تغيير قواعد الاشتباك
خيارُ العقلاء الشّجعان
_____ د. أمين حطيط* ______
في اللحظة التي أعلن فيها السيّد حسن نصر الله قرار
المقاومة المتعلّق بقواعد الاشتباك مع العدو «الإسرائيلي»، خُلطت الأوراق واضطُرّ
كلّ معنيٍّ أو ذو علاقة ما بالصراع مع العدو، للبحث في تداعيات القرار ونتائجه،
فضلاً عن أهمّية اتّخاذه في هذه الفترة بالذات.
وقبل البحث في المسائل تلك، نرى من الفائدة بمكان
التذكير بأنّ القرار1701 الصادر عن الأمم المتّحدة إثر الحرب «الإسرائيليّة» على لبنان في عام 2006م، كان
مرجعاً لفئتَين من قواعد الاشتباك:
الأولى: قواعد الاشتباك أو السلوك الميداني
لقوات «اليونيفيل» ذاتها.
والثانية: قواعد الاشتباك الناظمة لتصرّف القوى
المتحاربة التي خاضت الحرب، وجاء القرار1701 ليوقف الأعمال القتالية التي كانت
قائمة في سياقها.
أمّا بالنسبة للفئة الثانية، فنذكر أنّ قواعد الاشتباك
أو قواعد السلوك الميداني تُعتمد لتكون ناظمة لتصرّف قوى خاضت مواجهة عسكرية لم
تنتهِ إلى تدمير أحد الطرفَين أو استسلامه، كما أنّها لم تُفضِ إلى حلٍّ سلميٍّ
للصراع، ما يعني اضطرار المتحاربين للبقاء في الميدان محتفظين بسلاحهم، دونما اللّجوء
إليه في عملٍ عدائيٍّ ضدّ الآخر حتّى لا تندلع الحرب مجدّداً. أمّا إذا غامر
أحدهما بعملٍ هجوميّ، فيكون للآخر أن يبادر إلى ممارسة حقّ الدفاع المشروع عن
النفس ضمن الضوابط القانونيّة.
في الممارسة، ظهر جليّاً أنّ «إسرائيل» لم تحترم القرار
1701، ولم تتقيّد بقواعد الاشتباك المبنيّة عليه. لكنّ الأخطر في اعتداءات
«إسرائيل» وتجاوزها لقواعد الاشتباك برمّتها، هو ممارستها لعمليّات الاغتيال ضد
المقاومة من كلّ مستويات المسؤوليات والاختصاص للمستهدفين، فضلاً عن أعمال التجسّس
البشري أو التقني أو المركّب، كما واستهداف مصالح المقاومة في لبنان وخارجه. مارستْ
كلّ ذلك معتقدة بأنّ المقاومة لن تجرؤ على الردّ لسببَين:
1) سبب ذاتي عائد لوضعها بعد أن دخلتْ في الحرب الدفاعيّة
عن محور المقاومة في سورية، ما شغَلها وأضعفها بحسب الظنّ »الإسرائيلي».
2) سبب داخلي لبناني تثق «إسرائيل» عبرَه بقوّة ضغط
أطراف سياسية لبنانية لمنع المقاومة من الردّ خشية «أن يتضرّر لبنان بردّ فعلٍ
إسرائيلي تدميري عنيف».
حيال هذا المشهد، وجدت المقاومة نفسها أمام خيارَين لا
ثالث لهما:
الأوّل: تخطّي قواعد الاشتباك التي تقيّدها
ومعاملة «إسرائيل» بالمثل.
الثاني: الاستمرار وحدها بالتقيّد بقواعد
الاشتباك والبقاء مع الأيدي المكتوفة أمام جرائم «إسرائيل».
أمام هذين الخيارَين كان منطقياً أن تختار المقاومة خيار
«العقلاء الشجعان»، ولهذا اتّجهت إلى اعتماد السلوك الناجع من أجل ردع «إسرائيل»
عن جرائمها، وحماية لبنان وشعبه وجيشه ومقاومته من اعتداءاتها. ولم يكن في هذا
الخيار تجاوزٌ للقواعد القانونية المكرّسة في القانون الدولي، لا بل إنّنا نرى فيه
تطبيقاً وممارسة لحقّ الدفاع المشروع عن النفس.
لقد أدّى هذا القرار الجريء والذكي والعاقل، وفور اتّخاذه،
إلى إحداث زلزال لدى «إسرائيل» وحُماتها، ولم تكن مسارعة أميركا إلى تبرئة
«إسرائيل» من المسؤولية المركزية أو القيادية في اغتيال الشهيد عماد مغنية إلّا
نتيجة مباشرة لتداعيات هذا القرار، من دون أن يكون هذا الأمر نهاية المطاف، حيث
سنشهد الكثير من السلوكيات التي ستشكّل في مجموعها منظومة رادعة لـ«إسرائيل» عن
الإجرام بحقّ لبنان، وتكون المقاومة في قرارها قد ضربت «ضربة معلّم» لا بدّ من
الإقرار لها بفعاليّتها في اتّجاهات ثلاثة، حيث أنّها حمت المقاومة وأقامت فوق
قيادتها وكوادرها ومجاهديها مظلّة أمان فاعلة، وأثّرت في حرب الاستنزاف الخلفيّة
التي تستهدفها ومحورها، ووسّعت نطاق تطبيق معادلة الردع بعد تثبيتها.
__________________________
* عميد متقاعد وباحث في الفكر الاستراتيجي، والموضوع مختصر
من مقالته الأصليّة.