اليهود على أعتاب الحرمَين!
الفصل الأخير من
التطبيع السعودي مع الصهاينة
ــــــــــــــــــــــــ إعداد: «هيئة التحرير»
ــــــــــــــــــــــــ
* شهدت المنطقة العربية والإسلامية خلال العام المنصرم
وبدايات العام الحالي مجموعة من التحوّلات المتسارعة والمدوّية على المستويين
السياسي والعسكري، في مقدّمها إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن نيّته نقل
سفارة بلاده إلى القدس المحتلّة، وما تبع هذا الإعلان من وقف التمويل الأميركي
لوكالة (أونروا) تمهيداً لشطب حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيّين، وصولاً إلى اشتداد وتيرة
العدوان السعودي على اليمن، واستماتة الرياض في تسديد الثمن المطلوب أميركياً لتوريث
الحكم لوليّ العهد الصغير محمد بن سلمان، ولو تطلّب الأمر فتح مصاريع الحرمَين
الشريفين أمام جحافل اليهود، فيما بات يُعرف تخفيفاً بـ«التطبيع السعودي –
الإسرائيلي».
* يتناول هذا التحقيق عدّة مشاهد منكرة تعكس الحضيض الذي
بلغه النظام الوهّابي في التملّق للصهاينة أعداء الأمّة، وقد استقينا مادّته من عدّة
مصادر؛ أهمّها دراسة للباحث الأردني حسني الخطيب، وأخرى نقلاً عن موقع «الخليج الجديد»،
وعدة تقارير عن الموقع العربي لقناة «دويتشه فيله» الألمانية.
دخل النظام السعودي مرحلة جديدة من توريث الحكم لوليّ العهد محمد بن سلمان،
وهو يستعدّ لتقديم الثمن المطلوب، بما في ذلك تطبيع العلاقات مع «إسرائيل»، بوصفه مدخلاً
لتوطيد العلاقات مع الولايات المتحدة، صاحبة القول الفصل في مَن يعتلي عرش الحكم
في المملكة السعوديّة.
والمتابع لسياق الأحداث يلاحظ أنّ هناك تفلُّتاً سعودياً من كلّ حَرَجٍ تجاه
«إسرائيل» منذ زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرياض في أيار 2017، وهي الزيارة
التي توجّه منها مباشرةً إلى «إسرائيل» في رحلة اعتبرتها المتحدّثة باسم البيت الأبيض
سارة هاكابي «لحظة تاريخية» في العلاقات بين الرياض وتل أبيب.
فالسعودية تراهن الآن وبقوّة على «إسرائيل» لأنّهما تكنان معاً عداءً عميقاً
لإيران. وتسعى الرياض أيضاً في السياق نفسه للضغط على الفلسطينيّين وإجبارهم على القبول
بما يسمّى «صفقة القرن الإسرائيلية/ الأمريكية» وقوامها التخلّي الكامل عن القدس الشريف
وحقّ العودة. صحيفة «التلغراف» البريطانية نقلت عن ياكوف ناجيل، مستشار الأمن القومي
الصهيوني السابق قوله: «المملكة السعودية حريصة على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل،
وهي مستعدة للتوقيع على أيّ نوع من اتّفاقيات السلام، حتّى لو كانت غير مناسبة للفلسطينيّين،
فالسعوديّة لا تهتمّ بالفلسطينيّين ما دام بإمكانها التوصّل لاتفاق مع إسرائيل ضدّ
إيران».
هكذا أصبحت الدلائل واضحة وجليّة للعلن حول التقارب السعودي - «الإسرائيلي»،
لا سيّما وأن الحدود البحرية بينهما باتت مشتركة بعد تخلّي الرئيس المصري عبد
الفتاح السيسي عن سيادة بلاده على جزيرتَي تيران وصنافير في البحر الأحمر. لهذا لا
نستغرب عندما يقول «موشيه يعَلون»، وزير الحرب الصهيوني السابق: «ليس صدفةً أنّ ما
يقوله الجبير [وزير الخارجية السعودي] في السعودية بالعربية اليوم، هو نفس ما نقوله
نحن بالعبرية في إسرائيل».
