«الإصابة
في تمييز الصّحابة»
مخطوطة
نادرة تؤكّد نفي صعصعة بن صوحان إلى البحرين
_____عبد الخالق الجنبي*
_____
يوماً بعد يوم تثبت
الاكتشافات الجديدة لبعض مخطوطات كتب التّراث العربي القديم أنّ الطّبعات السّابقة
لا تخلو من ظلم وإساءة لهذه الكتب التّراثيّة.
ومن الأمثلة الواضحة
على ذلك ما حدث لكتاب (الإصابة في تمييز الصّحابة) للحافظ ابن حجر. فهذا الكتاب المهمّ
جدّاً، ورغم طبعاته الكثيرة، إلّا أنّ المحقّقين لم يراعوا تحصيل أكبر عدد من نسخه
المخطوطة المتفرّقة في مكتبات وخزانات العالم، ولو فعلوا ذلك لَمَا وقعوا في هفوات
كثيرة فيه، ومنها ما يتعلّق بنفي صعصعة بن صوحان العبديّ، الزّعيم الرّوحي والمرجع
الدّيني الكبير لقبيلته عبد القيس.
ففي الطّبعات المعروفة
لهذا الكتاب يجد القارئ رواية نقلها ابن حجر عن العلائي أو الغلابي في كتابه
(أخبار زياد)، تنصّ على نفي صعصعة بن صوحان من الكوفة، ولكن في هذه الطّبعات ذُكرت
الرّواية حسب اجتهادات محقّقيه أنّ نفي صعصعة كان إلى الجزيرة أو أُوال أو إلى
جزيرة ابن كافان، ومَن يقرأ هذه العبارة لا بدّ أن يذهب به الفكر إلى أنّ المعني
بالجزيرة هي الجزيرة الفراتيّة، وبالتّالي فقد صار نفي صعصعة مشتَّتاً بين ثلاثة
مواضع، هي:
الجزيرة الفراتيّة. جزيرة
أوال. جزيرة ابن كافان.
غير أنّ العثور على
نسخة نادرة لكتاب (الإصابة) في خزانة «المكتبة الرّضويّة» بمشهد تحت الرّقم
(١٨٦٤١)، كان لها دور كبير في تصحيح خطأ كبير وقع في هذه الطّبعات، فبالرّجوع إلى
ترجمة صعصعة في الباب الثّالث من حرف الصّاد في هذه المخطوطة الرّضويّة، فإنّنا
سنجد مكتوباً فيها ما هذا نصّه:
«وذكر الغلابي في أخبار
زياد أنّ المغيرة نفى صعصعة بأمر معاوية من الكوفة إلى جزيرة أوالي هكذا وردت في النّصّ] من البحرين، وقيل إلى
جزيرة بن كافان، فمات بها».
وأيّاً كان الأمر، فالّذي
هو واضح لنا الآن هو أنّ نفي صعصعة كان بين مكانَين فقط لا ثالث لهما، وهما
1.
جزيرة أُوال من البحرين.
2.
جزيرة ابن كافان.
ولا ذكر لغيرهما، وأنّ
لفظة «الجزيرة» الّتي ظنّ البعض أنّها الجزيرة الفراتيّة، إنّما كانت بسبب خطأ
اجتهادات محقِّقي كتاب (الإصابة) في قراءة النّصّ الأصلي، وعدم إلمامهم ومعرفتهم
بالمواضع الجغرافيّة البعيدة عن بلادهم، وهو أمرٌ عانت منه كتب التّراث كثيراً.
وممّا هو جدير بالذّكر أنّ
الجزء الشّمالي من جزيرة أكل المعروفة الآن بجزيرة النّبي صالح من جزر أُوال
(البحرين) يُسمّى (كافلان)، ومَن يدري، فلربّما كانت جزيرة (ابن كافان) الواردة في
النّصّ الأصلي هي تحريف لجزيرة (كافلان)، فإن صحّ ذلك، فإنّ نفي صعصعة ينحصر حينها
في جزيرة البحرين فقط، وأمّا إذا كانت (كافان) تحريف لجزيرة (كاوان)، أي جزيرة ابن
كاوان الواقعة ضمن جزيرة القشم العمانيّة، فإنّ نفي صعصعة حينها يكون محصوراً بين
البحرين وعُمان فقط، وأرى أنّ الأوّل – أي نفي صعصعة إلى أُوال البحرين – هو
الأرجح لوجود رواية متواترة بين سكان البحرين القدماء تنصّ على أنّ قبر صعصعة يوجد
فيها، ثمّ في قرية عسكر منها، وهي رواية وردت في كتب ووثائق بحرانيّة يُعتدُّ بها
مثل كتاب (الكشكول) للشّيخ يوسف البحراني، و(التّحفة النّبهانيّة)، وبعض وثائق
الوقف القديمة، وهي كلّها ترجِّح نفي صعصعة إلى جزيرة أُوال
البحرين، وليس إلى موضعٍ آخَر.
________________________________
*
مؤرّخ من الحجاز