الفقيهُ المتكلِّم، المقداد السُّيوري الحلّي
مجدِّد القرن التّاسع هجري، وكاشفُ مغمَضاتِ العلوم
______إعداد: أكرم زيدان_______
* وصفَه أستاذُه الشّهيد الأوّل بعبارة: «مولانا أدامَ اللهُ تعالى إفادتَه ".." ونَفَعَنا ببركاتِ دعواتِه وأنفاسه».
* له مؤلّفاتٌ عديدة في الفقه، والأصول، والكلام، والتّفسير، والحديث، واللّغة، وغيرها، من أبرزها (اللّوامع الإلهيّة)، و(كنز العرفان).
* أسهمَ بشكلٍ منقَطع النّظير في الشّرح والتّعليق على مؤلَّفات نخبةٍ من العلماء الأفذاذ؛ كالمحقِّق والعلّامة الحلّيَّين، والشّهيد الأوّل، والشيخ نصير الدِّين الطُّوسي، كما أسّسَ مدرسة دينيّة بقيتْ ماثلةً حتّى عهدٍ قريب.
* الشّائع أنّ مرقدَه بالنّجف الأشرف، ولكنْ يعتَقد بقوّة أنّه دُفن قريباً من مدينة بعقوبة العراقيّة، ونسبةً إليه سُمِّيتْ المنطقة المعروفة بـ «المقداديّة»، في تلك النّاحية.
* هذه التّرجمة مقتبسَة -بتصرّفٍ وإضافات- من مقدّمة كتابه (اللّوامع الإلهيّة)، الصادر سنة 1424 للهجرة، بتحقيق «مجمع الفكر الإسلامي» في قمّ المقدّسة. |
هو أبو عبد الله، جمال الدِّين أو شرف الدِّين، مقداد بن عبد الله بن محمّد بن حسين بن محمّد السُّيوري الأسدي الحلّي الغرَوي، المشهور بـ «الفاضل المقداد» و«الفاضل السّيوري»، من أجلّة الفقهاء والمتكلّمين ومجدِّدي العلماء في القرن التّاسع الهجري.
وُلد في الرُّبع الثّاني من القرن الثّامن -على ما يبدو- في قرية سُيور التّابعة لمدينة الحلّة في العراق، أو في الحلّة ذاتها، لِأبٍ عربيِّ النَّسَب وأُمٍّ إيرانيّة فارسيّة، والدُها العلّامة الجليل رُكْن الدّين محمّد بن عليّ بن محمّد الجرجاني الغَروي، من تلامذة العلّامة الحلّي، وله مصنَّفات عديدة تدلُّ على حذاقتِه وسِعَة عِلمه، أَوْصَلها السيّدُ الأمين في (أعيان الشيعة) إلى ثلاثين كتاباً، منها: تعريب (الفصول النّصيريّة) في علم الكلام، (غايةُ الباري) في شرح مبادئ الأُصول، تعريب (أساس الاقتباس) في المنطق، (الشّافي) في الفقه، و(عُمْدة الأملاك في هيئة الأفلاك).
دَرس «الفاضل المقداد» المنقولَ والمعقول لدى نُخبةٍ بارزةٍ من الفقهاء كالشّهيد الأوّل الجزّيني العاملي، وفخر المحقّقين الحلّي، حتّى أتقنَ علوماً كثيرة مثل الفقه وأُصوله، والمنطق، والكلام، والتّفسير، وعلوم اللّغة، وبَرَع فيها.
استَوْطَن النَّجفَ الأشرف، وتصدّى للرِّئاسة الدِّينيّة والمرجعيّة العامّة، والتّأليف والتّدريس وتربية جيلٍ من علماء الدِّين، كما أسَّس مدرسةً اشتُهرت بـ «مدرسة المقداد السُّيوري»، وبقيت ماثلةً حتّى وقتٍ قريب، ولكن باسمٍ آخَر هو «المدرسة السّليميّة».
من ذريّته، ولدُه عبد الله الذي كُنّي باسمِه، وأَلّف له كتابَه (الأربعين)، وهو عالمٌ فاضلٌ روى عن أبيه.
