تَفادياً لمخاطر ظاهرة «الواقفة»
النّصّ على إمامة الإمام الرّضا عليه السّلام
------ الشّيخ المفيد قدّس سرّه -------
باب ذكر الإمام القائم بعد أبي الحسن موسى (الكاظم) عليه السّلام من
ولده، وتاريخ مولده، ودلائل إمامته، ومبلغ سنّه، ومدّة خلافته، ووقت وفاته وسببها،
وموضع قبره، وعدد أولاده، ومختصر من أخباره.
ما يلي تحرير هذا الباب من (كتاب الإرشاد: ص 274)،
بتصرّفٍ يسير، مع إضافة حول اسم أمّ الإمام الرّضا عليه السّلام، وإضافة فقرة من
تتمّة حديث أورده الشّيخ المفيد وأشار إلى بقيّته.
قال الشّيخ المفيد عليه الرّحمة: وكان الإمام بعد أبي الحسن موسى (الكاظم) بن
جعفر(الصّادق) ابنه أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام:
1- لفضله على
جماعة إخوته وأهل بيتِه، وظهور علمه وحلمه ووَرعه واجتهاده، واجتماع الخاصّة والعامّة
على ذلك فيه ومعرفتهم به منه.
2- وبنصّ أبيه على إمامته عليه السّلام من بعده
وإشارته إليه بذلك دون جماعة إخوته وأهل بيته.
وكان مولده
بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة. وقُبض بطوسٍ من أرض خراسان، في صفر من سنة ثلاث
ومائتين، وله يومئذ خمسٌ وخمسون سنة، وأمّه أم ولد يقال لها: أمّ البنين. وكانت مدّة
إمامته وقيامه بعد أبيه في خلافته عشرين سنة.
توضيح: قال الشّيخ الصّدوق في (عيون أخبار الرّضا
عليه السّلام: ك1، ص 26):
«.. ذكرت حميدة (أمّ موسى بن جعفر عليهما السّلام): أنّها رأت
في المنام رسول الله صلّى
الله عليه وآله، (يقول)
لها: يا حميدة، هبي (نجمة) لابنك
موسى فإنّه سيولد له منها خير أهل الأرض، فوهبتها له، فلمّا وَلدت له الرّضا، عليه السّلام، سمّاها الطّاهرة،
وكانت لها أسماء، منها نجمة، وأروى، وسَكَن وسُمان وتُكْتَم».
***
أضاف الشّيخ المفيد:
ممّن روى النّص
على الرّضا عليّ بن موسى عليهما السّلام بالإمامة من أبيه والإشارة إليه منه بذلك،
من خاصّته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته: داود بن كثير الرَّقّي،
ومحمّد بن إسحاق بن عمّار، وعليّ بن يقطين، ونعيم القابوسي، والحسين بن المختار،
وزياد بن مروان، والمخزوميّ، وداود بن سليمان، ونصر بن قابوس، وداود بن زربيّ،
ويزيد بن سُلَيط، ومحمّد بن سنان.
1- عن
داود الرَّقّي قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام: جُعلت
فداك، إنّي قد كبرت سنّي فخُذ بيدي وأنقِذني من النّار، مَن صاحبُنا بعدَك؟
قال: فأشارَ إلى ابنِه أبي الحَسن فقال: «هَذا صاحِبُكُمْ مِنْ بَعْدِي».
2- عن
محمّد بن إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي الحسن الأول عليه السّلام: ألا تدلّني على
مَن آخذُ عنه ديني؟
فقال: «هَذا
ابْنِي عَلِيٌّ، إِنَّ أَبي أَخَذَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي إِلَى قَبْرِ رَسولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَقَالَ لِي: يا بُنَيَّ، إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلا
قالَ: ﴿..إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً..﴾، وَإِنَّ اللهَ إِذا قالَ قَوْلاً
وَفَى بِهِ».
3- قال
عليُّ بن يقطين: كنتُ عند العبد الصّالح (الإمام الكاظم عليه السّلام) فقال لي: «يا عَلِيَّ بْنَ يَقْطين، هَذا عليٌّ سَيِّدُ وُلْدِي، أَما إِنّي
قَدْ نَحَلْتُهُ كُنْيَتِي»، وفي رواية أخرى «كُتُبِي»، فضرب هشام براحتِه جبهتَه، ثمّ قال وَيْحَك،
كيف قلتَ؟ فقال عليّ بن يقطين: سمعتُه واللهِ منه كما قلتُ، فقال هشام: إنّ الأمر،
واللهِ، فيه من بعدِه.
4- عن
أبي الحسن موسى عليه السّلام قال: «ابْنِي
عَلِيٌّ أَكْبَرُ وُلْدِي، وَآثَرُهُمْ عِنْدِي، وَأَحَبُّهُمْ إِلَيَّ، وَهُوَ يَنْظُرُ
مَعِي في الجَفْرِ، وَلَمْ يَنْظُرْ فيهِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ».
