الصحابيُّ الجليل سلمانُ الفارسيّ
لقمانُ
زمانه ونسيبُ الحوض المحمّديّ
ـــ إعداد: سليمان بيضون ـــ
*
صحابيّ جليل، زاهدٌ، ثاقبُ البصيرة، نقيُّ الفطرة، كان يطوي الفيافي والقفار بحثاً
عن الحقّ. هو سلمان المحمّديّ المشهور بالفارسيّ.
* شرّفه رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
بقوله: «سلمانُ مِنّا أهلَ البيت».
* قال عنه أميرُ المؤمنين عليه السلام: «عَلِمَ
العِلمَ الأوّلَ والعلمَ الآخر، وقرأ الكتابَ الأوّل وقرأ الكتابَ الآخر، وكان بحراً
لا ينزِف».
* رعى حرمةَ الحقّ بعد رسول الله صلّى الله عليه
وآله، وكان أحد القلائل الذين قاموا في المسجد النبويّ ودافعوا عن «خلافة الحقّ» و«حقّ
الخلافة».
* من عشّاق عليٍّ وآل البيت عليهم السلام، ومن الأقلّين
الذين شهدوا الصلاة على السيّدة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، وحضروا دفنها
في جوف اللّيل.
في (الكافي) للكليني بسنده عن سدير عن أبي جعفر
الباقر عليه السلام، أنّه قال: «جلسَ عدّةٌ من أصحابِ رَسولِ الله صلّى الله
عليه وآلِه يَنتَسِبون وفيهم سَلمانُ الفارسيّ، وإنّ عمرَ سَألَهُ عن نسَبه وأصلِه،
فقال: أنا سلمانُ بنُ عبد الله، كنتُ ضالّاً فهداني اللهُ بمحمّدٍ، وكنتُ عائلاً فأَغناني
اللهُ بمحمّدٍ، وكنتُ مملوكاً فأعتَقَني اللهُ بمحمّدٍ، فهذا حَسَبي ونَسَبي..».
وفي (كمال الدين) للشيخ الصدوق: «كان اسم سلمان
روزبه بن خشنوذان».
قصة إسلامه
تعدّدت الروايات في كيفيّة انتقال سلمان من
بلاد فارس إلى الحجاز وتعرّفه إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وإيمانه به، ونحن
ننقل – باختصار - الرواية التي يرويها بنفسه بطلبٍ من أمير المؤمنين عليه السلام
في محضر أبي ذرّ رضوان الله تعالى عليه، وجماعة آخرين، كما أوردها الشيخ الصدوق في
(كمال الدين) بسنده عن الإمام الكاظم عليه السلام:
«قال أمير المؤمنين عليه السلام لسلمان: يا أبا
عبد الله ألا تخبرُنا بمبدأ أمرك؟
فقال سلمان: واللهِ يا أميرَ المؤمنين لو أنّ غيرَك
سألني ما أخبرتُه، كنتُ رجلاً من أهل شيراز من أبناء الدهاقين [الدهقان: رئيس القرية] وكنتُ عزيزاً على والدي، فبينا أنا سائرٌ
مع أبي في عيدٍ لهُم إذا أنا بصومعةٍ [مكان تعبّد رهبان النصارى] وإذا فيها رجلٌ يُنادي: أَشْهَدُ أنْ لا
إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ عِيسَى رُوحُ الله، وأنَّ مُحَمّداً حبيبُ الله، فَرَسَخَ
وَصْفُ مُحَمّدٍ في لَحْمِي وَدَمِي، فلَم يُهَنئنِي طَعَامٌ ولا شَرابٌ، فقالت لي
أمّي: يا بُنَيّ، مَا لَكَ اليوم لَمْ تَسْجُدْ لِمَطلعِ الشَّمسِ؟ فَكَابرتُها حتّى
سَكَتتْ.
