خوفُ الحكّام من
المَهديّ الموعود عجّل الله تعالى فرجَه الشّريف
الخليفة كَراكب
الأسَد!
____ الشّيخ علي
كوراني العاملي ____
هذه
المقالة للعلّامة المحقّق الشّيخ عليّ كوراني العامليّ تُضيء من خلال المرويّات
التّاريخيّة وما نُقل عن الأئمّة المعصومين عليهم السّلام على موقف الحكّام من روايات ظهور الإمام
المهديّ المنتظَر، صلوات الله تعالى عليه، وقد اختارتها «شعائر» من كتاب
الشيخ الكوراني (سيرة الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام).
وصف أمير المؤمنين عليه السّلام الحاكم بقوله: «صَاحِبُ السُّلْطَانِ
كَرَاكِبِ الأَسَدِ، يُغْبَطُ بمَوْقِعِه وهُوَ أَعْلَمُ بِمَوْضِعِه».
وهذا يوم كانت الخلافة أسداً، أمّا بعد أن تسلّط عليها
الجنود الأتراك في سامرّاء وبغداد فصارت ذئباً، لأنّهم كانوا يأتون بعبّاسيٍّ
فيُركِّبُونَهُ على ظهر الذّئب، فيكون آمراً في الظّاهر ويظلّ يتلفّت حواليه وفوقه
وتحته، متى يَجُرُّونَهُ عن ظهر الذّئب العزيز، ويقتلونه شرّ قتلة!
ولقد كان الخليفة مضافاً إلى خوفه من غضب القادة الأتراك،
يخاف من ثورات العلويّين في مناطق الدّولة الواسعة، ويخاف من ثورات غير العلويّين
كالزّنج العبيد في البصرة، وابن الصّفّار في إيران!
لكنّ الخوف الأكبر للخليفة كان من ولادة الثّاني عشـر من
أئمّة أهل البيت عليهم
السّلام، لأنّه
المهديّ الموعود، الّذي يزيل دولة بني العبّاس، ويُقيم دولة العدل، فهو خطرٌ يفوق
في رأيه كلّ الأخطار!
كان الحكّام القرشيّون يعرفون حديث النّبيّ صلّى الله عليه
وآله عن المهديّ الموعود، ويسألون عن تفاصيله، ويرجون أن لا يكون في عصرهم!
".."
* قال معاوية لابن عباس: «وقد زعمتم أنّ لكم مُلكاً هاشميّاً، ومهديّاً
قائماً، والمهديّ عيسى ابن مريم، وهذا الأمر في أيدينا حتّى نسلّمه إليه»! رواه في
(الملاحم والفتن)، عن الطّبريّ المُؤَرّخ المعروف في كتابه: (عيون أخبار
بني هاشم)، الّذي صنّفه للوزير عليّ بن عيسى بن الجرّاح.
* وقد ثار عبد الرّحمن
بن الأشعث، وادّعى أنّه اليمانيّ وزير المهديّ الموعود عليه السّلام. قال البلاذريّ
في (التّنبيه والأشراف): «خَلَعَ عبدَ الملك
وذلك بإصطخر فارس، وخلعَه النّاسُ
جميعاً، وسمّى نفسه ناصرَ المؤمنين، وذكر له أنّه القحطانيّ الذي ينتظره اليمانيّة».
وفي (الفتوح لابن الأعثم): «جعل عبدُ الملك بن مروان لا
ينام اللّيل من الفكر والغمّ، وربّما هجع ثمّ يستيقظ كالفَزِع المرعوب، وهو يقول:
لقد تركني ابنُ الأشعث في هجوع.. وبعث إلى خالد بن يزيد بن معاوية فدعاه، وكان
خالد بن يزيد علَّامةً بأيّام النّاس عارفاً بكُتب الفِتن، فقال له: ويحكَ يا أبا
هاشم، هل تتخوّف علينا من الرّايات السُّود شيئاً، فإنّا نَجِدُ في الكُتُب أنّ ذهاب مُلكنا على
أيديهم؟ قال له خالد: وما اسمُ بلد هذا الرّجل الذي خرجَ عليك يا أمير المؤمنين؟
قال: سَجستان، قال خالد: الله أكبر، لا تخَف يا أمير المؤمنين ما لم يأتك الأمرُ من قَعر مَرو»!
مرويّات
أبي الفرج الأصفهانيّ
وعندما ضعفت دولة بني أُميّة، حاول الثّوّار عليها من حسنيّين
وعبّاسيّين استغلال روايات المهديّ الموعود عليه السّلام،
ليجعلوها تنطبق عليهم! فقال لهم كبيرُ الهاشميّين عبد الله بن الحسن المثنّى، كما
في (مقاتل الطالبيّين): «قد علمتُم أنّ ابني هذا هو المهديّ فهلمّوا فلنُبايعه.
