يُحشَر المشرك حيواناً منكوسَ الرأس
لا
بدّ من معرفة أنّ المؤمن لمّا كان سَيره في هذا العالم معتدلاً، وقلبُه سويّاً،
وتوجّهُه نحو الله وصراطه مستقيماً، كان في ذلك العالم أيضاً صراطه مستقيماً
وواضحاً، وجسمه معتدلاً، وصورتُه وسيرته وظاهره وباطنه في صورة الإنسان وهيئته.
عند
مقارنة قلب المشرك مع قلب المؤمن، نستطيع أن نفهم موقع قلب المشرك ومصيرَه، فحيث إنّ
قلبه قد خرج عن الفطرة الإلهية، وانحرف عن النقطة المركزية للكمال، وعن بحبوحة
النور والجمال، وابتعد عن التبعيّة للهادي المطْلق والوليّ الكامل، وانشغل - بإنيّته
وأنانيّته - بالدنيا وزخارفها، لن يحشَر المشرك في العوالم الأخرى في سيرة الإنسان
وصورته المعتدلة، وإنما يحشَر في صورة حيوان منكوس الرأس، لأنّ الهيئة والصورة في
ذلك العالم تتبع القلوب، ولأنّ الظاهر هناك ظلٌّ لباطن الإنسان هنا، والقشرَ
انعكاسٌ للبّ. وموادّ ذلك العالم لا تأبى الأشكال الملكوتية الغَيبية، كما هو شأن
الموادّ في هذا العالم التي لا تقبل الأشكال المختلفة. ".."
إن
النفوس المنكبّة على الدنيا، والملتهية بتعميرها والمنصرفة عن الحقّ، تكون منكوسة،
رغم أنّها تعتنق الإيمان بالمبدأ والمعاد، لأنّ المقياس في انتكاس القلوب هو
الغفلة عن الحقّ والانشغال بالدنيا وتعميرها. وهذا الإيمان [الشّكلي] بالمبدأ
والمعاد إمّا لا يُعدّ إيماناً وعقيدة، أو أنّه يكون ناقصاً و(سطحيّاً) جدّاً،
وعليه لا يتنافى مع انتكاس القلب.
بل
إنّ مَن يُظهر الإيمان بالغيب والحشر والنشر، ولا يخشى من ذلك، ولا يدفع به إيمانه
إلى عمل الجوارح والأركان، يكون... منافقاً ولا يكون مؤمناً. ".." نعوذ
بالله من زوال هذا الإيمان الذي ليس له لُبُّ وجوهر، ولا هيمنة له في مُلك الجسم،
ومن انتقال الإنسان من هذه الدنيا على النفاق، وحشْره مع المنافقين.
هذا
من الأمور المهمّة التي لا بدّ أن تُذعن لها نفوسنا الضعيفة ونهتمَّ بها، ونكون
حريصين على تعميق الإيمان في الظاهر والباطن والسّرّ والعلن، وكما ندّعي الإيمان (بأقوالنا،
يجب أن) نُجهد أنفسنا لكي يتجذّر الإيمان في القلب ولا يزول أمام أيّ عائق ومانع
أو تغيّر وتبدّل، إلى أن يتمّ تسليم هذه الأمانة الإلهية، والقلب الطاهر الملكوتيّ،
الذي (جُبل على) الفطرة الإلهيّة، إلى الذات المقدّسة، من دون أن تمتدّ إليه يد
الشيطان والخيانة.