1- الشّيخ شمس الدّين، محمّد بن مكّي العاملي الجزّيني، المعروف بـ «الشهيد الأوّل»، المُستَشهد سنة 786 للهجرة. و«الفاضل السّيوري» من أشهر تلامذةِ مدرستِه والرَّاوين عنه، رَبَطَته علاقةٌ وثيقةٌ به، وجَرَت بينهما مباحثاتٌ علميّةٌ عديدة، ولذلك عمدَ الفاضلُ إلى كُتُب شيخِه فشرح (ألفيّتَه) ورتّب (قواعدَه)، ووجّه إليه مسائل خِلافيّة عديدة، فأجاب عنها وسُمِّيت مع أجوبتِها بـ «المسائل المقداديّة». كما نَقَل أيضاً كيفيّة شهادة أُستاذه. [أنظر: لؤلؤة البحرين للشيخ يوسف البحراني]
2- فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن بن يوسف الحلّي (ت: 771 للهجرة)، إبن العلّامة الحلي. قرأ عليه كتاب والدِه (مبادئ الوصول إلى عِلم الأصول).
3- السّيّد ضياء الدّين، عبد الله الأعرجي الحسيني الحلّي، المتوفّى بعد 786 للهجرة.
4- السّيّد عميد الدِّين، ذَكَره الشيخ الطّهراني في (الضياء اللّامع)، قائلاً: «ذكر السيّد المير علاء الملك المرعشي في آخر نسخة من (الكنى) التي كتبها بخطِّه ".." أنّه نقلَه عن أصلِه الذي كان بِخَطّ ابن السّكون، وقرأَه الفاضلُ الشيخ المقداد على السيّد عميد الدّين».
والمظنون أنّه السيّد عميد الدِّين، عبد المطّلب بن عبد الكريم الأعرجي الحسيني الحليّ (ت: 754 للهجرة)، الأخ الأكبر للسيّد ضياء الدِّين عبد الله، وهما ابنا أُخت العلّامة الحلّي.
من تلاميذِه والرّاوين عنه
1- الشّيخ تاج الدِّين، الحسن بن راشد الحلّي صاحب (الجُمانة البهيّة في نظْم الألفيّة الشّهيديّة). كتبَ لها الفاضل المقداد تقريضاً في غاية البلاغة والجزالة، وهو الذي أرَّخَ وفاة أُستاذه.
2- الشّيخ عبد الله بن مقداد الحلّي، إبن المترجَم له.
3- الشّيخ زين الدِّين، علي بن الحسن بن علالة. مَنَحه أُستاذُه إجازتَين سنة 822 للهجرة.
4- الشّيخ محمّد بن شجاع القطّان الأنصاري الحلّي، له كتاب (معالم الدّين في فقه آل ياسين).
5- الشيخ أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (ت:841 للهجرة)، صاحب (الرّسائل العَشر)، و(عدّة الدّاعي)، و(المهذّب البارع)، وغيرها.
6- الشّيخ ظهير الدّين، محمّد بن الحسام العاملي العَيناثي. وصفَه الحرّ العاملي في (أمل الآمل) بـ «العالم الفقيه الزّاهد». وجّهَ ما يُعرَف بـ «المسائل الشاميّة الأولى» إلى الشيخ إبن فهد الحلّي، فأجاب عنها، وطُبعت لاحقاً بضميمة (الرّسائل العَشر).
7- الشيخ زين الدِّين، علي بن الشّواء. قال السيّد الصدر في (تكملة أمل الآمل) إنّه نسخَ قصّة مقتل الشهيد الأوّل عن خطّ شيخه المقداد.
8- زين الدِّين علي التّوليني النّحاريري العاملي. له كتاب (الكفاية) في الفقه، وعنه ينقلُ الشيخ الكفعمي في بعض مجاميعه.
وقف عنده كتّابُ السِّيَر والعلماءُ بإجلالٍ وإعظامٍ، كلٌّ بقلمه وأُسلوبه لرسمِ صورةٍ دقيقةٍ عنه، وعن قدراته المختلفة، ومقامه العلمي الشّامخ؛ فخلّدت ذِكْرَه مجموعةٌ من العلماء ببيانٍ ساطع، نسجّل في ما يلي مقتطفاتٍ منه:
1- أُستاذه الشّهيد الأوّل في آخر أجوبة (مسائل الفاضل المقداد): «ومولانا أدامَ اللهُ تعالى إفادتَه، هو صاحبُ الفضل والفضائل، ومن العلماء الأماثل، أطلعَ الله شمسَ علومه في الآفاق، وحالَ بينه وبين ما يَمنع من استكمال النّفس، ونَفَعَنا ببركات دعواته وأنفاسه..».
2- تلميذه الشّيخ حسن بن راشد الحلّي: «شيخُنا الإمامُ العلّامة الأعظم، أبو عبد الله، كان -بيّضَ اللهُ غرّتَه- رجلاً جميلاً من الرِّجال، جَهوريّ الصَّوت، ذَرِب اللّسان، مُفوَّهاً في المقال، مُتقِناً في علومٍ كثيرة، فقيهاً، متكلِّماً، أُصوليّاً، نحويّاً، منطقيّاً، صَنَّف وأَجاد».
