«قاتِلْ
مع عليٍّ جميعَ مَن يقاتِل»
تراجم أربعة من الشعراء الموالين
ــــــــــــــــــــــــــ
محمّد بن عمران المرزباني الخراساني ــــــــــــــــــــــــــ
من
كتاب (أخبار شعراء الشيعة) للمرزباني الخراساني، أبي عبد الله محمّد بن عمران
المتوفّى سنة 384 هجرية، هذه الباقة المختصرة في ترجمة أربعة من صحابة النبيّ
والإمام عليّ صلوات الله عليهما وآلهما، مع ذكر نبذٍ من أشعارهم في مدح أمير
المؤمنين عليه السلام.
والمؤلّف
المرزباني الخراساني، من أعلام الأدباء الموالين في القرن الرابع، لم يوفّه
المؤرخون وأصحاب التراجم حقّه، ولا نالتْ كُتبه، على أهمّيتها، حظّها من الانتشار
لأسباب لا يتّسع المقام لذكرها، وقد فصّل فيها محقّق الكتاب الشيخ محمّد هادي
الأميني.
«شعائر»
أبو الأسود الدؤلي
* اسمه ظالم بن عمرو،
أو ظالم بن ظالم، المتوفّى بالبصرة سنة 69 هجرية، من الطبقة الأولى من شعراء
الإسلام.
* كان من قدماء
التابعين وكبرائهم، وكان شاعراً مجيداً شيعيّاً، وهو الذي أخذ العربية عن أمير
المؤمنين عليه السلام وألّفها وهذّبها، وكان نازلاً في بني قشير (بطن من عامر بن
صعصعة من هوازن من العدنانية) وكانوا يُبغضونه لحبّه عليّاً عليه السلام، ويرمونه
في اللّيل بالحجارة، فإذا أصبح شكى ذلك، فقالوا: ما نحن نرميك ولكنّ الله يرميك.
فقال: كذبتم، لو رماني
اللهُ ما أخطأني.
وقال:
يقولُ
الأرذلونَ بنو قَشيرٍ
|
طوالَ
الدهر ما تنسى عَلِيّا
|
فقلتُ
لهم: وكيفَ يكونُ تركي
|
من
الأعمال مفروضاً عَلَيّا
|
أُحبّ
محمّداً حبّاً شديداً
|
وعبّاساً
وحمزةَ والوَصِيّا..
|
بنو
عمِّ النبيّ وأقربوه
|
أَحَبُّ
الناسِ كلِّهم إليّا
|
هَوَىً،
إخترتُه منذ استدارتْ
|
رحى
الإسلامِ لم يعدل سويّا
|
فإنْ
يَكُ حُبُّهم رشداً أُصِبْهُ
|
ولستُ
بِمُخطئٍ إنْ كان غيّا
|
فلما سمعوا البيت
الأخير قالوا: شككت!
فقال: ألم تسمعوا إلى
قوله تعالى: ﴿..وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾
(سبأ:24)، أفترون الله عزّ وجلّ شكّ؟!
* ودخل على معاوية
بالنخيلة (النخيلة: موضع قرب الكوفة على سمْت الشام وهو الموضع الذي خرج إليه
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لمّا بلغه ما فُعل بالأنبار من قتل عامله عليها،
وخطب خطبته المشهورة في ذمّ أهل الكوفة) فقال له: أكنتَ ذُكرت للحكومة بيني وبين
عليٍّ قبل أبي موسى؟
قال: نعم.
قال: فلو تولّيتها ما
كنت صانعاً؟
قال: كنتُ أجمع ألفاً
من المهاجرين وأبنائهم، وألفاً من الأنصار وأبنائهم، ثم أقول: يا معشرَ مَن حضر؛ أَرَجُلٌ
من المهاجرين السابقين أحقُّ بالخلافة أم رجلٌ من الطُّلقاء؟ فلعنَه معاوية.
