مراتبُ
التوحيد
_____ السيّد علي
خان المدني الشيرازي* _____
التّوحيدُ لغةً:
جَعلُ الشّيء واحداً، أي: الحكم بوحدانيّته والعلم بها، وقد يطلَق، بالاشتراك، على
التّفريق بين شيئَين بعد الاتّصال، وعلى الإتيان بالفعل الواحد منفرداً.
واصطلاحاً:
إثباتُ ذات الله بوحدانيّته منعوتاً بالتنزّه عمّا يُشابهه ويُشاركه. ووحدانيّته
بمعنى أنّه لا ثانيَ له في الوجود، بمعنى أنّه لا كثرةَ فيه مطلقاً؛ لا في عين
الذّات لانتفاء التركيب والأجزاء، ولا في مرتبة الذّات لانتفاء زيادة الوجود، ولا
بعد مرتبة الذات لانتفاء زيادة الصفات، وقد يُقصد بها معنى أنّه لم يَفته من كماله
شيء، بل كلُّ ما ينبغي له فهو له بالذّات والفعل، إذ الواحد قد يقال لِما لم يَفُتْه
من كماله شيء، بل كلُّ كمالٍ ينبغي له، فهو حاصلٌ له بالفعل.
والمعنى الأوّل هو
المشتمل عليه أوّلُ كلمة نطق بها الدّاعي إلى الله تعالى، وهو قول: «لا إلهَ إلّا
الله».
صفاتُ
المراتب، ونسبةُ بعضها إلى بعض
للتّوحيد مراتبُ أربع:
أوّلها:
قولٌ يقال: كتوحيد المنافق والمسلم من خوف السّيف المشهور عليه.
والثّانية:
تصديقٌ يعتقَد كتوحيد عامّة المسلمين.
والثّالثة:
يقينٌ يستبصر بواسطته نور الحقّ، فيرى أشياءَ كثيرة، ولكن صدورها على كثرتها من
الواحد الفرد، وهو مقام المقرّبين: كأنّهم قرّبوا إلى منتهى المقامات، وبشّروا
بطلوع ثنيّات المكاشفات.
الرّابعة:
كشفٌ عن مشاهدة الصدّيقين فلا يرى في الوجود إلّا واحداً، وهو الذي تسمّيه
الصّوفيّة الفناء في التّوحيد، لأنّه من حيث لا يَرى إلّا واحداً لا يرى نفسه أيضاً،
فيفنى بواحده عن كلّ ما سواه، ويفنى عن نفسه أيضاً فلا يراها.
***
فالأوّل:
موحّدٌ بمجرّد اللّسان، ويعصم ذلك صاحبه في الدّنيا، ويوفّيه حظَّه منها فلا يُراق
له دم، ولا يُباح له حريم، ولا يحرَم من مغنم، ولا يستحرَم منه في منكحٍ ولا مَذبح.
والثّاني:
يعصمُه في الآخرة أيضاً من عذابها إذا توفّى على الوفاء بأحكامه، ولم تحلّ المعاصي
عقدة إسلامه.
وتزيد مرتبة الثّالث
عليه بمقام اليقين وسلوك طريقة المجتهدين في التجريد، إذ يراها كلَّها من الواحد،
ولكنّه يراها كثيرة نظراً إلى ذواتها.
ويزيد الرّابع
على هذا زيادةَ الشّمس على النّجم، والسّماء على الأرض، من حيث لا يرى في شهوده
غيرَ الواحد الحقّ، فلا يشاهدُه بالأشياء بل يَشهدُ الأشياء به، كما قال تعالى: ﴿..أَوَلَمْ
يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ فصلت:53.
ومثال الأوّل:
هو القشرة العليا من الجَوز، لا خيرَ فيه البتّة. إنْ أُكِل فهو مُرّ المذاق بعيدٌ
عن المساغ، وإن نُظر إليه فهو كريهُ المنظر، وإن استُوقد دخّن البيت، وإن تُرك
لوّث المكان، ولكنّه يحفظ القشرة الصّلبة السّفلى التي هي بدن اللَّب، فالتّوحيد
عن ظاهر اللّسان يحفظ بدنَ المنافق في دنياه، ثمُ يُرمى به فلا يُغني عنه شيئاً في
أخراه.
ومثال الثّاني:
هو القشرة الصّلبة الأخرى، فإنّه ظاهر النّفع بيِّنُ الجدوى، يصون اللَّب عن
الفساد ويُربيه إلى وقت الحصاد، وينفصل عنه فينتفَع به في الوقود وغيره، لكنّه
نازل القدر زهيد النّفع بالإضافة إلى اللَّب، فكذلك الإيمان الظاهر عن مجرّد
الاعتقاد من غير إيقانٍ، ناقص الشّرف بالنّسبة إلى حال انشراح الصّدر بالصّدق،
وانفساح القلب باليقين.
ومثال الثالث:
اللُّب.
ومثال الرابع:
الدّهن المستخرج من اللُّب. وهو الصّافي عن مَشوبات اللّب، الخالصُ من الكدورات،
الذي يكاد يُضيء ولو لم تَمسَسه نارٌ.
______________________________
* مختصر عن كتابه (رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين عليه
السّلام)