بدوره، أنور عشقي، الضابط السعودي المتقاعد والمستشار لصنّاع القرار في السعودية،
والذي زار «إسرائيل» مؤخّراً، يصرّح لـقناة «دويتشه فيله» الناطقة بالعربية: «المملكة
ستتّجه للتطبيع مع إسرائيل بعد تطبيق المبادرة العربية، والأمور تسير نحو الحلّ والجميع
سيوافق، بما في ذلك حركة حماس»، وفق تعبيره.
ولكن هل يُمكن أن يتقبّل المجتمع السعودي أيّ تقارب مع «إسرائيل»؟ أنور عشقي
إيّاه، وهو صاحب نظرية «دَمْج إسرائيل جغرافيّاً مع دول المنطقة» يزعم أنّه لمس تغيّراً
في موقف الشارع السعودي، ويعلّق: «الآن، لو نظرنا إلى التغريدات والتعليقات التي تظهر
من أبناء المملكة، نجد أنّهم يقولون إنّ إسرائيل لم يسجّل منها عدوان واحد على المملكة»!
«إسرائيل» في وجدان النُّخَب السعودية
في منتصف شهر حزيران من العام الفائت، وفي أيّام شهر رمضان المبارك، أُطلق
وسمان على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» يروّجان للتطبيع السعودي مع دولة الاحتلال
«الإسرائيلي»، ولقيا تفاعلاً واسعاً من أصوات سعودية في خطوة غير مسبوقة. لم يكن
الأمر بريئاً ولا من قبيل الصدفة؛ إذ كشف حساب المغرّد السعودي الشهير «مجتهد»، المطّلع
على ما يجرى في أروقة العائلة الحاكمة في السعودية، أنّ «بن سلمان» وجّه بتنفيذ حملة
إعلامية لتهيئة الرأي العام لعلاقات معلنة مع «إسرائيل»، بل وخصّص مكافأة للإعلامي
والمغرّد الذي «يُبدع» في هذه الحملة.
وسما «#سعوديون_مع_التطبيع»، و«#إسرائيل_ليست_شبح_نخشاه».. انتشرا على نطاق
واسع خلال الفترة المشار إليها، وإنْ كان الوسم الأول الأوسع انتشاراً؛ إذ احتلّ في
غضون أيام المرتبة الثالثة على قائمة أعلى الوسوم تداولاً في المملكة، وعبره تدفّق
سيلٌ من التغريدات الداعمة لعملية «التطبيع» مع دولة الاحتلال «الإسرائيلي».
وهكذا، تحوّلت دعوات التطبيع وإقامة علاقات مع «إسرائيل» إلى حفلة يومية في
الصحافة السعودية، وظهرت آثار هذا التقارب في سلسلة تصريحات من كُتّاب وشخصيات إعلامية
سعودية بارزة، بدأت بالترويج وبقوّة للتطبيع مع الكيان الصهيوني خلال الفترة الأخيرة،
أحقرها ما صدر عن الكاتب في صحيفة الجزيرة السعودية أحمد الفراج الذي غرّد قائلاً:
«لك العتبى يا نتنياهو حتى ترضى»!!
في حين قال الكاتب والروائي تركي الحمد: «لم تعد القدس هي القضية، بل أصبحت
شرعية مزيفة لتحرّكات البعض».
وصدر عن الكاتب سعود الفوزان قوله: «لست محامياً عن اليهود، لكن أعطوني يهودي
واحد قتل سعودي وأُعطيكم ألف سعودي قتل أبناء جِلدته بالحزام الناسف».
هذا وصدر عن الكاتب ومدير قناة العربية السابق عبد الرحمن الراشد قوله: «حان
الوقت لإعادة النظر في كلّ مفهوم المعاملات مع فلسطين وإسرائيل». وأيّده في ذلك الكاتب
محمد آل الشيخ قائلاً: «قضية فلسطين ليست قضيتنا، وإذا أتاكم متأسلم متمكيج يدعو للجهاد
فابصقوا في وجهه».
في حين صرّح الكاتب أحمد بن سعيد القرني: «اليهود يكنّون لنا الاحترام ولم يعتدوا
علينا أو يفجّروا في بلدنا، وأدعو الملك إلى فتح سفارة وتمثيل دبلوماسي عالي».
