خير البريّة .. عليّ وشيعته
موجز في تفسير سورة البيّنة
ـــــــــــــــــ
إعداد: سليمان بيضون ـــــــــــــــــ
* السورة
الثامنة والتسعون في ترتيب سوَر المُصحف الشريف، نزلت بعد «الطلاق».
* سُمّيت بـ«البيّنة»
لكونها موضوع السورة، وقد
ورد هذا التعبير في الآيتين الأولى والرابعة منها.
* آياتها ثماني، وهي
مدنيّة، وجاء في الحديث النبويّ الشريف: «..وما من عبد يقرأها بليل إلّا بعث الله
ملائكة يحفظونه في دينه ودنياه ويدعون له بالمغفرة والرحمة..».
* ما يلي موجز في التعريف بهذه السورة المباركة اخترناه
من تفاسير: (نور الثّقلين)، و(الميزان)، و(الأمثل).
|
المشهور أنّ هذه السورة
نزلت في المدينة، ومحتواها يؤيّد ذلك، إذ تحدّثت في مواضع متعدّدة عن أهل الكتاب، والمسلمون
واجهوا أهل الكتاب في المدينة غالباً. إضافة إلى ذلك فإنّ السورة تحدّثت عن الصلاة
والزكاة، والزكاة -وإن شرّعت في مكّة- اتّخذت طابعها الرسمي الواسع في المدينة.
محتوى السورة
تناولت السورة رسالة النبيّ
صلّى الله عليه وآله وسلّم وما فيها من دلائل بيّنة، هذه الرسالة التي كان أهل الكتاب
ينتظرونها، وحين ظهرت أعرض عنها فريق منهم لما وجدوا فيها من خطر على مصالحهم الشخصية.
والسورة تقرّر حقيقة وجود
الإيمان، والتوحيد، والصلاة، والصيام في كلّ الأديان ودعوات الأنبياء باعتبارها أصولاً
ثابتة خالدة.
وفي مقطع آخر من السورة
بيان عن مواقف أهل الكتاب والمشركين تجاه الإسلام، فبعضهم آمن وعمل صالحاً فهو خير
المخلوقات، وبعضهم كفر وأشرك فهو شرّ البرية.
وقد أطلق على السورة -لمناسبة
ألفاظها- أسماء متعدّدة، أشهرها: «البيّنة»، و«لم يكن»، و«القيّمة».
ثواب قراءتها
* عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال:
«لو يعلم الناس ما في ﴿لَمْ يَكُنْ﴾ لعطّلوا الأهل والمال وتعلّموها. فقال رجل
من خزاعة: ما فيها من الأجر يا رسول الله؟ فقال صلّى الله عليه وآله: لا يقرأها
منافق أبداً، ولا عبدٌ في قلبه شكّ في الله عزّ وجلّ، والله إنّ الملائكة المقرّبين
لَيقرؤونها منذ خلق الله السماوات والأرض لا يفترون عن قراءتها، وما من عبد يقرأها
بليل إلّا بعث الله ملائكة يحفظونه في دينه ودنياه، ويدعون له بالمغفرة والرحمة، فإن
قرأها نهاراً أعطي عليها من الثواب مثل ما أضاء عليه النهار وأظلم عليه الليل».
* وعنه صلّى الله عليه
وآله وسلّم: «..ومن قرأها كان يوم القيامة مع خير البريّة مسافراً ومقيماً».
* عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: «من
قرأ سورة ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ﴾ كان بريئاً من الشرك، وأُدخل في دين محمّد صلّى الله
عليه وآله وسلّم، وبعثه الله عزّ وجلّ مؤمناً، وحاسبه حساباً يسيراً».
تفسير آيات
منها
قوله تعالى: ﴿لَمْ يَكُنِ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ
الْبَيِّنَةُ﴾ الآية:1.
الإمام الباقر عليه السلام:
«البيّنة، محمّد صلّى الله عليه وآله».
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ
آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ الآية:7.
* النبي صلّى الله عليه
وآله: «أنا أفضل من جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ومن جميع الملائكة المقرّبين، وأنا
خير البريّة، وسيّد ولد آدم».
