الحواسّ الظاهرة والباطنة*
____ ابن فهد الحلّي ____
الحواس الظاهرة، وهي خمسة:
الأول: السّماع، ومحلّه الصّماخ، وهو العصب المفروش داخل الاذن شبيه
بجلد الطبل، فإذا حصل الصوت من قرع أو قلع تموج الهواء المجاور له وتدافع حتى يصل
إلى سطح الصماخ، فتدركه القوة المودعة فيه.
الثاني: الإبصار، وهو يحصل بانطباع صورة المرئي في العين، أو بخروج
شعاع من العين على شكل مخروط رأسه العين وقاعدته سطح المرئي على اختلاف المذهبين.
الثالث: الشمّ، ومحلّه قوّة مودعة في زائدتين شبيهتين بحلمتي الثديين
في مقدم الدماغ، فإذا تكيّف الهواء برائحة ذي الرائحة وتدافع دخل الأنف، وفي آخره
عظم فيه ثقب ومشامّ، وينفذ منه إلى القوّة الشامة فيدركه.
الرابع: الذوق، ومحلّه القوّة المودعة في جرم اللسان، وخلق اللَّه
سبحانه تحت اللسان نقبتين يولدان اللعاب، وإذا تكيّف الريق بطعم ذي الطعم نفذ في
مشامّ اللسان حتّى يصل إلى القوة الذائقة المودعة فيه فيدركه.
الخامس: اللمس، ومحلّه ظاهر البشرة، أودع اللَّه سبحانه قوة سارية في
سائر الجلد الحيوان يدرك بها التفرقة بين الحارّ والبارد، والرطب واليابس، والخشن
والأملس، وهو أنفع الإدراكات.
القسم الثاني: في الحواس الباطنة، وهي خمسة
الأول: الحسّ المشترك، ويسمى نبطاسيا، وشأن هذه الحاسّة إدراك
الخيالات الظاهرة بالتأدّي إليها، ومحلّها البطن الأوّل من الدماغ.
الثاني: الخيال، وهي معينة للحسّ المشترك بالحفظ، ويرتسم فيها مثل صور
جميع المحسوسات بعد عيانها عن الحواس الظاهرة، وهي خزانة الحسّ المشترك، فتلك
مدركة للصور وهذه حافظة لأمثلتها بعد عيانها، والأولى قابلة والثانية حافظة.
الثالث: الوهم، وهي قوّة تدرك بها النفس معانٍ جزئية لم يتنفّذ من
الحواس الظاهرة إليها، كالعداوة، والصداقة، والموافقة، والمخالفة، كإدراك الشاة
معنى في الذئب، وإدراك الكبش معنى في النعجة، فيدرك هذه الأشياء إدراكاً جزئياً
ويحكم بها كما يحكم الحسّ الظاهر بما يشاهده، ومحلّها كلّ الدماغ، لكن الأخص بها
مؤخّر البطن الأوسط.
الرابع: الحافظة، وشأن هذه القوّة حفظ المعاني الجزئية المتأدّية إليها
من الوهم، فالحسّ المشترك يدرك الصورة والخيال يحفظها، والوهم يدرك المعنى الجزئي
والحافظة تحفظه، ومحلّها البطن المؤخّر من الدماغ، ويسمّى أيضا الذاكرة، لأنّ
الذاكرة لا يتمّ إلّا بها.
الخامس: المتخيّلة، وشأن هذه القوّة تركيب الصور المأخوذة عن الحس
المشترك والمعاني المدركة بالوهم بعضها من بعض، كتركيبها صورة إنسان له جناحان،
فتارة تركّب الصورة بالصورة، وتارة تركّب المعنى بالمعنى، وتارة تركّب الصورة
بالمعنى، وكذلك تفصل الصورة عن الصورة، والمعنى عن المعنى والصورة عن المعنى، فإن
كان التصرف بسبب القوّة العقلية سمّيت مفكّرة، وإن كان باستعمال الوهم دون تصرّف
عقلي سمي متخيّلة، ومحلّها مقدم البطن الأوسط من الدماغ.
* (المقتصر من شرح المختصر: ص16)