وَالنِّيَّةُ
أَفْضَلُ مِنَ العَمَلِ
إنّ كمال الأعمال ونقصها تابع لكمال النية ونقصها، لأنّ
النيّة هي الصورة الفعلية، والناحية الملكوتية للعمل.
*****
في الحديث الشريف: «وَالنِّيَّةُ أَفْضَلُ مِنَ العَمَلِ، ألا وَإِنَّ النِّيَّةَ هِيَ العَمَلُ». واحتمل بعض أنّ هذا المعنى مبالغة، ولكنه ليس بشيءٍ من
المبالغة، بل مبني على الحقيقة، لأنّ النية هي الصورة الكاملة للعمل، والفعل
المحصِّل له، وصحّة العمل وفساده وكماله ونقصه، مرتبط بالنية.
كما أنّ عمل شخص واحد لاختلاف نيّته قد يكون تعظيماً
للغير، وقد يكون توهيناً له، وقد يصير تاماً بها، وقد يصير ناقصاً لفقدانها، وقد
يكون من سنخ الملكوت الأعلى وله صورة بهيّة جميلة، وقد يكون من سنخ الملكوت السفلى
وله صورة موحشة مخيفة.
إنّ ظاهر صلاة عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وظاهر صلاة
المنافق متضاهيان في الأجزاء والشرائط والشكل الظاهري، ولكن هذا يعرج بعمله إلى
الله، ولصلاته صورة ملكوتية عليا، وذاك يغور في أعماق جهنم، ولصلاته صورة ملكوتية
سفليّة.
وعند تقديم أهل بيت العصمة عليهم السلام، للفقير أقراصاً
من خبز الشعير لوجه الله، تنزل من عند الله سبحانه آيات كريمة في الثناء عليهم،
ويحسب الإنسان الجاهل أنّ تحمّل الجوع ليومين أو ثلاثة أيام ودفع الطعام إلى
الفقير أمراً مهماً، رغم أنّ مثل هذه الأعمال يمكن أن تصدر من كل شخص، من دون
صعوبة.
في حين أنّ أهمية هذا العمل تكمن في القصد الخالص والنية
الصادقة. إنّ روح العمل القوية واللطيفة،
والتي تنبعث من القلب السليم الصافي، هي مصدر هذه الأهمية القصوى.
لا فرق بين المظهر الخارجي للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
وكافة الناس، ولهذا عندما كان يدخل عليه، صلّى الله عليه وآله وسلّم، شخص من خارج
المدينة، وكان عليه الصلاة والسلام جالساً مع مجموعة من المسلمين، يسأل الوافد: أيّكم النبيّ؟ إنّ الذي يفضّل النبّي صلّى الله عليه وآله
وسلّم على غيره، هو روحه الكبيرة، القوية، اللطيفة لا جسمه المبارك وبدنه الشريف.