* أمير المؤمنين عليه السلام:
«قُبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنا مُسنده إلى صدري، فقال: يا عليّ!
ألم تسمع قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ
هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾؟ هم شيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض، إذا اجتمعت الأمم للحساب
يُدعون غرّاً محجلين».
* الإمام الباقر عليه السلام:
«قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لعلّيّ "..": هم أنت وشيعتك، وميعادكم الحوض إذا
حشر الناس جئت أنت وشيعتك شباعاً مَرويين غرّاً محجّلين».
* عن جابر بن عبد الله
الأنصاري قال: كنّا عند النبي صلّى الله عليه وسلم، فأقبل عليّ، فقال النبيّ صلّى الله
عليه وآله: «والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت
﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾،
فكان أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا أقبل عليّ قالوا: جاء خير البريّة».
قال المفسّرون
«تفسير
الميزان»: قوله
تعالى: ﴿..يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ البينة:2-3. الصحف
جمع صحيفة وهي ما يكتب فيها، والمراد بها أجزاء القرآن النازلة، وقد تكرّر في كلامه
تعالى إطلاق الصحف على أجزاء الكتب السماوية ومنها القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿فِي
صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ﴾ عبس:13-14. والمراد بكون الصحف مطهّرة
تقدّسها من قذارة الباطل بمسّ الشياطين، وقد تكرّر منه تعالى أنّه حقّ مصون من مداخلة
الشياطين، وقال: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ الواقعة:79.
والكتب جمع كتاب ومعناه
المكتوب، ويُطلق على اللوح والقرطاس ونحوهما المنقوشة فيها الألفاظ، وعلى نفس الألفاظ
التي تحكي عنها النقوش، وربما يطلق على المعاني بما أنّها محكيّة بالألفاظ، ويطلق أيضاً
على الحكم والقضاء، يقال: كتب عليه كذا أي قضى أن يفعل كذا، قال تعالى: ﴿..كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيَامُ..﴾ البقرة:183، وقال: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ..﴾ البقرة:216.
والظاهر أنّ المراد بالكتب
التي في الصحف الأحكام والقضايا الإلهية المتعلّقة بالاعتقاد والعمل، ومن الدليل عليه
توصيفها بـ«القيّمة»، فإنّها من القيام بالشيء بمعنى حفظه ومراعاة مصلحته وضمان سعادته،
قال تعالى: ﴿..أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ..﴾
يوسف:40، ومعلوم أنّ الصحف السماوية إنّما تقوم بأمر المجتمع الإنساني وتحفظ مصلحته
بما فيها من الأحكام والقضايا المتعلّقة بالاعتقاد والعمل.
«تفسير الأمثل»: تذكر
الآيات مجموعتين من الناس مختلفتين في موقفهما من الدعوة «كافرة» و«مؤمنة»، تذكر الكافرين
أوّلاً بالقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ
فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾
البينة:6. وإنّما قال «كفروا» لكفرهم بالدين المبين، وإلّا فإنّ كُفرهم ليس بجديد.
وعبارة «أولئك هم شرّ البرية» عبارة قارعة مثيرة، تعني أنّه لا يوجد بين الأحياء وغير
الأحياء موجود أضلّ وأسوأ من الذين تركوا الطريق المستقيم بعد وضوح الحقّ وإتمام الحجّة،
وساروا في طريق الضلال.
الآية التالية تذكر المجموعة
الثانية، وهم المؤمنون، وتقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ البينة:7. والآية التالية تذكر جزاء هؤلاء المؤمنين،
وما لهم عند الله من مثوبة: ﴿جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا..﴾ البينة:8. يلاحظ أنّ الحديث
عن المؤمنين مقرون بذكر الأعمال الصالحة باعتبارها ثمرة دوحة الإيمان. وفي ذلك إشارة
إلى أنّ ادّعاء الإيمان وحده لا يكفي، بل لا بدّ من أن تشهد عليه الأعمال الصالحة.