3- الشّيخ ابنُ أبي جمهور الأحسائي: «الشّيخ العلّامة الفهّامة، خاتمةُ المجتهدين، شرفُ الملَّة والحقّ والدِّين».
4- الشّيخ الحرّ العاملي: «كان عالِماً فاضلاً، متكلِّماً محقِّقاً مدقِّقاً».
5- العلّامة المجلسي: «الشّيخُ الأجلّ، المقداد بن عبد الله، مِن أَجِلَّة الفقهاء، وتصانيفُه في نهاية الاعتبار والاشتهار».
آثاره العلميّة
خَلَّف «الفاضل السُّيوري» ثروةً فكريّةً حيّة، شَمَلت مختلف العلوم الإسلاميّة، من فقهٍ، وأُصولٍ، وكلامٍ، وتفسيرٍ، وحديث. وغَدَت مِحوَراً لكثيرٍ من البُحوث الفقهيّة والكلاميّة، سيّما بعد جهوده التي قَلّ نظيرُها في الشّرح والتّعليق على مؤلَّفات نخبةٍ من العلماء الأفذاذ؛ كالمحقِّق والعلّامة الحلّيَّين، والشّهيد الأوّل، والشيخ نصير الدِّين الطُّوسي. [توفّي سنة 672 للهجرة، وهو غير شيخ الطائفة الطوسي المتوفّى سنة 460]
وفي ما يلي سَردٌ بأسماء عددٍ من كُتُبه، مع تعريفٍ موجزٍ بكلٍّ منها:
1- (اللَّوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة). [أنظر: «قراءة في كتاب» من هذا العدد]
2- (الأدعية الثّلاثون)، مجموعة من أدعية النّبيّ والأئمّة المعصومين عليهم السلام، مرتَّبة زمنيّاً.
3- (إيضاح المنافع في شرح مشكلات الشّرايع)، تعليقة استدلاليّة على (شرايع الإسلام) للمحقّق الحلّي.
4- (إرشاد الطّالبين إلى نهج المسترشدين)، شرح لكتاب العلّامة الحلّي (نهج المسترشدين في أُصول الدين)، طُبع في قمّ سنة 1405 للهجرة.
5- (الاعتماد) في شرح (واجب الاعتقاد) للعلّامة الحلّي في الأُصول والفروع. ألّفه في حياة أُستاذِه فخر المحقّقين. طُبع في مشهد سنة 1412 للهجرة.
6- (الأنوار الجلاليّة) في شرح (الفصول النّصيريّة) للشيخ نصير الدّين الطوسي في أُصول الدِّين. و(الفصول) بالفارسيّة، ترجَمَه إلى العربيّة جدُّه ركن الدِّين محمّد بن علي الجرجاني، وشَرَحه هو بعناوين «قال، أقول». طُبع في مشهد سنة 1999 م.
7- (تجويد البراعة) في شرح (تجريد البلاغة) للشيخ ميثم البحراني، في عِلمَي المعاني والبيان. ألَّفه بطلب تلميذه إبن راشد الحلّي وقابل معه بعضَه.
8- (التّنقيح الرائع لمختصر الشّرايع)، شرح (للمختصر النّافع لشرايع الإسلام) وكلاهما -الشرائع ومختصَره- للمحقّق الحلّي (ت: 676 للهجرة). ألّفه سنة 818، وطُبع في قمّ سنة 1404 للهجرة.
9- (تفسير مغمَضات القرآن) وهو مُخْتَصَر، كَتَبَه أوّلاً على هامش القرآن الكريم، ثمَّ دوّنه بنحوٍ مستقلّ. رآه الشّيخ الطّهراني بـ «مدرسة البادكوبي» في كربلاء.
10- (جامع الفوائد في تلخيص القواعد)، وهو تلخيص (القواعد والفوائد) تأليف أُستاذه الشّهيد الأوّل، مخطوطته في «مكتبة العتبة الرّضويّة المقدَّسة».
11- (شرح الرّسالة الألفيّة) للشّهيد الأوَّل، والرّسالة مختصرة تشتمل على ألف واجب في الصَّلاة. نَسَب الشّرحَ إلى المُترجَم له الشّيخ يوسف البحراني في (لؤلؤة البحرين)، استناداً إلى بعض مشايخه.
12- (كنز العرفان في فقه القرآن)، شرح وتفسير آيات الأحكام، رَتَّبه حسب الكُتُب الفقهيّة من الطّهارة إلى الدّيّات، وعُدَّ مِن أحسن ما كُتِب في موضوعه. مخطوطاته كثيرة، وطُبع في سنة 1384 للهجرة.
