تحقيق

تحقيق

منذ 3 أيام

الشبّاك الجديد لضريح مولانا العبّاس عليه السلام

الشبّاك الجديد لضريح مولانا العبّاس عليه السلام

عبقرية فريدة في تاريخ الفنّ الإسلامي

تحقيق: علي منصور

كربلاء المقدسة - «شعائر»

شهدت مدينة كربلاء المقدسة حدثاً دينياً ومعنوياً مميزاً تمثّل بافتتاح الشبّاك الجديد لضريح مولانا أبي الفضل العباس عليه السلام. وكانت ليلة الافتتاح مناسبة لحضور جماهيري حاشد للزوّار من العراق والبلاد الإسلامية، الذين تطلّعوا بخشوع إلى الاستزادة من بركات المكان المقدس، وتأكيدهم ولاءهم لأئمّة أهل بيت النبوّة عليهم السلام.

وكان لمجلة «شعائر» شرف المشاركة في هذه المناسبة الجليلة. ويسرّها أن تقدِّم لقرّائها الأعزاء هذا التحقيق الذي يُلقي الضوء على الأبعاد المعنوية للحدث، كما يبيّن القيمة الإبداعية لهذه التحفة الفنية الرائعة التي قام بتصنيعها جمع من الخبراء والمهندسين والفنيّين العراقيّين.

 

بأجواءٍ من المسرّة المشفوعة بذكرى ميلاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أُجريت مساء الأربعاء (12رجب 1437هـ) الموافق لـ(20نيسان 2016م) بعد صلاة العشاءين مراسيم حفل افتتاح الشبّاك الجديد لضريح أبي الفضل العباس عليه السلام، والذي صُنّع ورُكّب بأيدي خَدَمته العاملين في مصنع شبابيك الأضرحة المقدّسة والمزارات الشريفة التابع للعتبة المقدّسة، حيث احتضنت الساحة المؤدّية الى باب قبلة صحن أبي الفضل العبّاس عليه السلام هذه المراسيم الولائية التي شهدت حضوراً لشخصيّات دينيّة وثقافية وأكاديمية من داخل العراق وخارجه، وكان أبرز الحاضرين المرجع الديني الكبير آية الله الشيخ محمد اسحاق الفيّاض دام ظلّه، وممثّلين عن مراجع الدين العظام في النجف الأشرف، بالإضافة الى وفود مثّلت عتبَات العراق المقدّسة ومزاراته الشريفة، وشيوخ عشائر عراقية، وجمع كبير من المحبّين والموالين قدموا إلى مدينة كربلاء المقدّسة للمشاركة في هذا الحفل الكبير.

 

 

استُهِلّت المراسيم بتلاوة آياتٍ من الذكر الحكيم بصوت القارئ السيد حسنين الحلو، ثمّ كلمة للمتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي أشار فيها إلى أن العاملين في صناعة الشبّاك صنعوا آيةً من آيات الفنّ وتحفةً رائعةً ستبقى شاخصةً على مرّ السنين، وصدّقوا قناعتنا بقدرة أبناء البلد على الإنجاز والإبداع، فللّه درّهم وعليه أجرهم.

جاءت بعدها كلمة رئيس «ديوان الوقف الشيعيّ» السيد علاء الموسوي تحدث فيها «عن الإنجازات المتتالية للعتبات المقدّسة التي ضربت مثلاً في التفرّد، وأثبتت أنّ كلّ ما يواجه البلد من مشاكل يُمكن حلّها في ظلّ وجود شموعٍ مضيئة تُعطينا الأمل بوجود الخير في أهل هذا البلد والكفاءة في أبنائه والقدرة في عقوله...».

 

 

تبعتها كلمةٌ للعاملين في مصنع شبابيك الأضرحة المقدّسة والمزارات الشريفة التابع للعتبة العبّاسية المقدّسة وهي الجهة التي تشرّفت بإنجاز هذا العمل المبارك.

وفي نهاية الحفل جرى تكريم العاملين والمُشرفين على هذا العمل المبارك والسِّفر الخالد والإنجاز الكبير الذي من خلاله دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه، حيث تمّ تكريمهم من قبل المتولّي الشرعي بدرع وقلادة العتبة المقدّسة تقديراً وتثميناً لما بذلوه من جهدٍ خلال مدّة إنجاز المشروع.

وقد تخلّل الحفل إلقاء عددٍ من القصائد الشعرية (الفصيح والشعبي الدارج) لشعراء من داخل العراق وخارجه، كما تمّ عرض فيلم وثائقي يوثّق مراحل صناعة الشبّاك الشريف على يد خَدَمَته العاملين في مصنع شبابيك الأضرحة المقدّسة والمزارات الشريفة التابع للعتبة العبّاسية المقدّسة.

واختُتِمَت هذه المراسيم بدعوةٍ من المتولّي الشرعي للعتبة العبّاسية المقدّسة للحاضرين وضيوف أبي الفضل العباس عليه السلام لافتتاح الشبّاك الجديد، حيث ساروا على وقْعِ هتافات «لبّيك يا عبّاس»، ليُفتَحَ لهم باب إيوان الذهب وتكتحل أعينُهم برؤية شبّاك حامل لواء الطفّ وساقي العطاشى أبي الفضل العبّاس عليه السلام.

