من وصايا
السّبط الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام:
*
ِاحتَرِسُوا من الله بكثرةِ الذِّكر
*
رواةُ الكتاب كثير، ورُعاتُه قليل
_____إعداد:
أسرة التّحرير_____
مجموعةُ وصايا
وتوجيهاتٍ للإمام المجتبى الحسن بن عليّ عليهما السّلام، انتَخبتها «شعائر» في
أجواء شهادته صلوات الله عليه من مصادر متعدّدة كـ (تُحَف العقول) للحرّاني،
و(الوافي) للفيض الكاشاني، و(جَمهرة خُطب العرب) لأحمد صفوت.
عن جُنادة بن أميّة،
قال: «دخلتُ على الحسن بن عليٍّ عليهما السّلام في مرضه الّذي توفّي فيه، وبين يديه
طسْتٌ يقذفُ عليه الدّم، ويُخرِجُ كَبِدَهُ قطعةً قطعة، من السُّمِّ الّذي سقاهُ معاوية
عليه الهاوية، فقلت: يا مولاي، ما لكَ لا تُعالِجُ نفسَك؟! فقال: يا عبدَ الله،
بماذا أعالجُ الموتَ؟!
قلت: إنّا لله
وإنّا إليه راجعون.
ثمّ التفتَ إليَّ
وقال: والله لقد عهدَ إلينا رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، أنَّ هذا الأمر
يَملكهُ اثنا عشرَ إماماً من وُلْدِ عليٍّ وفاطمة، ما منَّا إلَّا مسمومٌ أو مقتولٌ.
قال جُنادة: فقلت
له: عِظْني يا ابنَ رسولِ الله!
قال: نعم، اِستَعدّ
لِسَفَرِك، وحَصِّل زادَكَ قبل حلولِ أَجَلِكَ، واعلَم أنَّك تَطلبُ الدُّنيا والموتُ
يَطلبُكَ، ولا تَحمِل همَّ يومِك الّذي لم يأتِ على يومِكَ الّذي أنتَ فيه. واعلَمْ
أنَّكَ لا تَكسبُ من المالِ شيئاً فوق قُوْتِكَ إلَّا كنتَ فيه خازناً لغيرِك، واعلَم
أنَّ في حلالِها حساباً وفي حرامِها عقاباً، وفي الشُّبُهات عتاباً، فأنزِلِ الدُّنيا
بمنزلةِ المِيتَةِ، وخُذْ منها ما يَكفيك، فإنْ كان ذلك حلالاً كنتَ قد زهدْتَ فيها،
وإنْ كان حراماً لم يَكُن فيه وِزْرٌ، فأَخَذْتَ كما أَخَذْتَ مِن المِيتَةِ، وإنْ
كان العتابُ فإنَّ العتابَ يسيرٌ.
واعمَلْ لِدُنياكَ
كأنَّك تعيشُ أبداً، واعمَلْ لآخرَتِكَ كأنَّكَ تَموتُ غداً. وإذا أردْتَ عزّاً بلا
عشيرة، وهيبةً بلا سلطانٍ، فاخرُجْ مِن ذُلِّ مَعصيةِ الله إلى عزِّ طاعةِ الله عزَّ
وجلَّ. وإذا نازَعَتْكَ إلى صحبةِ الرِّجال حاجةٌ، فاصْحَبْ مَن إذا صَحبْتَهُ زانَكَ،
وإذا خَدَمْتَهُ صانَكَ، وإذا أردْتَ منهُ معونةً عانَكَ، وإنْ قُلْتَ صَدَّقَ قَوْلَكَ،
وإنْ صُلْتَ شَدَّ صَوْلَكَ، وإنْ مَدَدْتَ يَدَكَ بِفَضْلٍ مَدَّها، وإنْ بَدَتْ مِنكَ
ثَلْمَةٌ سَدَّها، وإنْ رَأى مِنكَ حَسَنَةً عَدَّها، وإنْ سَأَلْتَهُ أَعطاكَ، وإنْ
سَكَتّ عنه ابْتَداك، وإنْ نَزَلَتْ بكَ إحدى الملِمَّاتِ واساكَ، مَن لا تَأتيكَ منهُ
البَوائِق، ولا تَختلِفُ عليكَ مِنهُ الطَّرائِق، ولا يَخْذُلكَ عندَ الحقائِق، وإنْ
تَنازعتُما مُنقسِماً آثَرَكَ.
ثمَّ انقطعَ نَفَسُهُ
صلواتُ الله عليه وآله واصْفَرَّ لونُهُ، حتّى خشِيتُ عليه».
رِفعةُ
الّذين يَعلمونَ عظمةَ اللهِ أنْ يَتواضَعوا
«أيُّها النّاس،
إنَّه مَن نَصَحَ للهِ وأخَذَ قولَه دليلَ هدًى للّتي هي أقوم وفَّقَهُ اللهُ للرَّشاد،
وسدَّدَه للحُسنى، فإنَّ جارَ الله آمِنٌ محفوظٌ، وعدوَّهُ خائفٌ مخذولٌ، فاحتَرِسُوا
من الله بكثرةِ الذِّكر. واخشوا اللهَ بالتَّقوى، وتقرَّبوا إلى الله بالطّاعة، فإنَّه
قريبٌ مجيبٌ.
