ماذا لو اضمحلّت
ثروة «السعودية»؟
ــــــــــــــــــ بارتون برندر ــــــــــــــــــ
هذه المقالة المعنونة «ماذا لو اضمحلّت ثروة السعودية؟»،
لكاتبها بارتون برندر نُشرت أواخر آذار المنصرم في دورية «ذي ستراتيجي بريدج»
الأميركية.
يحاول الكاتب برندر، الضابط في الجيش الأميركي وعضو
نقابة الكتّاب العسكريين، أن يتلمّس «مخاطر» تحوّل «السعودية» إلى دولة فقيرة على السياسة
الخارجية الأميركية وعلى الكيان الصهيوني تحديداً.
ما يلي، مختصر ما ورد في هذا المقال، نقلاً عن العدد
الحادي عشر من مجلة «رأي آخر» الصادرة عن «المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية»
في بيروت.
«شعائر»
تستفيد
الولايات المتحدة من ثروة «المملكة العربية السعودية». فإنّ لهذه الأخيرة، بموجب
كونها غنية بالاحتياط النفطي وقادرة على إنفاق العائدات، تأثيراً عظيماً في الشرق
الأوسط. ومن الأمثلة على تأثير المملكة التحالف متعدّد الدول الذي تقوده حالياً ضد
«النظام الحوثي الشيعي» في اليمن، وكذلك سلطتها المستمرة داخل «منظمة أوبك».
إنّ
ثروة «السعودية» مهمّة لأولئك المهتمين بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، لأنّ
أميركا ضامن غير رسمي للسيادة «السعودية» في وجه أيّ اجتياح. كما أنّها مهمّة
أيضاً لأنّ الولايات المتحدة تستغلّ علاقتها مع «السعودية» لتنفيذ سياساتها في
المنطقة. من وجهة النظر الأميركية، فإنّ «مملكة سعودية» فاحشة الثراء تساعدها في
الحصول على ما تريد.
لكن
خزائن «السعودية» باتت تعاني من أزمة، والسؤال: لماذا يجب أن يكون ذلك موضع قلق؟
الجواب:
لأنّ أميركا تستغلّ شريكاً قوياً، وإدارة نيكسون فعلت ذلك مسبقاً. ففي عام 1969م،
طرح الرئيس ريتشارد نيكسون سياسة «الركنين التوأمين»، وهو عبارة عن مسعى خارجي
الغاية منه احتواء التمدّد السوفييتي في الشرق الأوسط. فمن أجل مواجهة النفوذ
الشيوعي، وجدت الولايات المتحدة حاجة لزيادة الاستثمار العسكري في المنطقة. بالطبع
زيادة الانفاق على كلّ دولة في الشرق الأوسط سيكون مكلفاً للغاية. لذا، ركّزت
الولايات المتحدة دعمها في «السعودية» من أجل السماح لها بحفظ المصالح الأميركية.
وما
لبث أن بان ذلك سريعاً على المشهد الدولي، وشمل هذا الترتيب، في فترة لاحقة،
جماعةً كـ«حماس»، حيث ضغطت الولايات المتحدة على «السعودية» مرّات عدّة بخصوص «حماس».
على
سبيل المثال، في عام 2004م زادت الولايات المتحدة الضغط على «السعودية». وفي ردّ
جزئي على ذلك، صاغ الجناح المتشدّد في «حماس» علاقة مفاجئة دامت 11 عاماً مع إيران
ذات الثقل الشيعي. ولكن حين فقد ذاك الترتيب بريقه في عام 2015م، عادت «حماس» مرة أخرى
إلى الصديق القديم للولايات المتحدة: «السعودية». ذاك الرابط المتجدد بـ«السعودية»
المتأثرة بالولايات المتحدة، دفع الجناح العسكري في حماس إلى إعادة درس معاندته
لتسويات السلام مع «إسرائيل».
لكن
في حال فقدت «السعودية» قوّتها كمتبرّع يحفظ المصالح الإقليمية، ينبغي لأميركا إعادة
التفكير في كيفية تنفيذ أعمالها في الشرق الأوسط.
