هذا الملف
ما بين اعتلاء هارون
العبّاسي، المعروف بـ«الرشيد»، كرسيّ المُلك وشهادة الإمام الكاظم عليه السلام
أربعة عشر عاماً. وبمراجعة شريط الأحداث يتّضح بجلاء أنّ هارون أمضى هذه الأعوام
في حالة من القلق والارتياب المتواصل، ولم تفلح محاولات خواصّه في إقناعه بأنّ
الإمام الكاظم عليه السلام لا يخطّط للانقلاب عليه والإطاحة بحكمه.
وتتفق كلمة جَمْعٍ من
المؤرّخين أنّ هارون أمضى هذه السنوات الأربع عشر وهو يعيش تحت تأثير صدمة كلمة
واحدة قالها الإمام الكاظم عند قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله: «السَّلامُ
عَلَيْكَ يَا أَبِه». كلمة واحدة ظلّ صداها يتردّد في أعماقه ويذكّره على الدوام
بأنّه «إمامٌ بالقهر والغلَبة» كما وصف هو نفسه.
أضف إلى ذلك أن هارون
عجز حتّى عن إيجاد ذريعة شكلية يتذرّع بها لقتل الإمام الكاظم عليه السلام، مع
إحساسه الدائم ،الذي لامس حدّ اليقين، بأنّ الكاظم عليه السلام حاضرٌ بقوّة داخل
بلاطه، فضلاً عن حضوره القويّ والبيّن وكلمته النافذة عند الوجوه الاجتماعية
والرأي العام عموماً. فقد كان ينمى إلى مسامعه تشيّع وزرائه كعليّ بن يقطين، وجعفر
بن محمّد بن الأشعث الخزاعي، وبعض حجّابه، وقادته العسكريين، وانحيازهم إلى موسى
بن جعفر الكاظم عليه السلام.
أمضى هارون العبّاسيّ
هذه السنوات الأربع عشر في حالٍ من الظمأ الدائم إلى شرعية حقيقية؛ لم يكفِه أن
تتسع رقعة إمبراطوريته لتبلغ حدوداً خيالية، ولا أن يُلقّب بالخليفة الذي يغزو
عاماً ويحجّ عاماً، ولا أن تذهب مخاطبته الغيم مثلاً، كيف وهو يرى الأُمّة التي
يتأمّر عليها «بالقهر والغلبة» تُذعن للكاظم عليه السلام، وتقرّ له في سريرتها
بأنّه الخليفة الشرعي لرسول الله صلّى الله عليه وآله.
يسجّل لهارون أنّه كان
فطناً بما يكفي ليدرك أنّه «مزيّف» وإن اعترف به صراحةً لابنه المأمون، إلا أنه لم
يتصرّف بمقتضاه، وقد أفلح في توريث المأمون هذا الشعور بالزيف.
ومجدّداً، بمراجعة
شريط الأحداث لا نجد سبباً – ولو شكلياً - يفسّر إصرار هارون على نقل الإمام
الكاظم عليه السلام من سجنٍ إلى سجن، أو فرض الإقامة الجبرية عليه في بيتٍ بعينه
من بيوت بغداد، لا يفسّر ذلك إلّا تراكمات الحقد والشعور المَرَضيّ بالارتياب من
إمكانية أن «يخرج عليه موسى بن جعفر فيضرب وجهه بمائة ألف سيف».
* يتناول هذا الملفّ
محطّات من سيرة الإمام موسى بن جعفر الكاظم صلوات الله عليه، وقد أُعدّت مادّته
استناداً إلى عدّة مصادر، منها:
(الأنوار البهية)
للمحدّث الشيخ عباس القمي.
(قادتنا كيف نعرفهم؟)
للمرجع الديني الراحل السيّد محمّد هادي الميلاني قدّس سرّه.
(الإمام الكاظم عليه
السلام سيّد بغداد وحاميها وشفيعها) للشيخ علي الكوراني.
«شعائر»