﴿إنّ الله وملائكته يصلُّون على النبيّ يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلِّموا تسليماً﴾
الحافظ ابن البطريق و العلامة الاميني.
في ترجمة الحافظ ابن البطريق، قال المحدِّث الجليل الشيخ عبّاس القمّي رحمه الله:
«ابن البطريق، أبو الحسين الشيخ شمس الدين يحيى بن الحسن بن الحسين الحلّي من أفاضل العلماء الإماميّة، كان عالماً فاضلاً محدِّثاً محقِّقاً ثقةً جليلاً، له كتاب (العمدة) و(المناقب) و(الخصائص) و(تصفّح الصحيحين في تحليل المتعتين)، وغير ذلك».
والعلّامة الأميني يكفي للتعريف به أن يُقال: «صاحب كتاب (الغدير)».
تتبَّع هذان المحقِّقان العَلَمان الحافظ بن البطريق (ت:600 هجرية) والعلّامة الأميني (ت: 1392 هجرية) عدداً من أبرز المصادر، ليُقدِّما للأجيال صورة عن إجماع الأمّة، على ترك الصلاة البتراء، امتثالاً لأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله، وحرصاً على الالتزام بصيغة: «كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم»، التي هي نهيٌ آخر عن الصلاة البتراء، يُراد به التأسيس في الأمّة بأجيالها، لعدم الفصل بين محمّد وآل محمد، كما لم يفصل أحد بين إبراهيم وآل إبراهيم.
محمّديّة كلّ مؤمن بحبِّه لمحمّد وآل محمّد، وطاعتِه لهم، وأخذ العقيدة والفقه منهم وعنهم.
قال الحافظ ابن البطريق في كتابه (خصائص الوحي المبين):
*- من تفسير الثعلبي: في قوله تعالى: ﴿إنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها الذين آمنوا صلُّوا عليه وسلِّموا تسليماً﴾ عن كعب بن عجرة قال: لمّا نزلت: ﴿إنّ الله وملائكته يصلُّون على النبيّ يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلِّموا تسليماً﴾، قلنا: يا رسول الله قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: أللّهمّ صلِّ على محمّد و[على] آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
*ومن صحيح البخاري: في الجزء الرابع من أجزاء ثمانية قريب من أوّله بالإسناد المقدَّم قال: «عن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة، فقال: ألا أُهدي لك هديّة سمعتها من النبيّ صلّى الله عليه وآله؟ فقلت: بلى فاهدها [إليّ]، فقال: سألنا رسول الله صلّى الله عليه وآله فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ فإنّ الله قد علّمنا كيف نسلّم. قال: قولوا: أللّهمَّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد».
*-ومن صحيح مسلم : في الجزء الرابع من أجزاء ستة في نصف المجلد، قال: في صحيح البخاري، قال: «قلنا يا رسول الله أمّا السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ فقال صلّى الله عليه وآله: قولوا: أللّهمَّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد».
*-وفي موسوعته النوعيّة (الغدير في الكتاب والسنّة)، أورد العلامة الأميني قدّس سره، أبياتاً للشاعر العبديّ، منها:
لولاهم ما رفع الله السما ولا دحى الأرض ولا أنشا الورى
لا يقبل الله لعبدٍ عملاً حتى يواليهم بإخلاص الولا
ولا يتمّ لامرءٍ صلاته إلا بذكرهم ولا يزكو الدعا.
ثمّ قال:
قوله: ولا يتمّ لامرء صلاته * إلا بذكرهم .. إشارة إلى كون الصلاة عليهم مأموراً بها في الصلاة. وفي المقام أخبار كثيرة وكلمات ضافية تُوجد في طيّات كتب الفقه والتفسير والحديث.