* ولمّا قُتل عليّ عليه
السلام، قال أبو الأسود:
ألا
أبلِغْ معاويةَ بنَ حربٍ
|
فلا
قرّتْ عيونُ الشامتينا
|
أفِي
الشّهرِ الحرام فَجَعتمونا
|
بخيرِ
الناسِ طرّاً أجمعينا
|
قتلتم
خيرَ مَن رَكِبَ المطايا
|
وخَيَّسَها،
ومَن رَكِبَ السّفينا...
|
إذا
استقبلتُ وجهَ أبي حسينٍ
|
رأيتُ
البدرَ راقَ الناظرينا
|
لقد
علمتْ قريشٌ حيث كانت
|
بأنك
خيرُها حَسَباً ودِينا
|
(من قصيدة 22 بيت
مطلعها: ألا يا عينُ ويحكِ فاسعدينا/ ألا فابكي أميرَ المؤمنينا)
* و قال زياد (ابن
أبيه) لأبي الأسود: كيف حبّك لعليّ؟
قال: حبّاً يزداد له
شدّة كما يزداد بُغضك له شدّة ويزداد لمعاوية حبّاً، وأَيْمُ اللهِ إنّي لَأُرِيدُ
بذلك الآخرة وما عندَ الله، وإنك لَتريد بما أنتَ فيه الدنيا وزُخرفَها، وذلك زايلٌ
عنك بعد قليل.
فقال له زياد: أنت شيخٌ
قد خرفتَ، ولولا أنني لم أتقدّم إليك في هذا لأنكرتني.
فقال أبو الأسود:
غضبَ
الأميرُ بأنْ صدقتُ وربّما
|
غضبَ
الأميرُ على البريء المسلمِ..
|
اللهُ
يعلمُ أنّ حبّي صادقٌ
|
لبَني
النبيّ وللوصيّ الأكرمِ
|
ثم قال له: مَثلي وَمثلك
في عليٍّ عليه السلام كقول الشاعر:
خليلان
مختلفٌ همّنا
|
أريد
العلاءَ ويبغي الثّمَنْ
|
أريدُ
دماءَ بني مازنٍ
|
وراقَ
المعلّى بياضُ اللّبَنْ
|
هاشم المرقال
* هاشم بن عتبة بن أبي
وقّاص الأسلمي الزهري، قُتل بصفّين سنة 37 هجرية، وكان صاحب رايةَ عليٍّ عليه
السلام ليلةَ الهرير. وقال لمّا قُتل عثمان: هذه يميني لعليّ وشمالي لي، وقد بايعتُه،
وكان بالكوفة، وقال:
أبايعُ
غيرَ مكترثٍ عليّا
|
ولا
أخشى أميراً أَشْعَرِيّا
|
أبايعُه
وأعلمُ أنْ سأُرضِي
|
بذاكَ
اللهَ حقّاً والنبيّا
|
* ودخل على أبي موسى
الأشعري، وهو أمير الكوفة يومئذ، فقال: يا أبا موسى، بايعْ لخير هذه الأمّة بعد
نبيّها؛ عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
فقال: لا تَعجلْ حتّى
تنظرَ ما يصنعُ الناس، وعلى مَن يكون اجتماعهم.
فخرج من عنده وهو واضعٌ
يدَه اليمنى على اليسرى، يقول: هذه بيعتي لخير الأمّة بعد نبيّها؛ عليّ بن أبي
طالب عليه السلام. وأتى منزله فجرّدَ معه من بنيه مَن كان منهم قد أنبتْ، وخرج بهم
إلى أمير المؤمنين إلى ذي قار (ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة بينها وبين واسط)
فكان أولَ مَن قدِمَ عليه، واستُشهد بين يديه في صفّين.
خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين
* خزيمة (ذو
الشهادتين) بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة... قُتل في صفين عام 37 هجرية. محدّث
شاعر، من كبار الصحابة شهِدَ المشاهد. وجعل النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
شهادته شهادةَ رجلين.
* روى عبد الرحمن بن
أبي ليلى، قال: كنت بصفيّن فرأيتُ رجلاً أبيض اللحية، معتمّاً متلثّماً ما يُرى
منه إلا أطراف لحيته، يقاتل أشدّ قتال، فقلت: يا شيخ، تقاتل المسلمين؟ فحسر لثامَه،
وقال: أنا خزيمة، سمعتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، يقول: «قاتِلْ
مع عليٍّ جميعَ مَن يُقاتل».
