موجز في التعريف بسورة «المُدَّثِّر»
الأولى بعد
بدء الدعوة العلنيّة
ــــــ إعداد: سليمان بيضون ــــــ
* السورة الرابعة والسبعون في ترتيب سوَر
المُصحف الشريف، نزلت بعد سورة «المزّمّل».
* سُمّيت بـ «المدّثّر» لابتدائها بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثَّرُ﴾.
* آياتها ستٌّ وخمسون، وهي مكّيّة، مَنْ
قرأها أُعطيَ من الأجر عشرَ حسنات بعدد من صدّق برسول الله
صلّى الله عليه وآله، كما في الحديث النبويّ الشريف.
* ما يلي موجز في التعريف بالسورة المباركة
اخترناه من تفاسير: (نور الثّقلين) للشيخ عبد علي الحويزي رحمه الله، و(الميزان) للعلامة السيد محمّد
حسين الطباطبائي رحمه الله، و(الأمثل) للمرجع الديني الشيخ
ناصر مكارم الشيرازي.
|
لا شكّ في أنّ المخاطب بأُولى آيات السورة هو النبيّ
صلّى الله عليه وآله وسلّم، وإن لم يصرَّح باسمه الشريف، وإنّما القرائن تشير إلى ذلك.
وفي سبب النزول أنّه اجتمع المشركون من قريش في موسم الحجّ، وتشاور الرؤساء منهم كأبي
جهل، وأبي سفيان، والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث، وغيرهم، في ما يُجيبون به
عن أسئلة القادمين من خارج مكّة وهم يناقشون أمرَ النبيّ الذي قد ظهر بمكّة، وفكّر
هؤلاء أن يسمّي كلّ واحدٍ منهم النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، باسم ليصدّوا الناسَ
عنه، لكنّهم رأوا في ذلك فساد الأمر لتشتّت أقوالهم، فاتّفقوا في أن يسمّوه «ساحراً»،
لأنّ أحد الآثار الظاهرة للسّحَرة هي التفريق بين المرء وخلّانه، وكانت دعوة النّبيّ
صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أثّرت – بزعمهم - هذا الأثر بين الناس... فجاء الأمر
إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله بإعلان دعوته وإشهارها.
وفي (تفسير الميزان) أنّ المراد بالتدثُّر تلبُّسه
صلّى الله عليه وآله وسلّم بالنبوّة، بتشبيهها بلباسٍ يتحلّى به ويتزيّن. وقيل
إنّه صلّى الله عليه وآله خُوطِبَ بوصفٍ مأخوذٍ من حاله - وكان متدثّراً - تأنيساً وملاطفةً، نظير قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾.
وقيل: إنّ سورة «العلق» هي أوّل سورة نزلت في صدر
البعثة، و«المدّثر» هي السورة الأولى التي نزلت بعد الدعوة العلنيّة.
محتوى السورة
تتضمّن السورة أمرَ النّبيّ صلّى الله عليه وآله
وسلّم بالإنذار، ثمّ الإشارة إلى عظيم شأن القرآن الكريم وجلالة قدره، والوعيد الشديد
على مَن يواجهه بالإنكار والرمي بالسحر، وذمّ المعرضين عن دعوته، ويدور البحث فيها
حول عدّة محاور، منها:
1 - أمْرُ الله تعالى رسولَه صلّى الله عليه وآله
وسلّم، بإعلان الدعوة، والتمسّك بالصبر والاستقامة.
2 - الإشارة إلى المعاد وأوصاف أهل النار، الذين
واجهوا القرآن بالتكذيب والإعراض عنه.
3 - ارتباط عاقبة الإنسان بعمله، ونفي كلّ أنواع
التفكّر غير المنطقي في هذا الإطار.
4 - الإشارة إلى قسم من خصوصيّات أهل النار وأهل
الجنّة وعواقبهما.
5 - كيفيّة فرار الجهلة والمغرورين من الحقّ.
ثواب تلاوة سورة (المدثّر)
* عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، أنّه قال:
«مَن قرأَ هذه السّورةَ أُعطِيَ من الأجر بعددِ مَن صدّقَ بمحمّدٍ (صلّى الله عليه
وآله وسلّمَ)، وبعددِ مَن كذّب به عشرَ مرّات، ومَن أدمَنَ قراءتَها وسألَ اللهَ في
آخرها حِفظَ القرآن، لم يمتْ حتّى يشرحَ اللهُ قلبَه ويحفظَه».
* وعن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنّه قال:
«مَن قَرأ في الفريضة سُورةَ المدّثّر كان حقّاً على الله أنْ يَجعلَهُ مع محمّدٍ
في درجته، ولا يُدركه في حياة الدُّنيا شقاءٌ أبداً،
إنْ شاء الله».
تفسير بعض آياتها من روايات المعصومين عليهم
السلام
قوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ الآية:4.
* الإمام الصادق عليه السلام: «قال أمير المؤمنين
عليه السلام: غَسْلُ الثياب يُذهب الهمّ والحُزن، وهو طَهورُ الصَّلاة، وتَشميرُ الثياب
طَهورها، وقد قال الله سبحانه: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾، أي فَشَمِّر».
* الإمام الكاظم عليه السلام: «إنَّ الله عزَّ
وجلَّ قال لِنبيِّه صلّى الله عليه وآله: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾، وكانت ثيابه
طاهرة، وإنّما أَمَرَهُ بِالتَّشْمير».
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾
الآية:6.
* أمير المؤمنين عليه السلام في عهده لمالك
الأشتر: «..وَإيَّاكَ والمنَّ على رَعيّتك بإحسانِكَ،
أو التزيّدَ فيما كان مِن فعلِكَ... فَإنَّ المَنَّ يُبطلُ الإحسانَ، والتَّزيُّدَ
يذهبُ بنورِ الحقّ». (المراد بالتزَيُّد التكلّف في إظهار الفعل
أكبر مما هو)
قوله تعالى: ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾ الآية:17.
* الإمام الباقر عليه السلام: «إنَّ في جَهنّم
جَبلاً يُقال له صَعود، وإنّ في صَعود لوادياً يُقالُ لهُ سَقَر، وإنَّ في سَقَر لجُبّاً
يقال له هَبْهَب، كلّما كُشفَ غطاءُ ذلك الجبّ ضجّ أهلُ النّارِ من حَرِّه، وذلك منازل
الجبّارين».
قوله تعالى: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ الآية:26.
* الإمام الصادق عليه السلام: «إنَّ في جَهنَّم
لوادياً للمُتَكبّرين يُقالُ لَهُ سَقَر، شَكَا إلى الله عزَّ وجلَّ شِدّةَ حَرِّه،
وسَأَلَهُ أَنْ يَأذن لَهُ أنْ يَتَنَفَّس، فَتَنَفَّسَ فَأَحْرَقَ جَهَنَّم».
قوله تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ
أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾ الآية:37.
* الإمام الباقر عليه السلام: «مَنْ تَقَدَّمَ
إلى ولايَتِنا أُخِّرَ عَن سَقَر، وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنَّا تَقَدَّمَ إلى سَقَر».
قوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ
* إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ﴾ الآيتان:38-39.
* الإمام الصادق عليه السّلام: «اقصِر نَفسَكَ
عمّا يَضرُّها مِن قَبلِ أنْ تُفارِقَكَ، واسْعَ فِي فَكَاكِهَا كَمَا تَسْعَى فِي
طَلَبِ مَعِيشَتِكَ، فَإنَّ نَفْسَكَ رَهينةٌ بِعَمَلِكَ».
* الإمام الكاظم عليه السلام: «أَصحابُ اليَمينِ،
هُم واللهِ شِيعتُنا».
قوله تعالى: ﴿قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾
الآية:43.
* أمير المؤمنين عليه السلام: «تَعَاهَدُوا الصَّلَاةَ
وحَافِظُوا عَلَيْهَا واسْتَكْثِرُوا مِنْهَا وتَقَرَّبُوا بِهَا، فَإِنَّهَا كَانَتْ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً، وقَدْ عَلِمَ ذَلِكَ الْكُفَّارُ حِينَ
سُئِلُوا ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾».
* عن الإمام الكاظم عليه السلام، أي قالوا: «إنّا
لم نَتَوَلَّ وَصِيَّ مُحَمَّدٍ والأوصِياءَ مِنْ بَعْدِه..».
قوله تعالى: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ
* كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ﴾ الآية:49-51.
* أمير المؤمنين عليه السلام: «أيُّها النّاس،
إنِّي استَنفَرْتُكُم لجِهادِ هَؤلاء القَوْم فَلَم تَنْفِروا، وأسمعتُكم فلَم تُجِيبوا،
ونَصَحْتُ لكُم فَلَم تَقْبَلوا، شُهودٌ كالغُيَّب، أَتْلُو عليكُم الحِكْمَةَ فتُعرِضُونَ
عَنها، وأَعِظُكُم بالمَوعِظَةِ البالِغة فَتَنْفرُونَ مِنها، كأنّكم حُمُرٌ مُستَنفِرةٌ
فرّت من قَسْوَرَة..». (الحُمُر المستنفرة هي البهيمة الهاربة، والقَسورة
السّبُع الضاري)
* الإمام الكاظم عليه السلام في تفسير قوله
تعالى: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾: أي «عَنِ الوِلايةِ مُعرِضِين».
قوله تعالى: ﴿..هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ
الْمَغْفِرَةِ﴾ الآية:56.
* الإمام الصادق عليه السلام: «قالَ اللهَ تباركَ
وتعالَى: أنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى ولا يُشرِك بِي عَبدي شيئاً، وأنا أَهلٌ إنْ لمْ
يُشرِك بي عَبدي شيئاً أنْ أُدخلَه الجَنَّة».
* وعنه عليه السلام: «إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى
أَقْسَمَ بِعِزَّتِهِ وَجَلالِهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ أَهْلَ تَوحِيدِهِ بِالنَّار».