلِيلَ الله..». [أنظر: (مفاتيح الجنان)، باب الزّيارات]
الرَّابع: زيارة أمير المؤمنين عليه السلام. روى الشّهيد الأوّل والشّيخ المفيد والسيّد ابن طاوس أنَّ الإمام الصادق عليه السلام زارَ أمير المؤمنين صلوات الله عليه في اليوم السّابع عشر من ربيع الأوّل بهذه الزّيارة، وعلَّمها الثّقة الجليل محمّد بن مسلم الثّقَفي، فقال: «إذا أتيتَ مشهدَ أمير المؤمنين عليه السلام فاغتسِل للزِّيارة، والبسْ أنظفَ ثيابك، واستعملْ شيئاً من الطِّيب، وسِرْ وعليك السَّكينةُ والوقار، فإذا وصلتَ إلى باب السَّلام [أي بابَ الحرم الطّاهر] فاستقبِل القبلة، وقُل: أللهُ أكبر ثلاث مرّات، ثمّ قُل: السَّلامُ عَلى رَسُولِ اللهِ، السَّلامُ عَلى خِيَرَةِ اللهِ، السَّلامُ عَلى البَشِيرِ النَّذِيرِ السِّراجِ المُنِيرِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ "..". [تتمّة الزيارة: (مفاتيح الجنان)؛ و(إقبال الأعمال) للسيّد إبن طاوس]
ثمّ صلِّ ستّ ركعات للزيارة؛ ركعتَين للأمير عليه السلام، وركعتَين لآدمَ عليه السلام، وركعتَين لِنُوحٍ عليه السلام، وَادْعُ الله كَثِيراً تُجابُ إن شاء الله تعالى».
قال المحدِّث القمِّي إنّ الأمير صلوات الله عليه يُزار بهذه الزّيارة في اليوم السَّابع عشر عند طلوع الشّمس، وأنّها مِن أحسن الزِّيارات، وهي مرويّة بالأسناد المعتبرة في الكُتُب المعتبَرة، وظاهرُ بعض رواياتها أنّها لا تخصُّ هذا اليوم، فمِن المُستحسن زيارتُه عليه السلام بهذه الزّيارة في جميع الأوقات.
الخامس: أن يصلّي عند ارتفاع النّهار ركعتَين، يقرأ في كلّ ركعة بعد الحمد سورة (إنا أنزلناه) عشر مرّات، والتّوحيد عشر مرّات، ثمّ يجلس في مصلّاه ويدعو بالدُّعاء: (أللّهُمَّ أَنْتَ حَيٌّ لا تَمُوتُ..). [إقبال الأعمال: أعمال ربيع الأول]
السَّادس: أن يعظِّم المسلمون هذا اليوم، ويتصدَّقوا فيه، ويَعملوا الخير، ويُسِرّوا المؤمنين، ويزوروا المشاهد الشّريفة.
|