ثم
إنّ تأثير أميركا في «السعودية» ينفذ إلى باقي العالم العربي. فإذا ما فقدت
تأثيرها الذي توفّره ثروتها على الجيران الإقليميين، سوف تجبر أميركا في
مواجهة التكاليف لشرقِ أوسطٍ أكثر تفتّتاً، أو إيجاد شريك جديد للعمل معه.
يمكن
للإمارات العربية المتحدة أن تكون خياراً فعلياً كشريك تاريخي في المصالح
الأميركية، الإمارات السبع التي تشكّل دولة الإمارات تُبدي مصلحة متزايدة في أن
تغدو زعيماً إقليمياً منذ عام 2011م.
«سعودية»
فقيرة يمكن أن تؤثّر أيضاً في السياسة الأميركية من خلال زيادة حاجة أميركا إلى
التعامل مباشرةً مع إيران. تعتبر إيران نفسها زعيماً إقليمياً لآلاف السنين. ولكن
ربّما ما هو أهمّ، أنها تعتبر نفسها الزعيم الفعلي للعالم الشيعي الذي يعتبر كناية
عن فئة سكانية على خلاف عميق مع السنّة (تتوهّم «السعودية» عادةً بأنها زعيمتهم).
وبدون هيمنة «السعودية»، من المحتمل أن تشهد منطقة الشرق الأوسط تغييراً
دراماتيكيّاً في ميزان القوّة لمصلحة إيران.
إنّ
تلاشي التكتّل السنّي بقيادة «السعودية»، المعارض عموماً للقوّة الشيعية، سيسمح
لإيران بإعادة تركيز طاقاتها في التوترات القديمة مثل السياسة الداخلية العراقية،
والقيادة السياسية اليمنية، ووجود «إسرائيل».
ارتدادات ضعف «السعودية» على «إسرائيل»
أخيراً،
احتمال أن تغدو «السعودية» فقيرة سيؤثر كثيراً في «إسرائيل». يبدو، على السطح، أنّ
المملكة لا تكنّ الحبّ للدولة اليهودية، إنْ كان عدم وجود علاقات دبلوماسية بين
الاثنتين هو الدليل. لكن الأمر الغريب، كما يبدو عندها، أن يؤدّي فقدان «السعودية»
للأهمية إلى مشاكل كبيرة تعترض «إسرائيل». لماذا؟ لأنّ «السعودية» تؤثّر في العالم
العربي، والولايات المتحدة تؤثّر في «السعودية»، وعلاقة صديق الصديق هذه تسمح
للولايات المتحدة بأن تفرض قوّة استقرار بالوكالة على مجال النفوذ «السعودي».
مثال
على هذا الشيء هو مبادرة السلام العربية التي طرحتها «السعودية» في عام 2002م. وأميركا،
صديقة «إسرائيل» منذ تأسيسها، شجّعت على هذا الاقتراح على نحو رسمي وغير رسمي.
إضافة
إلى ذلك، من دون وجود «السعودية» لإشغال إيران وصرف انتباهها، قد تُجبَر «إسرائيل»
على إبرام التسويات مع جارَيها المعتدلَين الأردن وتركيا من أجل إقامة درع مشتركة
في وجه «العدوان الإيراني». فإذا كان الحال على غرار ذلك، سوف تُصبح «إسرائيل» في
موقف يُحتّم عليها محاولة إقناع البلدان السنيّة حولها بأنّها شوكة في خاصرتها،
لكن لا تُعد شيئاً أمام إيران.
في
الختام، «السعودية» فقيرة ستُجبر الولايات المتحدة على تغيير طريقة سعيها من أجل
الأهداف السياسية في الشرق الأوسط. وفي حال تدنّت مكانة «السعودية» على المسرح
الدولي، يُصبح لزاماً على الولايات المتحدة إمّا تغيير تفاعلها الدبلوماسي
دراماتيكياً مع البلدان التي تقودها السعوية الآن، وإمّا التفاعل على نحو مباشر أكثر
مع إيران، وتحذير حليفتها «إسرائيل» بأنّ الأسوأ قد يكون آتياً.