حبُّ
عليٍّ عليه السلام خالدٌ خلودَ الفِطْرة
ـــــــــــــــــــــــــــــ الشهيد
الشيخ مرتضى مطهّري* ـــــــــــــــــــــــــــــ
ما هو سببُ تَمَكُّنِ حبِّ أمير
المؤمنين عليِّ عليه السلام في القلوب؟
لم يُكتشف سرُّ الحبّ إلى الآن، أي لا يُمكن
حصره ضمن قانون معيّن، بأنْ نقول: إذا حصل كذا ينتج عنه كذا. إلّا أنّ في الحبّ -
ولا شكّ - سرّاً. فقد يكون في المحبوب شيءٌ يُغشي بصر المحبّ فيجذبه إليه. وإذا ما
اشتدّ هذا الجذب وارتفع الحبّ إلى أعلى الدرجات، قيل: إنّه العشق. ولقد كان أمير
المؤمنين عليّ عليه السلام محبوبَ القلوب ومعشوقَ الناس، فلماذا؟ وكيف؟
فيمَ امتيازُ عليّ عليه السلام بحيث
أثار العشق فولهتْ به القلوب، فاصطبغ بصبغة الحياة الخالدة؟
لماذا ترى القلوب أنّها شديدة القرب
منه، ولا تحسبه قد مات، بل تراه حيّاً يرزق؟
إنّ حبّه ليس من قبيل حبّ الأبطال
الشائع في الأُمم..
لو أنّ كلّ ما تحلّى به أمير المؤمنين عليّ
عليه السلام من الفضائل لم يكن مصطبغاً بالصبغة الإلهية، لما كان على هذا القدر
الّذي نراه عليه اليوم من استثارة للانفعال واجتذابٍ للحبّ. فعليٌّ عليه السلام محبوبٌ
لكونه مرتبطاً بالله. إنّ قلوبنا ترتبط في أعماقها، وبغير وَعْيٍ منّا، بالله
تعالى.
ولمّا كان عليٌّ عليه السلام آيةَ الله
العظمى، ومَظهرَ صفات الله في أعيُننا، فقد عشقناه.. في الحقيقة إنّ سند حبّ عليّ عليه
السلام هو ما يربط النفوس بالله، ذلك الرابط الّذي كان في الفطرة دائماً. ولمّا
كانت الفطرة خالدة، فحبّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام خالدٌ أيضاً.
سَوْدَة الهمدانية المحبّة لأمير
المؤمنين وقفت أمام معاوية تَصِفُ عليّاً عليه السلام فقالت:
صَلَّى الإِلَهُ عَلى روحٍ تَضَمَّنَها
|
قَبْرٌ فَأَصْبَحَ فيهِ العَدْلُ
مَدْفونا
|
قَدْ حالَفَ الحَقَّ لا يَبْغِي
بِهِ بَدَلاً
|
فَصارَ بِالحَقِّ وَالإيمانِ مَقْرونا
|
صَعصعة بن صوحان العبديّ واحدٌ آخر من
المولَعين حبّاً بعليّ عليه السلام. كان من القلّة الّذين حضروا دفن أمير المؤمنين
في ذلك اللّيل البهيم. وبعد أن تمّ الدفن، وقف صعصعة على القبر واضعاً إحدى يدَيه
على فؤاده والأُخرى قد أخذ بها التراب يحثو به رأسه، ثمّ قال:
«بأبي أنت وأُمّي يا أمير المؤمنين،
هنيئاً لك يا أبا الحسن، فلقد طاب مولدُك، وقويَ صبرُك، وعَظُم جهادُك، وظفرتَ
برأيك، وربحتْ تجارتُك، وقدِمتَ على خالقك، فتلقّاك اللهُ ببشارته، وحفّتك ملائكته،
واستقررتَ في جوار المصطفى، فأكرمكَ الله بجواره، ولحقتَ بدرجة أخيك المصطفى،
وشربتَ بكأسه الأوفى، فأسألُ اللهَ أن يمنّ علينا باقتفائنا أثرَك والعملَ بسيرتك،
والموالاة لأوليائك، والمعاداة لأعدائك، وأن يحشرنا في زمرة أُولئك... فلا حرَمَنا الله أَجرَك، ولا أذلّنا بعدك، فوَاللهِ
لقد كانت حياتُك مفاتحَ للخير ومَغالقَ للشرّ، وإنّ يومك هذا مفتاحُ كلّ شرّ
ومغلاقُ كلّ خير. ولو أنّ الناس قبلوا منك لأَكلوا من فوقهم ومن تحت أرجُلهم، ولكنّهم
آثروا الدنيا على الآخرة».
ليس لعليٍّ عليه السلام، نظيرٌ من حيث
كونه موضعَ حبٍّ عارم، من لدن أُناسٍ ضحّوا برؤوسهم في سبيل حبّه، وارتقوا المشانقَ
في سبيل الولاء له. إنّ الصفحات العجيبة الّتي كتبها هؤلاء في التاريخ لَتثير
الحيرة والدهشة، وهي مفخرةٌ من مفاخر تاريخنا. إنّ دماء هذه النخبة تلطّخ أيدي
مجرمين أرجاس؛ أمثال زياد بن أبيه، وابنه عبيد الله، والحجّاج بن يوسف، والمتوكّل،
وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان.
*
مختصر من كتابه (الإمام عليّ عليه السّلام في قُوَّتَيه الجاذبة والدافعة)