إقامةُ الحدود،
وإصابةُ الحقّ عند استتار المَعصوم
الإثمُ على
مَن ألجأَ الإمامَ إلى الغَيبة
ـــــ الشّريف المرتضى
رحمه الله ـــــ
«الحاجةُ إلى الإمام
ثابتةٌ لازِمةٌ؛ لأنَّ جهةَ الحاجة إليه هي كَوْنه لُطفاً لنا في فعلِ الواجب وتجنُّبِ
القبيح، وهذا ممّا لا يُغني عنه شيءٌ، ولا يقومُ مقامَه فيه غيرُه».
ردُّ الشّريف
المرتضى رحمه الله على شُبهتَي
«إقامة الحدود»، و«إصابة الحقّ» عند استتار المعصوم عليه السلام، أوردَهما في
كتابه (المقنع في الغَيبة)، ولأهميّة الكتاب، فقد أكثر الشّيخ الطّوسيّ النّقلَ
عنه في كتابه (الغَيبة)، وكذلك الشّيخ الطّبرسيّ في (إعلام الورى).
شُبهةُ إقامةِ الحُدود
إنْ قيل: فالحُدود في حالِ
الغَيْبة ما حُكمُها؟
فإنْ سقطت عن فاعلِي
ما يوجِبُها، فهذا اعترافٌ بِنَسخِ الشّريعة!
وإنْ كانت ثابتةً،
فمَن يُقيمها مع الغَيْبَة؟!
الرَّدُّ عليها
قلنا: الحدودُ المستَحقّة
ثابتةٌ في جُنوب الجُناة بِما يوجِبُها من الأفعال، فإنْ ظَهرَ الإمامُ والمُستحِقُّ
لهذه الحدود باقٍ أقامَها عليه بالبيّنة أو الإقرار، وإنْ فاتَ ذلك بموتِه كان الإثمُ
في تفويتِ إقامتِها على مَن أَخافَ الإمامَ وأَلجأَه إلى الغَيْبَة.
وليسَ هذا بِنَسخٍ
لإقامة الحدود؛ لأنَّ الحدَّ إنَّما تَجِبُ إقامتُه مع التّمكُّن وزوال الموانع، ويَسقط
مع الحَيلولة.
وإنّما يكون ذلك
نسخاً لو سَقطَ فرضُ إقامةِ الحدِّ مع التّمكُّن وزوالِ الأسباب المانِعة من إقامتِه.
ثمّ يُقلَب هذا
عليهم فيُقال لهم: كيف قولُكم في الحدودِ الّتي تَستحقّها الجُناة في الأحوال الّتي
لا يتمكّن فيها أهلُ الحلِّ والعَقدِ من اختيارِ الإمام ونَصْبه؟! فأيُّ شيءٍ قالوه
في ذلك قيلَ لهُم مثله.
شُبهة امتناع إصابةِ
الحقّ
فإنْ قيل: كيف السَّبيل
مع غَيْبة الإمام إلى إصابة الحقّ؟!
فإنْ قلتُم: لا سبيلَ إليه،
فقد جعلتُم النّاس في حَيْرةٍ وضلالةٍ ورَيْبٍ في سائِر أُمورِهم.
وإنْ قلتُم: يُصابُ الحقُّ
بأدلّتِه، قيل لكم: هذا تصريحٌ بالاستغناء عن الإمام بهذه الأدلّة..
الرّدُّ عليها
قُلنا: الحقُّ على ضربَين:
عقليّ وسمعيّ.
فالعقليُّ يُصاب بأدلّته
ويُدرَك بالنّظر فيها.
والسَّمعيُّ عليه أدلّةٌ منصوبةٌ
من أقوال النّبيّ صلّى الله عليه وآله ونصوصِه وأقوال
الأئمّة من وُلده عليهم السلام، وقد بَيَّنوا
ذلك وأوْضَحوه، ولم يَتركوا منه شيئاً لا دليلَ عليه.
غير أنّ هذا، وإنْ
كان على ما قُلناه، فالحاجةُ إلى الإمام ثابتةٌ لازِمةٌ؛ لأنّ جهة الحاجة إليه -المُستمِرّة
في كلّ زمانٍ وعلى كلّ وجهٍ- هي كَونه لُطفاً لنا في فعلِ الواجب وتجنُّبِ القبيح،
وهذا ممّا لا يُغني عنه شيءٌ، ولا يقومُ مقامَه فيه غيرُه.
فأمّا الحاجة إليه
المُتعلِّقة بالسَّمع والشَّرع، فهي أيضاً ظاهرة:
لأنّ النَّقلَ،
وإنْ كان وارداً عن الرَّسول صلّى الله عليه وآله وعن آباء الإمام
عليهم السلام بِجميعِ ما يُحتاجُ إليه
في الشَّريعة، فجائزٌ على النّاقلين أنْ يَعْدِلوا عن النّقل، إمّا (تعمُّداً) أو اشتِباهاً،
فيَنقطعُ النّقلُ أو يَبقى فيمَن ليس نقلُه حُجّة، فيُحتاج حينئذٍ إلى الإمام ليَكشف
ذلك ويوضِحَه ويبيِّن موضعَ التَّقصير فيه.
فقد بان: أنّ الحاجةَ ثابتةٌ
على كلِّ حالٍ، وإنْ أمْكَنَت إصابةُ الحقّ بأدلّتِه.