5- عن
الحسين بن المختار قال: خرجتْ إلينا ألواحٌ من أبي الحَسن موسى عليه السّلام وهو
في الحبس: «عَهْدِي إِلَى أَكْبَرِ
وُلْدِي أَنْ يَفْعَلَ كَذا وَأَنْ
يَفْعَلَ كَذا، وَفُلانٌ لا
تُنِلْهُ شَيْئاً حَتَّى أَلْقاكَ أَوْ يَقْضِي اللهُ عَلَيَّ المَوْتَ».
6- عن (زياد بن مروان القنديّ)
قال: دخلتُ على أبي إبراهيم (الكاظم) وعنده أبو الحسن (الرّضا) ابنه عليهما السّلام،
فقال لي: «يا زِيادُ، هَذا
ابْنِي فُلانٌ، كِتابُهُ كِتابِي، وَكَلامُهُ كَلامي، وَرَسولُهُ رَسولِي، وَما
قالَ فَالقَوْلُ قَوْلِي».
7- عن
محمّد بن الفضيل قال: حدّثني المخزوميّ - وكانت أمّه من وُلد جعفر بن أبي طالب - قال:
بعثَ إلينا أبو الحسن موسى فجمعَنا، ثمّ
قال: «أَتَدْرونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ؟»، فقلنا: لا، قالَ:
«اشْهَدُوا أَنَّ ابْنِي هَذا وَصِيِّي، وَالقَيِّمُ بِأَمْرِي، وَخَليفَتِي مِنْ
بَعْدِي، مَنْ كانَ لَهُ عِنْدِي دَيْنٌ فَلْيَأْخُذْهُ مِنْ ابِنْي هَذا، وَمَنْ كانَتْ
لَهُ عِنْدِي عِدَةٌ فَلْيَتَنَجَّزْها مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ
لِقائي فَلا يَلْقَنِي إِلّا بِكِتَابِهِ».
8- عن
داود بن سليمان قال: قلتُ لأبي إبراهيم عليه السّلام: إنّي أخاف أن يحدثَ حدثٌ ولا
ألقاك، فأخبِرني مَن الإمامُ بعدَك؟ فقال: «ابْنِي فُلانٌ»، يعني أبا الحسن (الرّضا) عليه السّلام.
9- عن
نصر بن قابوس، قال: قلتُ لأبي إبراهيم عليه السّلام: إنّني سألتُ أباك: مَن الذي
يكون من بعدك؟ فأخبرَني أنّك أنت هو، فلمّا تُوفِّي أبو عبد الله عليه السّلام،
ذهبَ النّاسُ يميناً وشمالاً، وقلتُ بكَ أنا وأصحابي، فأخبِرني مَن الذي يكون بعدَك
من وُلدك؟ قال: «ابْنِي فُلانٌ»، يعني أبا الحسن (الرّضا) عليه السّلام.
10- عن
داود بن زربيّ قال: جئتُ إلى أبي إبراهيم (الكاظم) عليه السّلام بمال، فأخذَ بعضَه
وتركَ بعضَه، فقلتُ: أصلحكَ الله، لأيّ شيء تركتَه عندي؟ فقال: «إِنَّ صاحِبَ هَذا الأَمْرِ يَطْلُبُهُ مِنْكَ»، فلمّا جاء نعيُه بعثَ إليَّ أبو الحسن الرّضا
عليه السّلام فسألَني ذلك المال، فدفعتُه إليه.
11- عن
أبي إبراهيم (الكاظم) عليه السّلام أنّه قال في السّنة التي قُبض عليه فيها: «إِنِّي أُؤخَذُ في هَذِهِ السَّنَةِ، وَالأَمْرُ إِلى ابْني عَلِيٍّ
سَمِيِّ عَلِيٍّ وَعَلِيٍّ، فَأَمّا عَلِيٌّ الأَوَّلُ فَعَلِيُّ بْنُ أَبي طالِبٍ،
وَأَمّا عَلِيٌّ الآخَرُ فَعَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ - صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِمْ -
أُعْطِيَ فَهْمَ الأَوَّلِ وَحِلْمَهُ، وَنَصْرَهُ، وَوَرَعَهُ، وَوِرْدَهُ، وَدينَهُ،
وَمِحْنَةَ الآخَرِ وَصَبْرَهُ عَلى ما يَكْرَهُ...». في الحديث بطوله.