فلمّا انصرفتُ إلى منزلي، إذا أنا بِكِتابٍ مُعَلَّقٍ
في السَّقْفِ، فقلتُ لِأمّي: مَا هَذا الكِتاب؟
فقالت: يا روزبه، إنّ هذا الكتاب لَمّا رجعْنَا
مِن عِيدِنَا رَأَيْنَاهُ مُعَلّقاً، فَلا تَقْرب ذَلِك المَكان فَإنّكَ إِنْ قَرَبْتَهُ
قَتَلَكَ أَبُوك.
فجاهدتُها حتّى جنَّ اللَّيلُ، فنامَ أبي وأمّي
فقمتُ وأخذتُ الكِتابَ، وإذا فيه: بسم الله الرَّحمنِ الرَّحيمِ، هَذا عَهْدٌ مِنَ
اللهِ إِلَى آدَم أَنَّهُ خَالِقٌ مِن صُلبِهِ نَبِيّاً يُقالُ لَهُ: مُحمّد، يَأْمُرُ
بِمَكارِمِ الأخْلاقِ وَيَنْهَى عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، يا روزبه، ائتِ وَصِيَّ
عيسى وآمِنْ واتْرُكِ المَجُوسِيّة. فصعقتُ صعقةً وزادَني [ذلك] شدّة، فَعَلِمَ بذلك
أبِي وأُمّي فَأَخَذُونِي وَجَعَلونِي فِي بِئْرٍ عَمِيقَةٍ، وقالوا لِي: إِنْ رَجعْتَ
وإلّا قَتَلْنَاكَ، فَقُلْتُ لَهُم: افْعَلُوا بِي مَا شِئْتُم، حُبُّ مُحَمّدٍ لا
يَذْهَبُ مِنْ صَدْري.
فبقيتُ في البئر، فلمّا طالَ أمري رفعتُ يدي إلى
السَّماءِ فقلت: يا ربّ إنَّكَ حَبَّبْتَ مُحمّداً وَوَصِيَّه إليَّ، فَبِحَقِّ وَسِيلتهُ
عَجِّلْ فَرَجِي وَأَرِحْنِي مِمَّا أنا فِيه.
فَأتاني آتٍ عليه ثيابٌ بِيض، فقال: قُمْ يا روزبه،
فَأَخَذَ بِيَدِي وأَتَى بِي إِلى الصّومَعَةِ، فأنشَأْتُ أقولُ: أَشْهَدُ أنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وأنَّ عِيسى روحُ الله، وأنَّ مُحَمّداً حَبِيبُ الله.
فأشرَفَ عَلَيّ الدّيرانيّ [المقيم في الصومعة] فقال: أنت روزبه؟ فقلتُ: نَعَم، فقال:
اِصعَد، فأَصْعَدَنِي إليهِ وَخَدَمْتُهُ حَوْلَيْن كامِلَين، فَلَمّا حَضَرَتْهُ الوَفاةُ
قال: إنِّي مَيّتٌ. فقلتُ لهُ: فَعَلَى مَنْ تَخْلفُني؟ فقال: لا أعرفُ أَحَداً يَقولُ
بِمَقَالَتِي هَذِهِ إِلَّا رَاهِباً بِأنطاكية، فإذا لَقيتَهُ فَأَقْرِئهُ مِنِّي
السّلام وادْفَعْ إليهِ هَذا اللَّوح، ونَاوَلَنِي لوحاً، فَلَمّا مَاتَ غسّلتُهُ وكَفّنتُهُ
ودفنْتُهُ، وأخذتُ اللَّوحَ وَسِرْتُ بِهِ إلى أنطاكية.
(وقصّ شبه ما حصل معه مع الراهب الأوّل إلى أن
قال:) فَلَمّا حَضَرَتْهُ الوَفاةُ قال لي: إنّي ميّت، فقلت: عَلَى مَنْ تَخْلفُني؟
فقال: لا أعرفُ أَحَداً يَقولُ بِمَقَالَتِي هَذِهِ في الدُّنيا، وإنَّ محمّدَ بنَ
عبدِ الله قد حَانَتْ وِلَادَتُه، فإذا أتيتَه فَأَقْرِئهُ منّي السّلام، وادْفَعْ
إلَيهِ هَذَا اللَّوح، قال: فلمّا توفّي غسّلتُهُ وكَفّنتُهُ ودفنْتُهُ، وأخذتُ اللَّوحَ
وخَرجْت.
فصحبتُ قوماً فقلتُ لهم: يا قوم اكفُوني الطّعام
والشّراب أَكْفِكُم الخدمة؟ (ولمّا رأى أنّهم يأكلون الميتة ويشربون الخمر
وامتنع من طعامهم وشرابهم، يقول:) فَشَدّوا عليَّ وأرادوا قَتْلِي، فقلتُ لهم: يا
قوم لا تَضربُوني ولا تَقتلونِي فإنّي أُقِرُّ لَكُم بِالعبودِيّة. فأقررتُ لِواحدٍ
منهم فَأَخرَجَني وبَاعَني بثلاثمائةِ درهمٍ مِن رجلٍ يهوديّ. فسَألَني عن قِصّتي فأَخبرْتُه،
وقلتُ لهُ: ليسَ لي ذنْبٌ إلّا أنّي أحببتُ محمّداً ووصيَّهُ، فقال اليهوديّ: وإنِّي
لَأُبغضُك وأُبغضُ محمّداً، فأخرجَني وباعَني مِن امرأةٍ فأحبَّتْنِي حُبّاً شديداً،
وكانَ لها حائط [أي بستان]، فقالت: هذا الحَائطُ لكَ، كُلْ مِنه ما شِئْتَ وهَبْ
وتَصَدَّق.
فبقيتُ في ذلك الحائط ما شاءَ الله، فبينا أنا ذاتَ
يومٍ في الحائطِ إذا أنا بسبعة رَهْطٍ قد أقبلوا تُظِلُّهم غَمامةٌ، فقلتُ في نَفسي:
واللهِ ما هؤلاء كلّهم أنبياء ولكنْ فيهم نبيّ. فأقبلوا حتّى دَخَلوا الحائط والغمامةُ
تَسيرُ مَعَهُم، فَلَمّا دَخَلُوا إذا فِيهِم رَسول الله صلّى الله عليه وآله، فجِئتُ
فَحَمَلتُ طَبَقاً مِن رُطَبٍ، فقلتُ فِي نفسي: إنْ كان فيهم نبيٌّ فإنّه لا يَأكُل
الصَّدَقة، ويَأكُلُ الهديّة، فَوَضَعتُهُ بينَ يَدَيْه، فقلتُ: هَذِهِ صَدَقَة. فقال
صلّى الله عليه وآلِهِ: كُلُوا. وأَمْسَكَ، فقلتُ في نفسي هذِهِ عَلَامة، [ثمّ] حَمَلْتُ
طَبقاً [آخَر] فوضَعْتُهُ بينَ يَدَيْه، فقلتُ: هَذِهِ هَديّة، فَمَدَّ يَدَهُ وقال:
بِسْمِ اللهِ كُلُوا. ومدَّ القومُ جَميعاً أيْدِيَهم فَأَكَلوا، فقلتُ فِي نَفسي هَذِهِ
أَيضاً عَلَامَة، فبينا أنا أدورُ خَلْفَهُ إذْ حَانَت مِن النَّبيِّ صلّى الله عليه
وآلِهِ التفاتةٌ، فقال: يا روزبه، تَطْلبُ خَاتَمَ النُّبوّةِ؟ فقلتُ: نَعَم، فكَشَفَ
عن كتِفَيْه فإذا أنا بِخَاتَم النُّبُوّة مَعْجُومٌ بينَ كَتِفَيْه... فَسَقَطْتُ
على قَدَمِ رسولِ الله صلّى الله عليه وآلِهِ أُقَبِّلُها، فقال لي: يا روزبه، ادْخُلْ
إلى هَذِهِ المَرْأَة وقُلْ لَها: يَقُولُ لكِ مُحمَّدُ بنُ عبدِ الله تَبِيعينا هَذا
الغُلَام؟ فأَعْتَقَنِي رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَمَّانِي سَلْمان».
مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
تختلف المصادر في السّنة التي لقيَ فيها سلمانُ
النبيَّ صلّى الله عليه وآله في المدينة، فمن قائل أنّ ذلك حصل في السنة الأولى أو
الثانية، وآخر أنّ ذلك كان في السنة الخامسة، واللافت أنه لم يكن له ذكر في معركتَي
بدر وأحد، ولكنّ مشاركته في الخندق مشهورة، سواء باقتراحه حفر الخندق كما يروي بعض
المؤرّخين، أو ببيانه وجه الحكمة من أمر النبيّ صلّى الله عليه وآله بحفره حين
ناقش البعض في جدوى ذلك، فقد نُقل أنّ سلمان قال ما مضمونه: إنّ الخندق المقترَح من
شأنه أن يحدّ من فاعليّة الخيل في الحرب ويدفع غائلتها، ويصبح الجهد الشخصي للأفراد
هو الذي يقرّر مصير الحرب ونتائجها.
ولمّا استحسن المهاجرون والأنصار كلام سلمان
وفاعليّة عمله في حفر الخندق، صار كلّ فريق يقول: سلمانُ منّا، إلى أن كانت كلمة
النبيّ صلّى الله عليه وآله بحقّه: «سَلْمَانُ مِنَّا أهلَ البَيت».
موقفه من بيعة السقيفة
كان سلمان من القلائل الذين تمسّكوا بعهد النبيّ
صلّى الله عليه وآله لعليٍّ عليه السلام بالولاية من بعده، وقد رفض بيعة أبي بكر
وتعرّض للأذى جرّاء موقفه هذا إلى أن أمَره أمير المؤمنين بأن يبايع. فقد روى الكِشّي
في (رجاله) بسنده عن سدير عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، أنّه قال: «كان النّاسُ
أهلَ رِدَّةٍ بعدَ النّبيّ صلّى الله عليه وآله إلّا ثلاثة... المقداد بن الأسوَد،
وأبو ذرّ الغفاري، وسلمان الفارسيّ. ثمّ عرَفَ النّاسُ بعدَ يَسير. هؤلاء [أي الثلاثة] الّذين دَارَت عليهم الرّحى وأبَوا أن يُبَايِعُوا
حتّى جاؤوا بأمير المؤمنين عليه السّلام مُكْرَهاً فبايع، وذلك قولُ الله عزّ وجلّ:
﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ
أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ..﴾ آل عمران:144».
في كربلاء
عن الكِشّي في (رجاله) بسنده عن المسيّب بن نجبَة
الفزاري، قال: «لمّا أتانا سلمان الفارسي قادماً تلقّيناه فيمن تلقّاه، فسار حتّى انتهى
إلى كربلاء، فقال: ما تسمّون هذه؟ قالوا: كربلاء. فقال: هَذِهِ مَصارعُ إخْوانِي،
هَذَا مَوْضِعُ رِحَالِهِم، وهذا مُناخُ رِكَابِهِم، وهَذا مهراقُ دِمَائِهِم، يُقتَلُ
بها ابنُ خيرِ الأوّلين ويُقْتَلُ بِهَا خَيْرُ الآخِرِين..».
فضائله في الروايات عن المعصومين عليهم
السلام
* قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
-
«مَن أرادَ أنْ ينظرَ إلى رجلٍ نُوِّر قلبُه فليَنْظُر إلى سلمان».
- «إنَّ الجنّةَ لتَشتاقُ إلى ثلاثةٍ: عليّ وعمّار
وسلمان».
- «لوْ كان الدّينُ عندَ الثريّا لَنالَه سلمان».
- «أمَرَنِي
رَبِّي بِحُبِّ أربعة، وأخبَرَني أَنَّهُ سبحانه يُحِبّهم؛ عليّ، وأبو ذرّ، والمقداد،
وسلمان».