قال اللهُ تبارك
وتعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي
عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا
لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ البقرة:186، فاستَجيبوا للهِ
وآمِنوا به، فإنَّه لا ينبغي لِمَن عَرفَ عظمةَ اللهِ أنْ يَتَعاظَم، فإنَّ رفعةَ الّذين
يَعلمونَ عظمةَ اللهِ أنْ يَتواضَعوا، والّذين يَعرفون ما جلالُ اللهِ أنْ يَتَذَلَّلوا،
وسلامةَ الّذين يَعلمونَ ما قدرة الله أنْ يَستَسلِموا له، ولا يُنكرونَ أنفسَهم بعد
(حدِّ) المعرفة، ولا يَضِلّونَّ بعد الهُدى، واعلَموا عِلماً يقيناً أنّكم لنْ تَعرفوا
التُّقى حتّى تَعرفوا صفةَ الهُدى، ولنْ تُمسِكوا بميثاقِ الكتابِ حتّى تَعرفوا الّذي
نَبَذَهُ، ولن تَتلوا الكتابَ حقَّ تلاوتِه حتّى تَعرفوا الّذي حَرَّفَه، فإذا عرفتُم
ذلك عرفتُم البِدَعَ والتَّكَلُّف، ورأيتُم الفِرْيَةَ على اللهِ والتَّحريفَ، ورأيتُم
كيف يَهوي مَن يَهوي، ولا يُجْهِلنَّكُم الّذين لا يعلمون، والتَمِسُوا ذلك عند أهلِه،
فإنَّهم خاصّةُ نورٍ يُستضاءُ بهم، وأئمّةٌ يُقتدَى بهم، بهم عَيْشُ العلمِ وموتُ الجهلِ،
وهُم الَّذين أَخْبَرَكُم حلمُهُم عن جهلِهِم [أي عن جهل
مخالفيهم]، وحكمُ منطقِهِم عن صَمتِهم، وظاهرُهُم عن باطنِهم،
لا يُخالِفون الحقَّ، ولا يَختلِفُون فيه، وقد خَلَتْ لهُم من اللهِ سُنّة، ومضى فيهم
من اللهِ حُكْمٌ، إنَّ في ذلك لَذكرى للذَّاكرين، واعقِلُوه إذا سمعتُمُوه عقلَ رعايتِه،
ولا تَعقلوه عقلَ روايتِه، فإنَّ رُواةَ الكتابِ كثيرٌ، ورُعاتَه قليلٌ، واللهُ المستعان».
كفاكُم
اللهُ مؤونةَ الدُّنيا وفَرَّغَكُم لِعبادتِهِ
«اِعملَوا أنَّ اللهَ لم
يَخلقكُم عبثاً، وليسَ بتارِكِكُم سدًى، كتَبَ آجالَكُم، وقَسَّمَ بينكُم مَعائِشَكُم،
لِيَعرفَ كلُّ ذي لبٍّ منزلتَهُ، وإنَّه ما قُدِّرَ لهُ أصابَهُ، وما صُرِفَ عنهُ فلنْ
يُصيبَهُ، وقد كفاكُم مؤونةَ الدُّنيا وفَرَّغَكُم لِعبادتِهِ، وحَثَّكُم على الشُّكرِ،
وافتَرَضَ عليكُم الذِّكر، وأوصاكُم بالتَّقوى، وجعَلَ التّقوى منتهى رِضاه، والتَّقوى
بابُ كلِّ توبةٍ ورأسُ كلِّ حكمةٍ وشَرَفُ كلِّ عمل. بالتّقوى فازَ مَن فازَ مِن المُتَّقين،
قال اللهُ تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ
مَفَازًا﴾ النّبأ:31، وقال: ﴿وَيُنَجِّي اللهُ
الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ الزّمر:61.
فاتَّقوا عباد الله! واعلَمُوا
أنّه مَن يِتَّقِ اللهَ يَجعلْ له مخرَجاً من الفِتَن، ويُسدِّدْهُ في أمرِه، ويُهيِّئْ
له رشدَهُ، ويفلجْهُ بِحُجَّتِه [الفلج هنا بمعنى
الظَّفَر والفوز]، ويُبَيِّضْ وجهَهُ، ويُعطِه رغبَتَهُ مع الّذين
أَنْعَمَ اللهُ عليهم من النَّبيِّين والصِّدِّيقين والشُّهداء والصّالحين، وحَسُنَ
أولئِكَ رفيقاً».
الدّنيا
سِنادٌ مائٌل
«اِتَّقوا اللهَ عبادَ
اللهِ، وجِدُّوا في الطَّلب وتجاه الهرَب، وبادِروا العملَ قبل مقطّعات النّقِمات،
وهادِم اللّذّات، فإنَّ الدُّنيا لا يدومُ نعيمُها، ولا تُؤمَن فجائعُها، ولا تُتَوَقَّى
مساويها؛ غرورٌ حائلٌ، وسِنادٌ [السِّناد: عماد الشّيء] مائٌل، فاتَّعِظُوا
عبادَ اللهِ بالعِبَرِ، واعتَبِرُوا بالأَثَرِ، وازْدَجِرُوا بالنُّذُر، وانتَفِعُوا
بالمَواعظ، فكفَى باللهِ مُعتَصَماً ونصيراً، وكفَى بِكتابِ اللهِ حجيجاً وخصيماً،
وكفَى بالجنّةِ ثواباً، وكفى بالنّارِ عقاباً وَوَبالاً».