﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ
بَعْدَ إِصْلَاحِهَا..﴾
أصلحها الله تعالى بنبيّه صلّى
الله عليه وآله
_____ السيّد محمّد حسين الطهراني قدّس سرّه _____
قال الله الحكيم في كتابه الكريم: ﴿وَالْبَلَدُ
الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ
إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ الأعراف:58.
وقال سبحانه قبل هذه الآية: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ
رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ
فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ
نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ الأعراف:57.
قال سماحة العلاّمة
الطباطبائي في البحث الروائيّ للآيات:
«في (الكافي) بإسناده عن ميسّر،
عن أبي جعفر (الإمام الباقر) عليه السلام، قال:
قُلْتُ قَوْلُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ
إِصْلَاحِهَا..﴾؟ (الأعراف:56)
قَالَ، فَقَالَ: يَا مُيَسّرُ إِنَّ الأَرْضَ كَانَتْ فَاسِدَةً فَأَصْلَحَهَا الله
عَزَّ وجَلَّ بِنَبِيِّه صلّى الله عليه وآله وسلّم، فَقَالَ: ﴿وَلَا
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا..﴾.
وفي (الدرّ المنثور): أخرج أحمد،
والبخاريّ، ومسلم، والنسائيّ، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله
صلّى
الله عليه [وآله] وسلّم:
مَثَلُ
مَا بَعَثَنِيَ اللَهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ
أَصَابَ أَرْضَاً، فَكَانَتْ مِنْهَا بَقَيَّةٌ قَبَلَتِ المَاءَ فَأَنْبَتَتِ
الكَلاَءَ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ. وَكَانَتْ
مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ المَاءَ فَنَفَعَ اللَهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا
وَسَقَوا وَزَرَعُوا. وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةً أُخرَى إنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ
مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلاَءً. فَذَلِكَ
مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَهُ بِهِ،
فَعَلِمَ وَعَلَّمَ؛ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأساً وَلَمْ يَقْبَلْ
هُدَى اللَهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ».
أجل، إنّ تفسير البلد
الطيّب بعلم النبيّ والإمام وهدايتهما، وتفسير إصلاح الأرض بعد مجيء الرسول
والإمام وأمثالهما، ليسا من المعاني التأويليّة للآيات المباركة، بل مفاد
العمل بظهور المعاني الظاهريّة للقرآن الكريم وبيانها، إذ إنّ معنى الأرض الصالحة المستعدّة
ومفاد الإفساد في الأرض بعد إصلاحها يتيسّران للإنسان ويتبادران إلى الذهن في أوّل وهلة،
ولا حاجة إلى
جرّ المعنى الظاهر إليى الباطن واستخراج التأويل.
إنّ وجود الائمّة الطاهرين
سلام الله عليهم أجمعين أرض فسيحة شاسعة من العلم والعقل والدراية
والفطنة والهداية، يخرج فيها نبات طيّب حَسَن، فيُتحف الدنيا بثمار حلوة
ريّانة نافعة، وفواكه ثمينة وأدوية وعقاقير لمعالجة الأمراض ورفع العلل
والأسقام.
ولا فائدة للعالم البشريّ والمجتمع الإنسانيّ من وجود المخالفين
والمعاندين والمكابرين.
ذلك أنّ الأئمّة المعصومين بعيدون عن الهوى، والتغطرس، وحبّ الذات،
والدعوة إلى النفس وجعلها محوراً. فما عندهم يترشّح من
نفوس طاهرة صفيّة زكيّة متّصلة بعالم النور، والتجرّد، والعرفان الإلهيّ،
والتوحيد الربوبيّ.
ومن الواضح أنّ الظُّلمة لا تترشّح من
النور، والقُبح لا يُولَد من الحُسن، والخبيث لا يخرج من الطيّب. أي: لا يسري من الله
تعالى
وأصفيائه المخلصين إلى العالم الخارجيّ إلاّ
العلم الحقيقيّ اللدنّيّ الخالد الثابت الأصيل.
_______________________
* من كتابه (معرفة الإمام) الجزء 18