*-ذكر ابن حجر في (الصواعق) ص 87 : قوله تعالى ﴿إنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلِّموا تسليماً﴾. وروى جملة من الأخبار الصحيحة الواردة فيها وأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قَرَن الصلاة على آله بالصلاة عليه لمّا سُئل عن كيفيّة الصلاة والسلام عليه، ثمّ قال: وهذا دليل ظاهر على أنّ الأمر بالصلاة على أهل بيته وبقيّة آله مراد من هذه الآية، وإلّا لم يسألوا عن الصلاة على أهل بيته وآله عقب نزولها ولم يجابوا بما ذُكر، فلمّا أُجيبوا به دلّ على أنّ الصلاة عليهم من جملة المأمور به، وأنّه صلّى الله عليه وآله أقامهم في ذلك مقام نفسه، لأنّ القصد من الصلاة عليه مزيدَ تعظيمه، ومنه تعظيمُهم، ومن ثمّ لمّا دخل من مرّ في الكساء قال: أللّهمّ إنّهم منّي وأنا منهم، فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليّ وعليهم، وقضيّة استجابة هذا الدعاء: إنّ الله صلّى عليهم معه فحينئذٍ طلب من المؤمنين صلاتهم عليهم معه. ويُروى: لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء. فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون: أللّهمّ صلِّ على محمّد وتُمسكون، بل قولوا: أللّهمَّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد.
ثمّ نقل عن الإمام الشافعي قوله:
يا أهل بيت رسول الله حبّكم فرضٌ من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنّكم من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له.
وقال: فيحتمل لا صلاة له صحيحة فيكون موافقاً لقوله بوجوب الصلاة على الآل، ويحتمل لا صلاة كاملة فيوافق أظهر قوليه.
وقال ص 139 من (الصواعق): أخرج الدارقطني والبيهقي حديث «مَن صلّى صلاة ولم يصلِّ فيها عليّ وعلى أهل بيتي لم تُقبل منه». وكأنّ هذا الحديث هو مستند قول الشافعي رضي الله عنه: إنّ الصلاة على الآل من واجبات الصلاة، كالصلاة عليه صلّى الله عليه وآله، لكنّه ضعيف، فمُستنده الأمر في الحديث المتّفق عليه: قولوا: أللّهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد. والأمر للوجوب حقيقة على الأصح.
*-وقال الرازي في تفسيره 7 ص 391: «إنّ الدعاء للآل منصبٌ عظيم ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهّد في الصلاة وقوله: أللّهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد، و ارحم محمّداً وآل محمّد. وهذا التعظيم لم يوجد في حق ّغير الآل، فكلّ ذلك يدلّ على أنّ حبّ آل محمّد واجب». وقال: «أهل بيته صلىّ الله عليه وآله ساووه في خمسة أشياء: في الصلاة عليه وعليهم في التشهّد، وفي السلام، والطهارة، وفي تحريم الصدقة، وفي المحبة».
*-وقال النيسابوري في تفسيره عند قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودّة في القُربى) : «كفى شرفاً لآل رسول الله صلّى الله عليه وآله وفخراً ختم التشهّد بذكرهم، والصلاة عليهم في كلّ صلاة».
*-وروى محب الدين الطبري في (الذخاير) ص 19 عن جابر رضي الله عنه أنه كان يقول: «لو صلّيت صلاة لم أصلِّ فيها على محمّد وعلى آل محمّد ما رأيت أنّها تُقبل».
*-وأخرج القاضي عياض في (الشفا) عن ابن مسعود مرفوعاً: «من صلّى صلاة لم يصلِّ عليّ فيها وعلى أهل بيتي لم تُقبل منه». وللقاضي الخفاجي الحنفي في (شرح الشفا) 3 ص 500 - 505 فوائد جمّة حول المسألة وذكر مختصر ما صنّفه الإمام الخيصري في المسألة سمّاه [زهر الرياض في رد ما شنعه القاضي عياض].
*-صور الصلوات المأثورة على النبيّ وآله مذكورة في (شفاء السقام) لتقي الدين السبكي ص 181 - 87 ، وأورد جملة منها الحافظ الهيثمي في (مجمع الزوايد) ج 10 ص 163 وأول لفظ ذكره عن بريدة قال: «قلنا: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال: قولوا أللّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمّد وآله محمّد كما جعلتها على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد».