من
وقائع ما بعد «شورى الستّة»
احتجاج المقداد بن عمرو على عبد الرحمن بن
عوف
ــــــــــــــــــــ
الفقيه المحدّث محمد طاهر القمي الشيرازي* ـــــــــــــــــــــــــــــــ
«..
عن جُنْدب بن عبد الله الأزدي الكوفي، قال:
كنت
جالساً بالمدينة حيث بُويع عثمان، فجئت وجلستُ إلى المقداد بن عمرو، فسمعتُه يقول:
واللهِ ما رأيتُ مثل ما أتى إلى أهلِ هذا البيت. (أي آل بيت رسول الله صلّى الله
عليه وآله).
وكان
عبد الرحمن بن عوف جالساً، فقال: وما أنت وذاك يا مقداد؟
قال
المقداد: إني واللهِ أُحبّهم لحبّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وإني لأَعجبُ
من قريشٍ وتطاولهم على الناس بفضلِ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم
انتزاعهم سلطانه من أهله.
قال
عبد الرحمن: أما والله لقد أجهدتُ نفسي لكم.
قال
المقداد: أما واللهِ لقد تركتَ رجلاً من الذين يأمرون بالحقّ وبه يَعدِلون، أما
واللهِ لو أن لي على قريش أعواناً لقاتلتُهم قتالي إياهم ببدرٍ وأُحد.
فقال
عبد الرحمن: ثكلتك أمّك، لا يسمعنّ هذا الكلامَ الناسُ، فإني أخاف أن تكون صاحبَ
فتنةٍ وفُرقة.
قال
المقداد: إن مَن دعا إلى الحقّ وأهله ووُلاة الأمرِ لا يكون صاحبَ فتنة، ولكنْ مَن
أقحمَ الناس في الباطل، وآثَرَ الهوى على الحقّ، فذلك صاحبُ الفتنة والفُرقة.
قال:
فتربّدَ وجهُ عبد الرحمن، ثم قال: لو أعلمُ أنك إيّايَ تعني لكان لي ولكَ شأن.
قال
المقداد: إيّايَ تُهدّد يا بنَ أمِّ عبدِ الرحمن؟! ثمّ قام فانصرف.
قال
جندب بن عبد الله: فاتّبعتُه وقلت له: يا عبدَ الله، أنا من أعوانك.
فقال:
رحمكَ الله، إن هذا الأمر لا يُغني فيه الرجلان ولا الثلاثة.
قال:
فدخلتُ من فوري ذلك على عليٍّ عليه السلام، فلما جلستُ إليه، قلت: يا أبا الحسن،
واللهِ ما أصاب قومُك بصرف هذا الأمر عنك.
فقال:
صبرٌ جميل واللهُ المستعان.
فقلت:
واللهِ إنك لَصبور.
قال:
فإنْ لم أصبر فماذا أصنع؟
قلت:
إني جلستُ إلى المقداد بن عمرو آنفاً وعبدَ الرحمن بن عوف، فقالا كذا وكذا، ثم قام
المقداد فاتّبعته، فقلت له كذا، فقال لي كذا.
فقال
لي عليّ عليه السلام: لقد صدق المقداد، فما أصنع؟
فقلت:
تقوم في الناس فتدعوهم إلى نفسك، وتُخبرهم أنك أَولى بالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم،
وتسألهم النصرَ على هؤلاء المظاهِرين عليك، فإنْ أجابك عشرةٌ من مائة شددتَ بهم
على الباقين، فإنْ دانوا لك، فذاك، وإلا قاتلتَهم....
فقال:
أترجو، يا جُنْدَب، أن يبايعني من كلّ عشرةٍ واحد؟
قلت:
أرجو ذلك.
قال:
لكنّي لا أرجو ذلك، لا واللهِ ولا من المائة واحد....
فقلت:
جُعلت فداكَ يا ابن عمّ رسول الله، لقد صدعتَ قلبي بهذا القول، أفلا أرجعُ إلى المِصر،
فأُوذِنُ الناس بمقالتك، وأدعو الناسَ إليك؟
فقال:
يا جندب، ليس هذا زمان ذلك.
قال
جندب: فانصرفتُ إلى العراق، فكنت أذكر فضلَ عليٍّ عليه السلام على الناس، فلا أُعدَمُ
رجلاً يقول لي ما أكره، وأحسنُ ما أسمعه قول مَن يقول: دعْ عنك هذا وخُذْ فيما ينفعك!
فأقول: إن هذا ممّا ينفعني وينفعك، فيقومُ عنّي ويَدَعُني. حتّى رُفِعَ ذلك من
قولي إلى الوليد بن عقبة أيامَ وَلِيَنا، فبعث إليّ فحبسني حتى كُلِّم فيّ، فخلّى
سبيلي».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كتاب الأربعين في
إمامة الأئمة الطاهرين، للمؤلف (ت: 1098 هـ)