وبما أنّ الشّيخ المفيد قد صرّح بأنّه لم يُورد
الحديثَ كلّه، نرجع إلى (الكافي) لنجد فيه بقيّة هذا الحديث، ونختار منها ما يلي:
«.. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ
هَارُونَ بِأَرْبَعِ سِنِينَ. ثُمَّ قَالَ لِي: يَا يَزِيدُ، وإِذَا مَرَرْتَ
بِهَذَا الْمَوْضِعِ وَلَقِيتَهُ، وَسَتَلْقَاهُ، فَبَشِّرْهُ أَنَّهُ سَيُولَدُ
لَه غُلَامٌ أَمِينٌ مَأْمُونٌ مُبَارَكٌ، وَسَيُعْلِمُكَ أَنَّكَ قَدْ لَقِيتَنِي،
فَأَخْبِرْهُ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْجَارِيَةَ الَّتِي يَكُونُ مِنْهَا هَذَا
الْغُلَامُ جَارِيَةٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مَارِيَةَ، جَارِيَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، أُمِّ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُبَلِّغَهَا
مِنِّي السَّلَامَ فَافْعَلْ.
قَالَ يَزِيدُ: فَلَقِيتُ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ
السَّلامُ، عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلامُ، فَبَدَأَنِي فَقَالَ لِي: يَا يَزِيدُ،
مَا تَقُولُ فِي الْعُمْرَةِ؟ فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ذَلِكَ إِلَيْكَ،
وَمَا عِنْدِي نَفَقَةٌ. فَقَالَ سُبْحَانَ اللهِ، مَا كُنَّا نُكَلِّفُكَ وَلَا
نَكْفِيكَ، فَخَرَجْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ،
فَابْتَدَأَنِي فَقَالَ: يَا يَزِيدُ، إِنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ كَثِيراً مَا
لَقِيتَ فِيه جِيرَتَكَ وَعُمُومَتَكَ. قُلْتُ: نَعَمْ، ثُمَّ قَصَصْتُ عَلَيْهِ
الْخَبَرَ. فَقَالَ لِي: أَمَّا الْجَارِيَةُ فَلَمْ تَجِئْ بَعْدُ، فَإِذَا
جَاءَتْ بَلَّغْتُهَا مِنْه السَّلَامَ.
فَانْطَلَقْنَا إِلَى مَكَّةَ فَاشْتَرَاهَا فِي تِلْكَ
السَّنَةِ، فَلَمْ تَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلاً حَتَّى حَمَلَتْ فَوَلَدَتْ ذَلِكَ
الْغُلَامَ. قَالَ يَزِيدُ: وكَانَ إِخْوَةُ عَلِيٍّ يَرْجُونَ أَنْ يَرِثُوه
فَعَادُونِي إِخْوَتُهُ مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ، فَقَالَ لَهُمْ إِسْحَاقُ بْنُ
جَعْفَرٍ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ وَإِنَّه لَيَقْعُدُ مِنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ
بِالْمَجْلِسِ الَّذِي لَا أَجْلِسُ فِيه أَنَا..».
12- عن
ابن سنان، قال: دخلتُ على أبي الحسن موسى (الكاظم) عليه السّلام من قبل أن يَقدم العراقَ بسَنة،
وعليٌّ (الرّضا) ابنُه جالسٌ بين يدَيه، فنظر وقال: «يا مُحَمَّدُ، إِنَّهُ سَيَكونُ في هَذِهِ السَّنَةِ حَرَكَةٌ
فَلا تَجْزَعْ لِذَلِكَ».
قال: قلتُ: وما
يكون جعلَني اللهُ فداك، فقد أقلقتَني؟
قال: «أَصيرُ إِلى هَذِهِ الطّاغِيَةِ،
أَما إِنَّهُ (لَا يَبْدَأُنِي) مِنْهُ سُوءٌ وَلا مِنَ الذي يَكونُ مِنْ بَعْدِهِ».
قال: قلتُ: وما
يكون، جعلني اللهُ فداك؟
قال: «يُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ
وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ».
قال: قلتُ: وما
ذاك، جعلني اللهُ فداك؟
قال: «مَنْ ظَلَمَ ابْنِي هَذا حَقَّهُ
وَجَحَدَهُ إِمامَتَهُ مِنْ بَعْدِي، كانَ كَمَنْ ظَلَمَ عَلِيَّ بْنَ أَبي طالِبٍ،
عَلَيْهِ السَّلامُ، إِمامَتَهُ وَجَحَدَهُ حَقَّهُ بَعْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ».
قال: قلتُ:
واللهِ لئن مدّ اللهُ لي في العمر لأُسَلِّمَنّ له حقَّه، ولَأُقِرَّنّ بإمامتِه.
قال: «صَدَقْتَ - يا مُحَمَّدُ - يَمُدُّ
اللهُ في عُمُرِكَ، وَتُسَلِّمُ لَهُ حَقَّهُ، وَتَقِرُّ لَهُ بِإِمامَتِهِ وَإِمامَةِ
مَنْ يَكونُ مِنْ بَعْدِهِ».
قال: قلتُ: ومَن
ذاك؟
قال: «ابْنُهُ مُحَمَّدٌ».
قال: قلتُ: له الرِّضى
والتّسليم.