* سُئل أمير المؤمنين عليه السلام عن سلمان فقال:
«عَلِمَ العلمَ الأوّلَ والآخِر، بحرٌ لا يَنزف، وهو منّا أهل البيت».
* وعنه عليه السلام: «ضاقتِ الأرضُ بِسَبعةٍ،
بهم يُرزَقُون، وبِهِم يُنصَرُون، وبِهِم يُمْطَرُون، منهم: سلمانُ الفارسيّ، والمقداد،
وأبو ذرّ، وعمّار، وحذيفة رحمة الله عليهم..».
* وذُكر عند الإمام الباقر عليه السلام، فقال: «لا
تَقُولُوا سلمان الفارسيّ، ولَكِنْ قُولُوا سلمان المحمّديّ، ذلك مِنَّا أهلَ البيت».
* عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال: «إنّ
سلمانَ كانَ عبداً صالحاً حنيفاً مسلماً وما كان من المُشركين».
* وعن أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليهما
السلام أنه قال: «إذا كان يومُ القيامة نادى منادٍ: أينَ حواريّو محمّدٍ بن عبد
الله رسولِ الله الّذين لَمْ يَنْقضُوا العَهْدَ وَمَضَوا عليه؟ فَيَقُومُ سَلْمَانُ
والمِقْدادُ وأبو ذرّ..».
زُهد سلمان المحمّديّ
*
في (الاستيعاب) لابن عبد البرّ: «دخل قومٌ على سلمان وهو أميرٌ على المدائن وهو يعمل
الخُوص، فقيل له: تعمل هذا وأنت أميرٌ يجري عليك رزق؟! فقال: إنّي أحبّ أن آكُلَ من
عمل يدي».
* وروي أنّ عطاء سلمان من بيت المال كان خمسة آلاف،
فكان إذا خرج عطاؤه تصدّق به ويأكل من عمل يده، وكانت له عباءةٌ يفترش بعضَها
ويلبسُ بعضَها، وأنّه كان له بيتٌ إذا قام فيه أصاب رأسُه السقف، وإنْ مدَّ رجليه
فيه أصاب الجدارَ من ضِيقه.
* وجاء في (الطبقات الكبرى) لابن سعد عن النعمان
بن حميد قال: «دخلتُ مع خالي على سلمان بالمدائن وهو يعمل الخُوص، فسمعتُه يقول: أشتري
خُوصاً بدرهم، فأعمله، فأبيعه بثلاثة دراهم، فأُعيد درهماً فيه، وأُنفِقُ درهماً على
عيالي، وأتصدّق بدرهم، ولو أنّ عمر بن الخطّاب نهاني عنه ما انتهيتُ». [الخُوص: ورق النخيل، والعمل فيه بمعنى
صُنع السّلال، وإعادة الدرهم جعله رأسمال التجارة، وعمر كان خليفة، والمعنى لو أنه
نهاني لرددتُ قوله لأن عملي هذا من الرزق الحلال الذي لا شائبةَ شُبهة فيه]
*
وفي (مروج الذهب) للمسعودي عند ذكره سلمان، قال: «كان يلبسُ الصوف، ويركب الحمار ببَرذعته
بغير إكاف [أي
يركبُه عاري الظَّهر من غير سِرجٍ وحِلس]، ويأكل خبز الشعير، وكان ناسكاً زاهداً،
فلمّا احتضر بالمدائن قال له سعد بن وقّاص: أوصِني يا أبا عبد الله. قال: نعم، اذكر
الله عند همّك إذا هممتَ، وعند لسانك إذا حكمتَ، وعند يدك إذا قسمت. فجعل سلمان يبكي،
فقال له [سعد]: يا أبا عبد الله، ما يُبكيك؟ قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله
يقول: إنّ في الآخِرَةِ عَقَبَةً لا يَقْطَعُها إلاّ المُخِفّون، وأرى هذه الأساودة
[الأمتعة] حولي. فنظروا فلم يجدوا في البيت إلاّ
إداوةً وركوةً ومِطهَرة». [الإداوة والركوة والمِطهَرة: أواني للشرب
والوضوء]
من المحدَّثين وعنده الاسم الأعظم
*
عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنّه قال: «كان واللهِ عليٌّ محدَّثاً، وكان
سلمانُ محدَّثاً ".." يبعثُ اللهُ إلَيهِ مَلَكاً يَنْقُرُ في أُذُنِهِ،
يقول كيتَ وكيت».
