لولا دعاؤكم

لولا دعاؤكم

منذ يوم

المرضُ تربيةٌ وتعليمٌ


المرضُ تربيةٌ وتعليمٌ

«غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي»

ـــــ الفقيه الشّيخ قطب الدِّين الرّاونديّ ( ت: 573 هجريّة) ـــــ

دعاءٌ مرويٌّ عن الإمام زين العابدين عليه السّلام، أوردَه الشّيخ قطب الدّين الرّاونديّ في الباب الثّالث من كتابه (الدّعوات)، تحت عنوان: «في ذكر المرض ومنافعه العاجلة والآجلة، وما يجري مجراها»، وقد ورد أيضاً هذا الدُّعاء في (البحار) للعلّامة المجلسيّ، و(الصّحيفة السّجّاديّة) تحقيق الأبطحي باختلافٍ يسيرٍ.

 

ربِّ إنّكَ قد حسَّنْتَ خَلْقِي وعَظَّمْتَ عافِيَتِي وَوَسَّعْتَ عليَّ في رِزْقِكَ، لَمْ تَزَلْ تَنْقُلُنِي مِن نِعْمَةٍ إلى كَرامَةٍ، ومِنْ كَرامَةٍ إلى رِضًى، تُجدِّدُ لي ذلك في لَيلي ونَهاري. لا أعرفُ غير ما أنا فيه مِن عافِيَتِكَ يا مَولاي، حتّى ظَنَنْتُ أنَّ ذلكَ واجبٌ عليكَ لي، وأنَّه لا يَنبغِي لي أنْ أكونَ في غَيرِ مرتبتي، لأنِّي:

* لَم أَذُقْ طَعْمَ البَلاءِ فَأَجِدَ لذَّةَ الرِّضا * ولمْ يُذلِّلْني الفَقرُ فأعرفَ لذَّةَ الغِنى* ولم يُلْهِنِي الخوفُ فأعرِفَ فضلَ الأمنِ.

يا إلهي، فأصْبَحْتُ وأَمْسَيْتُ في غَفلةٍ مِمَّا فيه غيري مِمَّن هو دُوني:

* نَكَرْتُ آلاءَكَ ولم أَشْكُرْ نَعماءَك * ولم أَشُكَّ في أنَّ الّذي أنا فيه دائمٌ غيرُ زائلٍ عنِّي * ولا أحدِّثُ نَفْسي بانتقالِ عافيةٍ ولا حُلولِ فقرٍ ولا خُوفٍ ولا حُزنٍ في عاجِلِ دُنيايَ وفي آجِلِ آخِرَتي.

فحالَ ذلكَ بَيني وبَين التّضرُّعِ إليك في دَوامِ ذلك لي مع ما أَمَرْتَني به من شُكرِكَ، ووَعَدْتَنِي عليه مِن شُكْرِكَ، ووَعَدْتَنِي عليهِ مِن المَزيدِ مِن لَدَيكَ: * فَسَهَوْتُ، * ولَهَوْتُ، * وغَفلْتُ، *وأَشِرْتُ، *وبَطَرْتُ، * وتَهَاوَنْتُ، حتّى جاءَ التّغييرُ مكانَ العافيةِ بِحُلولِ البَلاءِ، ونَزلَ الضّرُّ منزلَ الصّحّةِ بأنواعِ الأَذى، وأَقبلَ الفقرُ بإزالةِ الغِنى، فعَرَفْتُ ما كنتُ فيه لِلّذي صِرْتُ إليه.

فسألْتُكَ مسألةَ مَنْ لا يَسْتَوْجِبُ أنْ تَسْمَعَ لَهُ دعوةً، لِعظيمِ ما كنتُ فيهِ مِن الغَفلةِ، وطَلبْتُ طَلِبَةَ مَنْ لا يَسْتَحِقُّ نجاحَ الطَّلِبَة للَّذي كُنتُ فيه من اللَّهْوِ والغِرَّةِ، وتَضرَّعْتُ تَضَرُّعَ مَنْ لا يَستَوْجِبُ الرَّحمةَ لِلَّذي كنتُ فيه من الزَّهوِ والاستِطَالَةِ، فرَكَنْتُ إلى ما إليهِ صيَّرتَنِي، وإنْ كان الضّرُّ قد مَسَّنِي والفَقْرُ قدْ أَذَلَّنِي، والبَلاءُ قد جاءَني.

فإنْ يَكُ ذلكَ يا إلهي مِن سَخَطِكَ عليَّ، فأعوذُ بِحِلْمِكَ مِن سَخَطِكَ يا مَولاي.

وإنْ كنتَ أرَدْتَ أنْ تَبْلُوَنِي فقدْ عَرَفْتَ ضَعفي وقلَّةَ حِيلَتي، إذْ قلتَ ﴿إِنَّ الإنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا﴾.

وقُلْتَ: ﴿فَأَمَّا الإنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ ونَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾.

وقُلْتَ: ﴿كَلّا إِنَّ الإنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رآهُ اسْتَغْنَى﴾.

وقُلْتَ: ﴿وإِذَا مَسَّ الإنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ..﴾.

وقُلْتَ: ﴿وإِذَا مَسَّ الإنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ..﴾.

وقُلْتَ: ﴿ويَدْعُ الإنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وكَانَ الإنسَانُ عَجُولاً﴾.

وقُلْتَ: ﴿..إِذَا أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا..﴾.

صَدَقْتَ وبَرَرْتَ، يا مَولايَ فهذهِ صِفاتي الّتي أَعْرِفُها مِن نَفْسِي قد مَضَتْ بِقُدرَتِكَ فيَّ، غيرَ أنَّك وَعَدْتَنِي مِنكَ وَعْداً حَسَناً أنْ أَدْعُوَكَ فتَسْتَجِيبَ لي.

فأنا أدْعُوكَ كَما أَمَرْتَني، فاستَجِبْ لي كَما وَعَدْتَنِي، وارْدُدْ عليَّ نِعْمَتَكَ وانْقُلْنِي مِمَّا أنَا فِيه إلَى مَا هوَ أكبرُ منهُ، حتّى أبلُغَ منهُ رِضاكَ وأنالَ بهِ ما عندكَ في ما أَعْدَدْتَهُ لِأَولِيَائِكَ الصَّالِحين، إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاء قريبٌ مُجيبٌ، وصلَّى اللهُ على محمَّدٍ وآلِهِ الطّيِّبين الطّاهرين الأخيار.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ يوم

دوريات

  كتب أجنبيّة

كتب أجنبيّة

نفحات