وصيّة الإمام الباقر عليه السلام لجابر الجُعْفيّ
تَخَلّصْ إلى راحة النّفْس
بصحّةِ التّفويض
ـــــــــــــــــــــــــــ إعداد: «أسرة التحرير» ـــــــــــــــــــــــــــ
مقتطفات من وصيّةٌ أخلاقيّة جامعة، أوصى
بها الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام جابراً الجُعفيّ، ضمّنها توجيهاتٍ تكفل
للعامل بها عزّاً في الدّنيا ونجاةً في الآخرة، أوردها ابن شعبة الحرّاني (من
أعلام القرن الرابع) في كتابه (تُحَف العقول عن آل الرسول صلّى الله عليه وآله).
* يَا جَابِر! اغْتَنِمْ مِنْ أَهْلِ زَمَانِكَ خَمْسَاً: إِنْ حَضَرْتَ لَمْ
تُعْرَفْ، وَإِنْ غِبْتَ لَمْ تُفْتَقَدْ، وَإِنْ شَهِدْتَ لَمْ تُشَاوَرْ، وَإِنْ
قُلْتَ لَمْ يُقْبَلْ قَولُكَ، وَإِنْ خَطَبْتَ لَمْ تُزَوَّجْ.
* وَأُوصِيكَ بِخَمْسٍ: إِنْ ظُلِمْتَ فَلا تَظْلِمْ، وَإِنْ
خَانُوكَ فَلا تَخُنْ، وَإِنْ كُذِّبْتَ فَلا تَغْضَبْ، وَإِنْ مُدِحْتَ فَلا تَفْرَحْ،
وَإِنْ ذُمِمْتَ فلا تَجْزَعْ، وَفَكِّرْ فيما قيلَ فيكَ؛ فَإِنْ عَرَفْتَ مِنْ نَفْسِكَ
ما قيلَ فيكَ فَسُقوطُكَ مِنْ عَيْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ غَضَبِكَ مِنَ
الحَقِّ أَعْظَمُ عَلَيْكَ مُصيبَةٍ مِمّا خِفْتَ مِنْ سُقوطِكَ مِنْ أَعْيُنِ النَّاسِ،
وَإنْ كُنْتَ عَلى خِلَافِ مَا قِيلَ فِيكَ، فَثَوَابٌ اكْتَسَبْتَهُ مِنْ غَيْرِ
أَنْ يَتْعَبَ بَدَنُكَ.
* وَاعلَمْ بِأَنَّكَ لا تَكونُ لَنَا وَلِيّاً حَتّى لَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْكَ
أَهْلُ مِصْرِكَ وَقالُوا إِنَّكَ رَجُلُ سوءٍ لَمْ يُحْزِنْكَ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالُوا
إِنَّكَ رَجُلٌ صالِحٌ لَمْ يَسُرَّكَ ذَلِكَ، وَلَكِنِ اعْرِضْ نَفْسَكَ عَلى كِتابِ
اللهِ؛ فَإِنْ كُنْتَ سالِكاً سَبيلَهُ زاهِداً في تَزْهيدِهِ، راغِباً في تَرْغيبِهِ،
خائِفاً مِنْ تَخْويفِهِ، فَاثْبُتْ وَأَبْشِرْ فَإِنَّهُ لا يَضُرُّكَ ما قيلَ
فيكَ، وَإِنْ كُنْتَ مُبايِناً لِلْقُرْآنِ، فَما الَّذي يَغُرُّكَ مِنْ نَفْسِكَ؟
* إِنَّ المُؤْمِنَ مَعْنِيٌّ بِمُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ لِيَغْلِبَها عَلى هَواها،
فَمَرَّةً يُقيمُ أَوْدَها وَيُخالِفُ هَواهَا في مَحَبَّةِ اللهِ، وَمَرَّةً تَصْرَعُهُ
نَفْسُهُ فَيَتَّبِعُ هَواهَا، فَيُنْعِشُهُ اللهُ فَيَنْتَعِشُ، وَيُقِيلُ اللهُ
عَثْرَتَهُ فَيَتَذَكَّرُ، ويَفْزَعُ إِلَى التَّوْبَةِ وَالمَخافَةِ فيَزْدادُ بَصيرةً
وَمَعْرِفَةً لِمَا زِيدَ فيهِ مِنَ الخَوْفِ، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ يَقولُ: ﴿إِنَّ
الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا
فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ الأعراف:201.