الشبّاك الشريف روعة الإبداع الفني

جرت عملية إنجاز الشبّاك الجديد لضريح المولى أبي الفضل العباس عليه السلام على مدى سنوات من التحضير الهندسي فضلاً عن المواد المستخدمة في تصنيعه. واللاّفت أن كلّ مراحل إنجاز الشبّاك تمّت ضمن ورش العتبة العباسية المقدسة، وبمواصفات عالية المتانة والجودة والدقة. حيث امتاز الشبّاك بخصائص جديدة وفريدة وعديدة تضاف الى خصوصية انفراده أصلاً بجمالية نقوشه وزخارفه الموجودة في جميع قِطعه وتميّزه عن باقي الأضرحة في العالم، حيث سيتمّ استبداله مع المحافظة على هذه الخصوصية لإبقاء هذا الصرح الفني الجميل أكبر فترة ممكنة على حاله حاملاً لخصائصه الفريدة.

تصميم الشبّاك الجديد هو نفس تصميم الشبّاك القديم في الهيكل العام والنقوش مع إضافات وتطويرات وتعديلات، وأما السبب في الإبقاء على التصميم العام نفسه، فيعود إلى تفرّده بين شبابيك أضرحة العتبات المقدّسة في العالم، وحيث أن هذا الشبّاك مصنوع في عام 1384 هجري كما هو مثبت على الشبّاك، ولأن صناعته كانت في أصفهان في إيران، لعدم وجود معمل عراقي حينها لصناعة هذا المستوى الراقي من الشبابيك، فلا توجد خرائط ورسومات الشبّاك (القديم)، ما تطلّب من الكوادر العاملة في الشبّاك الجديد إعداد تصميمات ومخطّطات هذا الشبّاك بشكل كامل، ثم تطويرها وتعديل ما يحتاج الى تعديل، وجعلها بدقة أفضل في المرحلة الثانية.

وبعد إنشاء المعمل بورشه العشر، عكفت الفرق الفنية في المشروع على اكتشاف تصميم ومخططات الشبّاك القديم، لتبدأ بعد ذلك في تطوير تلك النقوش، فاستخدمت لإنجاز أعمال الرسم لنقوشه القديمة تقنية (الهندسة العكسية)، حيث التقطت صوراً دقيقة لكلّ أجزاء الشبّاك، ومن ثم جرى رسمها باستخدام برامج الحاسوب المتخصّصة بالتصميم، ثم أضيفت عليها نقوش إضافية، مع تعديل بعض النقوش القديمة لتصبح أكثر دقة من السابق، وأكثر جمالاً ورشاقة في الخطوط، وليصبح الشبّاك الجديد أجمل من السابق، فضلاً عن جمالية القديم أصلاً.

 

 

نشير إلى أن الشبّاك الجديد هو أول شبّاك (من الذهب والفضة) يُصنع في العراق لعتبة من عتباته، وقد استخدم في عمله (أكثر من 410) كغم من الذهب الخالص، و(أكثر من 2700) كغم من الفضة النقية وبلغ مجموع الأوزان الكلية للمعادن المستخدمة في صناعة الشبّاك الشريف من (الذهب والفضة والنحاس وستنلس ستيل) هو (5500) كغم، كما استخدم في صناعته أجود أنواع الخشب، وبعشرة أنواع ملونة بوزن تقريبي (5500) كغم، وبذلك يكون الوزن الكلي للشبّاك الشريف (11) طن تقريباً. وبالتالي هذا الشبّاك أبدع فيه الصنّاع والحِرفيون العراقيون، لينتجوا تحفة فنية نادرة في الخط والزخرفة والدقة والتقنية.

 

كلمة المتولي الشرعي للعتبة

ومما جاء في كلمة المتولّي الشرعي للعتبة العبّاسية المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي خلال مراسيم حفل افتتاح الشبّاك الشريف لضريح أبي الفضل العبّاس عليه السلام - شبّاك النور: «لي كامل الشرف والمسرّة أن أقف أمام حضراتكم الكريمة في هذه الليلة العظيمة، ليلة ولادة قائد الغرّ المحجّلين ويعسوب الدين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، لرفد هذه الذكرى لافتتاح شبّاك نجله المحفوف بسلام الله وسلام ملائكته المقرّبين وجميع الأنبياء والصدّيقين، بطل الطفّ وناصر السبط الشهيد الإمام الحسين عليه السلام، ذلك هو سيدي ومولاي أبو الفضل العبّاس بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، هذا الشبّاك الذي استغرق العمل به سبعاً من السنين، نهض به فتيةٌ بَررة وصنّاعٌ مَهرَة وصلوا الليل بالنهار وسكبوا عصارة أفكارهم من أجل - شبّاك النور - حتى قيل على لسانهم:

يا آية الطفّ زِد روحي مؤرِّخةً            شبّاكُ قبرِك من أرواحنا صُنِعا».

أضاف السيد الصافي: «إنّ ثقتنا بطاقاتنا وكفاءاتنا كفيلةٌ بأن تُخرج البلد من أزماته لو أحسن المتصدّون إدارة هذه الطاقات... ونحن في هذا المكان وهذه المناسبة لا ننسى المقاتلين الأبطال الذين تركوا الأهل والولد والمال ولذّة الدنيا وهبّوا دفاعاً عن البلد والأرض والعِرْض والمقدّسات من شرور العصابات والقتلة الإرهابيّين الدواعش، أمدّ اللهُ إخوتنا المقاتلين بنصره المؤزّر وربط على قلوبهم وشدّ على سواعدهم وسدّد رميتهم وأخلف في أهلهم كلّ خير».

 

 

وختم بالقول: «نسأل الله تعالى أن يحفظ علماءنا الأعلام ويمدّ في عمرهم ويجعلهم خيمةً نستظلّ بها، وأن يحفظ بلدنا وبلاد المسلمين جميعاً..».

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

منذ يومين

دوريات

   إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات