مرابطة

مرابطة

منذ أسبوع

عنصرية الإحراق الصهيونية

عنصرية الإحراق الصهيونية

ــــــــــــــــــــــ د. مصطفى يوسف اللداوي* ــــــــــــــــــــــ

يعيش الكيان الصهيوني هذه الأيّام - حسب وصفه - مأزقاً خطيراً، ويمرّ في منعطف يراه بعض «الإسرائيليين» أنّه حادٌّ وحسّاس، وله تأثيراته ومضاعفاته، وأنّ عدم الانتباه له والتعامل بحذر معه سينعكس على المجتمع «الإسرائيلي» سلباً، وسيؤثّر في المزاج العام، وقد يقود البلاد نحو تغييرات جذرية غير مقصودة وغير محمودة على المستوى الدولي الآخذ في التغيير في تعامله مع الحكومة «الإسرائيلية»، التي بدأت تشعر بأنّ سياستها تجاه الفلسطينيّين لم تعد تُرضِ المجتمع الدولي، وأنّ مبرّراتها الأمنية واحتياجاتها الخاصّة لم تعد مقبولة، الأمر الذي يدفعها للقيام ببعض الخطوات التي من شأنها سحب الذرائع، واستعادة الثقة، وضمان تأييد دول أوروبا وأميركا لها وعدم اعتراضهم على سياساتها.

تشير بعض الدراسات «الإسرائيلية» العامة التي تقوم بها وتنفذها مؤسّساتٌ حكومية ومستقلّة، إلى أنّ «المجتمع الإسرائيلي» مهيّأ وقابل للغليان والانفجار، فهو لم يعد تحت سيطرة الحكومة، ذلك أنّ قراراتها، وإجراءات النائب العام وأحكام القضاء، قد تُعجّل في تفجير الشارع وتزايد غضب الجمهور، الذي يظهر أنّه غير راضٍ عن قرارات الحكومة ووزير «الدفاع»، ومسلكيّات الشرطة والقضاء والنائب العام، ويرون أنّ استجابة الحكومة إلى الضغوط الدولية وشكاوى السلطة الفلسطينية، سيؤدّي إلى تفكّك «المجتمع الإسرائيلي»، وقد يقود إلى خروج مجموعاتٍ كبيرة عن القانون، وجنوحهم نحو التطرّف أكثر، سعياً لتحقيق أهدافهم بأنفسهم، وفرض تصوّراتهم بالقوّة.

توزيع الأدوار في مسرحيّة «الاعتقال الإداري»

نتيجة الضغوط التي تتعرض لها الحكومة «الإسرائيلية»، إثر جريمة حرق الطفل دوابشة، وافق المستشار القضائي للحكومة «الإسرائيلية» يهودا فانيشتاين، على المصادقة على طلب «جهاز الشاباك» باعتقال ثلاثة شبّان متطرّفين، من بينهم مردخاي مئير، وهو من سكّان مستعمرة «معاليه أدوميم»، ومعروفٌ عنه التطرّف والعدوانية، وهو متّهم بالقيام بأعمال إرهابية وعدوانية ضد الفلسطينيين، وقد سبق أن اشترك مع جماعات عنف، ترتكب جرائم عنصرية وأخرى تقوم على الكراهية، لكنّ «القانون الإسرائيلي لم يتمكّن من إدانته! ولم تستطع الشرطة اعتقاله!»، الأمر الذي دعا وزير «الدفاع» موشيه يعالون إلى إصدار أمر باعتقاله إداريّاً مدّة ستة أشهر.

القضاء «الإسرائيلي» لا يرغب في مواجهة مجرمين صهاينة ارتكبوا جرائم موصوفة ومعلومة ضد الفلسطينيين، ويتركهم أحراراً يتحركون حيث يريدون، يرتكبون جرائم بالقدر الذي يستطيعون، وضدّ من يشاؤون ويختارون، تماماً كما يحدث مع مردخاي مئير، المتورط في أعمال عنفٍ، والمشتبه به بإشعال النار في العديد من البيوت والمنازل الفلسطينية، والمشاركة في حرق كنيستَي «نياحة العذراء» و«الطابغة»، لكن الشرطة التي لم تشأ إدانته، أو إثبات الاتهامات الموجهة إليه، قامت بالإفراج عنه، وأعلنت أنها لا تستطيع اعتقاله أو تقديمه للمحاكمة، نظراً لعدم وجود أدلة وقرائن أو اعترافات تدينه!! في الوقت الذي تسمع منه تهديداً بالاعتداء على الفلسطينيين، ونيّة جادة بإلحاق الضرر بهم وببيوتهم وممتلكاتهم.

أما المخابرات «الإسرائيلية» فقد انشغلت بالدفاع عن نفسها أمام ادّعاءات يوفال زيمر محامي الإرهابي الصهيوني المتطرّف مئير اتنغر، الذي اتّهم الشاباك بأنه مارس العنف والشدّة في التحقيق مع موكّله، وأنّ الاعترافات قد نزعت منه بالقوّة والإكراه، بطريقة مخالفة للقانون، وبالتالي فهو يطعن في إجراءات الاعتقال والتحقيق، ويطالب بإبطالها ومعاقبة المُحقّقين والمُشرفين عليهم، متّهماً إياهم بالانحراف والضلال عن «مصالح الشعب اليهودي، والإضرار بمواطن يهودي من أجل فلسطيني عدوّ».

لكن الشاباك «الإسرائيلي» الذي يحاول الدفاع عن نفسه، ودحض الاتهامات الموجّهة إلى رجاله، يُنكر أنّه مارس التعذيب واستخدم القوّة في التحقيق مع المشتبه بهم من اليهود، ويؤكّد أنّ التحقيق تمّ بموافقة القضاء وتحت رقابته ومتابعته، ويشير أنّ التحقيقات لم تقتصر على محاولات الاعتداء على الفلسطينيين، بل أنّ التحقيق الأساس مع المتّهم مئير اتنغر، جرى على أساس أنّه ومجموعة يهودية قد باشروا بتشكيل تنظيم يهودي يفكّر في استهداف يهود آخرين، يرون أنهم يضرّون بمصالح الشعب اليهودي. أي أنّ المخابرات «الإسرائيلية» التي تنفي استخدامها القوّة ضد المعتقلين اليهود، تؤكّد أنها لا تعتقل أحداً على خلفية الاعتداء على الفلسطينيّين، وفي حال اعتقالها لأحدهم، فإنها تكتفي باستجوابه، وتقوم في حال عدم رغبتها باعتقاله بمنعه من دخول المنطقة التي كان ينوي الاعتداء على الفلسطينيّين فيها.

وتؤكّد سلطات العدوّ الأمنيّة أنها تعتقل المتعصّبين اليهود خوفاً من نجاحهم في تشكيل تنظيم يهودي مُتشدّد، يستهدف «الإسرائيليين» ويضرّ بأمنهم وسلامتهم، خاصّةً أنهم باتوا يسمعون أصواتاً تدعو إلى تكرار عملية اغتيال إسحاق رابين، وأنّ شباناً يهود يفكّرون في الدعوة إلى تنظيم «تمرّد يهودي»، يهدف إلى الحفاظ على «أرض إسرائيل، ومقدّساتهم»، ومنع حكومتهم من تقديم أيّ تنازلات إلى الفلسطينيين، على حساب الشعب اليهودي.

أما منظمة «حوننو» اليهودية اليمينية المتطرفة، فقد أعلنت معارضتها الشديدة لقيام الحكومة بالخضوع إلى الضغوط الدولية، والموافقة على إصدار قرارات اعتقال إدارية بحقّ شبّان يهود يضحّون من أجل «مصالح إسرائيل والشعب اليهودي»، واعتبرت أنّ الحكومة فاقدة للوعي، وأنّ الجهاز القضائي قد ضلّ وانحرف، ولم يعد له وجود ينفع، ودعت الجمهور اليهودي إلى عدم التعاون مع المخابرات التي طلبت التعاون معها في تقديم أيّ معلومات تتعلّق بنشطاء المجموعات اليهودية.

 

جدلٌ «إسرائيليٌ» محمومٌ، وخوفٌ داخليٌ كبير، واضطرابٌ في قرارات الحكومة، وتردّدٌ على مستوى قادة الجيش والأركان وضبّاط المخابرات الكبار، وقلقٌ في الجهاز القضائي للكيان، وتحرّكٌ في الشارع «الإسرائيلي» ملموسٌ، نتيجة الحرج الذي وقعت فيه الحكومة جراء موافقتها على قرارات الاعتقال الإدارية، في الوقت الذي لا يهتز جفنها ولا تتردّد، ولا تخاف ولا تقلق، ولا تضطرب ولا تتأخّر، عندما يتعلّق الأمر بإصدار قرارات اعتقال إدارية بحقّ مئات النشطاء الفلسطينيين، الذين تعتقلهم إدارياً في ظروف صعبة، وتُجدّد أوامر اعتقالهم دورياً، دون إحساس بالخوف أو الندم، رغم أنّ بعضهم مريضٌ أو مسنٌّ، ولا يعنيها إضراب المُعتقلين عن الطعام، ولا تدهور حالتهم الصحية والنفسية، ولا احتجاج أهلهم، وغضب شعبهم، ومطالبة المجتمع الدولي بالإفراج عنهم، والتوقّف عن اعتقالهم، طالما أنّ الأمر يتعلق بالفلسطينيين، فهؤلاء يُجيز القانون اعتقالهم، ويسكت المشرّع عن تعذيبهم، ويعجّل القضاء في الحكم عليهم.

 

 
 
 

* كاتب من فلسطين

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ 6 أيام

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات