وصيّة المُفَضَّل الجُعفيّ لجماعة الشِّيعة:
* عليكم بالوَرَع الشّديد،
فإنَّه ملاكُ الدِّين
* لا تحقِّروا ولا تَجفوا فقراءَ شِيعةِ آل
محمّدٍ عليهم السّلام
ـــــ برواية ابن شعبة الحرّانيّ ـــــ
المفضّل بن عمر الجعفيّ،
الفقيه المحدّث أبو عبد الله، وُلد بالكوفة في نهاية القرن الأوّل، في أيّام الإمام
محمّد الباقر عليه السّلام. كان من كبار العلماء، ومن فقهاء الرّواة، أخذ العلوم عن
الامام أبي عبد الله الصّادق، وروى عنه وعن الإمام موسى الكاظم عليهما السّلام، ووقع
في أسناد كثير من الرّوايات عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام.
عدّه الشّيخ المفيد من شيوخ
أصحاب أبي عبد الله عليه السّلام وخاصّته وبطانته وثقاته الفقهاء الصّالحين. ورُوي
أنّه لمّا مات ترحّم عليه الإمام الكاظم عليه السّلام وقال: «أما إنّه قد استراح».
ما يلي، وصيّة أخلاقيّة
عقائديّة من المفضّل إلى
أصحابه، نقلاً عن (تُحَف
العقول) لابن شعبة الحرّانيّ.
أوصيكُم بتقوى الله وحدَهُ لا شريكَ له، وشهادةِ أنْ لا إله
إلَّا الله وأنَّ محمّداً عبدُه ورسولُه.
اتَّقوا اللهَ وقولوا قولاً
معروفاً. وابتغوا رضوانَ الله واخشَوا سخطَهُ. وحافظوا على سُنَّةِ الله ولا تتعدُّوا
حدودَ الله. وراقِبوا اللهَ في جميع أمورِكم. وارضوا بقضائِهِ في ما لَكُمْ وعليكم .
ألا وعليكم بالأمر بالمعروفِ
والنّهي عن المنكر.
ألا ومَن أحسنَ إليكُم
فزيدوه إحساناً، واعفوا عمّن أساءَ إليكم. وافعلوا بالنّاسِ ما تحبُّونَ أنْ يَفعلوه
بكُم. ألَا وخالِطوهم بأحسنِ ما تقدرون عليه، وإنّكم أحرى أنْ لا تجعلوا عليكم سبيلاً.
عليكم بالفقهِ في دينِ الله،
والوَرَعِ عن محارمِه، وحُسنِ الصَّحابة لِمَن صَحِبَكم، برّاً كان أو
فاجراً. ألا وعليكم بالوَرَع الشّديد، فإنَّ ملاك الدِّين الوَرَع. صلُّوا الصَّلواتِ
لمواقيتها، وأدُّوا الفرائضَ على حُدودها. ألا ولا تُقصِّروا في ما فرضَ اللهُ عليكم
وبما يَرضى عنكم، فإنّي سمعتُ أبا عبد الله [الصّادق] عليه السّلام يقول: «تَفَقَّهوا في
دينِ اللهِ ولا تَكونوا أَعْراباً، فَإِنَّهُ مَنْ لم يَتَفَقَّهْ في دينِ اللهِ لمْ
يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيامَةِ».
وعليكم بالقصدِ في الغنى والفقر. واستَعينوا ببعضِ الدّنيا على الآخرة،
فإنّي سمعتُ أبا عبد الله عليه السّلام يقول: «اسْتَعينوا بِبَعْضِ هَذِهِ عَلى
هَذِهِ، وَلا تَكونوا كَلّاً عَلى النّاسِ».
عليكم بالبرّ بجميع مَن خالطتُموه، وحُسن الصّنيع إليه. ألا وإيّاكم والبَغي،
فإنَّ أبا عبد الله عليه السّلام كان يقول: «إِنَّ أَسْرَعَ الشَّرِّ عُقوبَةُ البَغْيِ».
أَدُّوا ما افترضَ اللهُ عليكُم من الصّلاة والصّوم وسائر فرائض الله،
وأدُّوا الزّكاة المفروضة إلى أهلها، فإنّ أبا عبد الله عليه السّلام قال: «يا مُفَضَّلُ، قُلْ لِأَصْحابِكَ:
يَضَعونَ الزَّكاةَ في أَهْلِها وَإِنّي ضامِنٌ لِما ذَهَبَ لَهُمْ».