13- (نضْد القواعد الفقهيّة على مذهب الإماميّة) أو (تحرير القواعد الشهيديّة)، وهو ترتيب جديد وفق الكُتُب الفقهيّة للقواعد والفوائد، تأليف أُستاذه الشّهيد الأوَّل، وبنفس عباراته حيث لم يَزِد عليها شيئاً إلّا مسألة القِسمة. و(النّضد) يتّضمَّن مقدِّمة في تعريف الفقه وما يناسبُه، وقطبَين: الأوّل في القواعد العامّة، والثّاني في القواعد الفقهيّة. فرغ منه سنة 808 للهجرة، مخطوطاته كثيرة، وطُبِع في قمّ بتحقيق السيّد عبد اللّطيف الكوهكمري.
14- (رسالة في معنى النّاصب)، رأى الشّيخ الطّهراني مخطوطتَها في «مكتبة الشّيخ علي كاشف الغطاء» في النّجف الأشرف.
15- (نهاية المأمول) في شرح (مبادئ الوصول إلى علم الأُصول) للعلَّامة الحلي. وهو تقرير لأمالي أُستاذه فخر المحقِّقين حينما قرأ عليه (المبادئ).
16- (النّافع يوم الحشر) في شرح (الباب الحادي عشر) آخر أبواب (منهاج الصّلاح في مختصر المصباح)، و(المنهاج) للعلّامة الحلّي في ما يجب على المكلَّفين معرفتُه من الأُمور العقائديّة، و(المصباح) لشيخ الطائفة الطّوسي. طُبع بطهران سنة 1989 م، كما تُرجم إلى الفارسيّة والإنكليزيّة أيضاً.
17- (الأربعون حديثاً)، ألَّفه لولده عبد الله سنة 794 للهجرة.
وفاتُه
قال الشيخ جعفر آل محبوبة في (ماضي النّجف وحاضرها) إنّ وفاة «الفاضل المقداد» رضوان الله عليه كانت مجهولةً لدى كلِّ مَن ترجم له، سواءً في (مستدرَك الوسائل)، و(أمل الآمل)، و(رياض العلماء)، و(ولؤلؤة البحرين)، وغيرها.
يُضيف: «ولكنْ بفضلِ البحث والتّنقيب تجلّت هذه الفائدة الثّمينة التي كانت مكنونةً وبرزتْ للعيان، فأوّلُ مَن وقفَ عليها البحّاثة المرحوم الشّيخ محمّد السّماوي النّجفي صاحب (الطّليعة)، وجدَها بخطّ الشيخ حسن بن راشد [تلميذ الفاضل المقداد المتقدّم ذكرُه] على ظَهر نسخةٍ من (القواعد)، وهذا نصُّه: تُوفِّي شيخُنا الإمامُ الأعظم، العلّامة أبو عبد الله المقداد بن عبد الله السُّيوري، نضَّرَ اللهُ وجهَه، بالمشهد المقدّس الغرَوي، على مشرِّفه أفضلُ الصّلاة وأكملُ التّحيات، ضاحي نهار الأحد، السادس والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة 828، ودُفِنَ بمقابر المشهد المقدّس المذكور».
ثمّ يقول الشيخ جعفر إنّ هذه النّسخة من (القواعد) ضمن مجموعة الشيخ جواد البلاغي، وهي بخطّ الشيخ محمد علي بن سلوة النّجفي، لكنّه لم يُصرّح بمشاهدتها.
وهناك تعليقة أخرى بالمعنى نفسه على إحدى نُسخ (روضات الجنّات) للمحقّق الخونساري، لكنّ الشيخ محمّد حرز الدّين ينسبُها في (مراقد المعارف) إلى شخصٍ مجهول، مشيراً إلى أنّ وفاة «الفاضل المقداد» كانت سنة 826 أو 828، «في "شهرابان" التّابعة إلى "نهر ديالى" و"بعقوبة"، وقيل في الغَريّ، فلا يُلتَفت إليه، لأنّه استفادةٌ من كلامٍ لا نصَّ عليه.. مرقدُه في صحراء "شهرابان"، عامرٌ مشيَّد، عليه قبّةٌ بيضاء قديمةُ البناء».
ثمّ يُوضح قائلاً: «وفي أواخر عصرنا كاد أن يهجَر اسمُ قرية "شهرابان" إلى تسميتِها بـ "المقداديّة"، نسبةً إليه، وإلى مرقدِه الشّهيرِ فيها، وتقعُ المقداديّة على الطّريق العامّ القديم للقوافل التي تقدمُ العراقَ من إيران وأفغان وما والاهما، لزيارة العتبات المقدّسة وأئمّة الحقّ، على خطّ كرمانشاه - خانقين - شهرابان - بعقوبة بغداد».