* وحين قُتل رثتْه
ابنته ضبيعة، وكانت شاعرة من شواعر العرب بقولها:
عينُ
جُودي على خزيمةَ بالدمعِ
|
قتيلِ
الأحزابِ يومَ الفراتِ
|
قتلوا
ذا الشهادتين عتوّاً
|
أدركَ
اللهُ منهم بالشّراتِ
|
قتلوه
في فتيةٍ غيرِ عُزَّلٍ
|
يُسرعون
الركوبَ للدّعواتِ
|
نَصروا
السيّدَ الموفّقَ ذا العد
|
لِ
ودانوا بذاكَ حتّى المماتِ
|
لعنَ
اللهُ معشراً قتلوه
|
ورماهم
بالخِزي والآفاتِ
|
* ولخزيمة:
إذا
نحنُ بايعنا عليّاً فحَسْبُنا
|
أبو
حسنٍ ممّا نخافُ من الفِتنْ
|
وَجدناه
أولى الناسِ بالنّاسِ إنّه
|
أطَبُّ
قريشٍ بالكتابِ وبالسُّنَنْ
|
وإنّ
قريشاً ما تشقّ غبارَه
|
إذا
ما جرى يوماً على الضَّمْر البُدَنْ
|
وفيه
الذي فيهم من الخيرِ كلِّه
|
وما
فيهم بعضُ الذي فيه من حسَنْ
|
* وله أيضاً:
ما
كنتُ أحسبُ هذا الأمر منتقلاً
|
عن
هاشمٍ ثمّ منها عن أبي الحسنِ
|
أليسَ
أوّلَ مَن صلّى لقبلتِكم
|
وأعلمَ
الناسِ بالقرآنِ والسُّنَنِ
|
وفيه
ما فيهم لا يَمترون به
|
وليسَ
في القومِ ما فيه من الحُسنِ
|
* وله أيضاً:
أبا
حسنٍ تَفديكَ نفْسي وأُسرتي
|
وكلُّ
بَطيءٍ في الهدى ومُسارعِ
|
أيذَهبُ
مدحٌ من محبِّكَ ضايعاً
|
وما
المدحُ في جنبِ الإلهِ بضايعِ
|
فأنتَ
الذي أعطيتَ إذْ كنتَ راكعاً
|
عليٌّ
فَدَتْكَ النفسُ يا خيرَ راكعِ
|
فأنزلَ
فيكَ اللهُ خيرَ ولايةٍ
|
وبيّنَها
في مُحكماتِ الشرايعِ
|
* وله:
فديتُ
عليّاً إمامَ الورى
|
سراجَ
البريّةِ مأوى التُّقى
|
وصيُّ
الرسولِ وزوجُ البتولِ
|
إمامُ
البريّةِ شمسُ الضُّحى
|
تصدّق
خاتمَه راكعاً
|
فأَحْسِن
بفعلِ إمامِ الورى
|
ففضّلَه
اللهُ ربُّ العبادِ
|
وأنزلَ
في شأنِه (هل أتى)
|
قيس بن سعد بن عبادة
* قيس (أبو عبد الله) بن سعد بن عبادة الأنصاري،
المتوفّي سنة 60 هجرية.
* كان يقوم من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
مقامَ صاحب الشرطة، وكان في بعثٍ فيه أبو بكر وعمر غازين فأرملوا، فكان قيس يستدين
ويُطعمهم ويوسع عليهم، فقال أبو بكر وعمر: إنْ تركنا هذا الفتى أهلكَ مالَ أبيه
بما تديّن عليه وأنفق علينا، فلو مشينا في الناس نجمعُ له العوضَ بما أنفق.
قال: فصلّى النبيّ صلّى
الله عليه وآله وسلّم يوماً، فقام سعد بن عبادة خلفه، فقال: مَن يعذرُني من ابن
أبي قحافة وابن الخطاب يريدان أن يبخلا على ابني.
* ولما نشر عليٌّ عليه
السلام لواءه يوم صفّين، قال قيس: هذا واللهِ اللواءُ الذي كنا نحفّ به مع رسول
الله صلّى الله عليه وسلّم، وجبريلُ لنا مدد، ثم قال:
هذا
اللواءُ الذي كنّا نحفُّ به
|
مع
النبيّ وجبريلٌ لنا مَدَدُ
|
ما
ضرَّ مَن كانتِ الأنصارُ عيَبته
|
أنْ
لا يكون له مِن غيرهم عددُ
|
قومٌ
إذا حاربوا طالتْ أكفُّهم
|
بالمشرفيّة
حتّى يُفتَح البلدُ
|