عليكم بولاية آل محمّدٍ صلّى
الله عليه وآله. أصلِحوا ذاتَ بينِكم ولا يَغتَب بعضُكم بعضاً. تَزاوروا وتَحابُّوا،
وليُحسِن بعضُكم إلى بعض. وتَلاقوا وتحدَّثوا، ولا يُبْطِنَنَّ [أو يُبطئنّ: ولعلّ المراد ولا ينسأ بعضُكم
بعضاً، أي لا يَعِد بالآجل ويُسوِّف] بعضُكم عن بعضٍ، وإيّاكم والتّصارم [التّصارم: التّقاطع]، وإيّاكم والهجران، فإنّي سمعتُ أبا عبد
الله عليه السّلام يقول: «وَاللهِ لا يَفْتَرِقُ رَجُلانِ مِنْ
شيعَتِنا عَلى الهِجْرانِ إلَّا بَرِئْتُ مِنْ أَحَدِهِما وَلَعَنْتُهُ، وَأَكْثَرُ
ما أَفْعَلُ ذَلِكَ بِكِلَيْهِما، فقال له مُعَتَّب [مولى أبي عبد الله عليه السّلام، بل من
خواصّ أصحابه وأيضاً من أصحاب الإمام السّابع عليه السّلام، ثقة، وقد روي عن أبي
عبد الله عليه السّلام أنّه قال: مَواليّ عشرة، خيرُهم مُعَتَّب]: جُعِلْتُ فداكَ، هذا الظّالم، فما بالُ
المظلوم؟ قال: لِأَنَّهُ لا يَدْعو أَخاهُ إِلى صِلَتِهِ، سَمِعْتُ أَبي وهو يَقولُ:
إِذا تَنازَعَ اثْنانِ مِنْ شيعَتِنا فَفارَقَ أَحَدُهُما الآخَرَ فَلْيَرْجِعِ المَظْلومُ
إِلى صاحِبِهِ، حَتّى يَقولَ لَهُ: يا أخي! أَنا الظّالِمُ، حَتّى يَنْقَطِعَ الهِجْرانُ
فيما بَيْنَهُما، إِنَّ اللهَ تَبارَكَ وَتَعالى حَكَمٌ عَدْلٌ، يَأْخُذُ لِلْمَظْلومِ
مِنَ الظّالِمِ».
لا تحقِّروا ولا تَجفوا فقراءَ
شِيعةِ آل محمّدٍ عليهم السّلام، وألطفوهم، وأعطوهم من الحقّ الّذي جعله اللهُ لهم في
أموالكم، وأحسِنوا إليهم.
لا تأكلوا النّاس بآل محمّد، فإنّي سمعتُ أبا عبد الله عليه السّلام
يقول: «افْتَرَقَ النّاسُ فينا على ثَلاثِ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ أَحَبُّونا انْتِظارَ
قائِمِنا لِيُصيبوا مِنْ دُنْيانا، فَقالوا وَحَفِظوا كَلامَنا وَقَصَّروا عَنْ فِعْلِنا،
فَسَيَحْشُرُهُمُ اللهُ إِلى النّارِ. وَفِرْقَةٌ أَحَبُّونا وَسَمِعوا كَلامَنا وَلَمْ
يُقَصِّروا عَنْ فِعْلِنا لِيَسْتَأْكِلوا النّاسَ بِنا، فَيَمْلَأُ اللهُ بُطونَهُمْ
ناراً (و) يُسَلِّطُ عَلَيْهِم الجوعَ وَالعَطَشَ. وَفِرْقَةٌ أَحَبُّونا، وَحَفِظوا
قَوْلَنا، وَأَطاعوا أَمْرَنا، وَلَمْ يُخالِفوا فِعْلَنا، فَأُولَئِكَ مِنَّا وَنَحْنُ
مِنْهُمْ».
ولا تدعوا صِلَةَ آل محمّدٍ عليهم السّلام من أموالكم: مَن كان غنيّاً فَبِقدر غناه، ومَن كان
فقيراً فَبِقدر فقره، فمَن أراد أن يقضيَ اللهُ له أهمّ الحوائج إليه، فليَصِل آلَ
محمّدٍ وشيعتَهم بأحوج ما يكونُ إليه من ماله.