وممّا يُضعّف قيمة التعليقة التي على (الرّوضات) قول المحقّق الخونساري نفسُه: «ومن جملة ما يُحتمَل عندي قويّاً هو أنْ تكون البقعة الواقعة في بريّة شهرابان بغداد المعروفة عند أهل تلك النّاحية بمقبرة مقداد، مدفن هذا الرّجل [المقداد السّيوري] الجليل الشّأن، بناءً على وقوع وفاتِه رحمه الله في ذلك المكان..».
لكنّه يقول في موضع آخر من (روضاته)، بعدما وصفَه بالغرّويّ مسكناً: «وكأنّه كان من جملة متوطّني ذلك المشهد المقدّس، حيّاً ومَيْتاً..»
هذا، وعلَّقَ السيد محمّد صادق بحر العلوم عند تحقيقِه (لؤلؤة البحرين)، فكتبَ في هامشِه: « وُجِدَ بخطّ الشيخ حسن بن راشد الحلّي ما نصُّه: توفِّي شيخُنا الإمامُ العلّامة..»، إلى آخر العبارة المنقولة أعلاه عن (ماضي النّجف).
لكنّ محقّق (المراقد)، الشيخ محمّد حسين حرز الدّين، وهو حفيدُ المؤلّف يقول في هامشِه: «وقد سألتُ فضيلة السيّد محمّد صادق بحر العلوم ".." عن كيفيّة مشاهدته لخطّ الشيخ حسن بن راشد الذي مرّ ذكرُه بلسان الوجدان في تعليقتِه، فأجابَ قائلاً: بأنّى لم أجِده مباشرةً، ولم أرَه شخصيّاً، وأحتمِلُ أنّي رأيتُه بخطّ الشيخ محمّد السّماوي حاكياً عن خطّ الحسنِ بن راشد..».
وينقل محقّق (المراقد) أيضاً عن مخطوط (نزهة الحرَمين) للسيّد حسن الصدر: «والقبرُ المعروفُ بقبرِ المقداد في طريق كرمانشاه، هو قبرُ الشّيخ مقداد السّيوري، أحد علمائنا من تلامذة العلّامة الحلّي، فلا تتوهّم». وربّما يقصد بالعبارة الأخيرة: لا تتوهّم كونه للصّحابي الجليل المقداد بن عمرو الكندي، وهو المتداول على ألسنة العامّة في تلك المنطقة. والمعروف أنّ المقداد رضوان الله عليه، توفّي بأرضٍ له في «الجرف» قريباً من المدينة المنوّرة، ثمّ حُمل على أعناق الرّجال ودُفن في «بقيع الغرقد» بعد أنّ صلّى عليه الصّحابي عمّار بن ياسر.
يُضيف محقّق (مراقد المعارف): «وقد وقفتُ على مرقدِه بضواحي مدينة المقداديّة، صباح يوم الجمعة 9 رجب سنة 1387 للهجرة (13 تشرين الأوّل سنة 1967 م)، وقبلَ وصولي إلى "قضاء المقداديّة" بخمس كيلومترات شاهدتُ مرقدَه بجانب اليسار، في الطّريق العامّ التّبليط "بغداد - بعقوبا - مقداديّة"، وكان بُعدُه عن الطريق الحالي قرابة كيلومتر، ويحدُّ البقعة التي فيها مرقدُه من الشّمال والغرب والجنوب "نهر الأحمر"، فرعٌ من "نهر مهروت" الخارج من "نهر ديالى"، ويحدُّه من الشّرق "نهر بلور".
وحدّثنا سادنُه أنّ لمرقدِه قطعة أرض زراعيّة، وفيها أشجار ونخيل، أقطعَها للمرقد رجلٌ نبيلٌ من أسرة "آل الفارسي" ".." وكان إقطاعُه الأرض لكرامةٍ ظهرتْ لصاحبِ المرقد هذا على يدِه، وآمنَ بها».
ثمّ يصف بناء المرقد بالتّفصيل، مشيراً إلى أنّ عمارته جُدّدت سنة 1385 للهجرة، وبعد الفراغ منها أُقيم احتفالٌ رسميٌّ حضره الشيخ جعفر العتابي ممثّلاً آية الله السيّد محسن الحكيم رضوان الله عليه، وألقى كلمةً برهن خلالَها أنّ المرقدَ للفاضل السّيوري، كما افتتحَ في المكان فرعاً من فروع «مكتبة السيد الحكيم العامّة».