وقال أبو جعفر المنصور: لأيّ شيءٍ تخدعونَ أنفسَكم، ووَاللهِ لقد علمتُم ما النّاس
إلى أحدٍ أطولَ أعناقاً ولا أسرعَ إجابةً منهم إلى هذا الفتى، يريد محمّد بن عبد
الله! قالوا: قد واللهِ صدقت، إنّ هذا لهُو الذي نعلم، فبايعوا جميعاً محمّداً ومسحوا
على يده!
قالوا: وجاء جعفر بن محمّد عليهما السّلام، فأوسع له عبد
الله بن الحسن إلى جنبه فتكلّم بمثل كلامه، فقال جعفر عليه السّلام: لا تَفْعَلوا،
فَإِنَّ هَذا الأَمْرَ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ! إِنْ كُنْتَ تَرى - يَعني عبد الله
- أَنَّ ابْنَكَ هَذا هُوَ المَهْدِيُّ فَلَيْسَ بِهِ وَلا هَذا أوانُه، وَإِنْ
كُنْتَ إِنَّما تُريدُ أَنْ تُخْرِجَهُ غَضَباً للهِ، وَلِيَأْمُرَ بِالمَعْروفِ وَيَنْهى
عَنِ المُنْكَرِ، فَإِنّا، وَاللهِ، لا نَدَعُكَ وَأَنْتَ شَيْخُنا وَنُبايِعُ ابْنَكَ.
فغضبَ عبدُ الله، وقال: علمت خلافَ ما تقول! ووَاللهِ ما أطلعكَ اللهُ على غَيبه،
ولكن يحملك على هذا الحسد لابني! فقال عليه السّلام: وَاللهِ، ما ذاكَ يَحْمِلُني،
وَلَكِنَّ هَذا وَإِخْوَتَهُ وَأَبْناءَهُمْ دونَكُمْ، وضرب بيده على ظهر أبي
العبّاس، ثمّ ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن، وقال: إِنَّها وَاللهِ ما هِيَ
إِلَيْكَ وَلا إِلى ابْنَيْكَ وَلَكِنَّها لَهُمْ، وَإِنَّ ابْنَيْكَ لَمَقْتولانِ»!
* وروى أبو الفرج في (مقاتل
الطّالبيّين)، عن عُمَير بن الفضل الخثعميّ، قال:
«رأيت أبا جعفر المنصور يوماً وقد خرج محمّد بن عبد الله بن الحسن من دار ابنه،
وله فرسٌ واقفٌ على الباب مع عبدٍ له أسود، وأبو جعفر ينتظره، فلمّا خرج وثب أبو
جعفر فأخذ بردائه حتّى ركب، ثمّ سوّى ثيابه على السّرج ومضى محمّد، فقلت وكنت
حينئذٍ أعرفه ولا أعرف محمّداً: مَن هذا الذي أعظمتَه هذا الإعظام حتى أخذتَ
بركابه وسوّيتَ عليه ثيابه؟ قال: أَوَمَا تَعرِفُه؟! قلت: لا. قال: هذا محمّد بن
عبد الله بن الحسن بن الحسن، مهديّنا أهل البيت!».
ثمّ جرت الأيّام
والمقادير كما قال الإمام الصّادق عليه السّلام، فقَتَل المنصور سيّده مهديّ الحسنيّين، الذي كان يُمسك له بركابه،
وادّعى المهديّة لابنه وسمّاه المهديّ، وبنى له قصـر الرّصافة، ونصّبه وليّ عهده.
ولم يكتفِ حتّى أشهد النّاس
زوراً بأنّه المهديّ الذي بشّر به النّبيّ صلّى الله عليه وآله! فقد روى أبو الفرج
في (الأغاني): «عن الفضل بن إياس الهذليّ الكوفيّ
أنّ المنصور كان يريد البيعة للمهديّ، وكان ابنه جعفر يعترض عليه في ذلك فأمر بإحضار النّاس فحضـروا، وقامت الخطباء فتكلّموا، وقالت الشّعراء فأكثَروا
في وصف المهديّ وفضائله، وفيهم مطيع بن أياس، فلمّا فرغ من كلامه في الخطباء
وإنشاده في الشّعراء، قال للمنصور: يا أمير المؤمنين، حدَّثنا فلان عن فلان أنّ
النّبيّ صلّى الله عليه وآله، قال: المهديّ منّا، محمد بن عبد الله، وأمّه من
غيرنا، يملؤها عدلاً كما مُلئت جوراً! وهذا العبّاس بن محمّد أخوك يشهد على ذلك!
ثمّ أقبل على العبّاس فقال له: أُنْشِدُكَ الله هل سمعتَ
هذا؟ فقال: نعم، مخافةً من المنصور! فأمر المنصورُ النّاس بالبيعة
للمهديّ. قال: ولمّا انقضـى
المجلس وكان العبّاس بن محمّد لم يأَنس به قال: أرأيتم هذا الزّنديق إذ كذبَ على
الله عزَّ وجلَّ ورسوله، حتّى استشهدَني على كَذِبه فشهدتُ له خوفاً، وشهد كلّ مَن
حضـر عليَّ بأنّي كاذب!».