لا تغضبوا من الحقّ إذا قيل لكم. ولا تُبغضوا أهلَ الحقّ إذا صَدَعُوكم
به، فإنَّ المؤمن لا يَغضبُ من الحقِّ إذا صُدِعَ به. قال أبو عبد الله عليه السّلام
مرّةً وأنا معه: «يا مُفَضَّلُ، كَمْ أَصحابُكَ؟ فقلتُ: قليلٌ، فلمّا انصرفتُ
إلى الكوفة، أقبلت عليّ "الشّيعةُ" فمزّقوني كلَّ ممزّق [غضبوا عليه لأنّه قال إنّ أصحابه، أي
الشّيعة الخُلّص، قليلون]: يأكلون لحمي ويَشتمون عرضي، حتّى إنّ بعضهم استقبلني
فوَثَب في وجهي، وبعضهم قعدَ لي في سِكك الكوفة يريد ضربي، ورموني بكلّ بهتانٍ، حتّى
بلغَ ذلك أبا عبد الله عليه السّلام، فلمّا رجعتُ إليه في السّنة الثّانية، كان أوّل
ما استقبلني به، بعد تسليمِه عليّ، أن قال: يا مُفَضَّلُ! ما هَذا الّذي بَلَغَني
أَنَّ هَؤلاءِ يَقولونَ لَكَ وَفيكَ؟ قلت: وما عليَّ من قولهم، قال: أَجَلْ،
بَلْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، أَيَغْضَبونَ - بُؤْساً لَهُمْ - إِنَّكَ قُلْتَ: إِنَّ أَصْحابَكَ
قَليلٌ. لا وَاللهِ ما هُمْ لَنا شيعَة، وَلَوْ كانوا لَنا شيعَةً ما غَضِبوا مِنْ
قَوْلِكَ وَما اشْمَأزُّوا مِنْهُ، لَقَدْ وَصَفَ اللهُ شيعَتَنا بِغَيْرِ ما هُمْ
عَلَيْهِ، وَما شيعةُ جَعْفَرٍ إِلَّا مَنْ كَفَّ لِسانَهُ، وَعَمِلَ لِخالِقِهِ، وَرَجا
سَيِّدَهُ، وَخافَ اللهَ حَقَّ خِيفَتِه. وَيْحَهُمْ! أَفيهِمْ مَنْ قد صارَ كَالحَنايا
مِنْ كَثْرَةِ الصَّلاةِ؟! أَوْ قَدْ صارَ كَالتّائِهِ مِنْ شِدَّةِ الخَوْفِ، أَوْ
كَالضَّريرِ مِنَ الخُشوعِ، أَوْ كَالضَّنيّ مِنَ الصِّيامِ، أَوْ كَالأَخْرَسِ مِنْ
طولِ الصَّمْتِ وَالسُّكوتِ؟! أَوْ هَلْ فيهِمْ مَنْ قَدْ أَدْأَبَ لَيْلَهُ مِنْ طولِ
القِيامِ، وَأَدْأَبَ نَهارَهُ مِنَ الصِّيامِ، أَوْ مَنَعَ نفسَهُ لَذّاتِ الدُّنْيا
وَنَعيمَها خَوْفاً مِنَ اللهِ وَشَوْقاً إِلَيْنا أَهْلَ البَيْتِ؟! أنَّى يَكونونَ
لَنا شيعَةً وَإنَّهُمْ لَيُخاصِمونَ عَدُوَّنا فينا حَتّى يَزيدوهُمْ عَداوَةً، وَإِنَّهُمْ
لَيَهِرُّونَ هَريرَ الكَلْبِ، وَيَطْمَعونَ طَمَعَ الغُرابِ، أَما إِنِّي لَوْلا أَنَّني
أَتَخَوَّفُ (عَلَيْهِمْ) أَنْ أُغْرِيَهُمْ بِكَ، لَأَمَرْتُكَ أَنْ تَدْخُلَ بَيْتَكَ
وَتُغْلِقَ بابَكَ، ثُمّ لا تَنْظُر إِلَيْهِمْ ما بَقيتَ، وَلَكِنْ إِنْ جاؤوكَ (تائبين)،
فَاقْبلْ مِنْهُمْ، فَإِنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَهُمْ حُجَّةً عَلى أَنْفُسِهِمْ، وَاحْتَجَّ
بِهِمْ عَلى غَيْرِهِمْ».
لا تغرَّنّكم الدُّنيا وما
تَرون فيها من نَعيمِها، وزَهرتِها، وبَهجتِها، ومُلكِها، فإنّها
لا تصلحُ لكم، فواللهِ ما صَلحت لأهلِها.