* وعنه عليه السلام: «سَلمانُ علِمَ الاسمَ الأعظمَ».
* وعن عبد الرحمن بن أعين قال: «سمعت أبا
جعفر عليه السلام يقول: كانَ سَلمانُ من المُتَوَسِّمِين».
ممّا رواه عن رسول الله صلّى الله عليه
وآله وسلّم
*
قال ابن ابن شهرآشوب في (المناقب): رُوي عن سلمان أنّه قال: قال رسول الله صلّى
الله عليه وآله: «خيرُ هَذِهِ الأُمَّة عليُّ بنُ أبي طَالِب».
*
وروى الحاكم في (المستدرك على الصّحيحين) بسنده عن عوف بن أبي عثمان النهديّ قال: «قال
رجلٌ لسلمان: ما أشدَّ حُبَّك لعليٍّ عليه السلام! قال: سمعتُ رسول الله صلّى الله
عليه وآله يقول: مَن أَحَبَّ عليّاً فقد أحبَّني، ومَنَ أَبْغَضَ عليّاً فقد أبْغَضَنِي».
* وعن الحاكم أيضاً بسنده عن سلمان أنّه قال: «دخلتُ
على رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو متّكئٌ على وسادة، فألقاها إليّ ثم قال لي:
يا سلمان! مَا مِن مُسْلِمٍ يدخلُ على أَخِيه المُسْلِم فيُلقي له وسادةً إكراماً
له إلّا غفَرَ اللهُ له».
* وروي أيضاً أنّ سلمان قال: «سمعتُ رسول
الله صلّى الله عليه وآله يقول: الدُّنيا سِجْنُ المُؤمِنِ وجَنَّةُ الكافِر».
و«سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: أطْوَلُ النَّاسِ شَبَعاً فِي
الدُّنْيا أَكْثَرُهُم جوعاً يَوْمَ القيامة».
وفاته
توفّي سلمان بالمدائن في العراق سنة خمس وثلاثين
هجريّة، وقيل: أربع وثلاثين، وقبره معروفٌ يُزار، وهناك بلدة في الجوار تسمّى «سلمان
پاك»، وكلمة «پاك» فارسية تعني بالعربية «الطاهر».
روى ابن سعد في (الطبقات الكبرى) عن الشعبي، قال:
«حدّثني الجزل عن امرأة سلمان.. أنّه لمّا حضرته الوفاة - يعني سلمان - دعاني وهو في
عِلِّيَّةٍ [حُجرة] له، لها أربعةُ أبواب، فقال: افتحي هذه
الأبواب يا فلانة فإنّ لي اليوم زوّاراً لا أدري من أيّ هذه الأبواب يدخلون عَلَيَّ.
ثمّ دعا بمِسكٍ له فقال: أديفيه في تنّورٍ، ففعلتُ. ثمّ قال: انضحيه حول فراشي ثمّ
انزلي فامكثي فسوف تطلعين فتريني على فراشي. فاطّلعتُ، فإذا هو قد أُخِذ روحه، فكأنّما
هو نائمٌ على فراشه».
قيل إنّ سلمان رضوان الله عليه عاش مئتين وخمسين
سنة، وقيل ثلاثمئة وخمسين. وفي (تهذيب التهذيب) لابن حجر عن العبّاس بن زيد قال: «أهلُ
العلم يقولون: عاش سلمان ثلاثمئة وخمسين سنة، فأمّا مئتان وخمسون فلا يشكّون فيه، وكان
أدركَ وصيَّ عيسى بن مريم عليه السلام في ما قيل».