* يا جابِرُ، اسْتَكْثِرْ لِنَفْسِكَ مِنَ اللهِ قَلِيلَ الرِّزْقِ تَخَلُّصَاً
إِلى الشُّكْرِ، وَاسْتَقْلِلْ مِنْ نَفْسِكَ كَثيرَ الطَّاعَةِ للهِ إِزْراءً عَلَى
النَّفْسِ [أزرى على النفس: عابها وعاتبها] وَتَعَرُّضاً لِلعَفْوِ.
* وَادْفَعْ عَنْ نَفْسِكَ حَاضِرَ الشَّرِّ بِحَاضِرِ العِلْمِ، وَاسْتَعْمِلْ
حَاضِرَ العِلْمِ بِخَالِصِ العَمَلِ، وَتَحَرَّزْ فِي خَالِصِ العَمَلِ مِنْ عَظِيمِ
الغَفْلَةِ بِشِدَّةِ التَّيَقُّظِ، وَاسْتَجْلِبْ شِدَّةَ التَّيَقُّظِ بِصِدْقِ
الخَوْفِ.
* ".." وَتَوَقَّ مُجَازَفَةَ الهَوى بِدَلالَةِ العَقْلِ، وَقِفْ
عِنْدَ غَلَبَةِ الهَوَى بِاسْتِرْشَادِ العِلْمِ، وَاسْتَبْقِ خَالِصَ الأَعْمَالِ
لِيَوْمِ الجَزَاءِ. ".."
* وَادْفَعْ عَظيمَ الحِرْصِ بِإيثارِ القَنَاعَةِ، وَاسْتَجْلِبْ حَلاوَةَ
الزَّهادَةِ بِقَصْرِ الأمَلِ، وَاقْطَعْ أَسْبَابَ الطَّمَعِ بِبَرْدِ اليَأْسِ.
* وَسُدَّ سَبيلَ العُجْبِ بِمَعْرِفَةِ النَّفْسِ، وَتَخَلَّصْ إِلَى رَاحَةِ
النَّفْسِ بِصحَّةِ التَّفْوِيضِ ".." وَتَعَرَّضْ لِرِقَّةِ القَلْبِ بِكَثْرَةِ
الذِّكْرِ فِي الخَلَوَاتِ، وَاسْتَجْلِبْ نُورَ القَلْبِ بِدَوامِ الحُزْنِ.
* وَتَحَرَّزْ مِنْ إِبْليسَ بِالخَوْفِ الصَّادِقِ.
وَإِيَّاكَ وَالرَّجَاءَ الكَاذِبَ. ".."
* وَإيَّاكَ وَالتَّسْوِيفَ فَإِنَّهُ بَحْرٌ يَغْرَقُ فِيهِ الهَلْكَى. وَإِيَّاكَ
وَالغَفْلَةَ فَفِيها تَكُونُ قَسَاوَةُ القَلْبِ.
* وَإيَّاكَ والتَّوانِيَ فِيمَا لا عُذْرَ لَكَ فِيهِ، فَإلَيْهِ يَلْجَأُ
النَّادِمُون، وَاسْتَرْجِعْ سَالِفَ الذُّنُوبِ بِشِدَّةِ النَّدَمِ وَكَثْرَةِ
الاسْتِغْفَارِ.
* وَتَعَرَّضْ لِلرَّحْمَةِ وَعَفْوِ اللهِ بِحُسْنِ المُراجَعَةِ،
وَاسْتَعِنْ عَلَى حُسْنِ المُراجَعَةِ بِخَالِصِ الدُّعَاءِ وَالمُنَاجَاةِ فِي
الظُّلَمِ. ".."
* وَاعْلَمْ أَنَّهُ.... لَا مُصِيبَةَ كَعَدَمِ العَقْلِ، وَلَا عَدَمَ
عَقْلٍ كَقِلَّةِ اليَقِينِ، وَلَا قِلَّةَ يَقِيْنٍ كَفَقْدِ الخَوْفِ.
".."
* وَلَا مُصِيبَةَ كاسْتِهَانَتِكَ بِالذَّنْبِ، وَرِضَاكَ بالحَالَةِ الَّتِي
أَنْتَ علَيْها.
* وَلَا فَضِيلَةَ كَالجِهَادِ، وَلَا جِهَادَ كَمُجَاهَدَةِ الهَوَى، وَلَا
قُوَّةَ كَرَدِّ الغَضَبِ، وَلَا مَعْصِيَةَ كَحُبِّ البَقَاءِ، وَلَا ذُلَّ كَذُلِّ
الطَّمَعِ.
* وَإِيَّاكَ والتَّفْريطَ عِنْدَ إِمْكَانِ الفُرْصَةِ، فَإِنَّهُ مَيْدَانٌ
يَجْرِي لِأَهْلِهِ بِالخُسْرَان.