بدوره، كتب الإعلامي مساعد العصيمي مقالاً في صحيفة «الرياض» شبه الرسمية، بعنوان
«إذا غشّك صديقك فاجعله مع عدوّك». وخلال مقاله، الذي نشره بتاريخ 6 حزيران 2017، واحتفى
به موقع «إسرائيل بالعربية» (الحساب الرسمي لدولة إسرائيل المزعومة على تويتر)، يبرّر
العصيمي التطبيع مع «إسرائيل» متسائلاً: «هل هناك عدوّ أشدّ من أيران علينا وعلى بلادنا..
وهل إسرائيل كما إيران في التهديد والتأثير والإقلاق وبث الحقد والكراهية؟..».
مفتي السعودية يقرّ ولاية اليهود على الأقصى!
ثالثة الأثافي في هيكل التطبيع السعودي مع اليهود - بعد الضابط المتقاعد
أنور عشقي والأمير تركي الفيصل – هو مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس «هيئة
كبار العلماء»، عبد العزيز آل الشيخ، سليل مبتدع العقيدة الوهابية، حيث يصدر سلسلة
من الفتاوى مباشرة على الهواء، تخدم مصالح اليهود في فلسطين المحتلة، وهو يؤكّد
أنّ «قتال الإسرائيليّين أو قتْلهم في باحة وحرم المسجد الأقصى لا يجوز شرعاً لأنّ
اليهود اليوم يتحكّمون بأرض المسجد وهي تحت ولايتهم، ولا يجوز أيضاً الخروج عليهم من
باب عدم إلقاء النفس بالتّهلكة».
يضيف آل الشيخ: «حركة حماس حركة إرهابية وتريد بأهل فلسطين الشرّ، والمظاهرات
التي انطلقت في العديد من الدول العربية والإسلامية لنصرة فلسطين والأقصى وقطاع غزة
سابقاً هي مجرّد أعمال غوغائية لا خير فيها ولا رجاء منها».
كما أفتى آل الشيخ أخيراً بجواز الاستعانة والتعاون مع الجيش «الإسرائيلي» للقضاء
على حزب الله في لبنان بذريعة أنهم روافض؛ فالضرورات تُبيح المحظورات على حدّ وصفه.
يهودي في المسجد النبويّ!
جاء اليوم الذي نرى ونسمع فيه أن حكّام الحجاز وجزيرة العرب أصبحوا يسمحون لأنفسهم
وبشكل عادي جداً ومن دون أي خجل أو أسف برؤية يهودي «إسرائيلي» يتجوّل بكلّ حرية عندهم،
وأن يدخل هذا الصهيوني إلى الحرم النبويّ في المدينة المنوّرة ويتجوّل في مسجد رسول
الله وبجوار روضته الشريفة، ويلتقط الصور إلى جوار قبر الرسول الأعظم عليه وآله
أفضل الصلاة والسلام في المسجد النبويّ، فهذا اليهودي «الإسرائيلي» «بن تسيون تشدنوفسكي»
يقول إنه دخل المسجد النبويّ الشريف بمعرفة شخصيات سعودية، وأنهّم يعرفون خلفيته اليهودية
وجنسيته «الإسرائيلية».
وفي إطار نهجها التطبيعي العلني والجديد مع الصهاينة، منعت السلطات السعودية
مؤخراً اثنين من أئمّة جماعة الحرم المشهورين من الظهور العلني في خُطب الجمعة أو في
مواقعهم على وسائل التواصل الإجتماعي والدعاء على اليهود والصهاينة الغاصبين.
السياسة نفسها انسحبت على أول اجتماع لوزراء دفاع «التحالف الإسلامي العسكري
لمحاربة الإرهاب»، والذي جرت فعالياته أواخر شهر تشرين الثاني 2017 في الرياض، حيث
عُرض شريط ترويجي لمكافحة الإرهاب تضمّن مشاهد لعناصر من فصائل المقاومة الفلسطينية
خلال تصدّيهم لاقتحام قوات «إسرائيلية» لمدينة بيت لحم عام 2001م، ومن نافل القول
إنّ ذلك يتضمّن دلالات وإشارات عميقة للجانبين الفلسطيني والصهيوني.
ها هي الرياض، تتخلّى بمنتهي الصلافة والوقاحة، عن أقنعتها واحداً تلو
الآخر، لتظهر على حقيقتها؛ توأماً روحيّاً للصّهاينة الغاصبين، وكياناً زائفاً
ينتحل صفة الإسلام والعروبة، ويضمر كلّ سوءٍ بالأمّة وبمقدّساتها.